14‏/08‏/2016

وسائل التواصل : تقليص الجغرافيا وتوسيع الواقع



عبدالخالق مرزوقي

من مفارقات العصر الحديث، أن تكون التكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة التي قلصت صعوبات الجغرافيا كثيرا، هي ذاتها قد وسعت من حدود الواقع في ذات الوقت.

فما اكسبتنا إياه من قيمة عبر الأولى، سلبته منا عبر الثانية


بمعنى أنه كما سهلت علينا انجاز اعمالنا ومنحتنا السرعة في التواصل، وهو ما كان يفترض به أن يمنحنا المزيد من الزمن الخاص، الذى يخصص لزيادة أوقات الهدوء الراحة والإستجمام.

فإذا بها تسلبنا في ذات الوقت هذا الزمن، عن طريق توسيع الواقع، الذى كان مداه لا يتجاوز حدود منازلنا، اعمالنا، مدننا 

ليصبح كل ما يحدث في العالم الآن، هو واقعنا الخاص " غير الإفتراضي " الجديد.

مكمن الصعوبة التي تواجهنا في ذلك، هي أن نكون فاعلين ونمتلك ادواتنا، لا أن تمتلكنا هي.


19‏/07‏/2016

تزوير الوعي والتاريخ - "من وحي خطبة الهندي الأحمر"




من وحي هذه المقالة :

" الهنود الحُمر: كيف يمكن أن نشتري أو نبيع السماء والمطر والهواء؟"


لفهد الحازمي والمنشورة في موقع ساقية
وخطبة لاحد زعماء الهنود الحمر التي احتوتها كتبت هذا التعليق :






تزوير الوعي والتاريخ



حين أقرأ العبارات - بحسب الترجمة ولم اطلع على الأصل - أرى بوضوح 

روحانية عالية وايمان عميق

لو ربطنا هذه الخطبة بعمليات تزوير الوعي وتزوير التاريخ عبر كتابة 
رواية واحدة هي رواية المنتصر، فإن مثل هذه الخطة تبين كم من الجنايات
 ارتكبت ومازالت ترتكب في حق البشرية

وسنقف أمام سؤال حقيقي هو :

من هو المتحضر ومن هو الهمجي ؟

لو كان التاريخ الذى كتبه المنتصر هو دليلنا لإجابة هذا السؤال، كما قدمه 
لنا هو عبر الأدب والسينما مثلا، لكانت اجابتنا بلاشك أن الهندي الأحمر 
هو الهمجي البربري، وهذا أمر مسلم به اليوم لدى الأغلب من البشر


وأن الرجل الأبيض، وكلمة الأبيض هنا تؤخذ كحقيقة وكثقافة، فهي كناية عن 
المستعمر المبشر بما يحمله من قيم يراها متفوقة أيا كان، والذى يقوم بإخضاع 
الآخر وثقافته وقيمه عبر محوها أولا ثم محاولة استنبات ثقافة وقيم جديدة تارة
أو إلباسها معنى التخلف تارة أخرى، ويملي عليه ثقافة جديدة ثقافته هو وقيمه هو.

وكي يمعن في تزوير الوعي يسبغ عليها مسميات سطحية لا يعي سطحيتها 
إلا من أمتلك الوعي الكافي للولوج إلى عمق المعاني والدلالات التي تغلف بها 
العبارات الخداعة كالقانون الدولي، القرارات الدولية، مجلس الأمن الدولي 
وشرعة حقوق الإنسان، السوق العالمية.

فيما تلك الجُمل هي تعبير عن أمر واحد، هي استمرار استعمار الشعوب والدول
بطريقة غير مباشرة، بعد أن تمت تصفية الإستعمار المباشر، بإستثناء استعمار
فلسطين

ألم يبشرنا الرجل الأبيض بالنظام العالمي الجديد في التسعينات، وأرفق به 
عبارات رنانة مثل نشر الديموقراطية والحرية والعدالة الإجتماعية وحقوق 
الإنسان - هذا لا يعني أبدا اننا لسنا بحاجة لها - لنكتشف أن خلف تلك الخطابات
 الرنانة يكمن أمرين فقط، أولهما حرية المستعمرين في استمرار السيطرة علينا.

وفي قتلنا اذا حاولنا الحصول على تلك الحقوق، إما القتل بواسطة عملائهم 
الداخليين وإذا استعصى ذلك فإنهم يقومون بالعمل بأنفسهم مباشرة، الأمر 
الثاني هو حريتهم هم في السيطرة على مواردنا الأوليه، وعلى أسواقنا.



21‏/05‏/2016

تونس ومصر : الثورة، الدولة ، الحركة الاسلامية



الكاتب: عبدالخالق مرزوقي

فيما اختلفت الثورة التونسية عن نظيراتها المصرية

اعتقد لفهم سبب اختلاف الثورة التونسية عن نظيراتها كالمصرية مثلا . وهنا سأحاول الحديث عن الإختلافات بين الثورتين . يجب عليه النظر لما هو ابعد من السياسة

في تونس من بدأ التحرك و " الفعل الثوري " هم الطبقات الفقيرة في المدن والبلدات الداخلية وبخلفية اجتماعية اقتصادية في المقام الاول . ثم تم رفع الشعار السياسي لاحقا مع استمرار تقدمها نحو العاصمة والمدن الكبرى

اي يصح اطلاق تسمية ثورة شعبية من بدايتها وهؤلاء البسطاء الذين ثاروا منذ البداية هم من حمى الثورة لاحقا باستمرارهم ككتلة اجتماعية ترفع مطالب سياسية محددة وتدافع عنها بقوة
ولم يتمكن فلول النظام السابق من اختراق هذه الكتلة .

في مصر ومنذ البدايات قبل سنوات مع حركة كفاية ثم 6 ابريل . اذا استثنينا اضرابات عمال المحلة لانه كان محدودا في المكان . كان الحراك في غالبه من شباب الطبقة الوسطى المتعلم . المثقف . المديني . المسيس . في القاهرة ولحد ما في الاسكندرية تحديدا وكانت شعاراته يغلب عليها البعد السياسي
و الهم الديموقراطي والحقوقي .

واذا استثنينا يومي 28 يناير " جمعة الغضب " ويوم 18 فبراير يوم تنحي الرئيس حسني مبارك فإن الطابع العام للفاعلين على الارض طيلة ايام الثورة من تنطبق عليهم الصفات التي ذكرت . مع توسع في المدن المشاركة وانضمام الاحزاب والقوى الاسلامية بقوتها الشعبية وهذا جانب مهم لم ينال حقه من التحليل كما ارى

ولو كانت القوى الثورية في مصر خاصة الاسلامية وعت لضرورة تجذير الثورة اجتماعيا في اغلب المدن وبين الطبقات المهمشة خاصة العمال والفلاحين وصغار الكسبة . واتخذت منهم سندا وظهيرا لمقاومة عودة النظام السابق . لما كانت قوى النظام السابق نجحت في تأليب جزء منهم على الإخوان

كذلك كون اغلب من قام بالحراك الثوري هم الكتلة الشبابية المدينية ، المسيسة ، المثقفة والتي تنتمى اساسا لتيارات سياسية وفكرية مختلفة في التوجهات . وعودة تلك الكتل لحركاتها الفكرية وقواها السياسية وعدم بقائها موحدة لحين انجاز الثورة بشكل كامل أو حتى انجاز تفاهمات استراتيجية بينها كقوى ثورة حول المستقبل . ساهم بشكل كبير في ضربها ببعضها حينا وفي استفراد الدولة العميقة بها كل على حده وضربها او على الاقل تحييدها لمرحلة لاحقة

العامل الثالث الذى اختلف ما بين الثورتين هو طريقة تفكير وسلوك وممارسة التيار الاسلامي في البلدين .

وهذا مرده في الأساس- كما ارى -لإختلاف مسيرة الحركة الاسلامية في البلدين ، وما فرض عليهما من قبل النظامين الحاكمين، وخاصة اكبر حركتين اسلاميتين في البلدين وهما حركة النهضة في تونس وحركة الإخوان المسلمين في مصر . وهذا مما يفسر جزء كبير من سلوكهما بعد الثورتين

حركة الإخوان في مصر عانت خلال غالب تاريخها من الملاحقات والاعتقالات والاضطهاد السياسي والأمني والعنف من قبل السلطة تجاهها . من بعد ثورة 1952. خاصة في العقود الأخيرة مما لم يتح للحركة المجال الطبيعي للنمو والتطور في بنيتها الهيكلية وفي رؤيتها الفكرية الناتجين من خلال الممارسة والمنافسة السياسية الطبيعية مع بقية الأحزاب وما ينتج عن ذلك من تطور وانفتاح في مجال الفكر السياسي والممارسة

والإلتقاء مع بقية القوى السياسية المختلفة على اهداف استراتيجية او حتى مصالح مشتركة . وهذا اثر خاصة أن من تولوا المسؤولية السياسية بعد الثورة هم من القيادات الموجودة اغلبها تحت طائل الملاحقة داخل مصر. وغياب التفاهمات الاستراتيجية حول اهداف وطنية عليا بين الإخوان وبقيه القوى السياسية في مصر

وهذا ادى بالحركات الإسلامية . الإخوان والسلفيين بعد الثورة للقيام بما قام به الرماة المسلمون في معركة احد ، حين اعتقدوا أن المعركة انتهت فنزلوا من اماكنهم للبحث عن الغنائم ، في مخالفة صريحة لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم .

اندفعت الحركات الاسلامية في مصر لجمع الغنائم السياسية بعد اسقاط الرئيس مباشرة ، وغفلوا أن النظام الذى بني من 1952 مازال قائما بكل هيكليته ما عدى الرأس . ليس هذا فقط بل غفلوا أن هذا النظام بني اساسا على اساس العداء للحركات الأسلامية . وظنوا أن تحييد الجيش عن العملية السياسية ممكن طالما ابقيت لقادته مصالحهم السياسية

وهذا اتيح نسبيا لحركة النهضة ﻷن جزءا من قياداتها الفكرية امضى عقودا خارج تونس ، بعيدا عن الملاحقة مما اتاح له النظر والقراءة الفكرية الهادئة في التجارب السياسية للحركات الإسلامية عموما ومتأملا وقارئا التجارب الديموقراطية الأوروبية عن قرب كفكر وكممارسات ديموقراطية .

وملتقيا ببقية تيارات المعارضة التونسية من يسارية وقومية وليبرالية عن قرب في اجواء الحرية الأوروبية ، لقاءات كافراد فيما بينهم وكأفكار مختلفة اتيح لها أن تقترب من بعضها وتتلاحق لتنتج على الأقل تفاهمات استراتيجية على مستوى الأهداف الوطنية . وهذا مثلا ما يجعل التفاهم بين حزب المؤتمر وحركة النهضة بعد الثورة وتولي المنصف المرزوقي رئاسة الدولة وحركة النهضة رئاسة الحكومة

للمؤسستين العسكريتين -اشدد على عبارة المؤسسة العسكرية وليس كلمة الجيش لأسباب سأذكرها لاحقا-تاريخين ودورين مختلفين تماما

في مصر المؤسسة العسكرية هي عصب الدولة ومرجعيتها وليس المؤسسات السياسية
منذ بدايات الدولة في مصر ، ولو تحدثنا منذ ثورة 1952 فإن المؤسسة العسكرية هي الحاكمة سياسيا ومع السنين بدأت تصبح هي المتحكمة اقتصاديا ايضا . ووجود واجهات سياسية ببذل رسمية لا ينفي ذلك . كان الدور يبرز في الواجهة حينا ويتوارى في احيان اخرى

وحين اذكر عبارة " المؤسسة العسكرية " فأنا اعني بالتحديد : الجيش كمؤسسة ، قيادات الجيش في الخدمة كأفراد ، القيادات السابقة للجيش التي تحولت للعمل في الدولة بعد تقاعدها كوزراء او محافظين او مدراء عامين لمصالح تابعة للدولة ، مؤسسة الرئاسة ورجالاتها. ولكل منهم ملعبه ودوره ومصالحة

هذه هي الطبقة التي حكمت مصر في العمق وهي التي انشأت الدولة العميقة من 1952 إلى 2005 تقريبا .

بعد 2005 بدأ دخول رجال الاعمال الكبار عبر جمال مبارك والحزب الوطني خاصة بعد مرض وضعف الرئيس مبارك والتمهيد لحكم جمال - غير المنتمى للمؤسسة العسكرية - للتحكم في الدولة وتجيير مصالحها الإقتصادية لصالحهم. وكان هذا مصحوبا بإزدياد نسبي لنفوذهم السياسي في اجهزة الدولة . ولم يكن هذا مرحبا به ابدا من " المؤسسة العسكرية " . لكن وجود مبارك والإحترام الذى يحضى به بينهم حاول دون أي تحرك لمواجهة هذا الدخول والمنافسة لنفوذهم

إلى أن جاءت ثورة 25 يناير ، وكانت هي الفرصة السانحة للمؤسسة العسكرية للتخلص من هذا المنافس من جهة والتخلص من مؤسسة الرئاسة ورجالاتها من جهة اخرى والانفراد بالحكم السياسي والتحكم الإقتصادي من جهة اخرى . فقدمت نفسها كنصير للثورة كمرحلة أولى . ثم بعد التخلص من الرئاسة ورجال الاعمال

وحاولت التحكم بالسلطة وحدها ثم بالتفاهم مع الاخوان بنصائح امريكية بحكم كون الاخوان هم الاقوى على الارض. ثم لما رأروا الاخوان يريدون العمل باستقلالية عن المؤسسة العسكرية بدؤوا بالعمل على خطة لابعادهم ثم بقيه الثوار والانفراد وحدهم بدون حتى واجهة مدنية .

فيما في تونس كانت الوضع مختلفا تماما . الجيش صغير ، لا يعرف له تدخل في الحكم او المؤسسات المدنية ، الرئيس السابق بحكم خلفيته الأمنية كان يفضل وزارة الداخلية والمخابرات وطواقمها التي صنعها بيده ، لاتوجد مصالح اقتصادية للجيش او لقادته ليدافع عنها .

كل هذا ادى ليكون الجيش حياديا تماما ووطنيا بحق خلال الثورة وبعدها وتلك كل المسائل السياسية لاصحاب السياسة .
 نقطة اخيرة ومهمة وهي

أنه بعد سقوط بن علي تبين أن حزبه او تنظيمه السياسي كان هشا ليس على مستوى الفكر فقط بل على مستوى الفعالية على الارض ، وهذا احد اسباب عدم قدرة اتباع النظام على اعادة التماسك بقوة في الشارع وعلى عكس ذلك كان في الحالة المصرية

سأعود قليلا للوراء . حين استولى جمال عبدالناصر على الحكم وحده وإلغائه لكل تعددية احتاج لأدوات سياسية تكون واجهة لنظامه ، فأسس الاتحاد الإشتراكي والتنظيمات التابعة له . واحتل اعضاء هذا التنظيم الواجهة السياسية للحكم طوال عهد ناصر ثم السادات وعهد مبارك ايضا . وحين حل التنظيم ثم اسس الحزب الوطني كان اغلب اعضاء التنظيم هم انفسهم اعضاء الحزب الوطني .وكان هؤلاء هم واجهة النظام المدنية كطبقة سياسية طيلة العقود الماضية . فهم الوزراء ونوابهم ووكلاء الوزارات ، غالبية اعضاء البرلمان عن الحزب ، المدراء العامين لقطاعات الدولة الأمنية والإقتصادية والثقافية والإعلامية ، في القضاء ، وجزء منهم بقي ضمن كوادر الحزب . بل حتى بعض اعضاء الاحزاب التي اطلق عليها معارضة كانوا منهم .

هؤلاء جميعا شكلوا ما يطلق عليه "الدولة العميقة " . والتي بقيه تعمل بأغلب كوادرها داخل اجهزة الدولة وخططت وكانوا الأداه السياسية التي قامت بتنفيذ خطة الإنقلاب

وهذا من الأخطاء الفادحة التي ارتكبت بعد الثورة . حيث لم يجري تطهير لأجهزة الدولة من كوادر النظام السابق . والذى نادى به الكثير من المخلصين . لكن تردد الرئيس مرسي وعدم حزمه اضاع على الثورة الكثير

ليس تلك الكوادر وحدها هي التي ظلت تعمل ، فهناك ايضا الجهاز الأمني الضخم والخطير الذى نجح حبيب العادلي بالتحديد في تطويره وجعله فعالا جدا . وهو لا يشمل جهاز امن الدولة فقط او كوادر الداخلية سواء العلنيين او السريين . بل يضم ايضا عشرات الآلاف من البلطجية الذى كانوا يعملون بإمرة جهاز امن الدولة وقياداته

خاصة في فترات الانتخابات . وجزء منهم هم الذين قاموا بمعركة " الجمل " خلال الثورة ، واحداث بورسعيد بعدها خلال مباراة الاهلي والمصري . ثم عند السجن في بورسعيد بعد الحكم في احداث المباراة . وكانوا في اغلب المظاهرات جنبا بجنب مع رجال وضباط الداخلية في اغلب المظاهرات


ومن هنا نفهم اختلاف المسار الذى اتخذه كل بلد

06‏/03‏/2016

من استخدامات العلمانيين العرب للدين في السياسة



من المفارقات لدى العلمانيين العرب، أنهم حين يحاولون تبرير 
ابعاد الدين عن السياسة، أو المجال العام عموما، مثلا بدعوى
أن للدين مجاله وقدسيته، ولا ينبغي تدنيسه بالسياسة وألاعيبها.

أنهم يستخدمون - دون إدراك ووعي غالبا أنهم يفعلون- مفاهيم دينية 
في هذا الشأن، بمعني أنهم يؤكدون تداخل المجالين، أي يؤكدون
ما يحاولون نفيه، من ناحية

ومن ناحية اخرى، وبسبب قدرة الدين على الإحتواء، يضطرون 
لإستخدام مفاهيم دينية عن السياسة " كممارسة"، فالنظرة للسياسة
كممارسة حالية بأنها غير اخلاقية، هي وجهة نظر دينية بالأساس
وليست علمانية.

فهم بهذا المعنى يستخدمون الدين في السياسة عمليا، عبر تبني
ما يقول به تجاه السياسة الممارسة، بل يدعون لتغليب رأي الدين هنا
 في الوقت الذى يرفضون استخدام غيرهم لآراء اخرى يقول بها الدين.