25‏/09‏/2017

عرض كتاب : علم الإجتماع الديني (الإشكالات والسياقات) 3/1




تأليف: سابينو اكوافيقا وانزو باتشي
ترجمة: عز الدين عناية
عن هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، كلمة 2011



عرض: عبدالخالق مرزوقي

1- مقدمة عن المؤلفين والمترجم والكتاب
2- تمهيد المترجم
3- عرض الكتاب


ترجمة المؤلفَين :


1-سابينو أكوافيقا مواليد 1929 بادوفا إيطاليا، من الرعيل المؤسس لمدرسة 
علم الإجتماع في ايطاليا، ألف ما يزيد عن 40 كتاب، بعضها بالإشتراك مع 
آخرين. من اشهر اعماله في مجال الدراسات العلمية للدين: "افول المقدس في 
المجتمعات الصناعية 1961"، كما كتب عدة روايات، اشهرها 
" فتاة الغيتو 1998" والتي فازت بعدة جوائز

2-إنزو باتشي، استاذ علم الإجتماع بجامعة بادوفا إيطاليا، رئيس الجمعية 
العالمية لعلم الإجتماع الديني، نشر العديد من الأعمال منها: "النِحَل 1997"
"الإسلام والغرب 2002"، " الإسلام في أوروبا: انماط الإندماج 2004"
وهو مترجم للغة العربية عبر الأستاذ عز الدين عناية، وصدر عن هيئة 
أبوظبي للتراث والثقافة 2010، " لماذا تخوض الأديان الحروب؟ 2006".

3-المترجم: عز الدين عناية، باحث ومترجم تونسي، ولد عام 1966 في
سوسة متخصص في علم الأديان، أستاذ جامعي في جامعتيْ روما لاسابينسا 
والأورينتالي في نابولي. حصل على الأستاذية والدكتوراه من جامعة الزيتونة 
في تونس في اختصاص الأديان والمذاهب له ترجمات ومؤلفات منها:
"الاستهواد العربي في مقاربة التراث العبري 2006"، "نحن والمسيحية 
في العالم العربي وفي العالم 2010"، "الإسلام الإيطالي: رحلة في وقائع 
الديانة الثانية (ترجمة من الإيطالية) 2010"، "العقل الإسلامي عوائق 
التحرر وتحديات الانبعاث، 2011"، "السوق الدينية في الغرب، (ترجمة
 من الإيطالية) 2012"، "الفكر المسيحي المعاصر، (ترجمة من 
الإيطالية)، 2014"، " الأديان الإبراهيمية: قضايا الراهن، 2014"


عن الترجمة:
في البداية أحسن المترجم عز الدين عناية في طرح تمهيد مهم في إشاراته
وهنا لابد من التنويه إلى أهمية إلمام المترجِم بالحقل المترجَم عنه، خاصة 
إذا كانت الترجمة في الحقول الفكرية والفلسفية، فالمترجم هنا لا يكون مسؤولا 
أمام قرائه عن ترجمة نص، بل كذلك ترجمة الأفكار الأساسية والثانوية
والمضامين التي يحملها النص وتمهيد منفصل عن متن النص، يحمل ايضاحا 
عن اتجاهاته وغاياته وما يحيط به.

وفي هذا المجال، يجيد عز الدين عناية الإلمام بموضوعه، تشهد له مؤلفاته 
وترجماته العديدة، التي اغنى بها القارئ العربي والمكتبة العربية، فكامل 
التحية والشكر له.



تمهيد المترجم:
ركز المترجِم في تمهيده على نقاط اساسية، اعتبرها مقدمة أولى للحقل ذاته
أي مجال: علم الإجتماع الديني، حيث وضعت اهمية النص المترجَم في إطار 
أوسع من مضمون الكتاب. 

تناول د.عز الدين عناية، الغياب والتفريط الهائل عربيا، في الادوات 
المعرفية والعلمية في تتبع الظواهر الدينية، والقلة الشديدة في الاعمال التي 
تتناول علم الاجتماع الديني رغم الحاجة الشديدة لها عربيا. 

ولفت لإشكالية مهمة، وهي أن اقسام علم الاجتماع في الجامعات العربية 
تشكو نقائص معرفية هائلة، يمكن تلخيصها في عدم قدرة علم الاجتماع 
المستورد، على الاحاطة بإشكالات الاجتماع العربي واهمها الدين. 

اذ ثم اغتراب للمعرفة عن واقعها - التعبير للدكتور عز الدين- وهو عجز 
كما يقول ناتج عن مناهج تدريس، تعول على استعراض النظريات والمناهج
الغربية، تعريفا بإفتتان احيانا، يفتقد لتعريبها الوظيفي، أي جعل تلك الادوات 
المعرفية، في خدمة الواقع الديني العربي لفهم مضامينه وتحولاته وتحدياته. 

لذا كانت غالبا والحديث مازال للدكتور عز الدين، ما كانت النقولات عن 
كانت ودوركهايم وماكس فيبر، عروضا تاريخية باهتة، لا أدوات معرفية 
مرشدة ورشيدة، خاصة مع الشكوك والمراجعات التي طاولت تلك المدارس 
خاصة في حقبة عودة المقدس. 

ففي الحالة العربية، ثَم تدين شعبي واسع مؤثر، لكن خارج المتابعة والفهم 
والاحصاء، فظاهرة مثل الاسلام السياسي أو المسيحية العربية ما زالت بعيدة 
عن تناول علم الاجتماع، وابتعاد شديد وانفصال بين مجالين في الوسط 
الأكاديمي وهما مجال الدراسة في كليات الشريعة، الذى ينفصل عن الدراسة 
في قسم علم الاجتماع والعكس صحيح ايضا. 

وهو أبرز خريجي دراسات اسلامية بعيدين عن المتابعة الخارجية للظاهرة 
الدينية ويفتقرون للأدوات العلمية في هذا الموضوع، وأبرز باحثين اجتماعيين
يفتقرون إلى خبرة التعامل مع المادة الخام في مجال الدين، وربما طغت 
دراساتهم الخارجية على الداخلية منها، والمفتقده الى الحميمية مع التجربة 
الدينية.

وهذا ليس خاصا بهذين التخصصين فهي مشكلة شاملة في العلاقة بين انواع 
مختلفة من التخصصات.


متن الكتاب

حول اثر التحولات الاجتماعية على المؤسسات الدينية:
مع تفجر الثورة الاقتصادية، تغير تقريبا كل شيء، شكل المحبة والتواصل في 
المجتمع، نمط صياغة العلاقات، ننمط التعايش، اضفاء معنى أو إلغاءه على 
الحياة أو على الموت، اتخاذ موقف سياسي ما " الثورة الثقافية والإقتصادية " 
ما بين الخمسينات والثمانينات في أوروبا. 

الدين، كيف تغير الدين ضمن هذا الإطار:
لقد حافظت على بقائها عناصر من التدين الشعبي، القديم لكن الأمر يتعلق ببقايا 
يرجح ثباتها عبر الزمن، غير انها ليست قادرة على التأثير الجوهري في تطور 
البلد، في حين هز التغير الهائل دين الكنيسة ودين الآخرين الذين بحوزتهم تدين
لكن لا ينتمون لأي مؤسسة دينية

لماذا وكيف حصل التغير في الدين؟
لماذا شهدت الكنيسة الكاثوليكية تحولا ايضا؟ ولماذا تبدلت علاقتها بالعالم؟
الأسباب عديدة، أود الإشارة إلى سبب بالغ الأهمية، وجدت المسيحية نفسها في
حوار عميق مع العلم، ومع الماركسية وبالتالي حاولت الكنيسة على مدى 50 عام 
تقريبا، التكيف مع المشاكل المطروحة من هذين العالمين الثقافيين؟

لكن ما الشكل الجديد المختلف في التدين الذى اطل؟
يقول جليان الخيارات المتوافرة كانت على الأقل خمسة:
الأول: ثمة من اعتقدوا انهم ألغوا الدين، يتعلق الأمر بالتيار الالحادي 
أو بالتيار الغنوصي، في الواقع المجتمع المعاصر، التيار الأول قد اصيب
بالتشيخ، وبالتالي صار هامشيا ومهمشا، في حين يشهد التيار الغنوصي 
نشاطا مضطردا. 
الثاني: هم الذين شايعوا الكنائس في اشكالها المؤسساتية المستجدة.
الثالث: الذين غيبوا الدين وهم كثر فهم لا يتحدثون عن الدين ويبدون في الظاهر 
غير مؤمنين، ولا يظهر التدين بالنسبة إليهم، إلا في المناسبات الكبرى والمآسي.
الرابع: اختار البعض نوعا من التدين يمتاز بمميزات الخلاص السياسي، يتعلق 
الأمر بمن صاروا بفضل الدين ناشطين سياسيا، ويتساوى لديهم مفهوم أن يكون 
الفرد متدينا بأن يكون ملتزما سياسيا.
الخامس: يتعلق بالذين ينحون منحى خصوصيا في رؤية انماط الإعتقادات
ويحبذون دين التجربة الداخلية الذاتية، حسب رأي الكاتب هذه المجموعة على 
الأقل هي التي تشهد تطورا. 

حدث كل هذا في مجتمع شهد تطورا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا، فقد 
كانت التحولات عميقة، مما أوحى إلى البعض اننا على مشارف نهاية الدين، لكن
الأمور لم تكن على تلك الشاكلة.

مع تواري البنى الفوقية لمختلف الأديان، ظهر نوع من الدين الطبيعي متمحور 
في التجربة الدينية المباشرة، تبين بعض التجارب جليا تأثرها بالرغبة في الخلود 
بصفتها انعكاسا للخوف من الموت، وبحثا عن الحب وأن يكون الفرد محبوبا
وسعيا إلى معرفة العالم واصول الكون، تفسير الكون عموما، فضلا عن عوامل 
أخرى صغرى.

إلم يتم اشباع تلك الرغبات، فإنها تتصاعد لتولد اضافة لعوامل اخرى، التجربة 
الدينية، عموما لإن كانت التجربة الدينية هي نتاج استراتيجيات يستخدمها الفرد 
لمواجهة حاجات غير مشبعة، وأمام محدودية وجوده الخاص، فإنها من جانب 
آخر متأثرة بالمؤسسات الدينية وبالكون القدسي الذى يشكل مرجعية لها.

- الحب الذى كان مقموعا ومنحرفا عن مساره الجنسي بإتجاه التجربة الدينية
صار طليق العنان، وبالتالي يبدو تسامي حب الله يشهد توقفا أو وهناً.

- لكن إن كان الدين في هذا المجتمع مرتبطا بالمؤسسة، وبالممارسة الدينية، فإنه 
يشهد فعلا وهنا، بخلاف ما يبدو عليه، فالرب إن غاب على مستوى السطح، لم 
يتوارى فعلا، ففي جانب كبير ظل ماكنا في العمق.

- قوض الجديد الصاعد تقاليد وثقافات وانماطا بالية وطرق عيش وأساليب

- شهدت علاقة التجربة الدينية بالخوف من الموت والرغبة في المعرفة في أن 
نُحِب ونُحَب تحولا عميقا، بالمجتمعات الغربية المعاصرة دبت فيها عديد 
التحولات، صار بموجبها الموت ابعد كما بات حدثا نادرا ما يأتي. 



ينتقل الكتاب بعد طرح الرؤية الأولية ليتحدث عن كبار فلاسفة علم الاجتماع 
ورؤيتهم 


دوركهايم والوظيفية: 
تنهل نظرية دوركهايم سياقها العام من من الدين، وقد تمت الاشارة إليه ضمن 
مؤلفه " تقسيم العمل الاجتماعي"

تتلخص الفكرة الاساسية، في أن النظام في المجتمعات الديموقراطية الحديثة 
والصناعية يتأسس على مبدأ التضامن، ويستند المجتمع في توازنه بالنسبة إلى 
دوركهايم، على قواعد ونواميس وقيم توحي إلى الوعي باللحمة الحيوية، التي 
تهدف لاجتناب الفوضى بين الافراد، يسميها بالتضامن الميكانيكي: " الأفراد 
منخرطون في تكتلات اجتماعية منتظمة، تجنح نحو الانسجام في سلوكياتها 
ونحو التشارك الإلزامي في قيم جامعة"، وفي المجتمعات التي يهيمن فيها 
التضامن العضوي، أي المختلف اجتماعيا، يأتي الانسجام في منتهى الصعوبة
مما يستدعي بآلية التقسيم الاجتماعي للعمل.

الوعي الجمعي بالنسبة للمؤلف هو بنيه اجتماعية فوقيه، لا تلتقي، مع اشكال 
الوعي الفردي، يتوارى الافراد غير أن الوعي الجمعي باقي، يضع دوركهايم 
مثلا لجعل المفهوم جليا، مستوحى من القانون، فالأشكال التشريعية هي العرض
المرئي لوعي اجتماعي محدد، يحوي التشريع سر النظام الاجتماعي، الشكل 
والقيم الأساسية التي ارساها الأفراد بالتوافق.

- فكرة دوركهايم جلية فهي تعكس الفرضية التنظيمية لدى كونت، فالمجتمع هو 
مجموعة اجزاء تغدو لها قيمة حين تُضم إلى بعضها البعض، داخل منطق 
شامل فالأجزاء هي وظائف الكل.

- مثلت دراسة حالة الانتحار بالنسبة إلى دوركهايم، اختبار تجريبي لنظريته 
الوظيفية ولخص استدلالاته في:

1- الإنتحار علامة على أن الأعراف الإجتماعية ليست في مستوى اقناع الفرد.
2- يوحي وضع حد لحياة الشخص، بتواجد خلل في النسيج الإجتماعي.
3- لذا يحتاج المجتمع لبلوغ اجماع، يخول له الإشتغال دون حصول نزاعات
 منهكة إلى حزمة من الأعراف والقيم، ذات طابع اجتماعي يتبناها الأفراد 
بمثابة الفروض والواجبات والإلزامات، تكون الأساس الأخلاقي المشترك.

-لاحظ دوركهايم أن حالات الانتحار اعلى عددا في البلدان البروتستانتية، منه في
 البلدان ذات الطابع الكاثوليكي، وكذلك اكثر ارتفاعا لدى الكاثوليك مقارنة باليهود
السبب المقدر لديه، انه في الوقت الذى يضع فيه المذهب البروتستانتية الأفراد أمام
نوع من المسؤولية، وبعض الإختبارات الموضوعية، يوفر المذهب الكاثوليكي 
والديانة اليهودية إلى الأفراد، جماعة تبدو قادرة على املاء نسق من القيم 
والسلوكيات ذات طابع جماعي، فيبدو الإنتحار هنا كعَرَض، والدين يكون هنا 
عامل تماسك اجتماعي.

دوركهايم والوظيفية الدينية: 
تتلخص فكرة الإنطلاق لدى دوركهايم، كما برزت في كتابة: " الأشكال الأولية 
للحياة الدينية"، في دراسة كيفية عمل الدين في المجتمعات البدائية، لإدراك سبل
عمل المجتمع الإنساني عامة، تتلخص الخاصيات المميزة للمقدس بالنسبة 
لدوركهايم في التالي:

- الفصل يتحول إلى إنفصال: يصير الإنسان، الحيوان، الجماد، مشوبا بقداسة
في الوقت الذى يمر فيه داخل دائرة مغايرة لعالم الدناسة، فالمقدس هو اجتثاث 
جلي، لأشياء من هذا العالم، مقدر لها أن تلعب وظائف غير مدنسة. المقدس 
هو شيء من العالم الدنيوي إمحت طبيعته الأولى، وتغيرت ملامحه تحت رغبة 
البشر أنفسهم، فالناس هم منتجو المقدس مثل آلهتهم، ثم يقدرون أن ذلك الشيء 
أو تلك الأشياء باتت مستقلة عن إرادتهم.

- في الوقت الذى يخلق فيه الأفراد نظاما اجتماعيا جديدا، فإنهم يجترحون ذلك 
عبر مكابدة تجربة جماعية تبدو في اعينهم مشوبة بالروعة. منح موسى شعبه 
شرعة جديدة في لحظة خارقة، مؤسسا النظام الجديد على غرابة حدث غير قابل 
للتكرر ثانية، إنه الإتصال المباشر بيهوه الذى أملى عليه الوصايا العشر.

- يتشكل النظام الإجتماعي في اللحظة التي يفصل فيها الناس في المجتمع 
"محلا للقوة" – المقدس – بغرض اضفاء شرعية ثابتة على القواعد والقيم 
الجماعية التي يستوجب فرضها، لبلوغ سلس للوئام الإجتماعي، من هنا يتجلى 
الدين مع دوركهايم بمثابة إطار منظم ومؤسساتي للمقدس، شكلا من اشكال إنتاج
القواعد الجماعية والوعي الإجتماعي وبالتالي أداة لتفسير وظيفة جامعة، وهنا 
تاتي اهمية الطقوس ودورها في بث اليقظة الدائمة في هذا الوعي الجماعي 
الأصيل.

- الطوطم ليس إلا شكل منظم لتمثل المقدس، ويشهد الطوطم بشكل ظاهرعلى 
وجود انتماء إلى مجموعة، فالطوطم بذلك الشكل هو إسم وشعار المجموعة وهو 
نظام من العلامات والرموز، التي يحتاجها المجتمع للتماسك ولتاسيس هويته 
الخاصة، إنه نظام صيغت حوله طقوس واقداس.

- الدين يمكن ان يلعب وظيفة بارزة لدعم التماسك الإجتماعي، في اوساط 
الطبقات البروليتارية في لحظات التصنيع الاولى، التي لا تشي بعلامات تدل 
على تقبلها النظام الإقتصادي والأخلاقي الجديد، وفي اللحظة التي تستطيع فيها
 الأديان أن تساهم بلعب هذا الدور الإجتماعي تلاقي ترحيبا من جانب دوركهايم.

- لا ترى الإشتراكية الإنسانية لدوركهايم شيئا آخر لتحقيق تماسك الطبقات 
العاملة مع سياقات التصنيع والتحديث الإقتصادي والإجتماعي غير الدين.


تطورات الوظيفية في علم الإجتماع الديني:

ترتبط الوظيفية المعاصرة بإسم الكاتب تالكوت بارسون، رغم ان الموقع الذى 
يحوزه الدين في نظريته ليس مركزيا، وإن كان موضوع القيم والمثل العليا 
المترسخة في أسس منطقية، هي نقاط محورية في التفكير الإجتماعي لدى 
بارسون، بسبب اجتياح موضوع القيم لكل مجالات التكوين الشخصي لدى 
بارسون، بحث عن معيار نظري، يخول له تفسير جوهر الفعل البشري، على
أساس انظمة ثقافية مشتركة أكثر منه على أساس تلبية المنافع الفردية.

ساعد لقاؤه بعالمه الإناسة برونيسلاو مالينوفسكي على انضاج أهمية دراسة 
وظيفة الثقافة والقيم للمحافظة على التوازن بين مختلف مكونات المجتمع، وحاول
بلورة نظرية شاملة بشأن النظام الإجتماعي والفعل البشري، وتتراوح بإستمرار 
بين محاولة صياغة موقف للفرد النشط " أولوية التطوع في الفعل الإجتماعي"
والحاجة للنظر إلى سبل الإشتغال الموجه من النظام الإجتماعي في عمومية 
"أولوية النظام".

يصبح من الضروري لدى بارسون، فهم كيف يستبطن الأفراد القيم والأعراف 
والقواعد العادية، التي تضمن في النهاية الشروط الأساسية لعمل النظام الإجتماعي
في مجمله. وبذلك الشكل يدرس اولويات الإحتضان الإجتماعي والرقابة 
الإجتماعية، التي ترأس سياقات استبطان مجمل القواعد، وتسمح بإعتبار النظام 
من قبل كافة الأفراد قاسما مشتركا، وبمثابة المشهد الثابت الذى يمكن التحرك 
على ضوئه.

يعتبر بارسون النظام الثقافي المنتج للقيم والنماط التي يتبناها الأفراد، محوريا في 
اشتغال المجتمع، هكذا يلتئم التماسك الإجتماعي، مطورا عبر الأفراد خاصيات 
متناسقة ومتلائمة مع منطق النظام الإجتماعي.

يؤكد أن أساس الأنماط الرمزية ينبغي البحث عنه في نظام المعاني العليا، أي 
في نظام متسام فعلا، يلعب فيه الدين، والأديان التاريخية عموما، وظيفة محورية
منذ اللحظة التي يوفر فيها للنظام مصدر مشروعية عليا، لا تتوافر في أي نظام 
آخر، وتنحدر هذه القدرة من جانب العامل الديني لضمان انسجام اجتماعي متطور
من انها تشكل للأفراد عنصر قوة لنمطية الأفعال البشرية، يبدو وكأن بارسون 
يردد: بالقدر الذى يؤسس فيه الأفراد مبررا ساميا لحياتهم داخل المجتمع، بقدر 
ما يكون ساميا ايضا كم المعلومات التي توزع لمراقبة الفوضى الإجتماعية، التي 
تنشأ داخل النظام الإجتماعي.

فالدين هو قانون اجتماعي عالي الجدوى، يستطيع يستطيع ضبط كميات هائلة 
من المعلومات وتوحيدها فيما بينها، في حين تركها في حال طليقة، هو مدعاة 
إلى توليد أشكال بمستويات مختلفة من هدرالطاقة، وعدم الإشباع والأزمات 
والصراعات والإنحرافات وتعطيل اجزاء من النظام، وبذلك تصير للدين 
وظيفة رقابة عالية.

بمقدور بارسون الحديث عن حاجة لإفتراض وجود نظام لاهوتي محدد سلفا
مقارنة بذلك الإجتماعي، جدير بتأسيس نظام من العقائد، يولد نظاما قانونيا 
اجتماعيا، بالخصوص معتقد يقود إلى الدين وإلى انظمة احتضان اجتماعي 
تحبذها الأديان.

ففي أوج السجال الإجتماعي بشأن العلمانية مع نهاية الستينات، لم يكن اصرار 
بارسون على توضيح ما ساهمت به المسيحية، على مدى احقاب طويلة على 
المدى الزمني، في تطوير الديموقراطية والنظام السياسي الأمريكي بالخصوص
وبالتالي لا مجال للحديث عن تواري الدين، بل عن تحولات "المادة" 
الإجتماعية للمحتويات الدينية، تتفشى القيم الدينية في الجسد الإجتماعي
إنها فكرة – ante litteram- لنظريات الدين الشائع.

وبإيجاز، يتعذر موت الدين، لما له من دور وظيفي أساسي في 
تلبية احتياجات 
توازن النظام بحسب بارسون في أوجهه الثلاثة: البيولوجية، النفسية، الإجتماعية.


من الوظيفية إلى نظرية النظم :

ليس عبثا دمج إسم لوهمان، ضمن الخط الذى نحن بصدد رسمه للوظيفة الدينية 
من دوركهايم إلى بارسون. رغم المواقف المعلنة لعالم الإجتماع الألماني من 
الوظيفة الكلاسيكية، في الواقع يقودنا الإختيار الحاسم الذى إرتآه لوهمان، وإن 
كان بشيء من التعسف، إلى تحوير تصوير المجتمع الإنساني على معايير 
نظرية الأنظمة، وإلى رؤية وإلى رؤية أسلوب تفكيره، تطويرا شاملا لمجموعة
من الافكار يمكننا نعتها ب " الوظيفية الجديدة"، كما يتضح أن موضوع الدين 
لا يمثل جوهر نظرية لوهمان رغم انه كتب عن الدين يبعض الأعمال واهمها 
كتاب: "وظيفية الدين 1977".

تتلخص نقطة الإنطلاق لدى لوهمان في أن المجتمعات الحديثة هي أنظمة شاملة
لا يتطلب تماسكها سندا معتبرا من القيم، الأعراف، الإجماع الضمني، من جانب
الأفراد  بل ينبغي بالأحرى الحديث عن التماسك المنهجي لا عن التماسك 
الإجتماعي، وهنا حصل التمييز الأول عن النظريات الإجتماعية لدوركهايم 
وبارسون.

وضد ما يسميه لوهمان علم الإجتماع الإنساني، الذى يضع الناس وسط النسيج
الإجتماعي بإستراتيجيات افعالهم العملية والمتنوعة، يقترح معيارا نظريا، ويولي
عناية كبرى للنظام تحوز فيه الأفعال الفردية الفضاء الخاص.

بهذا المعنى لا يسير المجتمع الحديث لأن الأفراد يتواضعون فيما بينهم على نسق
من القيم المشتركة، بل لأن الأفعال الفردية مقوده بشكل متواصل ضمن قواعد 
شكلية غير محددة، متلائمة مع نظم على درجة عالية من التعقيد الإجتماعي
وبالتالي يشتغل المجتمع حين يتمكن عبر أنظمته الفرعية من تقليص خيارات 
الأفراد، وعلاقات  التواصل بين مختلف الأنظمة الفرعية إلى قواعد متلائمة. 
ومن هنا ففرضية لوهمان هي أن المجتمعات الحديثة ليس لها مركز دفع ولا أي
نظام فرعي، يمكن إقتراحه كعامل تماسك اجتماعي إلى كافة النظام.

لوهمان يدرك ان النظام يدرك معناه الخاص به، شكله المميز ليكون له معنى
بمعزل عن المعنى الذى ينسبه الفاعلون كلا على حدة، سواء إلى افعالهم الفردية 
أو الجماعية أو كذلك إلى مختلف مكونات النظام الشامل.

بذلك الشكل تتم ما يسميها لوهمان العلمنة الشاملة، إلى كافة قطاعات المجتمع
إنه يقصد قول ألا وجود لأساس نهائي يسمح بتفسير كيفية عمل النظام الإجتماعي
لا السياسة ولا الإقتصاد ولا الدين ولا العلم والتقنية، وبالتالي لا يملك الدين تلك 
الوظيفة المتميزة التي اضفاها عليه دوركهايم وبارسون في نظريتهما، فبخلاف 
ذلك يصير نظاما وظيفيا يتمتع بميزة خاصة، من ضمن انظمة اخرى.

وبناء على ما ذكره تتلخص الوظيفة الخاصة للدين في خلق التواصل الذى يجعل 
العالم المحدود عالما لا متناه من المعاني، وقادرا بشكل ما على تقليص أثر 
الفضاء الذى يعيش فيه الافراد، وتحويله إلى مستويات رحبة.

بذلك الشكل يبدو الدين النظام الفرعي الوحيد، القادر على الإجابة عن أسئلة 
ومطالب ومشاكل بمعنى ذاتي، لا يقدر أي نظام آخر على اتيانها، فالدين بإمكانه 
انتاج نظام من العلامات، يسمح بالإقرار أن المجتمع له اساسه القيمي الخاص
وأن العالم يمتلك وحدته واتجاهه الخاصين، وبالتالي فليست وظيفة الدين متضمنة
بل تاويلية، وهو ما يعني أنها تمثل للأفراد معنى من المعاني، يسمح بتصور موحد
لما هو في الواقع مشتت، بتصور مطلق لما هو نسبي، فالميكانيزم الأساسي في 
الاديان هو افثارة في المؤمنين معاني الإنتماء، المتمثلة في الإنضمام إلى غايات 
تنظيمية لدين، إلى عقائده وشعائره، أي خضوع الإستراتيجيات الذاتية إلى 
الأهداف المؤسساتية للنظام.

09‏/08‏/2017

كتاب: العنصرية كما شرحتها لإبنتي




عن مجلة العربي
عدد اغسطس 2000


بقلم : زهيدة درويش جبور



كتاب جديد يتوجه للأطفال ويتناول أحد الأمراض المعاصرة.. العنصرية.

طاهر بن جلون روائي وشاعر مغربي يكتب بالفرنسية، اختارها لغة إبداع، وبرع في صوغ تجربته الفنية صوراً وتراكيب لغوية فيها من الجمال والبلاغة ما جعله يستحق جائزة غونكور الأدبية. إلا أنه يطل علينا في كتابه الذي يقع تحت عنوان: "العنصرية كما شرحتها لابنتي" بنموذج جديد من الكتابة يقع في حيز أدب الأطفال فهو يتوجه إلى الطفل بخطاب يتناول قضية قد نظنها بعيدة عن مشاغل الطفولة، غير أننا لا نلبث أن ندرك خطأ تقديرنا، إذ إن الدافع الأساسي الذي حمل المؤلف على وضع كتابه هو سؤال طرحته عليه ابنته التي لم تتجاوز الحادية عشرة عن معنى التظاهر، وذلك بمناسبة اشتراكه بمظاهرة للاحتجاج على قانون وضعته الحكومة الفرنسية، يتعلق بدخول الأجانب إلى فرنسا وبإقامتهم فيها. وهكذا وفي معرض إجابته عن السؤال، وجد المؤلف نفسه يتعرض لقضية العنصرية، فنشأت فكرة كتاب يتوجه إلى الأطفال من سن الثامنة حتى الرابعة عشرة، يتناول أحد مـظاهر الحياة الاجتماعية في فرنسا وفي الغرب المعاصر: العنصرية.

تجربة جديدة في الكتابة

لقد وجد الروائي نفسه أمام تحد جديد، وهو الحديث عن قضية تقع عادة في حيز اهتمامات الكبار، بلغة تستطيع أن تنفذ إلى ذهن الطفل وأن تجد طريقها إلى قلبه فتقنعه وتثير فيه الفضول وتبعث لديه الرغبة في المعرفة. فتوسل ما نسميه الكتابة التجريبية، بمعنى أنه بعد أن انتهى من صياغة النص، أراد أن يتحقق من كيفية تلقيه لدى القارئ الطفل وأن يضعه تحت الاختبار. فدعى ابنته لقراءته وللتعبير عن المشاكل التي اعترضت هذه القراءة. مما اضطره إلى إعادة كتابته من جديد مستعيضا عن بعض الألفاظ والتعابير بمفردات وصيغ أكثر بساطة، ثم طلب من جديد من ابنته ومن اثنتين من رفيقاتها إبداء الرأي بعد مطالعة الصيغة الجديدة. وكانت النتيجة أن وجد نفسه مضطراً لإجراء تعديلات أخرى. وهكذا دواليك حتى أعيدت كتابة النص ما لا يقل عن خمس عشرة مرة، حسب تصريح المؤلف. وإن دل ذلك على شيء، فإنه يدل على إحساس الطاهر بن جلون بمسئولية الكلمة، خاصة تلك التي تتوجه إلى الطفل. ذلك أنها تترك بصمات راسخة على شخصيته ونمط تفكيره. كذلك تدل هذه العناية على هاجس المؤلف في البساطة والوضوح.

بنية الكتاب ومنهجيته


غاية الكتاب محاربة العنصرية عن طريق التوعية والتربية، والتأكيد على حق الإنسان في الاختلاف. وتتحكم ببنيته جدلية السؤال ـ الجواب. بمعنى أنه يتطور وفق سلسلة من الأسئلة تطرحها الابنة على والدها الذي يجيب عنها متوخيا الموضوعية والواقعية والصدق. الفكرة المحورية هي تلك التي يتضمنها عنوان الكتاب غير أن الأديب يطل من خلالها إلى مسائل أخرى ترتبط بها وتتشعب عنها، كالتطهير العرقي، والعبودية، والاستعمار، وعلى مشاكل ليست ذات صلة مباشرة بها، كالاستنساخ.

يعتمد بن جلون المنهج التعليمي فيعرض الفكرة بوضوح ويشرحها بتفصيل، ثم يحاول أن يجسدها بالأمثلة الملائمة، حتى إذاما انتهى منها انتقل إلى فكرة أخرى مرتبطة بها. هكذا تتولد الأفكار بعضها من البعض الآخر وفق انسياب يتسم بالسلاسة فيجري الحوار دون تصنع أو كلفة. غير أن هذه العفوية تخفي في طياتها جهدا كبيرا وهي ليست في واقع الأمر إلا حصيلة تمحيص ودراية. وفي اعتقادنا أن المؤلف انطلق من الأسئلة التي طرحتها الطفلة ليبني عليها أسئلة جديدة يريد هو أن يوقظ وعي الطفل بها وأن يوجهه من خلال الإجابة عنها إلى الخيارات السليمة. وهو كأي معلم ناجح، يعتمد مبدأ التكرار لترسيخ المعلومة في الذهن وكأنه يقدم لنا نموذجا تطبيقيا للمنهجية التعليمية التي بشر بها الأديب والمفكر الفرنسي مونتانيي منذ القرن السادس عشر، والتي لا تزال تشكل اللبنة الأساسية في الطرق التعليمية المعاصرة. ويتخلى بن جلون في كتابه هذا عن أسلوبه الشاعري المعهود، الذي يعتمد الرمز والإيحاء ليستعيض عنه بالأسلوب التقريري وبالتعبير المباشر. فهو لا يخاطب خيال الطفل بل يتوجه إلى عقله بلغة المنطق والحقيقة. ولعل في ذلك ما يميز كتابه عن أدب الأطفال كما نعرفه، ويضعه في خانة جديدة.

الموضوعات والأفكار


المقولة الأولى التي ينطلق منها المؤلف ذات خلفية وجودية: الإنسان حصيلة ظروف وتربية ومؤثرات مختلفة، والأفكار والمعتقدات لا توجد فيه بالفطرة بل يكتسبها من المحيط. من هنا أهمية التربية في بناء الفرد وصنع القيم. فالمرء لا يكون عنصريا بالفطرة، بل يصبح عنصريا إذا وضع في مناخ ملائم لذلك.

والمقولة الثانية هي أن الاختلاف بين الناس واقع وحقيقة واجبة. ذلك أنه لا يمكن لإنسان ما أن يكون نسخة عن غيره طبق الأصل. فالناس داخل المجتمع الواحد مختلفون في أشكالهم ومظهرهم وتفكيرهم وطباعهم وميولهم وانتماءاتهم. بحيث يشكل كل فرد حقيقة قائمة بذاتها مختلفة عن غيرها "كل فريد بذاته ـ يقول المؤلف ـ لا يوجد في العالم شخصان متشابهان في كل شيء. إن ميزة الإنسان هي أنه صاحب هوية لا يمتلكها سواه، وأنه فريد أي لا مجال للاستعاضة عنه بمثيله" أن أكون أنا يعني، إذن، أن أكون بشكل ما مختلفا. غير أن اختلافي عن الآخر لا يعني أني متفوق عليه أو متخلف عنه. فمنطق التنوع لا يقع في إطار معايير القياس بل يستدعي البحث عن سر التكامل والتناغم. وهو يتخطى الثنائية التي تؤسس للصراع، إلى التعددية والوحدة، غير أن بلوغ هذا الهدف لا يتم إلا بتجاوز الأنا وإخراجها من أبراج العزلة والانغلاق.

المقولة الثالثة التي يرتكز عليها الكتاب هي رفض فكرة التمايز بين الأعراق البشرية. فهو يدحض رأي بعض المفكرين الغربيين ـ كمونتسكيو ورينان ـ الذين بنوا نظريتهم عن سر تقدم الحضارات وتخلفها على أسباب تعود إلى طبيعة المناخ الجغرافي أو إلى الأعراق وخصائصها الثابتة.

فهو يجيب بالنفي على سؤال الطفلة: "أليس هناك من عرق متفوق؟" فيقول: "لقد حاول بعض المؤرخين في القرن الثامن عشر وفي القرن التاسع عشر أن يبرهنوا على وجود عرق متفوق هو العرق الأبيض الذي يمتاز عن العرق الأسود في الشكل والفكر.. غير أن أحد كبار أساتذة الطب المتخصص بالدم يؤكد عدم إمكان وجود عرق صاف ويضيف أن الاختلافات الاجتماعية والثقافية بين رجل صيني وآخر مالي وآخر فرنسي أكثر بكثير من اختلافاتهم التكوينية العائدة إلى العرق واللون"، فالبشر كلهم، على اختلاف أعراقهم، منتمون لجنس واحد هو الإنسانية.

انطلاقاً من هذه المقولات الثلاث يتناول المؤلف موضوعه الرئيسي: العنصرية. فيكشف عن وجوهها المختلفة ويسقط عنها الأقنعة. يعرفها بأنها ظاهرة مرضية عند الشعوب تصدر عن الخوف من الآخر والجهل به. وبأنها تقوم على رفض الحق في الاختلاف، وكراهية الأجنبي، وعلى الانغلاق على الذات وتضخيم صورة الأنا وتحقير صورة الآخر وسجنه في غيريته. فتنتفي بذلك امكانية الحوار والتواصل بين الذات والآخر المختلف.

ويتصدى المؤلف في عرضه لبعض الأفكار السائدة فيظهر عدم صوابيتها. فهو يرى أن العنصرية ليست كما يحلو للبعض الاعتقاد، سمة خاصة بالمجتمعات الغربية، وليس كل مواطن فرنسي عنصرياً بالضرورة، كما أنه ليس الانتماء إلى العروبة ضمانة ضد الوقوع في شر العنصرية. إن في مثل هذا الاعتقاد استسهالا للتعميم وإطلاقا عشوائيا للتهم. فالعنصرية مرض يصيب كل الشعوب وتظهر عوارضه في كل البلدان، وهو ظاهرة دائمة عبر التاريخ البشري. غير أنه يكون كامنا لدى انعدام الظروف الموضوعية المؤاتية لظهوره، ويعلن عن نفسه عند توافر هذه الظروف، وإن كان واضحا في المجتمعات الغربية المعاصرة فذلك لتفوق هذه المجتمعات الاقتصادي مما جعلها تجتذب عددا كبيرا من الأجانب المنتمين إلى العالم الثالث والذين أتوها طلبا للرزق، حاملين معهم ثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم المختلفة. فحصلت المواجهة بين الأنا الغربية وهذا الآخر الذي فرض نفسه عليها. والحصيلة، إلا في النخبة الواعية، رفض وازدراء.

وليس صحيحا أن المجتمع العربي محصن ضد العنصرية: "لا يوجد شعب عنصري أو غير عنصري بكليته. فالشعب المغربي كغيره من الشعوب فيه العنصري كما فيه غير العنصري"، يقول بن جلون لابنته ويثبت القول بالبرهان والمثل الحي. فهو لاحظ أن في سلوك بعض المغاربة ما يشير إلى استعلائهم على مواطنيهم السود المتحدرين من علاقات بين رجال مغاربة ونساء إفريقيات. فقد كان الكثير من التجار يقصدون إفريقيا بغاية المتاجرة ويعودون منها مصطحبين نساء ارتبطوا بهن بعلاقة زواج أو متعة: "كان لعمي امرأتان إفريقيتان. أنجب منهما أولادا سودا. ولا أزال أذكر أنه لم يكن لهؤلاء الحق في الجلوس معنا على نفس المائدة. وقد جرت العادة على تسمية السود بالعبيد".

ويستعرض المؤلف الوجوه المختلفة للعنصرية كالتعصب الاثني والديني، والاستعمار والتمييز العرقي. ويجد في التاريخ المعاصر كما في الحقبات الماضية مادة غنية لاستقاء الأمثلة: مجازر الصرب ضد البوسنة، المذابح التركية في أرمينيا، الفظائع النازية ضد اليهود في ألمانيا، الحروب الاثنية في راوندا. وكأن الكاتب يريد أن يقدم حجة على صحة مقولته أن العنصرية ليست سمة لشعب دون غيره. وهو يتخذ من الأحداث موقفا حياديا لا يتخلى عنه إلا عندما يتناول الاستعمار الفرنسي للجزائر، كما سنبين ذلك لاحقا.

وفي حديثه عن التعصب الديني الذي تظهر ملامحه في كثير من المجتمعات المعاصرة، غربية كانت أم شرقية، يميز بن جلون بين الإيمان والتعصب. الإيمان، انفتاح ومحبة واستعداد للحوار، والتعصب انغلاق وحقد وجهل. والأديان السماوية تحمل، على تعددها، رسالة واحدة، هي رسالة حب وتسامح وسلام. لذلك ليس التعصب من صنع الدين بل من صنع الممارسات البشرية. فالدين كالأيديولوجيا، فكر وعمل، وكثيرا ما تكون المسافة كبيرة بين العقيدة والتطبيق. يوضح الأب ـ الكاتب ذلك لابنته من خلال مثل الحروب الصليبية التي اتخذت من الدين ومن واجب الدفاع عنه قناعا تخفي تحته المطامع الغربية الاقتصادية في الشرق. كما يجد في الحركات الأصولية في العالم العربي مثلا آخر على إمكانية استغلال الدين لغايات وأطماع سياسية، مميزا بين الإسلام وهذه الحركات الدخيلة، الغريبة عن التراث الإسلامي الأصيل. كما يتطرق إلى جهل بعض الإعلام الغربي الذي ساهم في الترويج لهذه الصورة السلبية الكاذبة للإسلام. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يرى أن تطرف اليمين السياسي في فرنسا لا يختلف من حيث الجوهر عن الحركات الأصولية الإسلامية: كلاهما يقوم على رفض الآخر: "لوبين يرأس حزباً سياسياً يقوم على العنصرية، أي على كراهية الأجنبي"، يوضح الأب لابنته.

ويتوقف بن جلون عند التمييز العنصري في المجتمع الأمريكي حيث لم ينل المواطنون السود بعضاً من حقوقهم المدنية والسياسية إلا بعد نضال طويل استمر حتى بعد مقتل المناضل الشهير مارتن لوثر كينغ سنة 1968. فقد بقوا لسنين طويلة عبيداً لأسياد أمريكيين غزوا قارتهم وسلبوهم حريتهم وجلبوهم بين متاعهم لاستخدامهم، فكان مثلهم مثل من نجا من حروب الإبادة من السكان الهنود الأصليين، الذين فرض عليهم المستوطن الأمريكي نير عبوديته. وحتى لا تلتبس اللفظة في ذهن الابنة يعطيها الوالد التفسير الدقيق: "كلمة العبودية تعني أن يملك إنسان ما إنساناً آخر كما يمتلك متاعاً".

ويربط المؤلف بين الاستعمار والعنصرية حين يعرفه بالقول: "الاستعمار عنصرية على مستوى الدولة" فالمستعمر يسوغ استعماره للشعوب مدعياً تفوقه الحضاري عليها وأن واجبه يقضي بـ "تحضيرها" عن طريق السيطرة عليها. والمثال الحي لا يلبث أن يحضر كالجرح النازف في الذاكرة: إنه الاستعمار الفرنسي للجزائر، حيث حاول المستعمر طيلة مائة واثنين وثلاثين عاما أن يطمس الذاكرة الثقافية وأن يغرب الجزائريين عن لغتهم وحضارتهم لتحويل الجزائر إلى أرضٍ ملحقة بالأرض الفرنسية: "كانت الجزائر مقاطعة فرنسية. لم يكن لجواز السفر الجزائري وجود. فالجزائريون كانوا يعتبرون من التابعية الفرنسية. المسيحيون منهم، أعطوا الجنسية الفرنسية. كذلك اليهود، منذ 1870، أما المسلمون فقد أطلقوا عليهم اسم السكان الأصليين، وهي لفظة كانت تحمل في تلك الفترة مضموناً عنصرياً، فهي تشير إلى من هم مصنفون في أدنى السلم الاجتماعي" وللمرة الأولى ينزع المتكلم عنه ثوب الحيادية فيتلون النص بلون الغضب: "الاستعمار غزو، سرقة وعنف"، وتطغى لغة العاطفة على السرد الهادئ والتحليل المجرد من الانفعال. وليس أدل على ذلك من لجوء المؤلف، وهو شاعر إلى إدخال قصيدة وطنية لشاعر جزائري في قلب النص. تقول القصيدة:

من الجزائريين أخذوا كل شيء / الوطن مع اسمه / الكلام مع الحكم الإلهية / تلك التي تنظم مسار الإنسان / من المهد إلى اللحد / أخذوا الأرض مع القمح / الينابيع مع الحدائق / الخبز مع الروح / لقد رموا الجزائريين خارج / كل وطن للإنسان / جعلوا منهم أيتام / جعلوا منهم سجناء / حاضر بلا تاريخ ولا غد.

غير أن الجزائر بقيت تنبض في العروق، حتى تحطمت القضبان وتكسرت جدران أسرها بعد نضال طويل. فنفض الجزائريون عنهم غبار القمع والنسيان واستعادوا أصالتهم القومية والثقافية. وإذا أراد بن جلون أن يختم كلامه عن العنصرية بحديث عن الاستعمار الفرنسي بالجزائر فذلك يدل على أهمية الحيز الذي يشغله هذا الموضوع في فكره ونفسه.

فائدة الكتاب


يجد الطفل في كتاب الطاهر بن جلون فوائد عديدة: تعليمية وتربوية وتثقيفية. فهو من جهة بمثابة معجم مصغر يتضمن تفاسير وشروحا لكل الألفاظ المتعلقة بموضوع العنصرية والتي قد تطرق سمع الطفل فلا يفهمها وتبقى بالنسبة إليه لغزا يحيطه الغموض. من هذه الألفاظ والعبارات مثلا: التمييز العنصري، الأحكام المسبقة، التطهير العرقي، الاستنساخ، كبش المحرقة، الغيتو.. وغير ذلك.

وهو من جهة أخرى، إرشاد ودعوة إلى التفاهم والمحبة بين البشر. فالمؤلف في نقده للعنصرية والتعصب لم يعبر عن كره وازدراء، بل على العكس حاول أن يبحث عن الأسباب وأن يفهم الدوافع، ولم يطلق أحكامه جزافا. ذلك أن هدفه ليس مجرد الكشف عن المساوئ، بل السعي لتحقيق مجتمع إنساني أفضل تسوده روح التعاون والتسامح. لذلك فهو يحاول أن يزرع في الطفل احترام الآخر والحفاظ على كرامته الإنسانية: "يجب أولا أن تتعلم الاحترام. الاحترام جوهري. والواقع أن الناس لا يطلبون منك أن تحبهم بل أن تحترم كرامتهم الإنسانية. والاحترام يعني أن تراعي شعور الآخرين وأن تقدرهم. إنه يعني أن تحسن الإصغاء اليهم" كما يتضمن الكتاب نصائح لتجنب الوقوع في الخطأ عند تعامل الطفل مع الآخر المختلف: يجب أن تحذف من قاموسك العبارات الجاهزة والنعوت العمياء فهي سخافات عليك محاربتها. تجنب التعميم لأنه سخيف ويوقعك في الخطأ. تعلم ألا تأخذ نفسك على محمل الجد وأن ترى في كل شيء الوجه الذي يثير الضحك.

وفي الكتاب معلومات علمية وتاريخية وسياسية تغني ثقافة الطفل وتمكنه من وعي الماضي كما تضعه في قلب الحاضر ومستجداته. حروب الإبادة ضد الهنود في أمريكا في القرن الخامس عشر، الحروب الصليبية، الصراع العربي ـ الإسباني في الأندلس، النازية، صراع السود والبيض في إفريقيا الجنوبية، خطر اليمين المتطرف في فرنسا وغيرها أحداث وحقائق يستنطقها الأب ـ الكاتب لتصغي الابنة وتستخلص العظة. هذا ويتنوع الخطاب بتنوع المواضيع فتكثر فيه الألفاظ العلمية عندما يحدث المؤلف عن علم الوراثة وتكوين الدم والعوامل المحددة للون البشرة. ويرد اسم سارتر وسبينوزا ورينان ليطرق سمع الطفل عندما يحاول الكاتب أن يبسط للطفل بعض المفاهيم الفلسفية أو أن يدعم فكرته برأي لأحد كبار المفكرين.

فالكتاب متعدد الأبعاد، غني بثقافة صاحبه الواسعة وبتجربته الإنسانية العميقة. وهو إذ يتوجه للطفل يتوجه في الوقت نفسه إلى الأهل فيضع بين أيديهم سياسة تربوية يمكن اعتمادها لمحاربة العنصرية والتعصب.

26‏/07‏/2017

كتاب : الكتابة بحبر أسود -( عرض وتعليق )

عرض كتاب الكتابة بحبر اسود

عنوان الكتاب: الكتابة بحبر أسود
الكاتب: د. حسن مدن
دار النشر: مسعى
عدد الصفحات: 345

عرض: عبدالخالق مرزوقي

يتكون الكتاب من أربع اقسام، الأول بعنوان عن الكتابة، يتكون من العديد الفقرات التي تتناول الجوانب المختلفة لعملية الكتابة، منها :

كيف نكتب الجملة الأولى:
ما الذى يجعل القارئ بعدما يفرغ من قراءة كتابة لكاتب ما، أن يقول: أنها كتابة عادية،  وما الذى يجعله يقول إزاء كتابة اخرى: إنها كتابة مختلفة، وما هو الشئ الذى يضاف إلى الكتابة فيجعل منها كذلك، ويغيب عنها فتصبح كتابة عادية؟

إن الأمر يتصل بما ندعوه روح الكتابة، ولا نظنها مفصولة عن روح الكاتب المبثوثة في كتابته، ينصحنا نيتشه بالتالي " عندما نقرأ لكاتب يتسم أسلوبه بالإقتضاب الخاطف وبالهدوء والنضج أن نتوقف أمامه مليا أن نقيم عيدا طويلا وسط الصحراء، ذلك أن حبورا مماثلا لهذا الذي يبعثه هذا الكاتب في نفوسنا لن يقع لفترة طويلة"
إن اصعب ما في امر الكتابة هو وضع أو صياغة الجملة الأولى، إنه مأزق الجملة الأولى، المدخل، التوطئة، الإشارة الأولى التي ينطلق بعدها السباق.  والغريب انك أمام مأزق هذه الجملة تجتاز تحديا أمام نفسك في المقام الأول، لأنك في العمق راغب في أن تضع الجملة الأولى التي تحمل القارئ على أن يقرأ ما يليها من جمل لكي تضمن أنه خمن ما تريد أن تقول، وقرر بينه وبين نفسه أن يقرأ ما تريد قوله أو عدم قراءته. ماركيز تحدث عن هذا في احدى المرات بإستفاضة، لكنه كان بصدد الحديث عن الكتابة الروائية حصرا، وأنه تغلب - بعد طول مران - على مأزق الإستهلال أو المدخل بإن يبدأ عمله الروائي بلقطة بحادثة أو حكاية واعطى مثلا على ذلك مدخله الشيق في مائة عام من العزلة، إرنست همنغواي اقترح الحل التالي " دون بالقلم الرصاص جملة تامة صحيحة، أتم وأصح جملة تعرفها، ثم تابع الكتابة، بعد أن تنهي النص عد إلى الجملة الأولى واحذفها، ستجد أن حذفها لم يغير من النص ولم يسئ إليه.


من بصيرة القلب تأتي الكتابة:
ترى ايزابيل الليندي أن الكتابة تشبه عملية التدريب لكي يصبح المرء رياضيا، وتققول كذلك إنه يراودها شعور أنها لا تخترع أي شيء وأنها بطريقة ما تكتشف أشياء موجودة هناك،  ووظيفتها هي العثور عليها واحضارها إلى الورقة.

كتابة للشفاء:                                                                                        "كثيرا ما نذهب إلى العزلة اختياريا، حين تكون ملاذا من الألم الذى يسببه الآخرون، الافتراق البطيء مر ومعذب، تغدو مساحة البيت الضيقة فضاء حرية، نعيما في مواجهة حجيم الخارج، الذى يفضح خواء النفوس وهشاشتها، وفي مثل هذه الحال يقيم صداقة دافئة مع تفاصيل وأشياء تبدو – على الرغم من حيادها الظاهر – عزيزة وأليفة ومسلية، كانه يعود إلى فطرته، يعيد تنظيم المسافة بين ذاته وبين البشر والأشياء.
لا تاتي العزلة وحدها، نحن الذين نذهب إليها، نختارها، حين تلج عالم العزلة فإن الكتابة هي وسيلة القول، التعبير، لا بل البوح حتى لو كان غاضبا.... ستأخذك الكتابة ذاتها إلى ما كان قبل هنيهة مجهولا بالنسبة لك، وسيغدو ما كتبت كائنا حيا مستقلا عن ذاتك، حتى لو كان في الأصل فلذة من مهجتك، وسترى بعد حين لن يطول أن من يشاطرونك هذه الذات، من يشبهونك، هم من الكثرة بحيث تغدو وحدتك نافذة على الحياة، على أولئك الذين يشاطرونك الألم.   ص23

 تعليق : كيف تكون العزلة اختيارا وهي مدفوعة بأسباب قوية؟ وهل نبحث عن العزلة إلا بسبب إيلام الآخرين لنا أيضا ألا نكون ايضا مدفوعين بأسبابنا الداخلية الخاصة كتكويننا النفسي، وافرق هنا بين الوحدة والإنعزال، فالأولى شعور داخلي بالإنفصال عن المحيط الخارجي ولو كنت وسط مجموعة، فيما العزلة لها جانب سلبي اذا كانت انفصالا عن كل شي، وهي هنا تاخذ معنى الوحدة وجانب ايجابي اذا كان فيها اتصالا مع الذات والكون والله سبحانه. 

 اقتباس: حيث كانت باريس يومذاك ملاذا للعشرات من كبار الشعراء والكتاب والفنانين، من كل انحاء العالم الذين أتتوا إلى تلك الفترة الواحة من الحرية ليعبروا عما يفكرون به في تلك الفترة التي تعرف بإسم فترة ما بين الحربين"ص31

تعليق : هي ذاتها الفترة التي كان الإستعمار الفرنسي يمارس ارهابه وعنصريته وقمعه في المستعمرات، خاصة الجزائر، وهذا الوجه الآخر لفرنسا في تلك الفترة الذى كانت تحاول اخفاءه في الداخل، فما تفسير ذلك السلوك. 

الخربشات والمسودات افكار مقموعة:
لفتت نظري - الحديث للمؤلف - مقالة كتبتها سيدة اجنبية توصيفها للخربشة بأنها عملية أقل وعيا من الكتابة وتنزع نتائجها لأن تكون اكثر تنوعا وفردية، وتنسب الكاتبة لاحد علماء النفس قوله إن الأشخاص الذين    "يخربشون" هم في كثير من الحالات أولئك الذين يرتاحون كثيرا للقلم والورق، وأنه يمكن النظر إلى الخربشة بوصفها نشاطا ابداعيا آتيا من الجانب الأيمن من الدماغ وفي موضع آخر تشير إلى وجود أدلة على أن الخربشة يمكنها تحرير الدماغ ليتفرغ للنشاط الذهني،  وأنها - الخربشة - شكل بصري من أحلام اليقظة، إلى ذلك هناك من ينظر إلى الخربشات بوصفها مفتاحا يقدم تلميحات عن شخصية الإنسان.  
لا اعرف ماالذى حملني على الإنطلاق من هذه التأملات حول الخربشة إلى فكرة طالما استوقفتني هي مسودات الكتابة، حيث يتعين تبديد الفكرة السائدة عن هذه المسودات التي تجعلها في مرتبة أقل من من تلك المرتبة التي للنصوص في صيغتها النهائية المعدة للنشر، ما اكثر ما تجري العودة للمسودات سواء من قبل الكتاب انفسهم، الذين يظنون أن فيها خامات أفكار للكتابة لم تستثمر كفاية، لاعب الشطرنج الشهير كاسباروف قال مرة إنه يعتبر النقلات التي فكر فيها،  ولكنه لم يقم بها على قطعة الشطرنج جزءا من النقلات التي قام بها فعلا.  ص 38

ينابيع الكتابة :
من أين يستقي الكاتب مادته، أمن الذهن مثلا، أم من الشعور؟ ام من تجاربه وخبراته الملموسة؟ أم هي مركب مزدوج من هذه الينابيع كلها، وربما من سواها أيضا، أم تراه من أمر آخر غير معلوم؟
إن افكار الشعب تنداح في الأفكار والأساطير والأقوال، المأثورة، والأمثال الشعبية التي تمثل مجازيا كامل حياة الناس،  من واقع خبراتهم وتجاربهم" ص52

تعليق : هل لدى شعوبنا العربية والإسلامية تاريخ مكتوب بعتد به؟  عدا عن تاريخ الحكام والدول؟


الحكي، الكتابة، الصورة :
بشكل من الأشكال تمثل المادة المبثوثة عبر الشاشة عودة إلى نمط من الثقافة الشفهية، لكنها في نسختها الجديدة، تأتي معززة بالصورة، القادرة على احداث اثر فوري وسريع في أذهان ونفسيات المتلقين، لا تفلح الكلمة رغم أنها الأكثر عمقا، على احداثه بذات السرعة. الوضع الجديد فرض ويفرض على المعبرين بالكلمة مجاراته في بعض الأوجه، بشكل عام يلاحظ أن الجمهور يفضل الخطيب الذى يرتجل خطابه أو محاضرته، على ذلك الذى يقرأ من ورقة مكتوبة، يبدو أن الأمر لا يقتصر على الشكل وحده، وإنما بالمحتوى لأنك حين ترتجل قولا فإنك تعبر عن مضمونه بصورة تختلف، قد تكون اكثر عمقا أو اكثر سطحية.  لكن مفردة الحكي، يمكن أن تنصرف هنا إلى ما يدعوه المتخصصون بالثقافة الشفاهية، في اشارة لذلك الميراث الهائل من التعبيرات والرموز التي تم تناقلها شفاهيا قبل أن تشيع الكتابة، وتصدق بشكل اكبر على البلدان النامية، حيث مازالت نسبة الأمية عالية،  هذه المجتمعات تتهددها اليوم ثقافة شفوية من طراز جديد آتيه من سطوة ثقافة الصورة، في وقت لم تتمكن الكتابة من ترسيخ تقاليد ممتدة بسبب فتوتها أو محدودية الزمن في الذى قطعته.

الصورة هي اليوم عماد المجتمع الإعلامي، فهي تقدم نفسها مرجعية أولى وأخيرة،  لا يقاس على سواها،  بل إنهات هم المشاهد أنها هي الواقع،  والمذهل في تدفق الصوره. قدرتها الفائقة على تعطيل الحواس الأخرى، وتحفيز الغريزة والمتعة، لأن تلقيها لايتطلب جهدا أو تركيزا على خلاف ثقافة الكلمة، فهذه الأخيرة قائمة على توالي الكلمات الذى يتطلب تفكيك العلاقات العائمة بينها، بينما الصورة تعطي دفعه واحدة، مقوله منسوبة لكافكا تقول:  " النظر لا يستولي على الصور، بل هي الصور تستولي على النظر وتجتاح وعي العالم "ص64

تعليق: هل انتقلنا نهائيا كعرب من ثقافة الحكي المنطوق وتعبيراتها ورموزها، إلى ثقافة الصورة التي تقدم حكيا غير منطوق له تعبيراته ورموزه ومنها اغراء سهولة اصدار حكم مباشر على اي حدث، دون العبور كغيرنا بثقافة الكتابة،  وما اثر ذلك على مجتمعاتنا؟  اذا عرفنا أن ثقافة الكلمة المكتوبة تهيئ حاملها للاعتماد على التوثيق والبحث والتحليل المعمق، والمضمر والمسكوت عنه.


شيطان الكتابة:
يصنف أرنستو ساباتو الأعمال الفنية في أربع خانات، في الأولى يضع أعمالا فنية يصفها بالكبرى ولكنها للأقلية فقط، بمعنى أن الأغلبية قد لا تكون في وضع يمكنها من استيعابها أو التفاعل معها، ويضرب باعمال كافكا مثلا لها، وفي الخانة الثانية يضع اعمالا موجهة للقلائل لكنها سيئة، ويضع معظم الأشعار المكتوبة اليوم ضمنها، فهي برأيه أحجية لفظية أو صرعات شكلية، اما الخانة الثالثة فمخصصة للأدب الكبير، لكمه موجه للكثيرين ومثاله قصة الشيخ والبحر لهمنغواي، فيما يدرج في الخانة الرابعة أدب للكثرية أيضا لكنه سيء، ومثاله القصص المصورة والروايات الفاجرة وكامل الأدب البوليسي على وجه التقريب.
والسبب في رأيه إنما يعود للموهبة، ومن هنا فإنه لا يرى أن هناك موضوعات بسيطة وأخرى معقدة، لكن هناك كتاب معقدون يخفقون في تناول هذه الموضوعات، فينفروا القارئ منها، بدل ان يأسروه بطريقة تناولهم لها. التعقيد ياتي من الكتاب لا من الموضوعات، والنموذج الساطع الذى يضرب به المثل هو رواية الجريمة والعقاب لديستوفسكي، إنها ببساطة قصة طالب فقير يقتل مرابية، وهي قصة يمكن أن يكتبها صحفي عادي أو كاتب معدوم الموهبة او قليلها، فتغدو واحدة من ألف حدث مشابه، ولكننا نعرف أي شيء صارته هذه القصة عند ديستوفسكي.
كل الروايات والقصص تدور حول أحداث تجري في الحياة، مهما بلغت مخيلة الكاتب من ثراء، وهي احداث بوسع كل أمرئ أن يحكيها. غالبية الجدات في العالم يروين حكايات ممتعة لأحفادهن، ولكن هذه الحكايات لا تصير أدبا إلا إذا تناولها كاتب موهوب.
كتب جورج أورويل مقالة  " لماذا أكتب"  بعد مرور سبع سنوات على صدور روايته الشهيرة " مزرعة الحيوان"، خلال هذه السنوات لم يكتب رواية اخرى لكنه أفصح في المقال عن رغبته في اصدار رواية تالية، قال جازما إنها ستكون فاشلة.

لماذا هذا الجزم بالفشل؟
الجواب على لسان أورويل نفسه:  "كل كتاب هو فشل" ، لكنه قال في المقال نفسه مستدركا: " ولكنني اعلم بشيء من الوضوح أي نوع من الكتب أريد كتابته"، جاءت الرواية التالية بعد عامين من هذا القول، ولم تكن تلك الرواية سوى " 1984" .  ليس جورج أورويل الكاتب الوحيد الذى تؤرقه فكرة كتاب، وتظل ملازمة له طوال سنوات، وحين ينتهي من كتابته يكتشف أن الفكرة التي كانت في ذهنه، اعمق وأجمل من تلك التي نفذها على الورق.

ما الذى يجعل الكتاب الجادين يشعرون أن ما كتبوه أقل مما أرادوه؟  ليست وحدها الرغبة في تحاشي الشعور بالكمال، حتى يظل الطموح مشحوذا،  وإنما لأن الكتابة ليست سوى ممكن واحد بين عدة ممكنات، الحكاية ذاتها يمكن أن تقال على اكثر من وجه، وينتاب الكاتب الشعور بالإحباط حين يدرك أنه كان بإمكانه أن يحكيها بأفضل مما فعل، الكاتب يشعر بذلك أكثر من القراء، لا بل وحتى من النقاد أحيانا.

تأليف كتاب هو صراع رهيب ومرهق، كما لو كان نوبة طويلة من مرض مؤلم،  والكاتب لن يحاول القيام بفعل كتابة الكتاب إلا اذا كان مدفوعا بشيطان ما لا يمكن للكاتب مقاومته ولا فهمه". هذه - تقريبا - كلمات أورويل في شرح ذلك. ولأنه كان في صدد الإجابة عن السؤال الذى يواجه أي كاتب: لماذا أكتب؟  فإنه يصرح بأنه كلما افتقر للقصد السياسي كتب كتبا بلا روح. يربط أورويل الكتابة بالشجاعة، فالروايات الجيدة لا يكتبها برأيه سوى الأشخاص غير الخائفين، أما إيزابيل الليندي فترى انه لا يوجد هدف من وراء الكتابة،  خلاف محاولة أن تكون - بقدر الإمكان- متوافقة وصادقة مع نفسها، تكتب لأنها لا تستطيع إلا أن تكتب، ولا شيء يعجبها اكثر من أن تخترع قصصا وأن تعثر على الكلمات التي تصوغ بها هذه القصص، لأن ذلك يسمح لها بأن تعيش حيوات كثيرة مختلفة، تعطيها الإحساس بأنها تمتلك الحياة التي كانت قبلها، والحياة التي ستأتي بعدها. ص68

تعليق: هل من الضروري أن تكون كل أو أغلب الأعمال الأدبية، مفهومة لدى كل الناس، وهل يتنافى عدم الفهم مع الإستمتاع، واعني أن غير المفهوم لدى الكثير ليس بالضرورة انه معقد.
هل يصنف د. حسن مدن اغلب ما يكتب اليوم من ادب خاصة في الخليج كأدب أم حكي؟ 



مناطق الكتابة:
" حتى الآن اعتدنا على حقيقة أن كتابا من اصول عربية مغاربية خاصة ومن لبنان كما هو حال أمين معلوف، يكتبون رواياتهم وابحاثهم بالفرنسية، وكان هذا جوهر اشكالية عن هؤلاء الكتاب،  الذين لا يمكن تصنيفهم بالكتاب الفرنسيين أو الكتاب العرب، إن مناخات ابداعاتهم شرقية وافريقية عربية، لكن التكوين الثقافي الفرنسي لأصحابها وكونهم يكتبون بالفرنسية يقيمان لها شكلا من اشكال العلاقة مع الأدب والثقافة الفرنسيين رغم أن التصنيف الثقافي في فرنسا لا يقبل بهؤلاء كمكون من مكونات الخارطة الإبداعية الفرنسية إلا في حدود." ص72
يقع هؤلاء في ما يمكن أن ندعوه المنطقة الثالثة، وهي غالبا ما تكون منطقة ثرية بحكم التداخل بين المؤثرات الثقافية والحضارية واللغوية، ولكن المنطقة الثالثة قائمة في الحياة ذاتها، إنها منطقة ليست محايدة وليست حالا وسطا بين حالين، إنها حال اصيلة بين لها فضاؤها الخاص بها، وهي في عالم اليوم المفتوح حيث الهجرات الواسعة واتساع الصلات بين البشر مرشحة للمزيد من الإتساع، في طرحها لأسئلة الهوية والإنتماء." ص73

تعليق: لماذا عدم تصنيف الكتاب ذوي الأصول العربية الذين يكتبون في فرنسا، ثقافيا ككتاب فرنسيين، وبأن ما يكتبونه ادب فرنسي، هل الأسباب ادبية أم ثقافية؟
برأيي الشخصي أنها لأسباب ثقافية، ففرنسا الدولة وبرغم أدعائها أنها تعددية، إلا انها كما ارى دولة ابوية وايديولوجية، يمتد تأثيرها على المجتمع العام ومنه الثقافة، وتحاول دائما تثبيت هوية معينة وواحدة للمجتمع، واقصاء أي تنوعات وهويات ثقافية خاصة داخل الهوية العامة.

هذه المنطقة الثالثة التي يقع فيها مثل هؤلاء الكتاب، مرشحة للاتساع وثرية نعم، لكن أليس اصحابها اكثر عرضة للتمزق، أو المعاناة الشعورية الداخلية على اقل تقدير، وهنا اعيد ما ذكره د. حسن مدن في هذا الكتاب بالذات عن الطيب صالح حين سالته إحدى الصحفيات عما إذا كان حزينا، فأجاب: " في الداخل أجل أنا حزين، لكنني لا أدري لماذا، كل ما اعرفه أن في داخل النفس بركة واسعة من الأحزان. ومهمتي ككاتب ليست النسيان، بل أن أتذكر، والمشكلة بالنسبة إلي هي تذكر أشياء نسيتها تماما، لكن النسيان في الحياة العادية هو مرحلة الألم العظيم". 

هل صحيح أنه علينا أن نغادر أوطاننا، راغبين أو مكرهين حتى نراها من خارجها وهي اكثر بهاء وعطاء؟ ص74

تعليق: هل حكمنا حينها عاطفي أم موضوعي؟  لأننا عاطفيا بالتأكيد سنكون مشدودين لنراها اكثر بهاء،  لكن من الناحية الموضوعية قد نراها مقارنة بغيرها اقل من ذلك اذا اضفنا العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونحينا العاطفة.


كتابة على حافة الحلم:                                                                         هل يحترف الكاتب الحلم، فينزه الكتابة عن الطارئ والعابر واليومي، ليحيلها إلى قيمة مجردة خارج الزمان والمكان، لكن الكاتب الذى يحترف الحلم عن حق يجد يراعه مترعا بقسوة الواقع، حين ينتابه الإحساس القاسي بأن الحلم يكف أن يكون حلما، وفيما يشبه دعاء الروح يوخزه السؤال كإبره حادة: كم يلزمني من القوة والإرادة كي أبقى على حافة الحلم؟ اجمل ما في الحلم – بالمناسبة – هي حافته، لأننا ما أن نغادر هذه الحافة حتى نهوى في قاع عميق بلا قرار اسمه الحياة أو الواقع أو الحقيقة، أو أي اسم من هذه نشاء.
ثمة منطقة مشتركة بين الحلم والكتابة، الكاتب القلق على كتابته حريص على ابقاء هذه المنطقة حاضرة أبدا، حريص على تغليب الجانب الحالم في ذاته، حتى ولو كانت عناصر الحلم مستمدة من الواقع، فإن الحلم قادر في لحظة الكتابة على إكتساب استقلاليته، فضائه الخاص به، الذى بموجبه تبدو الكتابة مشاركة وجدانيه للقارئ أو معه، ص 87

تعليق: كيف نفصل انفسنا عن اليومي، دون أن ننفصل عن ايامنا، بمعنى كيف نحافظ على أرواحنا حية وذواتنا في حال يقظة، ولا نعيش العزلة بمعناها السلبي؟  


الكتابة بحبر اسود:
لألبرتو مورافيا قصة طريفة عنوانها "إمراة عادية"، تناقش تلك العلاقة بين الملتبسة بين البسيط والمعقد. تقول المرأة التي تتحدث عن نفسها بوصفها راوي: "المشكلة هي عندما اكون في اتعس حالاتي اكون سعيدة بتعاستي، أنا معقدة أليس كذلك؟". لكن المرأة سرعان ما تطرح على نفسها وعلى الآخرين السؤال التالي: " أود أن اعرف مم هو وما هو غير المعقد، في المدرسة تعلمت انه يوجد كائنات لها خلية واحدة، لذا يسمونها وحيدات الخلية، وانا مستعدة للقسم أنه اذا أعطي الكلام لهذه الكائنات فإنها ستصرخ على الملأ: نحن معقدات، معقدات بشكل فضيع". كأن المراة تريد بذلك أن التعقيد موجود حتى في البسيط، أي أن البسيط ينطوي على المعقد، أو قل إن له تعقيده الخاص به. تقول المراة في موضع آخر في القصة : " إني لست معقدة إلا امام الناس الذين يعرفون أني معقدة، اما مع الآخرين، فإني أصبح بسيطة مباشرة"
  هناك سلوك شائع يتجه اصحابه إلى إضفاء التعقيد على البسيط، إلى تعقيد البسيط، بدأ من الكتابة نفسها، قرأت مرة حكاية عن عن تلميذ منطوي وخجول وصامت لا يكتب دروسه وواجباته إلا بقلم حبر اسود. الحظ العاثر أوقعه تحت أيدي معلمة ترغب في تحليل كل شيء،  فأحالته إلى اخصائية نفسية لتدرس أسباب " السوداوية" التي تجعل هذا التلميذ مصرا على الحبر الأسود بالذات في الكتابة،  وبعد تحليل وتحر واستدعاء والديه للمدرسة،  كان السبب منتهى البساطة، ليس لدى التلميذ قلم آخر يكتب به. ص94

تعليق : ما هي الحدود التي تفصل بين التعقيد الحقيقي في الكتابة، وبين عدم قدرة القارئ على الفهم، وهل الكاتب ملزم بأن تكون كتابته مفهومة لجميع مستويات القراء، لا أتحدث عن الكتابة المتخصصة بل عن الكتابة في الأدب أيضا.


النساء حين يكتبن:
ونحن نقرأ أدبا للمرأة، شعرا كان أو سردا روائيا أو قصصيا، ينتابنا احساس يدفع للتساؤل عما اذا كانت هناك لغة كتابة خاصة بالنساء؟.. في الإجمال فإن الكتابة فعل انساني غير محصور في جنس من يكتب وإنما يرتبط بقيمة الإبداع الفنية، لكن هذا لا ينفي الخصوصية، المرتبطة بإنعكاسات جنس الكاتب وآثار الإختلافات السيكولوجية والظروف الإجتماعية على عملية الكتابة.

التقسيم بين المرأة والرجل تقسيم اجتماعي وليس تقسيما فنيا أو ادبيا، لكن شروط التقسيم الفني ليست منعزلة عن الواقع، ومن هنا فإن اختلاف عالم المرأة عن عالم الرجل هو الذى يحدد خصوصية  ابداع المرأة وتعبيرها الذى يختلف عن تعبير الرجل.

في محاضرتها الشهيرة عن كتابة المرأة: " غرفة تخص المرء وحده"  تثير فرجينا وولف الإشكالية الأكثر تعقيدا، اشكالية لغة المرأة أو بتعبير أدق علاقة المرأة باللغة متجسدة في مفهوم وولف المحير حول " الجملة النسائية"، من وجهة نظرها هناك ارتباط بين الإختلاف الجنسي واللغة، لذا فإنها ترى أن الجمل المناسبة للرجال والنساء مختلفة. إذا كنا نساء فإننا نفكر عبر أمهاتنا - تقول وولف- ومن العبث أن نتوجه إلى الكتاب الرجال العظام للمساعدة، رغم أنه بوسع المرء أن يتوجه لقراءتهم بغرض المتعة.

ثمة من يرى أن أنه لو اختلفت الثقافات فإن النساء لا يختلفن - النساء هن النساء - بصرف النظر عن السياق التاريخي الإجتماعي الذى تتطور فيه تجربتهن الإبداعية، فالتماثل أو حلقة الإتصال بين النساء طبقا لهذا القول هي اشتراكهن في كونهن نساء. وهو وضع مشترك رغم إختلافات الثقافات.
يظل السؤال هل تختلف المرأة الفنانة أو الكاتبة عن الرجل الفنان أو المبدع، وهل يكفي أن تكون المؤلفة امرأة لنقول أن ما تكتبه هو ادب نسوي، أليست بعض الكتابات النسوية تكرس النظرة الذكورية الدونية السائدة تجاه المرأة، أليست بعض أشعار وكتابات بعض المبدعين الرجال أكثر تعبيرا عن هواجس وعوالم ودواخل المراة من كتابات بعض النساء عن انفسهن، ونطرح هذا السؤال دون شبهه ذكورية. ص 100

تعليق : هل هذه قاعدة عامة في الكتابة تنطبق بغض النظر عن الثقافة والمجتمع أم يجب أن تدرك الكاتبه المرأة انها كاتبة أولا وامرأة،  خاصة اذا تحدثنا عن مجتمعات مازالت المرأة لا تمتلك تعريفا مستقلا بهويتها الثقافية. وهذا لا ينفي وجود صفات مشتركة بين النساء الكاتبات.

اتفق مع عدم تعريف الأدب بحسب الجنس" الجندري" ، وهذا لا يلغي وجود خصائص مميزة لجنس الكاتب في الكتابة، وفي بعض المجتمعات الذكورية ثقافيا واجتماعيا، قد تلجأ المرأة الكاتبة بطريقة غير واعية للتشبه بالذكر في الكتابة كي تنال الإعتراف. 

اعتقد أن لكل رجل جانب انثوي ما كامن،  يستطيع بعض الرجال التواصل داخليا مع هذا الجانب، وهو الذى يجعلهم اكثر حساسية ورقة من غيرهم،  كذلك لدى بعض النساء جانب ذكوري كامن،  وتستطيع بعض النساء التواصل معه. 


كل فن حقيقي سياسي:
رفضت توني موريسون الروائية الإفرو-امريكية، الفائزة بنوبل للآداب عام 1993 ، أن تكتب رواية يكون بطلها الرئيسي أبيض، وحين سألت عن السبب، اجابت أنه هو السبب ذاته الذى يجعل الكتاب البيض لا يختارون الأسود شخصية رئيسية، وتقول إنها لم تنشغل بعالم البيض خلال طفولتها، لذا لم تظهر شخصيات بيضاء مهمة في كتبها.
ليس بوسع مجتمع عانى طويلا التمييز العنصري، أن يشفى بسرعة من آثار ذلك, في التكوين النفسي بشكل خاص، حين يتعين التحرر لا من الشعور بالإضطهاد الطويل وحده، وإنما من الشعور بالدونية أو النقص أيضا ومعالجة الألم الذى يسببه شعور المرء بالظلم بسبب لون بشرته.
ومع انها لم تفكر في أن تكون سياسية، لكنها تعتقد أن كل فن حقيقي سياسي، وأن تحويل أي شيء لا سياسيا هو فعل سياسي في حد ذاته.
بسبب الحرب الباردة ومناهضة الشيوعية ساد في أمريكا مبدأ ألا يكون الفن إلا جماليا، وهكذا حُرِف معنى كلمة سياسة وتمت مساواتها بالدعاية. لذا ترى موريسون أن عملها – وهي تكتب – يكمن في إحياء العلاقة بين السياسة والادب بما للكلمة من معنى. ص 106

تعليق: هل نستطيع الكتابة الحقيقية عما لا نعرفه، أو عما لا نملك تواصلا وجدانيا معه؟ موقف توني موريسون النفسي من المجتمع البيض مثلا،  هل هو نابع من عدم تعمق في معرفة المجتمع الأبيض، أم هو موقف سياسي بقضية معينة؟  ألا يؤثر حين نحمل معنا مواقفنا السياسية حين الكتابة الإبداعية خاصة الأدبية على الموضوعية في الكتابة. 


محظورات السيرة الذاتية :
لا ينتعش أدب السيرة الذاتية عندنا كثيرا، لأنه يتطلب درجة عالية من البوح بأدق التفاصيل والخصوصيات التي لا يجرؤ سوى القلة على فعله، وإن فعلوا فإن ذلك سيكون محل استهجان من قبل القراء والمجتمع عامة، الذى لا يستسيغ اقتحام الحياة الشخصية للفرد حتى لو كان هذا الفرد هو كاتب السيرة ذاتها، حتى لو قصر الحديث عن نفسه وتحاشى الحديث عن الآخرين.
لكن يبدو أن شيئا من الإعتبار يرد إلى أدب السيرة الذاتية على الصعيد العربي، بعد طول تجاهل بل نكران، ولعل لذلك علاقة بظهور عدد من الكتب التي كانت السيرة الذاتية موضوعا لها، مع ملاحظة ان هذا النوع من السيرة مازال مشوبا بالكثير من الحذر والحيطة والريبة، لأن ثمة مناطق مازال كتاب السيرة يعدونها مناطق محظورا الإقتراب منها.
من أشجع واندر النماذج في كتابة السيرة على شكل رواية، تأتي تجربة محمد شكري في روايته الشهيرة " الخبز الحافي" وكان فيها متجردا من كل الأقنعة، وهو يبوح بتفاصيل صادمة للقارئ في مجتمعات استمرأت لعبة الأقنعة، ولم يجد شكري غضاضة في القول إن ما كتبه لم يكن سوى سيرته الذاتية. ص 110

تعليق: هل لأن فردية الإنسان تختفي تحت لباس الجماعة، فإن كتابة السيرة الذاتية غير منتعشة لدينا، وكيف لمن يقدمون أنفسهم كمثقفين احرار ومتحررين من السلطات الأبوية بأنواعها، لكنهم يخشون من كتابة سيرتهم الذاتية، وهل من حقي كمتلقي مطالبة الآخر إما بكتابة سيرة ذاتية شفافة أو عدم كتابتها.
ما رأي د. حسن مدن في نموذج غادة السمان، في نشرهما للرسائل المتبادلة بينها وبين غسان كنفاني وأنسي الحاج، هل يصنفها من كتابات السيرة الذاتية، أم الأدب الفضائحي؟

الرواية تقول ما يغفله المؤرخون:
الروائي الحق هو مؤرخ بإمتياز، لكنه لا يكتب التاريخ بالطريقة التي يفعلها المؤرخ، وإنما يختار مفصلا زمنيا من هذا التاريخ يثير اهتمامه فيكسبه حياة من لحم ودم، لكن الفرق الأدق هو ذاك الذى يصوغه - مرة أخرى - فؤاد التكرلي حين يلاحظ أن التاريخ يسجل العبور اللامنتهي للحشود الزمنية وهي تقطع الزمن، أما الرواية فتقوم بمهمة تبدو نقيضة هي الإمساك بوجود الفرد الإنساني على صفحة الأيام، فتجعل منه مقيما لا عابرا على خلاف ما يفعله التاريخ أو المؤرخون. ص120


آيه النص العظيم:
حين نمتلك حلا او اجابة لمشكلة ما، فإننا نكتب كتابا فكريا او بحثا، لكن عندما نعيش مشكلة ما، أو عندما لا نعرف هذه المشكلة بوضوح، فإننا نكتب رواية، فهناك مسائل لا يمكن حلها أو حسمها داخل الوجود مثل الموت والحب، وفي حالات مثل هذه ينبغي ان نكتب الرواية، وهمالك غشكاليات يمكن ان نجد تجاهها حلولا مثل المشاكل السياسية او التقنية، وفي هذه الحالة نستطيع ان نكتب نصوصا فلسفية لمعالجتها. إن هنالك مكانة للرواية ومكانة للبحث الفلسفي، لكن هاتين المكانتين لا تصدران عن حاجة واحدة.
يرى دوبريه أن الشعر قد غادر منذ زمن طويل مجال الحياة العامة. إن فكر الناس حاليا هو خالي خلوا تاما أو متصحرا من الشعر، فالشعر أصبح ثقافيا جدا وعميقا جدا، ويخاطب النخبة المثقفة فقط، لنه يتصاعد نحو قمة ثقافية نخبويةورمزية، دون أن يكون داخله هرمونية غنائية او موسيقية، وباتت وسائل الإعلام اليوم النقيض الفعلي للشعر في مباشرتها وسطحيتها. بل هي التي ساعدت على تهميش الشعر، لأن التلفزيون يريد أن يبيع سلعة ما، ان يسوق دعائيا منتجا إستهلاكيا ما، أو فكرة معينة، بينما الشاعر ليس لديه ما يبيعه، لذلك فإنه لا يهم التلفزيون.
لكن الشعر مازال يحيى داخل المجتمعات التقليدية، بل إن دوبريه يقارن الحال في فرنسا وبريطانيا مثلا من جهة اللتين لم يعد بالوسع وصفهما مجتمعات شعرية، وبين الحال في اسبانيا حيث مازال اهلها يمتلكون الحس الشعري، كسمة من سمات المجتمعات التي تتذوق طعم الكلمات ومناخها، لأنها تمتلك حرارة عاطفية وحسية كبيرة، وحسا غنائيا عاليا، وهو قول يدفعنا للتامل في حقيقة مرعبة حول الآثار المدمرة التي تتركها ادوات وانماط الحضارة الحديثة على العالم الروحي للإنسان.
حامل نوبل المكسيكي أوكتافيو باث عاد إلى هذه العبارة وهو يناقش السؤال التالي: كم من الناس مازالوا يقرؤون كتب القصائد. وعلينا ملاحظة انه لم يقل كم عدد الناس الذين يقرؤون الشعر، وإنما استخدم مفردة القصائد بالذات، وله في ذلك سبب، فالإنسان بوسعه أن يجادل إلى ما لا نهاية حول ما هو الشعر، لكنه ليس من الصعب التفاهم حول معنى كلمة القصيدة، التي هي برأيه مصنوعة من كلمات بغرض احتواء مادة ما وإخفائها في الوقت ذاته.
في ( الأقلية الهائلة) مخاتلة، فإذا كانت لا تحصى فهي ليست بأقلية، وإن كانت تحصى فهي ليست بهائلة. لكن يمكن تقليب العبارة على أكثر من وجه، لنلاحظ أن قراء القصائد الذين يظلون قلة رغم كثرتهم – بالمعيار النسبي – يشتركون فيما هو هائل، وهذا الهائل هو ذاك الذى لا قياس له.

تعليق :  لماذا لا يجد الشاعر ما يبيعه،  في ظل حاجة الإنسان الدائمة للتعبير عن مشاعره الداخلية؟  ولا اعني تحويل الشاعر لذاته أو لشعره لسلعة، بل تحويل الشعر لرفيق للناس يعبر عنهم في كل حالاتهم( تجربة مهند البرغوثي وهشام الجخ خلال الثورة المصرية) ووبالتالي يبحثون هم عنه،  هل هي عزلة الشعر والشاعر عن الناس.
الناقد السعودي محمد العباس كتب قبل أيام : ما من مجتمع أو جماعة أو أمة إلا وتحتاج إلى نصوص، نصوص ادبية، سياسية، دينية، اجتماعية، فنية. الحياة تموت إذا ذبلت النصوص
هل انتجنا نصوصا في العقود الأخيرة؟



الترجمة – تلك المهنة الشاقة:
قبل سنوات لفتنا عبده وازن إلى ان بعض الروايات العربية، التي ترجمت إلى لغات أخرى، غدت في الترجمة أكثر إتقانا وتماسكا، من حيث اللغة، مقارنة بنصها العربي الأصلي، أو بتعبيره " أصبحت اكثر أقل اخطاء وركاكة وأشد كثافة وسلاسة"
أيعود الأمر إلى أن الأصل العربي لهذه الروايات كان في صياغته يحمل اوجه خلل أو هشاشة، تغلب عليها المترجم في لغة أخرى، فبدا النص وهو مترجم أكثر قوة؟. ربما يكون في الأمر شيء من هذا، أقلها في بعض الحالات، لكن الناقد المغربي عبدالسلام بن عبدالعالي، يرى أن للأمر علاقة بفعل الترجمة ذاته، الذى يجعل النص المترجم يتفوق في بعض الحالات على أصله، ومن ذلك ان بعض المثقفين الألمان يفضلون العودة إلى الترجمة الفرنسية لبعض مؤلفات مواطنهم هيجل الفلسفية، على ان يقرؤوها في اصلها الألماني كونها في الترجمة الفرنسية اكثر وضوحا.
وهذا بدوره يطرح سؤالا: ايكون السبب منحصرا فقط في ان الترجمات السابقة كانت سيئة، أم ان اللغة من حيث كونها كائنا حيا تتطور وتتسع وتتغذى بمصطلحات وأفكار جديدة، تجعلها أكثر مقدرة على تقديم الأفكار في اللغات الأخرى بصورة افضل.
هذه الأفكار ربما تقود إلى سؤال: أليست هنا حاجة لترجمات عربية جديدة لأعمال فلسفية أو فكرية أو ابداعية أجنبية، سبقت ترجمتها، أليست العدة الفلسفية والفكرية وحتى الإبداعية في فضائنا العربي اليوم، أكثر مرونة وأوسع أفقا وثراء مما كانت عليه، وانها بالتالي أكثر قابلية لإكتشاف مكامن بريق جديدة في تلك النصوص؟ ص146

تعليق: نحن لا نتحدث باللغة فقط، بل نفكر عبرها أيضا، وفي الترجمة أيضا نحن نترجم عبر اللغة. وقبل الترجمة تطور اللغة برأيي هو تطور تابع للتطور الثقافي، الذى بدوره تابع للتطور الحضاري والعلمي، لذا نرى أثر الثقافة الإجتماعية في اللغة وغيرها من حيث أساليب الكلام كالمباشرة في اللغة الإنجليزية، والمخاتلة والمراوغة في اللغة العربية.
إذا مر النص بعده ترجمات بين عدة لغات هل يبقى المؤلف مالكا للنص؟
هل فتنة المترجم أو الشارح النص كإبن رشد مثلا بأرسطو، تقدم النص كما أراد المؤلف أم كما يريد المترجم او الشارح ان نراه؟


القسم الثاني من الكتاب بعنوان : من هو الكاتب، ويشتمل على عدة قطع تتناول الحديث عن الكًتاب عموما  بعناوين مثل : من هو الكاتب، براءة الكاتب، الكاتب وشخصياته المستقلة، كم كتابا يكتب الكاتب، الروائي ومدينته. ومنه التالي:

من هو الكاتب:
ما الفرق بين الكتاب الأربعة التالية أسمائهم : هيجل، فرويد، ماركس، نيتشه؟
الإجابة المباشرة ستكون – على الأرجح – كالتالي: هيجل فيلسوف، فرويد عالم نفس, ماركس اقتصادي، نيتشه أديب.
ليست الإجابة خاطئة، التوصيفات اعلاه تصح على كل واحد من الأربعة الواردة أسمائهم. لكن ثمة إجابة أعمق يقدمها موريس بلانشو في كتابة: " أسئلة الكتابة"، الذى قسم الباحثين إلى أربع فئات، هي كالتالي:
أستاذ يعلم، رجل معرفة مرتبط بالأشكال الجماعية للبحث المتخصص الذى يشمل – فيما يشمل – التحليل النفسي، العلوم الإنسانية العامة، الأبحاث العلمية، ويطلق على من ينضوون تحت الفئة الثالثة من يربط البحث العلمي بالممارسة السياسية، فيما تضم الفئة الرابعة من يكتب فحسب.

براءة الكاتب:
حين يفرغ القارئ من قراءة كتاب أو مقالة ما، تنتابه في بعض الأحيان رغبة في أن يسأل الكاتب: ماذا تقصد؟ ماذا تريد ان تقول؟
لا يتاتى السؤال فقط من أن الكاتب لم يوصل فكرته بالشكل الكافي، أو الذى يظنه كافيا، ولا من أن القارئ لم يفهم المعنى الحرفي المباشر، لما هو مكتوب، وإنما لأن لدى القارئ رغبة في إرواء فضول لم يشبع، أو رغبة في الإستزادة.
لدى القراء رغبة في التأويل، في التوقع والإفتراض، إن كلمة اوة عبارة عابرة يمكن ان تحمل من المعاني، مالم يكن الكاتب يقصده، أو ما لم يرد في ذهنه أبدا لحظة الكتابة. مرة سئل غابرييل ماركيز عم ينتظر القارئ في امريكا الجنوبية من كتبه، فتحدث عن ان القارئ يبحث في الكتب عن نفسه، كيف يعيش واين يقف. ثم إنه تحدث في وجه الصحافي الذى وجه إليه السؤال، وقال الآتي: " إنك تدفعني إلى التفكير بامور لا يجوز لي التفكير بها، على الكاتب ان يكون بريئا، ولا يجوز له التفكير بالأضرار التي يسببها.


القسم الثالث من الكتاب يتحدث عن الكتب، ويضم كذلك عدة قطع، وضعت بعض عناوينها كالتالي:
الحياة أم الكتب، الكتب التي حررتنا، الكتب الأكثر مبيعا، من سينخل الكتب، كتب خالية من الإكسجين

فيما يتناول القسم الرابع والأخير القراءة، وهو يتناول موضوعين عامين في عدة قطع، الأول منهما هو عن: كيف نقرا؟ ماذا نقرأ، امتحان صبر القارئ، مراحل القراءة. فيما يبحث الموضوع الثاني شخصيات بعض الكتاب الكبار وابرز مؤلفاتهم وطقوسهم الكتابية مثل: رامبو، تشيخوف، ماركيز، فانون، نجيب محفوظ، منيف، ناظم حكمت، نيرودا وغيرهم.


ملاحظة: اعجبني حين الإستشهاد والإقتباس ذكر اسماء الكتاب والروايات، ليس فقط لأنها امانة علمية أولا، بل لأنها جاءت في سياق تدعيم موضوع الكتاب وإثرائه، ولم تكن مجرد استعراض ثقافي، وكذلك لانها منحت القارئ متعة اضافية وتشجيعه للعودة لتلك الكتب والروايات والإستمتاع بها.
.


22‏/06‏/2017

مقتطفات من قصة ( تاريخ راسيلاس ) لصموئيل جونسون


عرض: عبدالخالق مرزوقي


من مقدمة المترجم :

ولد صاموئيل جونسون عام 1709 بمقاطعة ستافورد شاير، وهو ابن بائع فقير، بدأ بكسب عيشه عن طريق الكتابة للصحف، لحين اصداره للقاموس التاريخي الأول باللغة الإنجليزية الذى تسبب في شهرته، ارتاح من العوز بعد ان خصصت له الحكومة مرتبا سنويا، اعتبر اعظم شخصية ادبية في عصره في انجلترا خلال الفترة الأخيرة من حياته من اشهر اعماله: قصيدة ( عبث الأمنيات الإنسانية، مقالاته الدورية، روايته الأخلاقية  "راسلاس"، تحريره لمسرحيات شكسبير، سلسلته الطويلة "مقدمات حياتية ونقدية" أعمال الشعراء الإنجليز، توفي عام 1784 .

كتب هذه الرواية ردا على كتاب انتشر في زمنه، اسمه " بحث في طبيعة الشر واصله" لكاتب اسمه سوم جنتز، نشر لتقديم تفسير ديني لزلزال حدث في ذلك الوقت، وقتل ثلث سكان مدينة لشبونة، يستند كتاب سوم على نظرية الفيلسوف ليبنتز، القائلة أن هذا العالم خير العوالم الممكنة، وأن اساسه انسجام جميع عناصره، انسجاما يتمشى مع الحكمة الإلهية، وما نظنه شر لابد أن يكون خيرا في النهاية، واستند جنسون في رده على هذا الكتاب إلى مسيحية تقليدية، ترى الحياة بعد خروج آدم من الجنة مرحلة مليئة بالآلام التي يمكن تفسير بعضها وبعضها لا يفسر، وأنه لا أمل في الخلاص من هذا الشقاء، إلا بالفناء واتصال الروح بالملأ الأعلى، فكان رد جنسون ينطوي على الكثير من الشجاعة  ومواجهة الحقيقة، وحمل الناس على آلا يخدعوا انفسهم بأنفسهم. 

وفي سنه 1759ماتت امه، وكان بحاجة للإنفاق على دفنها، فكتب هذه القصة الفلسفية، واسماها: " راسلاس: أمير الحبشة " في سبع ليال، فكانت رد على نظرية التفاؤل لليبتنز وسوم جنتز، واسم راسيلاس هو اسم بطل القصة، واستعاره المؤلف من كتاب اسمه رحلة إلى الحبشة للأب لوبو.



يستهل المؤلف الرواية برسالة إلى القارئ - ربما إلى ذاته - يخبره مسبقا بالسبب الذى كًتبت من أجله: " الإعتبار"، فيقول:
" انتم يا من تنصتون إلى همسات الخيال بثقة عمياء، وتتشبثون بخدع الامل تشبث الملهوف، يا من تتوقعون ان الشيخوخة ستحقق ما نعلقه على الشباب من آمال ووعود، وتظنون أن نقص اليوم سيكمله الغد، اعتبروا بحياة راسلاس امير الحبشة"



اقتباسات من الرواية:

– أنا خائف بان خيالك يطغى على مهارتك، وبأنك تعلمني الآن ما تتمناه
وليس ما تعرف

– المتناقضان لا يمكن أن يكونا صحيحين معا، ولكن التناقض ينسب للبشر
ومن الممكن أن يكون صحيحا.

– المعرفة احد اساليب السعادة، الجهل حرمان مطلق، لا يولد أي شيء، انه
خواء للعقل، تجلس الروح فيه دونما حراك، اننا نستمع بالعلم دائما
ونتألم عندما ننسى..

– لا تشغل بالك بآمال أو مخاوف أخرى، غير ما تؤيده الحكمة والعقل، فإنه

إذا سرتك تنبؤات بالخير، فقد تسوءك وتفزعك علامات الشر، وتصبح حياتك 
كلها فريسة للخرافة.

– الإنسان الذى يركز على تفضيله لأشياء محددة دون غيرها، ويصر عليها
بشكل قاطع، فإنه يجب أن يعيش ويموت وهو يستمر في البحث والعمل، لكن
الحكماء يختارون لأنفسهم بالتأكيد، طريقة الحياة التي يعتقدون بأنها غالبا
ما تجعلهم سعداء.

– تريث في ثقتك واعجابك  بمعلمي الأخلاق، فإنهم الملائكة حين يتكلمون

 ولكنهم يعيشون كالبشر.

– الأشياء الخارجية تتغير بشكل طبيعي أما الحقيقة والمنطق هما دائما
نفسهما لا يتبدلان.

– كل شكل من اشكال الحياة خير، لمن يعيش عيشه صالحة.

– لقد عشت في عزلة مدة خمسة عشرة عاما، سررت بالتغيير المفاجيء
في البداية، وبعد أن ذهبت بهجة التجديد بدأت اشغل ساعاتي في تفحص
النباتات، لقد اصبحت لبعض الوقت غير مستقلا ومشوش الذهن، لقد
اضطرب عقلي بالشك، وبزخرفات الخيال، تشوش خيالي بمشاهد حمقاء
وبدأت أرثي لفقداني الكثير ولكسبي القليل جدا، لقد قررت أن اعود إلى
العالم غدا، حياة العزلة للإنسان تكون تعيسة بالتاكيد ولكن ليست
بالضرورة ورعة .

– لا يوجد شيء اكثر عبثا من البحث وراء سعادة قد وضعتها الطبيعة
بلطف في متناولنا، إن الطريق لأن تكون سعيدا هو في العيش طبعا
للطبيعة، أن نعيش طبقا للطبيعة، هو أن نتصرف مع الأخذ بعين الإعتبار
جيدا، التلاؤم الناتج عن علاقات ونوعيات الأسباب والمؤثرات، وبأن
نتوافق مع الخطط الكبيرة والثابتة للسعادة الكونية، وبأن نتضافر مع
الترتيبات والنزعة العامة لنظام الأشياء الحالي.

– إن وجهات النظر للأبناء والأهل، للشباب والمسنين، متعارضة بشكل
طبيعي بفعل التأثيرات المتعارضة للأمل واليأس، للتوقعات والخبرة، هذا
التعارض يكون دون جريمة أو حماقة ترتكب من قبل أي من الطرفين
كيف لأحد الأطراف أن يستحسن ما يراه امامه غير حقيقي.

– الذى لديه الكثير ليقوم بإنجازه لا بد له من ارتكاب الخطأ، وسوف
يعاني من نتائج ذلك الخطأ، واذا كان من الممكن أن يتصرف دائما بشكل
صحيح فإن الأشخاص السيئين سيعترضونه بمكرهم والجيدين بخطئهم.

– جميع النقاشات التي تدور عن الشرور الحتمية والضرورية، نقاشات
غير مجديه، دعونا نتوقف عن النظر في الأشياء التي ربما لن تحدث،
إن مهمتنا هي النظر فيما تستطيع مخلوقات مثلنا انجازه، أي كل واحد
يجتهد من أجل تحقيق سعادته الخاصة عن طريق تنمية سعادة الآخرين
ضمن دائرته، مهما كانت ضيقة .

– نختلف عن أنفسنا بالقدر الذى يختلف فيه بعضنا عن الآخر، عندما
نرى فقط جزءا من سؤال ما، لكن عندما ندرك الكل فورا كما هي الحال
في الإحصاءات الرقمية، فإن الجميع يوافق على حكم واحد ولا أحد يغير
رأيه ابدا.

– الخير للكل هو خير للأجزاء،  فما هو الأفضل للبشرية يجب أن يكون
الأفضل بالنسبة للأفراد ايضا.

– الأشياء التي تتماثل أمامنا الآن بحاجة إلى انتباه شديد، وهي تستحق هذا.

– لكي نعرف أي شيء يجب أن نعرف مؤثراته، لكي نرى البشر يجب أن
نرى اعمالهم، لكي نحكم بشكل صحيح على الحاضر يجب أن نعكسه على
الماضي، لأن جميع الأحكام هي نسبية، الوضع الحالي للأشياء هو نتيجة
لوضعها السابق، ومن الطبيعي أن نبحث أين تكمن منابع الخير الذى نستمتع به
أو منابع الشرالذى نتألم منه.

– الجهل جريمة عندما يكون اراديا، من يرفض أن يعلم الآخرين كيف
بالإمكان منع الشر فإنه سيتهم بأنه شرير.

– لا يوجد جزء من التاريخ اكثر فائدة بشكل عام، من ذلك الذى يروي تقدم
العقل البشري، والحركة التدريجية للعقل والتقدم المتلاحق للعلم، والإختلاف
بين العلم والجهل .

– المثال دائما أشد تأثيرا من المبدأ، عندما تصطدم العين أو الخيال بعمل
فذ، فالإنتقال القادم للعقل النشيط، يكون في التفكير بالوسائل التي نفذ بها
هذا العمل، وبهذا نوسع ادراكنا بأفكار جديدة، وربما نعيد بعض الفنون             

الضائعة للبشرية.

– من ليس لديه شخص يحبه ويثق به لديه القليل ليأمل به .

– الثروة تكون عديمة النفع إذا لم تمنح، المعرفة كذلك إذا لم تنقل للآخرين
لذا يجب أن ينقلا للآخرين، حب الخير هو الوحيد الذى من الممكن أن يمنح
الراحة، التي نستطيع الإستمتاع بها دون شريك لنا، وبإمكاننا ممارسة الخير
ونحن منعزلون.

– حالة العقل الذى يرهق بفاجعة مفاجئة، تشبه حالة عقل سكان أرض
حديثة الخلق، الذين عندما يأتي الليل عليهم للمرة الأولى فإنهم يفترضون
بأن النهار لن يعود ثانية.

– إن عقولنا كاجسامنا في تحول دائم، في كل ساعة يفقد شيء ما، ويطلب
 شيء ما، والمسافة لديها التأثير نفسه على العقل، كما هي على العين، فبينما 

ننزلق مع تيار الوقت، فكل ما نتركه خلفنا يتضائل تدريجيا، بينما يتزايد
 حجم الأشياء التي نقترب منها. 


– ليس من الحكمة أو الإحسان أن نسخر من اعمق المشاعر الإنسانية
القليلون من يمتلكون معرفة هذا الإنسان، والقليلون من يمارسون فضائله
لكن الجميع من الممكن أن يعاني من الشقاء الذى يعانيه هو.

– لا يوجد انسان لا يطغى خياله في بعض الأحيان على عقله، عقله
الذى ينظم انتباهه كليا بإرادته، والذى يجعل افكاره تاتي وتذهب بأمره هو
لكن إذا كانت هذه المقدرة شيئا بإمكاننا التحكم به وكبحه، فإنها ستكون غير
ظاهرة للاخرين، ولا تعتبر فسادا في القدرات العقلية، ولا يقال عنها بأنها
جنون، إلا عندما تصبح غير متحكم بها وتؤثر على الكلام والتصرفات بشكل
ظاهر، وتتعزز سيطرة الخيال بالتدريج، فتصبح في البداية ضرورة ملحة
ومن ثم تصبح تحكمية، بعدها يعمل الخيال على أنه وقائع، وتتثبت الأفكار
الزائفة في العقل، وتمضي الحياة في احلام الذهول والحسرة، هذه هي
تأثيرات الأشياء المتخيلة، عندما نصوغها في البداية نعرف جيدا بأنها
غير حقيقية، ولكننا نتآلف معها بالتدريج، ومع الوقت لا نتمكن من رؤية 
عيوبها.

– خيانة ضد جمهورية الإنسانية العظيمة استعمال فضائل أي انسان كوسيلة
لخداعه، سواء كان ذلك لأسباب كبيرة أم صغيرة، جميع انواع الغش تضعف
الثقة وتفترمن همة السعي وراء الخير، وربما يوقف عدم الثقة الذى يتولد
صوت النصيحة، عند ذلك اين سنجد القدرة على اعادة احسانه إلى البشرية
أو اعادة هدوء البال إلى نفسه.

– إن الإنسان الذى يتخذ قرارات ضد اشياء يعرفها، بسبب احتمال وجود بعض
الأشياء التي لا يعرفها، ذلك الإنسان الذى يضع احتمالا افتراضيا ضد عقيدة
راسخة، لا يجب بأن نعترف به بين الكائنات العاقلة، إذا نقضت الأشياء
المعروفة بالنسبة إلينا، من قبل اشياء لا نعرفها، فإنه لن يكون هناك أي كائن
بشري بإمكانه الوصول إلى اليقين، إلا العالم بكل شيء.

– إن هؤلاء الذين يستلقون امامنا هنا ( الموتى )، وهم حكماء وأقوياء
الأزمنة القديمة، ينبهوننا لكي نتذكر قصر الحياة التي نعيش، ولربما
اختطفهم الموت بينما هم مشغولون مثلنا نحن في خيار الحياة.

08‏/05‏/2017

قراءة في مشهد اجتماعي

قراءة في مشهد اجتماعي

كتبت هذه القراءة من وحي مقطع فيديو مصور موجود في هذا الهاشتاق
#بذاءه_راكبة_كريم_ضد_سعودي والتعليقات المصاحبة له.

هذه الحادثة تمنحنا صورة واضحة عن اهم مشكلتين في العلاقة بين المرأة والرجل
 في ظل النظام الإجتماعي الأبوي السائد في مجتمعنا

وهما: أولا مشكلة عدم وجود لغة مشتركة بين المرأة والرجل في المجتمع - اللغة ليست مجرد
كلمات منطوقة- بسبب العزل الإجتماعي لكل طرف عن الآخر من ناحية وهو عزل على عدة
مستويات، اجتماعي، شعوري هذا العزل، جعل هناك صعوبة في فهم وتفهم تفكير ومنطلقات
كل طرف واسبابه ومبرراته لدى الطرف الآخر يضاف لذلك الخطاب الديني والثقافي السائد
 الذى جعل أي اتصال مباشر يغلب عليه التوجس، والتحفز وسوء الظن في حالات عديدة.
واذا اضفنا لذلك ما ينقل في وسائل التواصل من مشكلات اجتماعية، جعلت التحفز والتوتر
يرتفع بشكل كبير.

المشكلة الثانية هي بسبب كون المجتمع ابوي، تتعدد فيه مستويات السلطة، ويوجد الذكر فيه في
 مستوى أعلى من المرأة والطفل وغير السعودي، وهذا النظام الإجتماعي الأبوي يحدد شكل
العلاقة والسلطة بين كل مستوى وآخر، لذا حاليا عند بداية انفتاح المجتمع على اشكال جديدة من
الإتصال بين الجنسين، لأسباب اقتصادية، ثقافية، اجتماعية، نرى أن تفكير كل طرف غالبا يعكس
 من ناحية أو اخرى ايضا موقعه، داخل النظام الإجتماعي، فالرجل كونه في موقع اعلى اجتماعيا.

 فهو في اللاوعي مازال لا يتقبل أن توجد امرأة صاحبة سلطة،تفرض عليه امرا ما، أو تحاول
أن " تستفز ذكورته"  وردت فعله تكون لاواعيه غالبا، لأن تهديد موقعه الإجتماعي هو الدافع
الأساسي وإن لم يعي ذلك، فيما المرأة خاصة الأجيال الشابة، التي تحاول بقوة تغيير النظام
الإجتماعي السائد بقوة ليكون اكثر عدالة وتجد ذاتها فيه، نرى ردات فعلها في بعض المواقف
راديكالية، سواء بفعل سنوات العنف سواء الحقيقي أو الرمزي ضدها، أو بسبب الطبيعة المتمردة
لدى البعض وبسبب ما يقوم/بعض الذكور من فعل، لإبقاء النظام الأبوي دون تغيير.

فالرجل في المقطع، يمارس عمل سائق، وهذا يتطلب منه سلوك معين تجاه عملائه، لكنه في
عقله الباطن يرفض هذا السلوك الجديد، لأنه يرى هذه المهنة ومسماها غير لائق به اجتماعيا
 وبالتالي يريد من عملائه ألا يرونه إلا من خلال ما يرى هو ذاته من ناحية،  ومن خلال
موقعه كذكر في علاقته بالنساء " الحريم" من ناحية أخرى.

والنساء في المقطع ايضا، وبحكم كون المرأة في ذات النظام الإجتماعي السائد، في موقع اعلى
 من غير السعودي، ومهنة السائق في العادة هي لغير السعودي، فتقوم بردة فعلها بناء على
ما اعتادت ممارسته تجاه من هو اقل منها، حيث لم تقبل أي معارضة لما تريد من فعل

كذلك وبسبب التحفز الحالي لردود كل جنس تجاه الآخر وما يحدث في وسائل التواصل، جعلتها
ترى في فعله انه اعتداء تجاه حقوقها كإمرأة، وليست حادثة فردية منفصلة، وبالتالي اتت ردة
الفعل منها بمقدار ذلك التحفز اللاواعي الموجد لديها.


25‏/04‏/2017

قراءة في كتاب الرمل لورخيس



 قراءة في كتاب الرمل*




خورخي لويس بورخيس
ترجمة سعيد الغانمي
نشر دار ازمنة

رابط تحميل الكتاب :
http://www.books4arab.com/2014/08/pdf_61.html



عرض: عبدالخالق مرزوقي
مقدمة عن بورخيس: 
ولد في بوينس أيرس 1899. انتقل إلى أوروبا عام 1914 في عمر 15 سنه، يجيد الإنجليزية والفرنسية والألمانية
واللاتينية، اضافة للغة الأم الأسبانية. 
انشأ مع مجموعة من اصدقائه حركة ادبية تهتم بالشعر الطليعي، عملت على تطوير شكل شعري جديد، اصدر اول
كتاب شعري عام 1923، بإسم حماس بوينس آيرس،  وكان عمره 24 عام
حصل على جائرة الناشرين مناصفة مع صموئيل بيكيت عام،  ايضا حصل على جائزة سرفنتيس للآداب عام 1980
 وهي ارفع جائزة ثقافية في العالم الناطق بالأسبانية. 
لم يكتب روايات،  لديه 30 كتاب في القصة القصيرة والمقالة والشعر، من اشهر اعماله: متاهات،  تقرير للدكتور
برودي، تاريخ عالمي لسوء السمعة، وكتاب الرمل. 
كان منفتحا على تراث الإنسانية اجمع،  وتأثر بكتاب ألف ليلة وليلة. 
توفي عام 1985 في سويسرا عن عمر 85 عام


مفاتيح لفهم ادب بورخيس
( من مقدمة المترجم للكتاب )

- أرض بورخيس هي الحلم والوهم واللايقين
- قال عنه غالغز كان فيلسوفا هاويا طيلة حياته واعماله مليئة بالأفكار
- من بين شخصياته المفضلة اثنان عرفا بالمثالية الذاتية: الفيلسوفين باركلي وشوبنهور
اختارهما لا ليثبت اناه بل ليضيعها، ففي فلسفة باركلي يتحول كل شيء إلى ادراك وما يختفي عن الإدراك
هو احتمال ونفي وافتراض " ربط ذلك بالحديث عن الحلم"، أما لدى شوبنهور فقد امتص العالم لينفخ ذاته
وليجد نفسه اخيرا في الفرد والعبقري وإنسان نيتشه المتفوق، بورخيس يبدأ معهما من النقطة نفسها ولكنه
ينتفض عليهما لأن مثاليته الذاتية لا تؤدي إلى ذات، يجد ذاته دائما في حالة هرب، انها تختفي دائما وراء ذات
 أخرى، وتختفي تلك الذات الأخرى وراء تسلسل من الذوات.
- اهمال التاريخ: التاريخ مجرد اسلوب لمعالجة الواقعة الآن. 
- المهم هو العلاقات بين الأشياء وليس الأشياء نفسها.
- شخصية قلقة ومرتابة
- هو في حالة بحث متواصل ولايرضى بأي نموذج وهذا يفتح خياله لإستقبال النماذج الجديدة. 
- يريد لقصصه أن تكون حقيقية، لذا يدس فيها وقائع من حياته الخاصة أو وقائع تاريخية من حياة
   سواه، وحقيقية هنا بمعنى انها تتضمن تجربة ذهنية أو باطنية
- لقصصه ثيمات جانبية بالإضافة للثيمة الرئيسية. 
- تكرار لازمة التذكرالمتردد نفسها. 
- لعبة المرايا وسيلة بورخيس الأولى، الصورة المنعكسة في المرأة تعكسها مرآة اخرى، وهكذا تتسلسل
   الصور، بورخيس دائما غير موجود، ذاته تحيلنا إلى ذات اخرى، والأخرى تحيلنا إلى غيرها.


متن الكتاب

- لماذا سمى كتابه بكتاب الرمل؟
سمي بإسم القصة الأخيرة في الكتاب
- ليس للقصص بداية محددة أو نهاية

ملاحظات على النسخة المترجمة : 
-عدد صفحات النسخة المترجمة 90 صفحة، فيما عدد صفحات الكتاب الأصلي 181 صفحة
  ولم يقدم المترجم تفسيرا ذلك. 
-وجود عدد من الأخطاء المطبعية


قصة الآخر : 

- افتتاحية القصة، المفارقة بين اسم القصة وموضوعها، فلا وجود لآخر مختلف، هل الراوي هو بورخيس
 ويرى بورخيس في زمن مختلف آخر،أم الراوي يتحدث عن بورخيس كآخر. 

- ملاحظة ادخال تفاصيل بورخيس الشخصية في القصة كإسمه وتاريخ ميلاده، ووجوده في جنيف. 
- هل هو يتذكر أم يحلم. 
- الحياة كحلم والحلم حياة.


قصة أوريكا :

- منذ بداية القصة يخبرك بما يشبه التوجيه، أن هذه القصة واقعية، لكنه يضع اشارة لتنبيهك، حين يذكر
كراوي بأنما يذكره هوالحقيقة، أما ما ينساه أولا يذكره أويخفيه، فليس حقيقيا، وبالتالي لاوجود أواهمية له. 

- لكنه حين يذكر ذلك يحرضك من زاوية أخرى بأن تبحث بعقلك عن ابتكار تفاصيل ونهاية اخرى للقصة.



قصة المجلس:

- عبارة " هل يوجد مقدس على الأرض، أوهل يوجد ما ليس بمقدس"
عبارة اعتقد انها دخيلة على النص، ليس لها علاقة به، لا توضح أوتفسر حدث أوامر ما، أو تضيف اهمية، وبالتالي
 قد يكون التفسير الوحيد الذى اخرج به كقارئ للنص، أن بورخيس محب الفلسفة والمتأثر بفلسفة بيرلكي – حيث
الإيمان فقط بما هو مادي حسي – لا يستطيع أن ينسى أنه بورخيس وليس فقط راوي القصص، أو انه لا يوجد
راوي في كل القصص بل بورخيس، وبالتالي المؤلف لا يموت في نصوص بورخيس هذه بل موجود وبقوة.

عبارة : " ولاريب أن جميع الناس اعضاء في المجلس، فليس على الأرض من ليس عضوا فيه، ولكنني اعرف
انني عضو من نوع آخر، اعرف ذلك – والتكرارهنا للتأكيد على الإختلاف والتمايز- وهو ماجعلني انأى عن زملاء
 لاحصر لهم في الحاضر والمستقبل. 

في بداية القصة يتحدث الراوي عن الشعور بالوحدة، وثقل السنين والأيام، ثم يتحدث عن مجلس ما أويخترعه
 لتخفيف وطأة ذلك الشعور، وتذكير الذات بأنها جزء أوتنتمي لشيء ما ينتمي له الجميع، والإنتماء بلاشك يقضي
على الشعور بالوحدة، أويقلل منه كثيرا على اقل تقدير، ولكنه رغم ذلك، لم يفقد ذاته لحد الذوبان، لذا يدرك تمايزه. 

 وسرد الكثير من التفاصيل عن قصص مع الآخرين، محاولة للقول للذات انها كانت جزءا من ذلك و بالتالي هي ليست
 وحيدة، وهذه حيلة نفسية معروفة في علم النفس، تلجأ لها النفس بطريقة لا شعورية.

-فهل كان بورخيس موظفا لهذه المعلومة من علم النفس في نصه، أم جاءت منه بطريقة لا واعية.
وهنا نتذكر بأن بورخيس لا يفرق بين الحلم والواقع.

- المفارقة أن القصة التي يبدأ فيها الراوي بذكر انه وحيد، ويبتكر ذكريات لإنتماء ما، تفوق القصتين الأولين طولا
 وهذا يحسب للكاتب إلمامه بالأبعاد النفسية للشخصيات التي يكتبها، فنفسيا الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة، حين
يجدون فرصة للحديث فإنهم يسهبون فيه.




قصة ثمة أشياء اخرى:

ينتقل بين عدة مواضيع موت عمه،  دراسته للفلسفة، صديق عمه واهتماماته، القرية ووصفها، البيت، الشخص
 الذى اشترى البيت، العودة للحديث عن الراوي ذاته، العودة للحديث عن البيت، ويختم بتشويق لا ينهيه، وتظل
كقارئ في حالة هرولة مستمرة اشبه بسباق تتابع، ثم ينتهي السباق دون أن تعرف انك وصلت للنهاية.


قصة الرمل : مقتطفات تفتح معاني جديدة للقصة 

" يتكون السطر من عدد لا متناهي من النقاط، والصفحة من عدد لا متناهي من السطور، والكتاب من عدد
لامتناهي من الكتب، والمدونة من عدد لا متناهي من الكتب" 
" ليس للكتاب ولا للرمل أية بداية أو نهاية" 
" طلب مني الغريب، أن اجد الصفحة الأولى، وضعت يدي اليسرى على الغلاف، وفتحت الكتاب، محاولا أن
 أضع ابهامي على الورقة البيضاء الأولى، ولكنه كان جهدا بغير طائل، في كل مرة حاولت كان عدد من الأوراق
 تتناسل وتنمو من الكتاب. 
- الآن حاول أن تجد الصفحة الأخيرة
مرة أخرى فشلت.  وبصوت ليس صوتي تلعثمت : لا يمكن هذا 
متحدثا بالصوت الخفيض نفسه قال الغريب : لا يمكن لكنه موجود، فعدد أوراق هذا الكتاب لا متناهية، لا اقل ولا اكثر. 


ماذا لو قمت بإقتراح قراءة اخرى للقصة، لنجرب استبدال كلمات :
السطر،  الصفحات، الكتاب بكلمات اخرى هي : الأيام،  السنين، الحياة
اعتقد أنه لن يكون هناك أي اختلال في القصة،  بل على العكس من ذلك، ستنفتح أمامنا على
 معاني ومضامين اكثر عمق وغنى. 


------------------------------------------------
* قدمت ضمن أمسية لجمعية كلنا نقرأ في البحرين
عبدالخالق مرزوقي