14‏/11‏/2020

عرض كتاب: الجماعة واللاوعي

 

اسم الكتاب: الجماعة واللاوعي






المؤلف: ديديه أنزيو
المترجم: د. سعاد حرب
الناشر: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع 


    هو من اهم الكتب التي وضعت، حول الواقع النفسي للجماعات الإنسانية
    ويمكن اعتباره عملا أساسا في البحث في مادة التحليل النفسي الجماعي
    يركز المؤلف على مفهوم " الخيال الجماعي"، فللجماعة نفسيتها الخاصة
    المختلفة في ظل بعض الشروط، وفي بعض الأحيان، عن نفسية الأفراد 
    الذين يؤلفونها أو الذين يعارضونها، ومن اجل توضيح هذه النفسية، ينطلق 
    المؤلف من المماثلة بين الجماعة والحلم، فهي تقوده إلى وصف وتحديد 
    موقع العديد من السياقات الهوامية التي تشكل خلفية حياة الجماعات: 
    الهوام الجماعي، الجماعة – الفم، هوامات الكسر، الجماعة – الآلة
    المقاومة المفارقة المدمرة للذات، الإختلاجات الناتجة عن الصورة 
    الأبوية أو عن الأنا الأعلى.



    تعليق: يستمد الكتاب قوته من كون الدكتور (ديديه أنزيو)، متخصص في 
    هذا المجال واستمد مادة الكتاب، من دراسات ميدانية، مباشرة، على 
    الجماعات سواء جماعات مكونة بشكل مسبق، كجماعة إدارة احد المصانع 
    الصغيرة أو جماعات تم تكوينها، وتحفيزها، من بيئات تنظيمية وخلفيات 
    ثقافية مختلفة، لغرض الدراسة والبحث.



اقتباسات من الكتاب

- "الجماعة غلاف، يضبط الأفراد معا، ومن الممكن أن نجد، طالما هذا 
الغلاف غير متشكل، تراكما بشريا، وليس جماعة.
ما هي طبيعة هذا الغلاف؟ يشدد علماء الاجتماع الذين درسوا الجماعات 
والإداريون الذين ساسوها، والمؤسسون الذين خلقوها، يشددون على 
شبكة القوانين الضمنية والظاهرة، والعادات المتبعة، والطقوس والأفعال
والوقائع، والتي تمتلك قيمة مرجعية، وعلى تخصيص الأماكن داخل 
الجماعة، وعلى خصوصية اللغة المتبادلة بين الأعضاء، والمعروفة 
منهم فقط. 
"إن غلافا حياً.... هو غشاء ذو وجهين، يتجه الأول نحو الواقع الخارجي 
الجسماني والإجتماعي، لا سيما نحو جماعات أخرى متشابهة أو مختلفة 
أو متناقضة، فيما يخص نسق قواعدها، وبهذا الوجه تُشَيٌد الجماعة سداً 
حامياً ضد الخارج، يعمل، إذا امكن، كراشح للطاقات التي يجب استقبالها 
وللمعلومات التي يجب تلقيها، ويتجه الوجه الآخر نحو الواقع الداخلي 
لأعضاء الجماعة، .... وبوجهه الداخلي، يسمح الغلاف الجماعي بإنشاء 
حالة نفسية متعدية الفردية، والتي اقترح تسميتها ب "ذات الجماعة"
فللجماعة ذات خاصة، وهذه الذات خيالية، وتؤسس الواقع الخيالي 
للجماعات.


"بإمكان جماعة أن تجد غلافها النفسي في أنا مثالية مشتركة، وهذه 
 هي ظاهرة الوهم الجماعي."
"تأويل الصمت: يعبر الصمت الجماعي المستمر أو المتكرر، عادة 
عن قلق اضطهادي، أمام ظرف الجماعة التي تعاش كأم سيئة، يُحمَل 
التأويل عندئذ على وجود خوف غير معترف به في ذهن المشاركين
خوف من الكسر.



    تعليق: نلاحظ هذه الظاهرة، اعني ظاهرة الصمت، في العديد من اللقاءات

    الملتقيات، الإجتماعات، ورش العمل، بغض النظر عن نوعها، رسمية 

    غير رسمية، أو مكان انعقادها، وتشمل مروحة واسعة، من اللقاءات

    العائلية في مكان محدد، إلى الإجتماعات التي تعقد داخل منظمات الأعمال

    أو غيرها، حيث يكون فرد ما، يقود الجماعة، أو يديرها، مشكلا "صورة

    الأب"، فيما يبقى اعضاء الجماعة، غير مشاركين بفعالية، ما لم يتم حثهم

     وحتى في تلك الحال، وكلما قلت سلطة الفرد، فإن تلك المشاركات

     تبدو وكانها تستبطن حالة نفسية دفاعية.


"الجماعة هي المشاركة في التمثلات، وفي المشاعر والإرادات، وفي
 الجماعات كما عند الأفراد، على التمثلات، أي الإدراكات الحسية والأفكار
 أن تراقب المشاعر وأن تأمر الإرادات.

"يتم سلوك جماعة ما على مستويين، الأول هو المهمة المشتركة، والثاني
في مستوى الإنفعالات المشتركة، يكون المستوى الأول عقلياً وواعياً، إذ 
لكل إذ لكل جماعة مهمة تتلقاها سواء من التنظيم الذى ترتبط به
أو تنوطه هي بنفسها، فيما المستوى الثاني يتميز بغلبة السيرورات 
النفسية "الأولية"... يسميها (بيون Bion) "افتراضات القاعدة"، وهذه
الحالات الشعورية قديمة، ونجدها في شكلها الصافي في الذهان، ومنها: 
التبعية: تطلب الجماعة، عندما تعمل على هذا الإفتراض، من الزعيم
أن يحميها، ولا يمكن أن تدوم من غير أزمات، إلا إذا قبل القائد الدور 
والسلطات التي تعينها له الجماعة، وإذا قبل الواجبات التي تنتج عنهما. 

     تعليق: الزعيم هنا، يُقصَد بها من يقود أي جماعة اجتماعية، بغض النظر 
     عن نوعها سواء كنا نتحدث عن عائلة معينة، أو إدارة في منظمة، إلى 
      قيادة دولة كاملة، وعندما يعمل اعضاء تلك الجماعة بذهنية التبعية
      فإن اعضائها يضمرون ذهنية تُعَرِف عن ذاتها، بعدم الفعالية 
      والقصور، وغير قادرة على المبادرة، وهنا فخ، قد يقع فيه من 
      يقود الجماعة، بطريقة لا واعيه، حين يقبل، أن ينساق ضمنيا
      لتلك المخاوف، والتي تلقيها الجماعة عليه، وتكلفه بها، فيتحول اذا 
      كان الحديث عن إدارة في منظمة اعمال، أو جماعة خاصة، لها 
      تنظيمها الخاص، داخل المجتمع العام، مثلا كجمعية معدة لغرض ما
      أو كنقابة أو حزب، إلى لعب دور زعيم قبيلة بدائية تضم "اتباع"، امام
      زعماء قبائل اخرى، اكثر منه لعب لدور قيادة "اعضاء مسؤولين" في 
      جماعة ما.

"المعركة - الهرب : يشكل رفض افتراض التبعية، من قبل المرشد، خطرا 
على الجماعة، إذ تعتقد حينئذ أنها غير قادرة على البقاء على قيد الحياة، وفي 
مواجهة هذا الخطر، يجتمع المشتركون بوجه عام إما للصراع أو الهرب..
 ..لقد أرادت الجماعة أن تبرهن أنها غير قادرة على أن تدير شؤونها لوحدها" 


     تعليق: هنا عندما يرفض من يدير الجماعة، رغبتها في التبعية، ولا تجد 
     من تلقي عليه بمخاوفها، لتتخلص منها، ترتد داخليا، إلى ذاتها كجماعة
     وتتحول إما إلى الصراع، بين اعضائها، حول الأدوار والمسؤوليات 
     خاصة في اللقاءات تضم جميع أو غالب اعضائها، أو هربهم من تحمل 
     تلك الأدوار وفي الحالتين، يشكل ذلك نداءا خفيا، لمن يقودها، كي 
     يتخلى عن رفضه لتبعيتها وقصورها.


التزاوج: يؤدي موقف المعركة - الهرب، في بعض الأحيان إلى تكوين 
جماعات تحتية أو أزواج. 

    تعليق: يُقصَد بالجماعات التحتية أو الأزواج هنا، انقسام الجماعة الواحدة
    إلى جماعات ضمنية مختلفة، واصغر عددا، داخل الجماعة الأصلية
     وتحاول كل جماعة تحتية، أن تجد "أب" جديد، من بينها، بديلا عن قائد
 
     الجماعة الكبرى، كي تلقي عليه تبعيتها وهواماتها.



"الجماعة تهديد أولي للفرد، لقد قادتنا تجارب، إلى تحديد فكرة أن 
الجماعة هي تهديد أولي للفرد، والحال، لا يوجد الكائن الإنساني 
إلا إذ شعر بوحدته وحدة جسده ووحدة نفسيته"

"الجماعة فم، الهوامية الشفوية في الجماعة"



     تعليق: عبارة الجماعة فم، تشرحها عبارتي المؤلف في ذات الفقرة: 

     "الجماعة تغذينا"، و"الجماعة تأكلنا"، وتغذينا هنا تشمل كل انواع 

     التغذية، المخاوف، الخيالات، الهوامات، الأنا المشتركة، الرغبة في 

     التبعية، وكذلك فهي كجماعة تأكلنا كأفراد، تلغي ذواتنا، وتدمجها

     في "أناها" المتخيل المشترك، أو المتوهم .


    "أليس كل تكوين (Formation) هو تشويه (Deformation) بنموذج 
     مفروض من الخارج؟ أليس استلاباً للفرد؟ ... ألا يحاول هذا التكوين 
     قولبة نمط المرء، ونمط من العلاقات الإنسانية المحدد سلفاً؟ 

ما يجب أن نتعلمه من أحد ما – وهذا ما ينطوي عليه التكوين – لا نمتلكه
إلا بعد أن نكون قد استقلينا عنه، بعد أن نقتل رمزياً سطوة صورته، وفي 
نفس الوقت صورة سطوته"

   تعليق: هنا المعنى يدور حول أنه يجب أن نتوقف عن الحديث، بلسان 
   المعلم ولغته - أيا كان من نتعلم منه، ونوع المعرفة - أن تقتل ذات المعلم
   داخلنا، ونبدأ في التحدث بلساننا نحن، ولغتنا، بدون ذلك سنبقى متلقين 
    سلبيين، واقصى ما سنصل إليه، هو استمرار تدوير لغة المعلم وذاته. 


    "هناك صراع ضد الندرة – في الجماعات – إذ يخشى كل واحد، أن يكون 
    "فضله"، يجب أن يزيلها الآخرون، "فم لا نفع منه"، من هنا تصمت افواه 
     كثيرة، عند بداية الجماعة، لأنها تشعر أنها غير مفيدة، وأنها إذا تكلمت 
     فسيلفت ذلك انتباه المنافسين " المبيدين" نحوها" 

"يعمل، إنتاج الوهم في الجماعات، بواسطة سيرورة اخراج مماثلة أيضا
 لتلك التي تعمل في الحلم،...فالحلم شأنه شأن العارض، هو تكوين لتسوية
 بيت الرغبات اللاواعية وأولويات الدفاع، التي تكون لا واعية بشكل عام" 
- "في كل لقاء بين اثنين أو عدة كائنات، إما تنطوي الذات الإنسانية على 
نفسها لحماية هويتها المهددة، وهواماتها الشخصية اللاواعية، وإما تضع 
في الأمام احد هذه الهوامات لتجعل الآخر أو الآخرين، يدخلون في لعبتها" 
- "ما هو الهوام الفردي؟ انه سيناريو خيالي، يلعب بين عدة اشخاص
 وتكون الذات حاضرة، بوجه عام كمشاهدة وليس كفاعله" 



17‏/07‏/2020

كتاب: المقدس والعادي



الكتاب: المقدس والعادي







المؤلف: مارسيا إلياد
كتب الكتاب عام 1956
المترجم: د. عادل العوا
الناشر: صحارى للصحافة النشر-2000
عدد الصفحات: 152



       __________________________________________________
تعليق: كتب الدكتور عادل العوا مقدمة طويلة (21 صفحة)، ووضع لها عنوان: (نحو علم الأديان)، لتتحول إلى أشبه بكتاب تمهيدي مصغر عن علم الأديان عموما، وليس عن كتاب مارسيا إلياد فقط، وأعتقد أن القارئ غير المتعجل الذى يبحث عن اكبر قدر ممكن من الإلمام، بأفكار الكتاب، سيجد هذه المقدمة ممتازة وضرورية للفهم، رغم أنك ربما لا تتفق مع بعض ما ورد فيها بحكم خلفيتك الفكرية كقارئ عربي
          __________________________________________________


من مقدمة المترجم: 


التدين موقف أساسي من مواقف القيم الإنسانية التي لا مندوحة للثقافة من أن تستجلي عبره جانبا رئيسيا من جوانب وجود الإنسان، وتطوره خلال الحقب والعصور، وقد تطور اهتمام الناس بالدين من الإيمان الساذج إلى الإيمان الواعي، ثم البحث في ظاهرة التدين بحثا اعتقاديا بادئ ذي بدء، ثم تطور هذا البحث بتطور العلوم الإنسانية وتمايزها حتى ظهر في إطار هذه العلوم، علم الأديان أو تاريخ الأديان المقارن أو تاريخ الأديان.


يعرف (إ. رويستون بيك) تاريخ الأديان بقوله: "إنه دراسة علمية وموضوعية تتناول ديانات العالم الماضية والحاضرة، وهذه الدراسة تتوخى دراسة الأديان في ذاتها واكتشاف ما يقوم بينها من نقاط تشابه واختلاف، واستخلاص تشابه واختلاف واستخلاص مفهوم الدين بشكل عام، وعلى هذا فإن "علم الأديان" بحث وسط يقوم 
بين التاريخ من جهة وبين علم النفس وعلم الاجتماع من جهة أخرى. 



- في العصر الحديث رفض بعض الباحثين إفساح المجال للدين، واستعاض بعضهم عنه في الواقع بعبادة علمانية، (عبادة كائن أعلى، أو عبادة الشخصية السياسية) أو استعاضوا عن الدين بفلسفة اجتماعية سياسية أو عرقية صُعِدَت ورقي بها إلى رتبة عقيدة آمره قاهرة لا تُمس.


- وقد بات في حكم المقرر، أن الدين قد لازم نشأة الحضارة، وبدا على انه خصلة من الخصال التي تميز الفكر الإنساني، حتى أن من العسير على ما يبدو، أن نفترض وجود مجتمع غابر خلو من الدين، إلا إذا اعتبرناه متسما -وأعضاءه – بالبلاهة والعجز أما دراسة الدين فيمكن أن تنطلق من أحدى وجهي نظر، هما: وجهة النظر الاعتقادية ووجهة النظر العلمية، والتاريخية، يقول (فان درلو): "إن ما هو موضوع في نظر الدين نفسه يصبح هو المحمول في دراسة علم الأديان، فالله هو الذى يعمل في نظر الدين بالنسبة إلى الإنسان، أما العلم فإنه لا يعرف إلا عمل الإنسان بالنسبة إلى الله وأن العلم ليعجز عن الكلام على عمل الله.


- بحسب (ميسلن) تعريف الدين لا يمكن أن يكون إلا تعريفا تقريبيا، تعريفا لا يطابق موضوعه، لأن كلمة دين تشتمل على وقائع جد متباينة، وينجم عن إضمار أي ميتافيزيقيا في تعريف الدين تزييف كل بحث علمي في هذا المجال، لذا يجب الانطلاق من التجربة الإنسانية، تجربة الإنسان عن المقدس.


- يقول (هايدجر) كما نعجز عن معرفة حلم الحالم، إلا بالكلام الذى يعرب به عنه الحالم في حال يقظته، كذلك فإننا لا نعرف المقدس، إلا من خلال الإنسان الذى يعرب عنه وبديهي أن الإنسان إنما يعرب عن المقدس بمفاهيم وأساطير ورموز، لا يشعر بها "الإنسان الديني" إلا باعتبار إنها سبيل من سبل الكلام والتقريب والإشارة، تتفاوت مواءمتها لموضوعها، إنها ليست إلا كتابات إنسانية، تنقل واقعا يظل بذاته خفيا عن الإنسان إلى حد كبير أو صغير ولكن الإنسان يود برغم ذلك أن يربط به عمله، وعلى هذا يمكننا تعريف المقدس على انه علاقة. 


- وينجم عن ذلك أن من الواجب أن نميز في كل فعل ديني، مرحلتين: إدراك الإنسان للمقدس باعتبار المقدس واقعا موضوعيا ومتعاليا، من خلال تجربة عقلية وانفعالية شعرية أو رمزية، من جهة، ومن جهة أخرى تعبير الإنسان عن هذا الواقع إذ يجعله أمرا
محايثا للإنسان، ذلك أن هذا التعبير الذى يصوغه الإنسان في لغات شتى لا يقتصر على وصف المقدس، والمقدس موضوع خارجي عن الإنسان، بل يشهد في الوقت ذاته على علاقة قائمة بين الإنسان وبين شيء آخر، والإنسان يعني أن بامتلاكه الخاص لذلك الشيء يحور حياته ذاتها، وعلى هذا ندرك أن كل معرفة للمقدس هي تجربة تتناول قدرة اعلى من نظام الأشياء الطبيعي، وهذه القدرة تحول كل ما تتجلى فيه.


- لا نستطيع إدراك المقدس إلا حيثما نلقاه، في وجود الإنسان ذاته، إن في وسعنا أن نحدد تخومه بتحليلات من النمط اللغوي والتاريخي والاجتماعي، وإذ ذاك ندرس مختلف اللقاءات التي تمت خلال التاريخ بين الإنسان وبين المقدس، ولكن ما ندركه عندئذ وعبر الأجوبة التي اضطلع بها الإنسان، لتهدئة القلق في شرط وجوده، ولتخفيف مرارتها، إنما هو المقدس - المعاش – وهو مقدس امتلكه الإنسان في زمان معطى ومكان معين، والذى ينتج التعبير عنه، أكثر ما ينتج، عن الثقافة الأصلية للإنسان الديني. 

- كل حياة دينية هي بالدرجة الأولى عبارة عن تنظيم علاقات البشر بعضهم ببعض، كما هي تنظيم علاقاتهم جميعا بقوى عليا، قوى المقدس.


- اللاهوت مقال الإنسان عن الله، وموضوعه هو الوصول إلى ذات ديانة معينة، تعتبر ذاتها أنها وحدها الديانة الحقيقية الصحيحة، ولهذا فإن اللاهوت يطرح قواعد الاستدلال ويصف موضوع الإيمان، ويتصوره تصورا عقليا، ويسعى إلى تحديد أخلاق متسقة مع ما يعتبره الحقيقة، .... الدراسات اللاهوتية تجيب عن السؤال الآتي: ماذا ينبغي علينا أن نعتقد؟ ولم ينبغي علينا أن نؤمن؟ أما علم الأديان فإنه يعنى بكل ما آمن به البشر.

- لقد حاول كثيرون، وفي مقدمتهم الثلاثي المتنافر، (ماركس) (نيتشه) (فرويد) سلخ القداسة عن الوجود الإنساني، بإظهار آراءهم في نشأة الظاهرة الدينية، وإماطة اللثام عن ميرتها وتطورها ووظيفتها، ومن البديهي أن سيطرة الإنسان المتزايدة باطراد على قوى الكون، وترعرع العلوم الإنسانية في عصرنا، يدخلان تعديلا كبيرا على النظرة الحاضرة إلى الظاهرة الدينية، بيد أن المقدس مازال، برغم ذلك، ماثلا في الوجود الإنساني، ولئن جاز سلخ الصبغة الدينية في عصور الأزمات، فإن انسلاخها لا يبدو أنه حاسم ونهائي. 

- من شان أي مجتمع إنساني أن ينجب بحركيته ذاتها، مقدسا جديدا، يدعم أعماله ويبررها، تماما بقدر ما يمثل هذا المقدس عالم الإنسان ذاته.

- معرفة الدين ودراسته تتيحان للإنسان أن يفهم العالم والكون، ولكن دراسة الأديان وتاريخها تتيحان للفكر البشري أن يفهم الإنسان.


مقدمة المؤلف: 

كتب هذا الكتاب الصغير سنة 1956، وهذا الكتاب يستهدف بتأليفه سواد الجمهور باعتبار أنه مدخل عام لدراسة الحوادث الدينية دراسة فنومنولوجية وتاريخية، مثل كتابنا قد يثير بعض اللبس، ذلك أن محاولتنا تقديم سلوك الإنسان الديني بفهم وتعاطف وتقديم الإنسان في المجتمعات التقليدية والشرقية، أنها محاولة لا تخلوا من خطر، فقد يتعرض استعدادنا للانفتاح والترحيب إلى أن يُحكم عليه بأنه تعبير عن حنين خفي لوضع الإنسان التقليدي الغابر، وهذا امر بعيد عن المؤلف، إنما كان مقصدنا أن نساعد القارئ على ألا يدرك المعنى العميق لوجود ديني من النمط التقليدي وحسب، بل على أن نيسر له أيضا سبيل الاعتراف بهذا الوجود، من حيث انه قرار إنساني، وعلى أن يقدر جماله، يقدر نبله.



ثمة مسألة لم نعالجها إلا تلميحا، إلى أي مدى يمكن أن يصبح ال "عادي" هو ذاته "مقدساً"، إلى أي مدى يمكن أن يكون وجود، يعتبر وجودا زمنيا بصورة جذرية، يكون بدون (الله) وبدون (آلهة)، منطلق نمط جديد من أنماط "الدين"، ..... وبعبارة أخرى، إن زوال الديانات لا ينطوي البتة على زوال "التدين"


         ___________________________________________________
تعليق: ما يعنيه مارسيا إلياد بالمقدس هنا، وفي كل فقرات الكتاب، هو كل ما يضفي عليه الإنسان قداسه ما، أو معناها، بغض النظر عن كنهه، فالحديث لايتناول بالضرورة (الله) سبحانه، كما تعرفه الأديان السماوية، ولا ظاهرة التأليه بل ظاهرة التقديس، وبين الأمرين فرق كبير.
       ____________________________________________________


اقتباسات من الكتاب




عندما يتجلى المقدس:

- المقدس يتجلى دوما على انه واقع من نظام آخر، غير نظام الوقائع "الطبيعية"، وفي وسع الكلام أن يعبر بسذاجة عن الروعة، عن الجلالة، عن الفتنة السرية، بحدود مستمدة من المجال الطبيعي، أو من مجال الحياة الروحية العادية للإنسان، ولكن هذه المفردات المشبهة تنجم، بوجه الدقة، عن عجز الإنسان عن الإعراب عن المغاير إطلاقا: إن الكلام يضطر إلى استخدام حدود مستمدة من التجربة الطبيعية للإنسان، عندما يود الإيحاء بكل ما يتجاوز هذه التجربة بالذات.

- إنما يعرف الإنسان المقدس لأن المقدس يتجلى، يظهر ظهور شيء يغاير الشيء العادي مغايرة تامة.

- الحجر المقدس والشجرة المقدسة لا يعبدان على أنهما حجر وشجرة، بل إنهما موضع عبادة بوجه الدقة لأن القداسة تتجلى فيهما، لأنهما "يُظهران" شيئا لم يبق هو حجرا ولا شجرة، بل هو القداسة، هو المغاير إطلاقاً، القداسة إذ تظهر في شيء من الأشياء، يغدو شيئا مغايرا، لما كان عليه مع بقائه هو هو.

- إنسان المجتمعات الغابرة ينزع إلى أن يحيا اكثر ما يحيا في المقدس، يحيا على صلة حميمية مع الأشياء التي اضفى القداسة عليها.





المقدس والتاريخ: 


- من البديهي أن يتعذر نمو الرمزيات وعبادة (الأرض – الأم) وعبادة الخصب البشري والزراعي وتقديس المرأة... إلخ، ويكون من الممتنع تأليف منظومة دينية ذات دقائق غنية إلا باكتشاف الزراعة، وكذلك من الطبيعي أن مجتمع ما قبل الزراعة - مجتمع الصيادين – لم يكن في وسعه أن يشعر بتقديس (الأرض-الأم) على الطريقة ذاتها ولا بالشدة ذاتها، وإنما ينشأ اختلاف التجربة عن الاختلاف في الاقتصاد وفي الثقافة وفي التنظيم الاجتماعي وبكلمة واحدة في (التاريخ) 




التجانس المكاني وتجلي القداسة:



- يرى الإنسان الديني أن المكان غير متجانس، فهو يحتوي على انقطاعات، على كسور هناك أجزاء من المكان تختلف كيفيا عن سواها، يقول الرب إلى (موسى): "لا تقترب إلى ههنا، اخلع حذائك من رجليك لأن الموضع الذى أنت واقف عليه أرض مقدسة" (سفر الخروج، الإصحاح 5:3) هناك إذن مكان مقدس، ومن ثَم قوي، ذو دلالة، وهناك امكنه أخرى غير مقدسة ومن ثَم بدون بنيه ولا قوام، أي بكلمة واحدة أمكنة لا شكل لها،... لذا فإن الإنسان الديني قد جهد ليضع نفسه في "مركز العالم"، ولابد من تأسيس "العالم" من أجل الحياة فيه...، وإن اكتشاف نقطة ثابتة هي "المركز"، أو إضفاءها يعدل (خلق العالم).


- نورد مثلا يظهر بداهة عدم تجانس المكان عند الإنسان الديني، كنيسة من الكنائس في مدينة حديثة، فالإنسان المؤمن يرى أن هذه الكنيسة تشترك في مكان آخر هو الشارع الذى توجد فيه، ولكن الباب الذى يفتح على داخل الكنيسة يمثل انقطاعا في المكان، وتدل العتبة التي تفصل المكانين في الوقت ذاته على البون بين عالمين، العادي والديني، إن العتبة هي بآن واحد حد، جبهة تميز تعارض عالمَين، وهي المكان العجيب المفارق الذى يلتقي فيه هذان العالمان وحيث يمكن أن يلتقي يحدث الانتقال من العالم العادي إلى العالم المقدس.

______________________________________________________



تعليق: ربما كمسلمين لا نستشعر عمق هذا المعنى، في العبارات السابقة، كما يستشعره المسيحي المتدين، لأن التجربة الدينية المعاشه، تختلف في السياقين، لأن الدين تقريبا تمت تنحيته عن الحياة العامة هناك، وحصر في المدن داخل أماكن محددة لذا يستشعر المسيحي المتدين الفرق بين هذين العالمين، فيما في السياق الإسلامي يختلف الشعور لأن الدين مازال موجودا في المجال العام، وكذلك لأن التردد على المسجد 5 مرات يوميا لأجل الصلوات، يقلص الشعور بالفجوة بين العالمين، وربما الحالة النفسية، التي أصابت الأفراد المعتادين على الصلوات في المسجد يوميا، وفي كل الفروض، خلال مدة منع الصلاة في المساجد خلال جائحة كورونا، تقدم لنا لمحة عن ذلك الشعور، والحنين، عن تجربة الوجود في مكان (المسجد) يمثل في ذهنية الإنسان المتدين (عالم مغير) له قداسه اكثر من الأماكن العادية. 

______________________________________________________



الاضطلاع " بخلق العالم":



- .... الفارق الجذري الذى نلقاه بين السلوكين، السلوك التقليدي "المتدين"، والسلوك الحديث، بإزاء المسكن الإنساني، ومن النافل أن نسهب في الإلحاح على قيمة المسكن في المجتمعات الصناعية ووظيفته، .... ولقد ذكر أحد المهندسين المعماريين، أن البيت "آلة للسكن" إنه إذن آلة من جملة الآلات، التي لا تحصى، والتي تنتجها بالجملة المجتمعات الصناعية، ولابد للبيت المثالي في العالم الحديث من أن يكون أول ما يكون، وظائفياً أي أن يتيح للسكان أن يعملوا ويستريحوا، ومن الممكن إبدال آلة السكن على نحو مضطرد كما يبدل كما يبدل المرء دراجة أو براداً أو سيارة.


- النمط الثاني من نظرية تكون العالم، هو نمط أعقد، ... فالبيت شانه شان المدينة والحرم، يُقَدَس جزئيا أو كليا، بواسطة رمزية أو شعائرية متصلة بنظرية تكون العالم ولذا فإن الإقامة في مكان، أو بناء قرية بل مجرد بناء بيت، يمثل قرارا خطيرا، لأنه يطرح قضية وجود الإنسان ذاته، إن الأمر يتناول بوجه الإجمال أن يخلق الإنسان "عالمه" وأن يضطلع بمسؤولية الحفاظ عليه وتجديده، وأن المرء لا يبدل مسكنه بدون أسى، إذ ليس من اليسير عليه هجر عالمه، والمسكن ليس موضوعاً ليس آلة للسكن، بل إنه الكون الذى بناه الإنسان لنفسه، بتقليده "الآلهة" في خلقها النموذجي، تقليده تَكَوُن العالم، وكل بناء، كل افتتاح مسكن جديد، يعدل بنوع ما بدءا جديدا، يعدل حياة جديدة وكل بدء يكرر البدء الأولي، الذى ظهر فيه "الكون" للمرة الأولى، وأن الأعياد والأفراح التي تواكب سكنى منزل جديد، لا تزال تحتفظ حتى في المجتمعات الحديثة، التي سلخت عنها القداسة إلى حد كبير، تحتفظ بذكرى الاحتفالات الصاخبة التي كانت في الماضي.


- كل عالم هو من خلق آلهة، فهو إما أن تخلقه خلقا مباشرا، وإما أن يكون قد قُدِس على نحو غير مباشر، أي نُظِم "تنظيما كونياً"، من جراء تكرار البشر على نحو شعائري عمل (الخلق) الأنموذجي، بعبارة أخرى لا يستطيع الإنسان الديني إلا أن يحيا في عالم مقدس، وهذه الضرورة الدينية تعبر عن ظمأ ديني لا يُروى، والإنسان الديني ظمآن للوجود، وإن فزعه من (الاختلاط) الذى يحيط بعالمه المأهول، يقابل فزعه من العدم.




______________________________________________________

تعليق: "كل عالم هو من خلق آلهة"، الخلق هنا لا يُفهَم فقط بمعناه المباشر بطبيعة الحال بل أيضا يأتي بمعنى (منح المعنى) للعالم، وكذلك ( إيجاد الروابط والعلاقات بين الأشياء فيه)، أيضا تاتي بمعنى (ايجاد القوانين فيه)، ولا اتحدث عن القوانين الفيزيائية في الكون بالضرورة، بل ايضا ما (يضفي) عليه الذهن البشري صفة القانون الإلهي، وإن لم يكن كذلك. 
______________________________________________________



الزمان المقدس والأساطير:



- الزمان كالمكان ليس في نظر الإنسان الديني متجانسا ولا متصلا، فهناك فترات من (الزمان) المقدس، زمان الأعياد، وهناك من ناحية أخرى الزمان غير المقدس أو العادي الديمومة الزمنية العادية التي تجري فيها الأفعال الخالية من الدلالة الدينية، وبين هذين النوعين من الزمان يوجد بالطبع انقطاع، بيد أن بوسع الإنسان الديني "الانتقال" بدون خطر من الديمومة الزمنية العادية إلى الزمان المقدس.


- ثمة فارق أساسي بين صفتي الزمان المذكورتين، يلفت نظرنا بادئ ذي بدء: عن الزمان المقدس يقبل من حيث طبيعته ذاتها، القلب، أي أنه بالمعنى الصحيح (زمان أسطوري) أولي غدا حاضرا، فكل عيد ديني، كل زمان شعائري، يتألف من إعادة إنجاز حالي لحادث مقدس، كان قد حدث في ماض أسطوري (في البدء) وأن المشاركة الدينية في عيد من الأعياد تستلزم الخروج من الديمومة الزمنية "العادية"، بغية إعادة التكامل مع الزمان الأسطوري، الذى يتكرر إنجازه الحالي بالعيد ذاته، ..... يرفض أن يحيا فقط فيما يسمى بألفاظ حديثة باسم "الحاضر التاريخي"، فهو يجهد للحاق ب زمان مقدس يمكن تشبيهه من بعض أوجه الاعتبار بال "سرمديه".


- ربما كان من الأعسر أن نذكر بصورة دقيقة، وبكلمات معدودة، ما هو (الزمان) في نظر الإنسان اللا متدين في المجتمعات الحديثة.


- (العيد) ليس "احتفالا بذكرى" حادث أسطوري، وإذن ديني، بل العيد هو إعادة تحقيقه في الحاضر الحالي.


- الإنسان الديني بل اكثر الناس اتساما أنه "ابتدائي"، لا يرفض "التقدم"، من حيث المبدأ، إنه يقبله، ولكنه يقبله وهو يضفي عليه أصلا وبعدا إلهيين. 


- الحنين إلى "الأصول" هو إذن حنين ديني، فالإنسان يرغب في أن يجد من جديد حضور الآلهة حضورا ناشطان وهو يرغب كذلك في أن يحيا في (العالم) الغض النقي "القوي"، العالم مثلما خرج من بين يدي (الخالق).

______________________________________________________

تعليق: العيد هنا، يأتي بمعنى كل ما اعتادت المجتمعات المتدينة - بغض النظر إن كان الدين في هذه الحالة سماوي أو أرضي وضعه البشر، وينطبق هذا ايضا على ما هو ليس دينا في الحقيقة، ولا يسمى كذلك، بل ما هو في حكمه كبعض الفلسفات الشرقية مثل الكونفوشية - على منحه معنى ديني وعلى الإحتفاء به، عبر أداء الشعائر والطقوس المعطاه أو المبتكره، التي تجعل المتدين ذهنيا يربط ويوحد بين زمن الحدث الذى اطلق تلك الشعائر والطقوس، وبين يومه الحاضر.  
______________________________________________________





قداسة (الطبيعة) والدين الكوني:


- يرى الإنسان الديني أن (الطبيعة) ليست بوجه من الوجوه "طبيعية" حصرا، إنها دائما مثقلة بقيمة دينية، وهذا جلي ما دام الكون خلقا إلهيا، وليست قداسته مستمدة من الآلهة فحسب، بل إن الآلهة فعلت اكثر من ذلك: غنها أظهرت ضروب المقدس المختلفة في بنيه (العالم) وبنيه الظواهر الكونية ذاتها.


- إن مجرد تأمل قبة السماء يكفي لبدء تجربة دينية، إن الكون – وهو اثر إلهي انموذجي – "مبني" على نحو أن يحفز وجود (السماء) ذاتها الحس الديني بالتعالي الإلهي ويطلقه.



03‏/04‏/2020

رواية: عائد إلى حيفا



رواية: عائد إلى حيفا 

 لغسان كنفاني





عبدالخالق مرزوقي

رواية عميقة، نتذكرها كي لا ننسى

ورغم حجمها الصغير، لكنها تُقرَأ بتمهل، وبوقوف أمام كل جملة
فهي غنية ومركزة المضمون، ولها رسالة، ومكتوبة بحميمية اشتهر بها
غسان كنفاني، من العبارات المفاتيح للتعمق في اجواء الرواية 
ومضمونها:

التمهيد الذى يسبق عبارة: "هذه هي حيفا يا صفية!"

التمهيد الذى قام به الراوي، يجعلك حين تصل لهذه العبارة، ترى وجه 
الراوي كان كمن يقدم محبوبته بفخر لعائلته. 

عبارة: "انت لا ترينها، إنهم يرونها لك."

حيفا التي يعرفها الراوي، وجميع اراضي فلسطين ال 48، لم تعد مدينته
هو كفلسطيني، لم يعد الفلسطينيون يملكونها، كما غير الإحتلال الواقع
يريد ايضا تغيير الذاكرة، كي يتم نفي فلسطين التاريخية من الوجدان الفلسطيني والعربي واعادة تعريفها كمدينة اسرائيلية، لذا انتهى هذا
 المقطع في الرواية بعبارة: 
"ذلك جزء من الحرب"

وهذا ما حدث ويستمر في الحدوث تماما، لذا حربنا مع الإحتلال، لم تكن 
يوما حرب حدود، كما يحاول الإحتلال، ومن معه ويتحدثون بلغتنا، أن 
يزيفوا وعينا، هي حرب هوية، تخاض عبر مجالات عديدة، ومن تلك
المجالات الوعي والذاكرة. 


- عبارة: "كأنها تتصرف في بيتها! تتصرف وكأنه بيتها"
- وعبارة: "انظر من الذى يتحدث! إنها تقول (مثل أبيه)! و كأن
 لخلدون أبا غيرك."
البيت و خلدون هنا، قد يكونان بيتا وشخص ما، كما تسرد الرواية
وقد يكونان الوطن، الأرض، الذكريات المتروكة هناك لدى الجيل الأول
الجذور، بقية العائلات التي بقيت في الداخل. 

فالإحتلال لم يهدي منازل المغادرين والهاربين، للقادمين من اربع
جهات العالم فقط، مع المنازل يحاول منحهم وطن، الأرض، يؤسس
لهم ذكريات جديدة، وجذور في ارضنا نحن، في فلسطيننا نحن
نتعرض نحن العرب لعملية إستلاب كاملة لكل ما يتعلق بفلسطين. 

- العبارات التالية: 
"مريام: والآن دعنا ننتهي من كل شيء، أنا اعرف ابوه، واعرف ايضا
 انه ابننا ومع ذلك لندعه يقرر بنفسه، لندعه يختار، لقد اصبح شابا
 راشدا، وعلينا نحن الإثنين، أن نعترف بأنه هو وحده صاحب الحق
 في أن يختار...، أتوافق؟
- صفية: ذلك خيار عادل...وأنا واثقة أن خلدون سيختار...والدييه 
الحقيقيين، لا يمكن أن يتنكر لنداء الدم واللحم." 

احد حوارات الرواية، كتبه غسان، يتبين منه أنه كان يعرف تماما
العقلية الصهيونية، وكيف تعمل، وكلمات مريام تلخص تماما كيف
يتم تهويد الأرض، ثم الإستجابة "الخطابية" لعملية تفاوض اعلامية
حولها، ورد صفية ايضا يلخص لحد كبير سذاجة العرب، حينها، في 
التعامل مع فرض الإحتلال للأمر الواقع على الأرض، وكأنه عَرَض 
جانبي يمكن التخلص منه وتجاوزه بسهولة. 


حوار آخر، بين احد الفلسطينيين (عرب 48) الذين بقوا في حيفا
وبطل الرواية قد يكون يلخص وجهة نظر من بقوا في فلسطين 
التاريخية، وحافظوا على جزء من ذكرياتهم وجذورهم فيها:

"شعرت بفراغ مروع، حين نظرت إلى ذلك المستطيل، الذى خلفته 
على الحائط - يقصد صورة الشهيد، شقيق بطل الرواية - وقد بكت 
زوجتي، والبيت، طفلاي بذهول ادهشني، لقد ندمت لأني سمحت
 لك بإسترداد الصورة، في نهاية المطاف هذا الرجل لنا نحن، عشنا 
معه، وعاش معنا، وصار جزءا منا، وفي الليل قلت لزوجتي، أنه كان
 يتعين عليكم إن اردتم استرداده أن تستردوا البيت، ويافا، ونحن
 الصورة لا تحل مشكلتكم، ولكنها بالنسبة لنا جسركم إلينا 
وجسرنا إليكم." 

22‏/03‏/2020

ما بعد كورونا، وما هو اعمق من فايروس

ما بعد كورونا، وما هو اعمق من فايروس


عبدالخالق مرزوقي


كورونا ليس مجرد (جائحة ) طبية تجتاح العالم، وإن بدأ كذلك
فالتغيير الذى سيحدثه هذا الحدث الكبير على مستوى العالم، سيكون له
تداعياته الإجتماعية والثقافية والفكرية، طبعا دون الحديث عن التداعيات
السياسية والإقتصادية، وهي التي ظهرت أولا، واثرها اكثر وضوحا في
الوقت الحالي.

ظهور التداعيات الإجتماعية والثقافية سيتطلب بعض الوقت، واستيعاب
تلك التداعيات سيحتاج بدوره بعض الزمن، لكننا بالتأكيد سنكون امام عالم
مختلف

من الأمور الي بدأت تظهر مثلا على المستوى الثقافي والإجتماعي، وفي 
الغرب تحديدا، الأضرار التي اصابت مفهوم وفلسفة الفردانية في الغرب
فإكتشاف الإنسان في المجتمع الغربي، في هذه الأزمة التي لها جوانبها 
الإجتماعية، أنه (وحيد) و(ومتروك)، وأن عليه مواجهة تداعيات هذه 
الوحدة، وذلك لعدة اسباب، منها أنه ذهب بعيد جدا في موضوع الفردانية
للحد الذى جعله حين الإحتياج للعائلة المتضامنة والمجتمع، لم يجدهما 
بالصورة التي املتها الضرورة الحالية. 


الأمر الثاني هو اكتشافه لهشاشة الإعتماد على النظام السياسي في سياقه
الرأسمالي كضمانة للأمان الإجتماعي، ومنه الرعاية الصحية، بل لهشاشة
الدولة ذاتها، هذا الإعتماد الذى كان يبقيه بعيدا عن السياسة، مستقيلا من
الإنخراط في الشأن السياسي العام، هشاشة هذا الإعتماد تجلت في عدة
امثلة، اظهرها ترك نسبة كبيرة من كبار السن في ايطاليا - وهي من أعلى
دول أووبا في نسبة كبار السن- لمواجهة الموت، لأن الرغبة في عدم انهيار
النظام الصحي حتمت أن يكون من يحصل على أوليه العلاج، هو من يمتلك
نظريا القدرة الأكثر على البقاء حيا، ولم يعد العلاج حقا للجميع، كمتساوين
ونراه ايضا في اختيار الحكومة البريطانية لمفهوم (مناعة القطيع)، كطريقة 
عامة لواجهة انتشار عدوى الفايروس، مع معرفتها أن لهذه الطريقة مخاطرها
العالية على كبار السن، والمرضى بأمراض مزمنة، الذين لا تتوفر لديهم 
القدرة الجسدية والصحية على تحمل الإصابة بهذا المرض.

ونراها كذلك في تهافت المواطنين الأمريكيين على شراء السلاح بكميات 
كبيرة، لأنهم وبفعل الإعتقادات في اللاوعي - وكما تحدث (جوستاف لوبون)
في كتابه الشهير (سيكولوجية الجماهير) أن الفرد يتحرك بشكل واعي، لكنه 
اذا اصبح جزءا من الجماهير، فإن الجماهير تتصرف بشكل غير واعي - التي
خلقتها وسائلالإعلام والسينما، وحجم الجرائم اليومية التي يقرأ عنها ويشاهدها
 في النشرات الإخبارية المسائية، خلق لديهم حالة عدم استقرار نفسي وخوف 
اجتماعي انه اذا زادت اعداد المرضي، لربما ينهار النظام الصحي والإجتماعي 
وتفقد الدولة السيطرة، ويصبح كل فرد بحاجة لحماية ذاته بالسلاح من هجوم 
الآخرين المسلحين.

هذه لن تكون مجرد احداث متفرقة عابرة، فهي تصيب ( الإنسان الحديث) في 
جملة من المفاهيم الثقافية والفكرية، التي تأسس عليها، وظن أنه تجاوز النقاش 
حولها، سواء على صعيد حياته الشخصية، أو على صعيد علاقته بالدولة، بقدر
ما تصيب النظام السياسي في سياقه الغربي ووظائفه.
  
ماذا عن سياقنا نحن؟
هذا يحتاج لقراءة اخرى.

21‏/02‏/2020

بين تسريح الموظفين وخفض اجورهم.



شركات "سوفت بنك" .. لماذا تفضل تسريح بعض موظفيها بدلًا من خفض أجور الجميع؟
http://bit.ly/2PjXwx9


تعليق على المقال الموجود في الرابط السابق:

اختلف قليلا مع الخلاصة، التي توصل لها كاتب المقال ومؤلف الكتاب
فهناك حل اخر ربما، لكن لم يتم التطرق له في المقال.

فالكاتب قارن بين حلين من الحلول، إما صرف الموظفين، أو تخفيض
اجور الجميع، ثم قدم فرضيته بأن صرف الموظفين افضل للشركة
لأن ضرر خفض الأجور اعلى،  كونه يضعف الروح المعنوية للجميع
وبالتالي الإنتاجية والجودة.

لكن لم يتم التطرق لحل ثالث، وهو خفض اجور ومكافئات اعضاء
مجالس الإدارات وكبار التنفيذيين، مع عدم صرف العاملين أو خفض
اجورهم، بشرط ألا يكون هناك موظفين أو عمالة فائضة عن الحاجة
أو بطالة مقنعة، اذا تحقق الشرطين، اعتقد الحل الثالث هو الأفضل.

لكن الشركات غالبا لن تلجأ له، لأنها تعمل ضمن محددين، هما فلسفة
النظام الرأسمالي والذى لا يهتم إلا بالربح، ودفاع مجالس الإدارات
والتنفيذيين من اجل مصالحهم، فيما لا يملك الآخرون من يمثل
في مواقع صنع القرار.

06‏/02‏/2020

معدل دوران العمل والتكلفة المخفية

معدل دوران العمل والتكلفة المخفية


عبدالخالق مرزوقي



من المعروف أن من الأدوار الرئيسية لأقسام الموارد البشرية، في المنظمات التي تمتلك استراتيجيات حقيقية ومرتبطة بأهداف وخطط ومؤشرات أداء، هو قياس معدل دوران العمل ودراسة أسبابه إذا كانت نسبته مرتفعة نتيجة للأثر البالغ الذى يتركه معدل دوران العمل المرتفع، على المنظمة من جهة التكلفة سواء المالية أو غيرها.
فهو يكلف المنظمة ماليا من جهتين، الأولى لأنه يعتبر من جهة خسارة استثمار، فالمنظمة تستثمر في الموظف كتدريب مباشر وغير مباشر، رفع مستوى انتاجية، بناء خبرة عملية، وتستفيد منه عائد إضافي مع تراكم الخبرة وزيادة الفعالية، مالي وغير مالي، وأعني بالعائد غير المالي الذى تجنيه المنظمة من الموظف، وتحديدا في بعض المجالات المتخصصة، والتي للسمعة والشهرة فيها عائد تسويقي، كوجود طبيب مشهور في مستشفى معين، أو محامي شهير في شركة محاماة، ومن جهة اخرى يكون على المنظمة دفع تكلفة استثمار مماثلة في موظف جديدة.
أما من جهة التكلفة المالية غير المباشرة، فزيادة معدل دوران العمل، يحرم المنظمة من نقل الخبرة والمعرفة بين العاملين، نعم اصبح للتقنية الدور الأبرز في انجاز الأعمال والمهام، لكن يبقي للعنصر البشري، والمعرفة الدقيقة التي يعرفها عن تفاصيل عمله وخبرته وولائه، والطرق الأكثر كفاءة وفعالية وسرعة والعلاقات، دورها الكبير في إنجاز الأعمال، وتعظيم النتائج.
لكن المشكلة أن قياس معدل دوران العمل، وجميع التكاليف والخسائر التي يتسبب فيها، يبقى داخل أقسام الموارد البشرية، ولا يظهر اثره كتكلفة مباشرة، سواء مالية أو غيرها، على نتائج أعمال الإدارات والأقسام الأخرى سواء الإنتاجية أو الخدمية، في قوائم المنظمات، وإن ظهر بعضه بصورة غير مباشرة كرواتب وأجور ومصروفات تدريب أقسام الموارد البشرية، على سبيل المثال قد تنسب منظمة ما انخفاض نتائج أعمالها وبالتالي أرباحها للركود الاقتصادي، أو قلة الطلب على منتجاتها، لكنك اذا كنت مطلعا بما فيه الكفاية على السوق الذى تعمل فيه تلك المنظمة، أن الشركات المنافسة تنمو بمعدلات جيدة سنويا، وهنا عليك ألا تُسلِم بالسبب المعلن فقد يكون السبب الحقيقي هو أن جودة الخدمة أو المنتج انخفضت، أو أن قسم التسويق والمبيعات اصبح أقل إنجاز وفعالية، أو أن تركيز العاملين على إنجاز الأهداف المطلوبة غير كافي لتفكيرهم في البحث عن أماكن عمل أخرى، وكل هذه الأسباب وغيرها، معدل دوران العمل المرتفع له دوره الكبير فيها.

13‏/01‏/2020

الحياة من هنا

الحياة من هنا

عبدالخالق 

يوجد قول لاحد الفلاسفة: " انت لا تعبر النهر مرتين"، بمعنى أنه مع كل وقت هناك تغيير فإما ان تتغير انت أو يتغير النهر

اعتقد تعريفنا للحياة ايضا ينطبق على هذا، ففي كل مرحلة من عمرنا وفي كل مستوى نضج ووعي، تكون لدينا نظرة مختلفة للحياة، ربما من هنا في الاربعين الحياة بالنسبة لي، يشبه من يركب قطار، يسير في رحلة لها بداية ولها نهاية، في المحطات الأولى نكون مشغولين بالأجواء والتعرف على المحطات وعلى بقية المسافرين والمناظر الخارجية، شيئا فشيئا نصبح اقل انشغالا واهتماما بالمحطات الجديدة

لربما للممل، أو رتابة المحطات، ربما طول الرحلة، ربما لم نعد نرى في المحطات ما يغري، ربما المناظر الخارجية غير مبهجة،  لربما انه اصبح يفكر كثيرا بالمحطة الاخيرة وجمع حقائبه والإستعداد للمغادرة في المحطة الأخيرة.

الحياة كموج البحر، هناك مد وجزر، الحزن فيها مهم كالسعادة، فما هي السعادة وما هو الفرح، اذا لم هناك محطات حزن، هل كان سيكون هناك قيمة ومعنى للخير، اذا لم يكن هناك شر،  هل سيكون للإرتواء معنىا ذا لم يكن هناك عطش، هل سيكون للحياة معنى اذا لك يكن هناك موت.

اعتقد احد اهم ادوات واسرار فهم الحياة هو في الرضا والتقبل والمحافظة على السكينة، الرضا في كل حالاتها، ادركنا معنى ومغزى ورسالة تلك الحالة ام لا،  لأننا نعلم أن هناك مدبر للكون حكيم كل الحكمة، وله في كل فعل رسالة لنا وأن الحياة والموته ما احد وجهي الرحلة في هذا الوجود،  هذا لا يعني أننا يجب أن نتعامل مع الشر كما نتعامل مع الخير،  أو مع الحرب كما نتعامل مع السلام أو مع المرض كما نتعامل مع الصحة، بل أن ندرك ان وجود ومعنى احدهما لا ينفصل عن وجود ومعنى الآخر.