16‏/06‏/2014

أسئلة الوجود والهُويّة سعوديًّا


عبدالخالق المرزوقي
نشر في صحيفة التقرير :


الأجيال الحالية في السعودية تعيش عصرها الوجودي وقلقه كما عاشتها أوروبا
منذ عقود دون أن يكون ذلك علنيًّا أو يُعرف الكثير عنه أو يدرس من قبل
المتخصصين. لدينا قلقٌ وأسئلةٌ مهمةٌ تدور وسط الجيل الجديد وأزمة هُويّة
كل ما يدور حولنا من نقاشات في وسائل التواصل الاجتماعي تخبرنا بهذا
الوجودية هي تيار فلسفي يؤمن بالحرية في التفكير دون قيود، ولا يحتاج
لموجّه، وتحوي داخلها على عدد من الاتجاهات والأفكار المتباينة. وكما
أنتجت الأسئلة في أوروبا وجوديتين ملحدة كان أبرز ممثليها جان بول سارتر
ومؤمنة كان أبرز وجوهها الفيلسوف الألماني كارل ياسبرز . فإن ذات الأسئلة
لدينا تتجه لإنتاج تيارين ليسا بالضرورة مطابقين لما أنتجتهما في أوروبا.
وأعتقد أن الحديث -مع العلم أنه أغلب الحديث والنقاش محليّا ما زال يدور في
وسائل التواصل الاجتماعي ولم يتحول لنقاش عام ضمن الإعلام التقليدي
أو العالم المفترَض أن يتناول مثل هذه القضايا- عن وجود الإلحاد في العالم
العربي عامّة والسعودية خاصة في الفترة الحالية، ولا أصفه بالظاهرة؛ فهناك
مبالغات إعلامية أو الشك والتساؤل وهما الكلمتان المناسبتان أكثر من كلمة إلحاد
كما أرى أمرًا طبيعيًّا جدًّا نتيجة لوجود عوامل عديدة. فنحن كمجتمع سعودي
خاصة نمرّ بمرحلة انتقال كبرى بين عصرين وثقافتين مختلفين، ننتقل من
عصر تلقين وخطاب سياسي وثقافي وديني واحد ومليء بالآباء في الثقافة
والفكر والدين، وتديّن عاطفي لا يحترم العقل.

وبعد التغيرات التي فرضت علينا وتسارعها في السنوات الأخيرة بفعل
التكنولوجيا وانفتاح الجميع على العالم وكل الأفكار المطروحة في العالم فإن
الأجيال الشابة تجد نفسها متروكة لتواجه أسئلتها لوحدها نتيجة لضعف
الأطروحات والخطابات الفكرية والدينية وضعف وقلة الحصيلة الفكرية لدى
حامليها وعدم تقديمها ما يقنع أحدًا، صاحبَ ذلك وترافقَ معه الخروج الكامل
من مرحلة دينية اعتمدت على العاطفة الدينية وإثارة المشاعر والبكائيات
لترسيخ تدين اجتماعي وانغلاق فكريّ لم يعد قادرًا على مواجهة الأسئلة المثارة
حتى من داخل المجموعات التي ما زالت متمسّكة به كما هو، وتقديم إجابات
تستند على ثقافة جديدة تقوم على عقل ومنطق مقبول من شرائح جديدة. وجدَ
ذلك الخطاب نفسه عاجزًا أمامها؛ فكيف سيكون حاله كلما تقدمنا نحو المستقبل
حين يواجه المزيد من التحديات الفكرية والمزيد من الانفتاح الفكري والاجتماعي
على السواء والذي لا يمكن منعه أو منع الوصول إليه ولا منع تأثيره؟

إضافةً لسبب يضاعف أسئلة المرحلة التي نمرّ بها، وهو أنّنا نعيش مرحلة هزيمة حضارية كعرب على كافة المستويات الثقافية، السياسية، الإقتصادية، العلمية…
نعم عمرها طويل، لكنّنا الآن لم نعد قادرين على إخفائها أو تجميلها بتسميتها
بغير اسمها. نحن في مرحلة انكشاف كامل، علينا الاعتراف بهذا. وساهمت
الثورات العربية في توضيح هذا الانكشاف وتعريته وتعرية ما يسمّى “النخب”
في كل المجالات دون استثناء أمامنا. وفي مثل هذه الأوضاع، تكثر التساؤلات
والشكوك حول كل شيء: الله، الدين، الهوية، الثقافة، الحياة، الوطن، وغيرها.
وهذا ليس خاصًّا بنا كعرب أو مسلمين؛ بل هو أمر طبيعي تمرّ به كل
المجتمعات في حال انتقالها من مرحلة ثقافية لأخرى أو حال مواجهتها لهزيمتها
أمام حضارات أخرى.

القضية، أعتقدُ، ليست الوقوف أمام بعض الأسئلة التي تطرح وتجاهلها
أو استنكارها أو اتهام مَن يطرحها حتى لو كان السؤال من نوع وجود الخالق
من عدمه، بل علينا فهم وتفهّم أسباب ودوافع طرح تلك الأسئلة وكثرة الآراء
المتواجهة مع الدين حاليًا. نحن في حراك فكري حقيقيّ، قد ينتج وقد لا ينتج
ثورات ثقافية، لكنه بالتأكيد يحرّك التغيير، يقودنا للأمام. الثورة حالة جذريّة
تزيل كل ما تمر به، ولا أعتقد أن المجتمع جاهز لهذا أو حتى متّجه إليه؛ نحن
نتغير، لكن ببطء، وبحاجة لزيادة سرعة التغيير والحراك وتداولية واعية
ومدركة تواكب مجتمعها وتتغير معه. الحراك وتداول الأسئلة الفكرية في العقود
الماضية كان على مستوى (النخب).

لكن حاليًا الحراك على مستويات أوسع وقاعدته أكثر شبابًا. وهم قادمون من
خلفيات متنوعة، وكلّ ما كان الانفتاح أكثر اتساعًا كان الحراك كذلك، وزيادة
الحراك تزيد الانفتاح وهكذا هي علاقة طردية. المعضلة هي أن مؤسسات الدولة 

الرسمية لن يرضيها أيّ حراك هي غير مسوقة له ليس هذا فقط، بل تريد أن يكون
مقيدًا بأجندتها هي، وهي من تحدّد مجاله ومداه، وهذا يمكن أن يحدث في البدايات

بالنسبة للحراك داخل المؤسسات الرسمية. لكنّ خارجها وعبر وسائل التواصل
هي لن تكون قادرة على التحكم به. وحين يسير المجتمع للسياسية، تبدأ التغيرات
داخله بالظهور على الأرض وستضطر هي لزيادة سرعتها لمواكبته، وتغيير استراتيجيتها وخطابها سواء السياسي أو الديني، وأمام المؤسسات الرسمية
السياسية، الثقافية، الدينية.

القضية المهمّة كما أرى هي كيفية امتلاك الحرية والانفتاح لتقبل طرح تلك
الأسئلة من ناحية، وامتلاك القدرة على تقديم إجابات مقنعة لطارحيها من جهة
أخرى، وأن يكون بمقدور طارح الأسئلة والمجيبين عليها امتلاك الأدوات العلمية 

الفكرية التي تمكّنهم من النقاش والإقناع لبعضهم، وهذا يتطلب عملًا كبيرًا جدًّا
وتأسيسيًّا لتغيير بنيه كاملة سياسية، ثقافية، دينية… عمرها عقود من الزمن
والتأسيس لبناء جديد على أسس جديدة.


http://altagreer.com/%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B2%D9%88%D9%82%D9%8A-%D8%A3%D8%B3%D8%A6%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%88%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%8
7/