17‏/05‏/2019

الجانب الآخر من صفقة استحواذ أوبر على كريم



الجانب الآخر من صفقة استحواذ أوبر على كريم



عبدالخالق مرزوقي
نشر في صحيفة مال الإلكترونية

كان الحدث المستولي على الإعلام الإقتصادي، وعلى أحاديث المهتمين والمتابعين لقطاعات المال والأعمال خلال الأيام الماضية، هو خبر استحواذ شركة أوبر العالمية، لخدمات نقل الركاب، على شركة كريم، المنافسة لها في نفس المجال إقليميا، والتي صعدت بشكل قوي خلال سنوات قليلة، لتصبح المنافس الإقليمي الجاد لشركة أوبر.
لنتحدث عن شركة كريم، فهي شركة تم تأسيسها قبل سنوات قليلة في مدينة دبي، على يد ثلاثة رجال اعمال جريئين، من ثلاثة بلدان مختلفة، ثم اخذت تتوسع إقليميا بشكل كبير وسريع، ليبلغ اليوم عدد السائقين المسجلين فيها نصف مليون سائق، فيما يبلغ عدد مستخدمي تطبيقها ما يقارب 20 مستخدم- يمكن العودة لما نشرته صحيفة مال في هذا الموضوع في    - يمثلون حصة سوقية كبيرة على المستوى الإقليمي في هذا المجال من الأعمال
ليس هدف هذا المقال اعادة الحديث العام عما نشر، والإحتفاء الذى صاحبه، بنجاح منظمة اعمال إقليمية ناشئة، خلال عدد سنوات لا يتجاوز الخمس، في الوصول قيمة سوقية تتجاوز 3 مليار دولار، وهو احتفاء في مكانه بلاشك، ويستحق تسليط الضوء على هذا النموذج، وتحليله، والخروج بدروس مستفادة منه، فمن جانب شركة كريم، بالتأكيد الصفقة ممتازة ومربحة جدا.

هدف المقال هو تحليل جانب أوبر من الصفقة، وهل استحقت دفع هذا المبلغ لإتمام عملية الإستحواذ؟ أم بالغت في الأرقام التي اعلنتها؟

ليس سرا أن شركة أوبر عانت من بعض المشكلات في السنوات الأخيرة، سواء المشكلات المتعلقة بإستراتيجيتها واعادة الهيكلة، وانها تحاول عبر الصفقة تعزيز مركزها المالي، قبل الطرح في السوق الأمريكية، أو تلك المتعلقة بالمنافسة في الأسواق، ومنها سوق الشرق الأوسط.

وبالتأكيد لدى الشركة خبراء في التخطيط، وتستعين ببيوت خبرة وشركات استشارية، لدعم عملية صنع القرار، وتحديد اهدافها الإستراتيجية المستقبلية، لكن هذا لا يمنع من اثارة اسئلة، والقيام بمحاولة تحليل استراتيجي مبسطة، بإستخدام طرق وأدوات تحليل متعارف عليها، كتحليل بيستل PESTEL Analysis وهو يستخدم لتحليل البيئة الخارجية المحيطة بالمنظمة، ويشمل ذلك البيئات: السياسية، الإقتصادية،  الإجتماعية، التكنولوجية، البيئية، القانونية، وكذلك لدينا تحليل نموذج القوى التنافسية الخمسة لبورتر
Porter’s 5 Forces ، والذى يستخدم لتحليل السوق والمنافسة، اذا حاولنا تطبيق هذين النموذجين، على هذه الحالة، فما الذى سنجده.

بالتأكيد لن تكون هذه المساحة كافية، للقيام بتحليل عميق لكل الجوانب، لذا سأكتفي ببعض الجوانب من تحليل بيستل، وبشكل سريع، وقبل ذلك لابد من ذكر معطيات (معلومات) مهمة، لا يمكن أن يستغني أي تحليل عنها، كمقدمات منطقية، يبنى عليها التحليل:

1-    الإستحواذ بقيمة تزيد عن 3 مليار دولار
2-    نطاق عمل شركة كريم هو جزء من السوق الإقليمي وليس العالمي.
3-    ما يزيد عن 30% من عمليات شركة كريم موجودة في السوق السعودي
4-    السوق مفتوح بشكل كبير لدخول شركات جديدة
في البيئتين الإقتصادية والإجتماعية، وفي مدى 5 سنوات قادمة – اقصر مدة للتخطيط الإستراتيجي- سنجد أمامنا التغيرات التالية، بدأ تشغيل مترو انفاق الرياض، في جميع المسارات التي يتم العمل عليها حاليا، اكتمال بناء وتشغيل مشاريع قطارات المنطقة الغربية جدة – مكة، مكة – المدينة وغيرها، ، كذلك اكتمال جزء كبير من مشاريع النقل العام (الحافلات)، وبشكل أساسي في مدينة الرياض، بما انها بسبب حجمها السكاني، والنشاط فيها، تمثل السوق الأكبر لشركات النقل بالمشاركة، بغض النظر عن اسم الشركة، ايضا زيادة نسبة النساء الحاصلات على رخص لقيادة السيارات، وامتلاك وسائلهن الخاصة للنقل، وعلى وجه الخصوص الداخلين الجدد لسوق العمل من النساء، بسبب امتلاكهن قدرة شرائية متزايدة، وهن يشكلن شريحة كبيرة من سوق تطبيقات النقل حاليا، خاصة مع تكفل الحكومة السعودية بجزء من تكاليف استخدام هذه الشركات حاليا، اتجاه هيئة النقل العام لإطلاق مشروع مشابه لهذه الشركات – جريدة الرياض، الأحد 1 يوليو 2018- وهو عبارة عن سيارات عائلية تقودها نساء، وتعمل من خلال الطلب عن طريق تطبيق، وتقوم بنقل النساء فقط أو العائلات، ايضا مبلغ الصفقة وما حققته من ربح لمؤسسي شركة كريم، ستدفع بإتجاه دخول شركات جديدة للسوق، وعلى مستوى دول الخليج أيضا، هناك مشروعي المترو في قطر والبحرين، أما في مجال البيئتين السياسية والقانونية فجميعنا يعلم بشأن النزاعات القانونية – وهي شكلت جزءا من مشكلات شركة أوبر في السوق العالمي- بين بعض الحكومات وهذه الشركات، وهناك بالتأكيد تغيرات تكنولوجية استراتيجية قادمة، لكن لن يتم تناولها هنا، لأنها لن تكون ذات اثر جوهري على المدى الإستراتيجي القصير- 5 سنوات – كالسيارات ذاتية القيادة.

فيما لو اتجهنا للتحليل من زاوية اخرى، واستخدمنا نموذج القوى التنافسية الخمس لبوتر، وساضع بعضها كامثلة، سنجد أمامنا التالي:

1- التهديد من دخول منافسين جدد: العوائق قليلة امام دخول منافسين جدد، فلا يمكن احتكار السوق بطريقة قانونية، وعدد المنافسين قليل، ولا يحتاج لرأسمال كثيف.              

2-التهديد من المنتجات والخدمات البديلة: هناك بدائل في طور الإكتمال، كما ذكرت في الفقرات السابقة، كذلك الإتجاه لتقليل اجراءات اغلب الخدمات العامة، سواء التي تقدمها الإدارات الحكومية أو الخاصة، وجعلها تتم من خلال شبكة الإنترنت، من بداية طلب الخدمة، لحين الحصول عليها، بل حتى استلام الوثائق المتعلقة بها، لا يحتاج لتنقل طالب الخدمة، وتردده بين مقر سكنه والإدارات الحكومية والخاصة المعنية.

اختم بالقول انه ليس الهدف من هذا التحليل البسيط، الحكم على صفقة الإستحواذ، وبالمبلغ المعلن عنه، انها فاشلة، أو انها لن تحقق العائد المرجو منه لشركة أوبر – من جهة شركة كريم بالتاكيد الصفقة ناجحة جدا- بل الإضاءة على جوانب لا تنال الإهتمام الكافي، من المهتمين، وتخفى احيان عن الذين يقومون بالتخطيط، واعتقد أن السؤال الجوهري لهذه الصفقة من جانب شركة أوبر، والذى من المفترض أن يهم إدارتها التنفيذية، بعيدا عن زيادة قيمتها السوقية، الذى يهم الملاك بالدرجة الأولى، لتحقيق مكاسب مالية اضافية عند طرحها في اسواق المال، سيكون:

هل كنا نستطيع تطوير عملياتنا التشغيلية، ودخول اسواق/ مدن اقليمية جديدة، وتحسين تجربة المستخدم، وتحقيق عائد اعلى من ناحية القيمة، لشركائنا (السائقين)، وعملائنا، وبالتالي زيادة حصتنا السوقية، وارباحنا، بإستثمار مبلغ مالي اقل من قيمة الإستحواذ؟