20‏/04‏/2018

نماذج من عملية تغيير وعي المجتمعات أو الهندسة الإجتماعية


عبدالخالق مرزوقي



من وجهة نظري أنه في القضايا العامة، خاصة المتوجهه للناس، أنه لا يوجد شيء يحدث عفويا، أو بالصدفة


والكثير من الناس ، حتى ممن يعتقدون أنهم يصلون لقناعاتهم
بإستقلالية وعبر عمليات وعي وتفكير عقلاني، لا يدركون أنه تمارس ضدهم عملية برمجة لمدة طويلة، كي يعتقدون انهم فعلا كذلك. 

ربما من وجهة نظر الأفراد، أو الفئات الإجتماعية التي يتم تطبيق استراتيجيات تغيير الوعي، أو تزييفه، أو الهندسة الإجتماعية - فن اختراق العقول والتلاعب بها - يتم   تعريف هالاعمال بالمؤامرة.

لكن من وجهة نظر من يخطط لتغيير الأفكار، وجهات النظر، التوجهات العامة، تسمى استراتيجيات، تطوير وعي، صناعة "وعي" جديد

من أمثلة ذلك، في السينما الامريكية، الافلام الحربية اللي انتجتها هوليود، عن حرب فيتنام قبل عقود، كانت في خدمة الاستراتيجية السياسية والاعلامية والدعاية الرسمية الحكومية الامريكية، لصناعة رأي عام موجه - هي تجري على مستوى اللاوعي- لتصوير التدخل الامريكي انه لاهداف نبيلة، وأن امريكا لم تخسر الحرب.

ذات الاستراتيجية وبنفس الوسائل والتكتيكات، تم استخدمها وانتاج سلسلة افلام منها 

افلام رامبو - سلفستر ستالون - عن " الجهاد" في افغانستان ضد الشيوعية، وشارك الإعلام المكتوب والمسموع، والمسمى ب "الحر" و "المستقل"، ايضا في تنفيذ 
تلك الإستراتيجية السياسية، وكان " المجاهدين" وقتها يسمون في الاعلام الامريكي 
ب " مقاتلون من اجل الحرية"

وغالبا الافلام الحربية الامريكية، عن حروب امريكا ضد آخرين إما تمول من وزارة الدفاع جزئيا بطريقة غير مباشرة، أو تحصل على تسهيلات منها.

من ضمن الأمثلة الأخرى في العقود الأخيرة، في موضوع المثلية، تم تنفيذ تلك الإستراتيجيات - من وجهة نظري- لكن اختلفت السياسة والتكتيكات والطرق التنفيذ

اشترك الإعلام الغربي سواء كصحافة مكتوبة أو كمواقع مشهورة، واغلبه مملوك لعدد قليل جدا من الشخصيات، مثل ميردوخ، كذلك السينما، والأدب، والفن عموما، وسياسيين يريدون أن يحصلون على رضا ملاك الاعلام والداعمين بالمال عنهم، في الاشتغال على تغيير النظرة داخل المجتمعات تجاه تقبل المثلية

ففي كل الافلام والمسلسلات لو نركز الملاحظة، دائما يتم تصويرهم بأنهم طيبين، مسالمين، عطوفين، بحاجة لاحتضان اجتماعي، افراد فعالين في مجتمعاتهم، لا يؤذون احد

وخلال عقود بسيطة تغير الوعي العام تجاههم من رفض اجتماعي عام لقبول، بدأ التغيير حين شطبت الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين، المثلية الجنسية من الدليل التشخيصي والإحصائي للإضطرابات النفسية، وهذا ألغى تعريفها كإضطراب نفسي أو شذوذ جنسي

وبعد أن كان الزواج المثلي محظورا في العديد من الولايات، تم اقراره فيدراليا في عام 2015، عبر قرار المحكمة العليا في عهد أوباما.

نفس الموضوع والاستراتيجيات حاليا تتكرر تجاه موضوع تشريع وقوننه استخدام المخدرات، تحديدا الحشيش والماريجوانا في امريكا وبعض دول اوروبا

ويتم تغيير الوعي تجاه هالموضوع بتصويرها انها ليست مثل الانواع الاخرى، والسماح بها يقلل عدد المدمنين على الانواع القوية من المخدرات، ويقلل التهريب، ويمكن السماح بها للتعاطي الشخصي وليس للتجارة، في هولندا شرعت قانونا تحت هالحجة، وفي امريكا بعض الولايات شرعتها قانونا، سواء كزراعة أو استهلاك شخصي.

ايضا لدينا في العالم العربي، تمارس مثل هالاستراتيجيات في مواضيع عديدة، ضد المجتمعات، وليس شرطا أن تمارس من قبل السلطة العامة، فقد تمارس من اتجاهات سياسية، دينية، فكرية لتحقيق اهدافها.

تم استخدمها في الثورة المضادة للربيع العربي لتشويهه، ايضا ال
قادة الخفيين للجماعات الارهابية يمارسونها ضد افراد تلك الجماعات تحت مسمى الدفاع عن العقيدة، الكثير مما يقوم به الاعلام والاعلاميين، تحت مسمى الوطنية أو الدفاع عن الوطن مثال آخر على استخدام استراتجيات وأساليب تغيير الوعي.

ويوجد الكثير من الناس، يكون منخرطا في التنفيذ، معتقدا أنه يقوم بعمل نبيل وواعي داخل المجتمع، وهو لا يعي انه مجرد منفذ لاستراتيجيات غيره، والتي اهدافها لا تتطابق بالضرورة مع اهدافه كمنفذ.