28‏/05‏/2015

هل توجد في الإسلام دولة دينية ؟



عبدالخالق مرزوقي

هل توجد في الإسلام دولة دينية ؟

الدولة- أي دولة - ينشئها المجتمع حسب تكوينه، المستمد من ثقافته
وتاريخه وبيئته الإجتماعية، لذا العلمانية بما انها نتاج لثقافه معينة
تناسبت مع ثقافة منتجيها وليس بالضرورة أن تتناسب مع ثقافة
وتاريخ وحضارة مجتمعات اخرى فإذا كانت تتمايز داخل أوروبا
بين الدول فكيف لمجتمعات تنتمي لثقافة مختلفة، علينا ابتكار
نموذجنا الخاص.

ولا يمنع الإستفادة من منتج حضاري لثقافة اخرى بإستيعابه
وتبيئته لا استنساخه.

نعم الدولة مدنية في الإسلام، ينشئها المجتمع لا الدين. فالدين يضع
اسس البناء واطره العامة، أما ما عداه فهو شأن الناس من شكل النظام
السياسي للمؤسسات للدستور لتكوين السلطة وطريقة اختيارها وتغييرها
لنظامها الإقتصادي كله متروك حسب ثقافتها وعلمها وزمانها ومكانها
وبيئتها الإجتماعية وتطور مدارك الإنسان بعض العلمانيين العرب يتوهم في
 موضوع فصل الدين عن الدولة أو يقرأ تاريخ أوروبا قراءة أيديوجية

فأوروبا لم تحكم بالدين يوما بل كانت تحكم بالقوانين الرومانية عبر
الكنيسة، أي حكمتها الكنيسة وليس الدين، والمسيحية لا تتحدث عن
الدولة اساسا. والفصل كان بين سلطة الدولة وسلطة الكنيسة
في الإسلام الموضوع مختلف، فلا توجد سلطة دينية في اصل الدين
وللدين حديثه في الشأن العام، فلا يوجد فصل تام، ولا هيمنة من
الديني على السياسي اعنى أن النص الديني لم يتدخل في تفاصيل
الفعل والتنظيم السياسي، بل وضع اطر عامة

22‏/05‏/2015

الدولة لدى السلفي السني والشيعي - المفهوم والبنيه





الدولة لدى السلفي السني والشيعي





محاولة لفهم الأسس التي شكلت النظرة للدولة والسلطة لدى السلفيتين السنية 
والشيعية

عبدالخالق

نشر في صحيفة التقرير

لا يمكن فهم العلاقة والنظرة التي تنظر بها السلفيات، والفرد الذي يأتي 
إلى الدولة كمفهوم، أو إلى الممارسة السياسية، من خلفية فكرية ثقافية 
صنعتها (حصرًا) 

الرؤية الدينية السلفية، سواء السنية أو الشيعية؛ دون العودة إلى 
الأسس الثقافية والاجتماعية وظروف البيئة السياسية التاريخية، التي 
شكلت بداية تبلور مفاهيم الدولة والسلطة لدى كل من السلفيتين، والعوامل
 النفسية التي غذت ذلك لاحقًا وما زالت.


ودون محاولة فهم تاريخ علاقة كل طرف بالدولة أو السلطة منذ نشأتها 
في الإسلام وانعكاس هذه العلاقة على الأفراد الذين يحصرون أنفسهم 
بذلك التاريخ، وأتحدث هنا تحديدًا عن السلفيتين السنية والشيعية لأهميتهما 
حاليًا ولحجم ما يُحدِثان من تأثير على الاجتماع والسياسة في واقعنا الحالي
هذه العلاقة يمكن أن نؤرخ لبدايتها لدى الطرفين، ولافتراقها في آن 
واحد، باجتماع السقيفة، أي منذ بداية الخلاف حول تفسير ما حدث فيها.

بمعنى أن بداية تبلور مفهوم الدولة والسلطة، والافتراق والخلاف لدى 
الطرفين يعود في جذوره الأولية إلى بداية واحدة. وهي بداية نشوء 
وتبلور السياسة إسلاميًا وفي تكونها كممارسة عامة، وإن كان التنظير 
لذلك جاء لاحقًا.

لذا؛ فإننا نتحدث عن قضية سياسية قبل أي شيء آخر، وتم إسباغ اللباس
الديني عليها لاحقًا لأسباب سياسية في المقام الأول؛ لإكساب الرؤية
والرواية والممارسة السياسية لكل طرف مشروعية دينية.

يمثل يوم السقيفة، وما تم فيها، النقطة المركزية التي يعود لها كل طرف
ليؤرخ منها بداية تشكيل نظرته ووعيه وروايته عن الدولة والحكم والسلطة
ولو حاولنا العودة لذلك اليوم وقراءة ما شكله لدى كل جماعة سنجد ما يلي:


أن ما يعتبره طرفٌ لحظة تأسيسية لتثبيت دعائم الدولة الإسلامية الوليدة
ويمنحها الشرعية الدينية والسياسية للاستمرار بعد عهد المؤسس -الرسول
صلى الله عليه وسلم- يعتبره الطرف الثاني لحظة الانقلاب على أسس
الإسلام ذاته، وعلى إرث الرسول والرسالة، وخروج غالبية شهودها ليس
على الشرعية فقط بل عن الدين ذاته، في القراءات الأكثر تطرفًا، وما زالت
السلفيتان لم تغادرا تلك الرؤية لليوم.


السلفية السنية



شكل ذلك اليوم لدى الطرف السني بشكل عام حسمًا لعدة أمور، منها: أن أمر
 الدولة والحكم لا يرتبط بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا بسلالته
 أو بنص ديني يحدد من له السلطة؛ بل هو أمر متروك للأمة، وبالتالي نزعت
 صفة (القداسة الدينية)، ابتداءً، عن السلطة، وعن كل من يتولى المنصب، مع 
كل ما يترتب على ذلك ويتفرع منه. ومما يتفرع عن ذلك، التأسيس في الفهم أن
 شرعية رأس الدولة أو الحاكم إذا كانت مكتسبة من الأمة التي اختارته؛ فإنه 
بالتالي من يمنح الشرعية هو أيضًا قادر على نزعها.


في الوقت الذي لم يصل فيه العالم لذلك، إلا بعد التنوير الأوروبي والثورة على
 الكنيسة والملوك في القرون المتأخرة. ومع الأسف، فإن الارتداد السياسي عن 
تلك المبادئ، والذي بدأ مع الدولة الأموية؛ منع استمرار تبلور تلك الممارسة 
عمليًا، وترسيخها في الثقافة السياسية والتي لو استمرت وتم البناء عليها، كانت
ستؤدي لتغيير تاريخ العالم السياسي برمته منذ ذلك الزمن.


وأثر حدوث الردة السياسية عن مبادئ الإسلام في الحكم، كالشورى والاختيار 
من الأمة مع تشكل الدولة الأموية، على الفقه السياسي لدى الجانب السني
وبرزت ممارسات جديدة غير تلك التي جاء بها الإسلام في الدين والسياسة.


أهم الممارسات التي بدأت مع الدولة الأموية وأثرت في كل تاريخ الإسلام 
لاحقًا، هي فرض السياسة لسطوتها على الدين، (الفقه) تحديدًا، أيضًا بداية 
تكَوُن مفهوم "رجل الدين" كذلك تحول السلطة الدينية من النص إلى رجل
الدين، وكان هذا بداية تحول الدين إلى مؤسسة. وكل واحدة من هذه المسائل 
الثلاث بحاجة لبحث مستقل وواسع لوحدها.


وحيث انقسم الفقه السياسي منذ ذلك اليوم إلى عدة مسارات، أحدها مسار رجال
 الدين القريبين من السلطة الذين نظروا للوضع القائم وحاولوا إيجاد تأصيل 
شرعي له؛ لإكساب الفعل السياسي شرعية دينية -فيما كان الإسلام قد جاء 
بعكس ذلك- سواء عبر النصوص مباشرة أو تأويلها، والتركيز على أحاديث 
التمسك بالجماعة والطاعة والتخويف من الفتنة، وإسباغ الهالة الدينية على 
رأس السلطة أي لوي عنق النصوص لتتوافق مع الممارسة. وليس العكس
أي الانطلاق من النص أولًا عبر وعيه، وفهم مقاصده، وعرض الممارسة
عليه لبيان شرعيتها. وشكل هذا جناية على نصوص الدين، وصرفًا لها
عن مقاصدها، وتشريع الاستبداد السياسي دينيًا.


المسار الثاني، رجال دين وفقهاء كانوا أكثر استقلالًا عن السلطة، محاولين
إيجاد تأصيل نظري للسياسة الشرعية -ليس تقديم نظرية سياسية- وتقديمها
كنوع من "النصيحة" المباشرة حينًا وغير المباشرة في أحيان أخرى للسلطة.


ونلحظ أن هؤلاء الفقهاء حين كان الحكام يستبدون بالحكم، كانوا
يتوجهون بنقدهم ومعارضتهم للحاكم كفرد، ولا يسعون لتقويض الدولة
ذاتها، أو الثورة عليها، وقد يعتزلون الحاكم وكل ما يأتي به، لكننا نراهم
عند الحاجة متطوعين في جيوشه.



واشترك أصحاب المسارين -بنسبية بينهما ولأسباب مختلفة- في عدة أمور
كخوف الفتنة -لمفهوم الفتنة دلالات مهمة في السياق الفقهي السني تختلف 
عنها في السياق الفقهي الشيعي مثلًا- والتأكيد على لزوم الجماعة، والتحذير
من الفرقة والتركيز على الضرورة الشرعية لوجود الحاكم لدرجة إيجاد 
مخارج فقهية لمن يستولي على الحكم بالقوة، في حال النزاع، وتفضيل ذلك 
على الفراغ، وكذلك وجود أحداث تاريخية كانت فيها الدولة في حالة 
ضعف شديد مكن أعداءها الداخليين كالثورات أو الخارجيين كالغزو
المغولي، من الاستيلاء على الدولة وارتكاب مذابح في حق المسلمين.

الفرق بين تناول الفريقين لهذه المسائل هو المنطلق؛ فالفريق الأول ركز 
عليها تركيزًا شديدًا من أجل مصلحة السلطة في المقام الأول وخدمة لها
فيما كان منطلق الفريق الآخر هو الحفاظ على جماعة المسلمين
أو ما تسمى بيضة الإسلام


وعلاقة رجل الدين هنا بالسياسة عمومًا مختلفة عنها في المذهب الشيعي
فبالنسبة للجانب السني، تولى كل من رجلي السياسة والدين موقعين
مختلفين، يقتربان حينًا كثيرًا من بعضهما ويفترقان في أحيان أخرى
خاصة بعد عهود الخلفاء الراشدين ولأن السلطة والمال بقيا لرجال
السلطة؛ بقي رجل الدين يمارس دوره كرجل دين فقط، وكانت علاقة
الفرد به هي علاقة لها بعد واحد غالبًا، وهو البعد الديني.


وبعض رجال الدين الذين حاولوا الدخول للعمل في السياسة، مارسوا
ذلك إما من أجل إصلاح السياسة وإما من أجل ترجيح اتجاه فكري
في فهم الدين على آخر وإما طمعًا في مكاسبها.


وفي كل الحالات، ولأن رأي أو فتوى رجل الدين في الجانب السني
لا تتخذ صفة الإلزام، ولعدم وجود السلطة السياسية في يده، في
المرتبة الثانية بعد الحاكم السياسي في التأثير على أمور الدولة؛ إذا لم
يكن تابعًا له غالبًا.


أين يجد السلفي السني دولته المنشودة؟


لدى الجانب السني، السلفي تحديدًا، الدولة المثالية تحققت في الماضي، وهي
في وجدانه دولة قوة وعزة وانتصارات وسطوة على الآخر، ويظل حلمه العودة 
لمثل تلك الدولة، في صورتها الناصعة خاصة حين يقارنها بالحاضر
والمتطرفون والمتشددون منهم نتيجة لضغط الواقع السيئ يتجهون بشكل 
لا واعٍ للعيش (ذهنيًا) في تلك الدولة الماضية، أو محاولة بعثها بالقوة
وهذا ما تحاول التنظيمات المتطرفة القيام به، وهناك جانب آخر يؤثر 
كثيرًا في نظرة السلفي التقليدي لتلك الدولة الماضية، وهو أن ما نقل 
له هو تاريخ الانتصارات ودولة القوة والعزة ولم ينقل له تاريخ الخلافات 
والمؤامرات والنكسات والهزائم، لذا تظل نسبة (المتخيل) لديه تفوق نسبة
الواقع تجاه ذلك التاريخ، لذا يمكن القول إن الجانب السني السلفي يعيش 
من أجل إعادة الماضي في المستقبل لتلك الدولة المتخيلة التي كانت.

الشخصيات لدى السلفي رغم بشريتها، ورغم أن الخطاب يقول بعدم عصمتها
 إلا أن التعامل معها يمنحها نوعًا من العصمة غير المعلنة واللاشعورية؛ بسبب 
قربها من صاحب الرسالة، ومصادر الوحي ومعايشتها له، وبالتالي هي الأقدر 
على فهمه. لذا؛ فإنه حين يقول مثلًا بالسكوت عما شجر بين الصحابة، هذا لأنه 
يعتقد بأن ما حدث بينهم قد حدث وانتهى في ذلك التاريخ، وليس له أثرعلينا 
كذلك ولأنه يخشى لا شعوريًا الانتقال من الحديث عن الخلافات السياسية بينهم
إلى التشكيك في تدينهم وهو ما لا يقبل الشك لديه، وهذا بسبب عدم فصله بين 
الخلاف السياسي والتدين لديهم.


السلفية الشيعية



في الجانب الآخر لدى الشيعة، تم تثبيت القول -لاحقًا، ولأسباب سياسية في المقام
 الأول- بالنص على وجود الأئمة على رأس الدولة، وعصمتهم؛ هذا لا يعني عدم 
شرعية رأس الدولة أو الحاكم فقط، بل عدم شرعية كل سلطة ودولة، وكل ما تقوم
 به من أعمال، منذ وفاة الرسول لليوم، إذا عرفنا أنه لم يحدث أن كان أحد الأئمة 
حاكمًا سياسيًا، ما عدا فترة حكم الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.


وترتب على ذلك عدة أمور مهمة: أولها، عدم الاعتراف بشرعية دينية لأي دولة 
قائمة، منذ يوم (السقيفة). والأمر التالي، هو تسويغ وشرعنة (الثورة) على الدولة
 كلما كانت هناك بادرة أو فرصة سانحة لذلك. الأمر الثالث، هو إهمال الحديث 
عن الدولة القائمة فعليًا والتنظير لها لصالح الحديث عن الأئمة والإمامة
(المتخيلة) وترسخ عقيدة الانتظار لاحقًا.


خاصة أن الفرد في ذلك الزمان لم يكن بحاجة للتعامل مع الدولة في غالب أمور 
حياته اليومية. لذا؛ أصبح المتشيع يعيش بين دولة نظرية (متخيلة) -دولة
المهدي المنتظر- وفي ظل دولة أمر واقع في غير شرعية وفق المقياس 
المذهبي الشيعي للشرعية، وكلما كان وقع السلطة شديدًا عليه؛ كان يلجأ للدولة
المتخيلة، ويعيش ذهنيًا فيها، ويناشد المهدي كي يسرع بالظهور ليعيشها واقعًا.


وهذه ليست ممارسة تاريخية، بل موجودة لليوم؛ ومن قرأ المناقشات التي جرت
بين بعض أعضاء الفيس بوك المنتسبين للمذهب الشيعي في السعودية، قبل أسابيع
على خلفية تعليقات منسوبة للشيخ علي الكوراني حول أحداث اليمن، وربطها 
بقرب ظهور المهدي، وقرأ التعليقات المستبشرة والمناشدة للمهدي بسرعة الظهور
يدرك مقدار ترسخ ذلك الشعور تجاه الدولة -أي دولة- في اللاوعي الجمعي طالما 
أنها ليست دولة المهدي المنشودة.


وما زالت بعض الأدبيات الشيعية الدينية لليوم، وإن بمواربة، تطلق مسمى دولة
 الأمر الواقع على الدول التي يعيش فيها الشيعة ولا تحقق الرؤية الدينية الشرعية 
الشيعية للدولة ورأسها، وتتعامل معها على هذا الأساس.


لذا التعامل مع الدولة من الناحية الدينية وبحكم الاضطرار يتخذ شكلين: أحدهما
وهو المعلن، الاعتراف بوجودها -اعتراف بالوجود لا بالشرعية- ولأنها موجودة
وغالبًا قوية؛ كان لا بد من التعامل معها والانخراط فيها. ومن الجانب الآخر
هناك الدولة المتخيلة، دولة الإمام، التي تشد الإنسان بمثاليتها خاصة في العهود 
التي يزيد فيها القمع والظلم للجماعة، وكلما كانت تلوح بارقة ثورة لإمكانية تحقق
تلك الدولة على أرض الواقع؛ كان يتم الاصطدام بالدولة، وهكذا استمر الوضع 
لقرون لتترسخ روح السخط والمعارضة ومحاولات الثورة داخل وجدان الفرد 
المتشرب لأدبيات وفكر المذهب.

وهذا الموقف من الدولة والخروج المستمر عليها، سواء بشكل واضح كثورة 
أو كممارسة سياسية، ظهر حديثًا حتى أثناء وجود الأحزاب الدينية الشيعية في 
السلطة، بل حتى وهي تسيطر عليها؛ ومن يتابع سلوك حزب الله في لبنان 
وحزب الدعوة والمجلس الأعلى وجماعة الصدر في العراق يعلم هذا.

والملاحظ أنه في إيران هذا الوضع يختلف؛ لأن هناك ثقافة دولة عمرها
عشرات القرون، ولهذا؛ أحيا الخميني القول بولاية الفقيه كي يزاوج بين ثقافة 
الفارسي ووعيه بالدولة، وبين الذهنية الدينية الشيعية تجاه الدولة، ولإلباس 
رجل الدين جزءًا من قدسية وعصمة المهدي، حين أراد أن يحكم رجال الدين 
الدولة.


وكان عدم الاعتراف بالشرعية الدينية للدولة، ووجود الدولة في الطرف الخصم
يحتم البحث عن مؤسسة موازية، سلطة أخرى، يلوذ بها الفرد وتحقق له حاجاته
 وتحاول تحقيق مصلحته، ومصلحة الجماعة بحكم كونها مرجعية الجماعة 
المجمع منها على شرعيتها.

كان اللجوء إلى رجل الدين لتأدية وظيفة المرجعية السياسية مع دوره كمرجعية 
دينية. ولأن المال عصب أداء هذه الوظيفة؛ جاء (الخُمس) وفق الرأي الفقهي 
الشيعي. وأيضًا ساعد في ذلك امتلاك المرجع في المذهب الشيعي لإمكانية إلزام 
أتباعه بما يراه -دينيًا وسياسيًا- عن طريق (التكليف الشرعي). وحصرية الاتباع
 لآراء مرجع واحد مختار، وهذه الثلاثة أمور لا يمتلكها الفقيه السني، أعني 
الخمس وحصرية الاتباع والتكليف الشرعي، والتي جعلت دوره في حياة الفرد
 أقل من مثيله في الجانب الشيعي.



الدولة المتخيلة في الوجدان الديني الشيعي

لا توجد هناك دولة في التاريخ الماضي، وإن وجدت دويلات لكنها لم تحقق شيئًا 
مهمًا في وجدانه، لذا؛ فالدولة المثالية دولة الانتصارات والعزة لم تتحقق بعد
وهي موعود بها في المستقبل. فالتاريخ الماضي بالنسبة له، تاريخ مظالم ومجازر 
واضطهاد بحقه كفرد وجماعة -شعار حزب الله للعب على مشاعر أنصاره 
لمساندة بشار الأسد هو “زينب لن تُسبى مرتين”- لذا؛ يرى ذلك التاريخ بأنه 
مجموعة مظالم يجب ألا تعود، ويجب العمل على تغييره وكتابة تاريخ جديد
يتراوح ما بين الانتقام من ذلك التاريخ وبين منعه من العودة من الاستمرار.

ولذا لا يوجد فصل في التاريخ لدى المتدين الشيعي بين ماضٍ وحاضر ومستقبل

فما حدث في الماضي ما زال يحدث اليوم، “مؤامرة السقيفة” ما زالت تحدث كل
يوم. يزيد لم يمت، واليزيديون موجودون ويتصرفون بذات الطريقة (كل أرض 
كربلاء).

ولأن يزيد والأمويين موجودون، وما زالوا يمتلكون السلطة؛ فلا بد من مقاومتهم 
إما على شكل انتفاضة أو ثورة حين يكون الأمر متاحًا، أو مقاومة رمزية كما 
يحدث في عاشوراء (لإبقاء وهج الثورة مشتعلًا) لحين إمكان تحققها على أرض
 الواقع.


فالاحتفال بذكرى عاشوراء -كما أراه- ليس من أجل ذكرى الحسين رضي الله 

عنه التي حدثت في الماضي؛ بل من أجل المستقبل. من أجل إبقاء جذوة الثورة 
من من أتباع يزيد المتخيلين مشتعلة.