09‏/08‏/2017

كتاب: العنصرية كما شرحتها لإبنتي




عن مجلة العربي
عدد اغسطس 2000


بقلم : زهيدة درويش جبور



كتاب جديد يتوجه للأطفال ويتناول أحد الأمراض المعاصرة.. العنصرية.

طاهر بن جلون روائي وشاعر مغربي يكتب بالفرنسية، اختارها لغة إبداع، وبرع في صوغ تجربته الفنية صوراً وتراكيب لغوية فيها من الجمال والبلاغة ما جعله يستحق جائزة غونكور الأدبية. إلا أنه يطل علينا في كتابه الذي يقع تحت عنوان: "العنصرية كما شرحتها لابنتي" بنموذج جديد من الكتابة يقع في حيز أدب الأطفال فهو يتوجه إلى الطفل بخطاب يتناول قضية قد نظنها بعيدة عن مشاغل الطفولة، غير أننا لا نلبث أن ندرك خطأ تقديرنا، إذ إن الدافع الأساسي الذي حمل المؤلف على وضع كتابه هو سؤال طرحته عليه ابنته التي لم تتجاوز الحادية عشرة عن معنى التظاهر، وذلك بمناسبة اشتراكه بمظاهرة للاحتجاج على قانون وضعته الحكومة الفرنسية، يتعلق بدخول الأجانب إلى فرنسا وبإقامتهم فيها. وهكذا وفي معرض إجابته عن السؤال، وجد المؤلف نفسه يتعرض لقضية العنصرية، فنشأت فكرة كتاب يتوجه إلى الأطفال من سن الثامنة حتى الرابعة عشرة، يتناول أحد مـظاهر الحياة الاجتماعية في فرنسا وفي الغرب المعاصر: العنصرية.

تجربة جديدة في الكتابة

لقد وجد الروائي نفسه أمام تحد جديد، وهو الحديث عن قضية تقع عادة في حيز اهتمامات الكبار، بلغة تستطيع أن تنفذ إلى ذهن الطفل وأن تجد طريقها إلى قلبه فتقنعه وتثير فيه الفضول وتبعث لديه الرغبة في المعرفة. فتوسل ما نسميه الكتابة التجريبية، بمعنى أنه بعد أن انتهى من صياغة النص، أراد أن يتحقق من كيفية تلقيه لدى القارئ الطفل وأن يضعه تحت الاختبار. فدعى ابنته لقراءته وللتعبير عن المشاكل التي اعترضت هذه القراءة. مما اضطره إلى إعادة كتابته من جديد مستعيضا عن بعض الألفاظ والتعابير بمفردات وصيغ أكثر بساطة، ثم طلب من جديد من ابنته ومن اثنتين من رفيقاتها إبداء الرأي بعد مطالعة الصيغة الجديدة. وكانت النتيجة أن وجد نفسه مضطراً لإجراء تعديلات أخرى. وهكذا دواليك حتى أعيدت كتابة النص ما لا يقل عن خمس عشرة مرة، حسب تصريح المؤلف. وإن دل ذلك على شيء، فإنه يدل على إحساس الطاهر بن جلون بمسئولية الكلمة، خاصة تلك التي تتوجه إلى الطفل. ذلك أنها تترك بصمات راسخة على شخصيته ونمط تفكيره. كذلك تدل هذه العناية على هاجس المؤلف في البساطة والوضوح.

بنية الكتاب ومنهجيته


غاية الكتاب محاربة العنصرية عن طريق التوعية والتربية، والتأكيد على حق الإنسان في الاختلاف. وتتحكم ببنيته جدلية السؤال ـ الجواب. بمعنى أنه يتطور وفق سلسلة من الأسئلة تطرحها الابنة على والدها الذي يجيب عنها متوخيا الموضوعية والواقعية والصدق. الفكرة المحورية هي تلك التي يتضمنها عنوان الكتاب غير أن الأديب يطل من خلالها إلى مسائل أخرى ترتبط بها وتتشعب عنها، كالتطهير العرقي، والعبودية، والاستعمار، وعلى مشاكل ليست ذات صلة مباشرة بها، كالاستنساخ.

يعتمد بن جلون المنهج التعليمي فيعرض الفكرة بوضوح ويشرحها بتفصيل، ثم يحاول أن يجسدها بالأمثلة الملائمة، حتى إذاما انتهى منها انتقل إلى فكرة أخرى مرتبطة بها. هكذا تتولد الأفكار بعضها من البعض الآخر وفق انسياب يتسم بالسلاسة فيجري الحوار دون تصنع أو كلفة. غير أن هذه العفوية تخفي في طياتها جهدا كبيرا وهي ليست في واقع الأمر إلا حصيلة تمحيص ودراية. وفي اعتقادنا أن المؤلف انطلق من الأسئلة التي طرحتها الطفلة ليبني عليها أسئلة جديدة يريد هو أن يوقظ وعي الطفل بها وأن يوجهه من خلال الإجابة عنها إلى الخيارات السليمة. وهو كأي معلم ناجح، يعتمد مبدأ التكرار لترسيخ المعلومة في الذهن وكأنه يقدم لنا نموذجا تطبيقيا للمنهجية التعليمية التي بشر بها الأديب والمفكر الفرنسي مونتانيي منذ القرن السادس عشر، والتي لا تزال تشكل اللبنة الأساسية في الطرق التعليمية المعاصرة. ويتخلى بن جلون في كتابه هذا عن أسلوبه الشاعري المعهود، الذي يعتمد الرمز والإيحاء ليستعيض عنه بالأسلوب التقريري وبالتعبير المباشر. فهو لا يخاطب خيال الطفل بل يتوجه إلى عقله بلغة المنطق والحقيقة. ولعل في ذلك ما يميز كتابه عن أدب الأطفال كما نعرفه، ويضعه في خانة جديدة.

الموضوعات والأفكار


المقولة الأولى التي ينطلق منها المؤلف ذات خلفية وجودية: الإنسان حصيلة ظروف وتربية ومؤثرات مختلفة، والأفكار والمعتقدات لا توجد فيه بالفطرة بل يكتسبها من المحيط. من هنا أهمية التربية في بناء الفرد وصنع القيم. فالمرء لا يكون عنصريا بالفطرة، بل يصبح عنصريا إذا وضع في مناخ ملائم لذلك.

والمقولة الثانية هي أن الاختلاف بين الناس واقع وحقيقة واجبة. ذلك أنه لا يمكن لإنسان ما أن يكون نسخة عن غيره طبق الأصل. فالناس داخل المجتمع الواحد مختلفون في أشكالهم ومظهرهم وتفكيرهم وطباعهم وميولهم وانتماءاتهم. بحيث يشكل كل فرد حقيقة قائمة بذاتها مختلفة عن غيرها "كل فريد بذاته ـ يقول المؤلف ـ لا يوجد في العالم شخصان متشابهان في كل شيء. إن ميزة الإنسان هي أنه صاحب هوية لا يمتلكها سواه، وأنه فريد أي لا مجال للاستعاضة عنه بمثيله" أن أكون أنا يعني، إذن، أن أكون بشكل ما مختلفا. غير أن اختلافي عن الآخر لا يعني أني متفوق عليه أو متخلف عنه. فمنطق التنوع لا يقع في إطار معايير القياس بل يستدعي البحث عن سر التكامل والتناغم. وهو يتخطى الثنائية التي تؤسس للصراع، إلى التعددية والوحدة، غير أن بلوغ هذا الهدف لا يتم إلا بتجاوز الأنا وإخراجها من أبراج العزلة والانغلاق.

المقولة الثالثة التي يرتكز عليها الكتاب هي رفض فكرة التمايز بين الأعراق البشرية. فهو يدحض رأي بعض المفكرين الغربيين ـ كمونتسكيو ورينان ـ الذين بنوا نظريتهم عن سر تقدم الحضارات وتخلفها على أسباب تعود إلى طبيعة المناخ الجغرافي أو إلى الأعراق وخصائصها الثابتة.

فهو يجيب بالنفي على سؤال الطفلة: "أليس هناك من عرق متفوق؟" فيقول: "لقد حاول بعض المؤرخين في القرن الثامن عشر وفي القرن التاسع عشر أن يبرهنوا على وجود عرق متفوق هو العرق الأبيض الذي يمتاز عن العرق الأسود في الشكل والفكر.. غير أن أحد كبار أساتذة الطب المتخصص بالدم يؤكد عدم إمكان وجود عرق صاف ويضيف أن الاختلافات الاجتماعية والثقافية بين رجل صيني وآخر مالي وآخر فرنسي أكثر بكثير من اختلافاتهم التكوينية العائدة إلى العرق واللون"، فالبشر كلهم، على اختلاف أعراقهم، منتمون لجنس واحد هو الإنسانية.

انطلاقاً من هذه المقولات الثلاث يتناول المؤلف موضوعه الرئيسي: العنصرية. فيكشف عن وجوهها المختلفة ويسقط عنها الأقنعة. يعرفها بأنها ظاهرة مرضية عند الشعوب تصدر عن الخوف من الآخر والجهل به. وبأنها تقوم على رفض الحق في الاختلاف، وكراهية الأجنبي، وعلى الانغلاق على الذات وتضخيم صورة الأنا وتحقير صورة الآخر وسجنه في غيريته. فتنتفي بذلك امكانية الحوار والتواصل بين الذات والآخر المختلف.

ويتصدى المؤلف في عرضه لبعض الأفكار السائدة فيظهر عدم صوابيتها. فهو يرى أن العنصرية ليست كما يحلو للبعض الاعتقاد، سمة خاصة بالمجتمعات الغربية، وليس كل مواطن فرنسي عنصرياً بالضرورة، كما أنه ليس الانتماء إلى العروبة ضمانة ضد الوقوع في شر العنصرية. إن في مثل هذا الاعتقاد استسهالا للتعميم وإطلاقا عشوائيا للتهم. فالعنصرية مرض يصيب كل الشعوب وتظهر عوارضه في كل البلدان، وهو ظاهرة دائمة عبر التاريخ البشري. غير أنه يكون كامنا لدى انعدام الظروف الموضوعية المؤاتية لظهوره، ويعلن عن نفسه عند توافر هذه الظروف، وإن كان واضحا في المجتمعات الغربية المعاصرة فذلك لتفوق هذه المجتمعات الاقتصادي مما جعلها تجتذب عددا كبيرا من الأجانب المنتمين إلى العالم الثالث والذين أتوها طلبا للرزق، حاملين معهم ثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم المختلفة. فحصلت المواجهة بين الأنا الغربية وهذا الآخر الذي فرض نفسه عليها. والحصيلة، إلا في النخبة الواعية، رفض وازدراء.

وليس صحيحا أن المجتمع العربي محصن ضد العنصرية: "لا يوجد شعب عنصري أو غير عنصري بكليته. فالشعب المغربي كغيره من الشعوب فيه العنصري كما فيه غير العنصري"، يقول بن جلون لابنته ويثبت القول بالبرهان والمثل الحي. فهو لاحظ أن في سلوك بعض المغاربة ما يشير إلى استعلائهم على مواطنيهم السود المتحدرين من علاقات بين رجال مغاربة ونساء إفريقيات. فقد كان الكثير من التجار يقصدون إفريقيا بغاية المتاجرة ويعودون منها مصطحبين نساء ارتبطوا بهن بعلاقة زواج أو متعة: "كان لعمي امرأتان إفريقيتان. أنجب منهما أولادا سودا. ولا أزال أذكر أنه لم يكن لهؤلاء الحق في الجلوس معنا على نفس المائدة. وقد جرت العادة على تسمية السود بالعبيد".

ويستعرض المؤلف الوجوه المختلفة للعنصرية كالتعصب الاثني والديني، والاستعمار والتمييز العرقي. ويجد في التاريخ المعاصر كما في الحقبات الماضية مادة غنية لاستقاء الأمثلة: مجازر الصرب ضد البوسنة، المذابح التركية في أرمينيا، الفظائع النازية ضد اليهود في ألمانيا، الحروب الاثنية في راوندا. وكأن الكاتب يريد أن يقدم حجة على صحة مقولته أن العنصرية ليست سمة لشعب دون غيره. وهو يتخذ من الأحداث موقفا حياديا لا يتخلى عنه إلا عندما يتناول الاستعمار الفرنسي للجزائر، كما سنبين ذلك لاحقا.

وفي حديثه عن التعصب الديني الذي تظهر ملامحه في كثير من المجتمعات المعاصرة، غربية كانت أم شرقية، يميز بن جلون بين الإيمان والتعصب. الإيمان، انفتاح ومحبة واستعداد للحوار، والتعصب انغلاق وحقد وجهل. والأديان السماوية تحمل، على تعددها، رسالة واحدة، هي رسالة حب وتسامح وسلام. لذلك ليس التعصب من صنع الدين بل من صنع الممارسات البشرية. فالدين كالأيديولوجيا، فكر وعمل، وكثيرا ما تكون المسافة كبيرة بين العقيدة والتطبيق. يوضح الأب ـ الكاتب ذلك لابنته من خلال مثل الحروب الصليبية التي اتخذت من الدين ومن واجب الدفاع عنه قناعا تخفي تحته المطامع الغربية الاقتصادية في الشرق. كما يجد في الحركات الأصولية في العالم العربي مثلا آخر على إمكانية استغلال الدين لغايات وأطماع سياسية، مميزا بين الإسلام وهذه الحركات الدخيلة، الغريبة عن التراث الإسلامي الأصيل. كما يتطرق إلى جهل بعض الإعلام الغربي الذي ساهم في الترويج لهذه الصورة السلبية الكاذبة للإسلام. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يرى أن تطرف اليمين السياسي في فرنسا لا يختلف من حيث الجوهر عن الحركات الأصولية الإسلامية: كلاهما يقوم على رفض الآخر: "لوبين يرأس حزباً سياسياً يقوم على العنصرية، أي على كراهية الأجنبي"، يوضح الأب لابنته.

ويتوقف بن جلون عند التمييز العنصري في المجتمع الأمريكي حيث لم ينل المواطنون السود بعضاً من حقوقهم المدنية والسياسية إلا بعد نضال طويل استمر حتى بعد مقتل المناضل الشهير مارتن لوثر كينغ سنة 1968. فقد بقوا لسنين طويلة عبيداً لأسياد أمريكيين غزوا قارتهم وسلبوهم حريتهم وجلبوهم بين متاعهم لاستخدامهم، فكان مثلهم مثل من نجا من حروب الإبادة من السكان الهنود الأصليين، الذين فرض عليهم المستوطن الأمريكي نير عبوديته. وحتى لا تلتبس اللفظة في ذهن الابنة يعطيها الوالد التفسير الدقيق: "كلمة العبودية تعني أن يملك إنسان ما إنساناً آخر كما يمتلك متاعاً".

ويربط المؤلف بين الاستعمار والعنصرية حين يعرفه بالقول: "الاستعمار عنصرية على مستوى الدولة" فالمستعمر يسوغ استعماره للشعوب مدعياً تفوقه الحضاري عليها وأن واجبه يقضي بـ "تحضيرها" عن طريق السيطرة عليها. والمثال الحي لا يلبث أن يحضر كالجرح النازف في الذاكرة: إنه الاستعمار الفرنسي للجزائر، حيث حاول المستعمر طيلة مائة واثنين وثلاثين عاما أن يطمس الذاكرة الثقافية وأن يغرب الجزائريين عن لغتهم وحضارتهم لتحويل الجزائر إلى أرضٍ ملحقة بالأرض الفرنسية: "كانت الجزائر مقاطعة فرنسية. لم يكن لجواز السفر الجزائري وجود. فالجزائريون كانوا يعتبرون من التابعية الفرنسية. المسيحيون منهم، أعطوا الجنسية الفرنسية. كذلك اليهود، منذ 1870، أما المسلمون فقد أطلقوا عليهم اسم السكان الأصليين، وهي لفظة كانت تحمل في تلك الفترة مضموناً عنصرياً، فهي تشير إلى من هم مصنفون في أدنى السلم الاجتماعي" وللمرة الأولى ينزع المتكلم عنه ثوب الحيادية فيتلون النص بلون الغضب: "الاستعمار غزو، سرقة وعنف"، وتطغى لغة العاطفة على السرد الهادئ والتحليل المجرد من الانفعال. وليس أدل على ذلك من لجوء المؤلف، وهو شاعر إلى إدخال قصيدة وطنية لشاعر جزائري في قلب النص. تقول القصيدة:

من الجزائريين أخذوا كل شيء / الوطن مع اسمه / الكلام مع الحكم الإلهية / تلك التي تنظم مسار الإنسان / من المهد إلى اللحد / أخذوا الأرض مع القمح / الينابيع مع الحدائق / الخبز مع الروح / لقد رموا الجزائريين خارج / كل وطن للإنسان / جعلوا منهم أيتام / جعلوا منهم سجناء / حاضر بلا تاريخ ولا غد.

غير أن الجزائر بقيت تنبض في العروق، حتى تحطمت القضبان وتكسرت جدران أسرها بعد نضال طويل. فنفض الجزائريون عنهم غبار القمع والنسيان واستعادوا أصالتهم القومية والثقافية. وإذا أراد بن جلون أن يختم كلامه عن العنصرية بحديث عن الاستعمار الفرنسي بالجزائر فذلك يدل على أهمية الحيز الذي يشغله هذا الموضوع في فكره ونفسه.

فائدة الكتاب


يجد الطفل في كتاب الطاهر بن جلون فوائد عديدة: تعليمية وتربوية وتثقيفية. فهو من جهة بمثابة معجم مصغر يتضمن تفاسير وشروحا لكل الألفاظ المتعلقة بموضوع العنصرية والتي قد تطرق سمع الطفل فلا يفهمها وتبقى بالنسبة إليه لغزا يحيطه الغموض. من هذه الألفاظ والعبارات مثلا: التمييز العنصري، الأحكام المسبقة، التطهير العرقي، الاستنساخ، كبش المحرقة، الغيتو.. وغير ذلك.

وهو من جهة أخرى، إرشاد ودعوة إلى التفاهم والمحبة بين البشر. فالمؤلف في نقده للعنصرية والتعصب لم يعبر عن كره وازدراء، بل على العكس حاول أن يبحث عن الأسباب وأن يفهم الدوافع، ولم يطلق أحكامه جزافا. ذلك أن هدفه ليس مجرد الكشف عن المساوئ، بل السعي لتحقيق مجتمع إنساني أفضل تسوده روح التعاون والتسامح. لذلك فهو يحاول أن يزرع في الطفل احترام الآخر والحفاظ على كرامته الإنسانية: "يجب أولا أن تتعلم الاحترام. الاحترام جوهري. والواقع أن الناس لا يطلبون منك أن تحبهم بل أن تحترم كرامتهم الإنسانية. والاحترام يعني أن تراعي شعور الآخرين وأن تقدرهم. إنه يعني أن تحسن الإصغاء اليهم" كما يتضمن الكتاب نصائح لتجنب الوقوع في الخطأ عند تعامل الطفل مع الآخر المختلف: يجب أن تحذف من قاموسك العبارات الجاهزة والنعوت العمياء فهي سخافات عليك محاربتها. تجنب التعميم لأنه سخيف ويوقعك في الخطأ. تعلم ألا تأخذ نفسك على محمل الجد وأن ترى في كل شيء الوجه الذي يثير الضحك.

وفي الكتاب معلومات علمية وتاريخية وسياسية تغني ثقافة الطفل وتمكنه من وعي الماضي كما تضعه في قلب الحاضر ومستجداته. حروب الإبادة ضد الهنود في أمريكا في القرن الخامس عشر، الحروب الصليبية، الصراع العربي ـ الإسباني في الأندلس، النازية، صراع السود والبيض في إفريقيا الجنوبية، خطر اليمين المتطرف في فرنسا وغيرها أحداث وحقائق يستنطقها الأب ـ الكاتب لتصغي الابنة وتستخلص العظة. هذا ويتنوع الخطاب بتنوع المواضيع فتكثر فيه الألفاظ العلمية عندما يحدث المؤلف عن علم الوراثة وتكوين الدم والعوامل المحددة للون البشرة. ويرد اسم سارتر وسبينوزا ورينان ليطرق سمع الطفل عندما يحاول الكاتب أن يبسط للطفل بعض المفاهيم الفلسفية أو أن يدعم فكرته برأي لأحد كبار المفكرين.

فالكتاب متعدد الأبعاد، غني بثقافة صاحبه الواسعة وبتجربته الإنسانية العميقة. وهو إذ يتوجه للطفل يتوجه في الوقت نفسه إلى الأهل فيضع بين أيديهم سياسة تربوية يمكن اعتمادها لمحاربة العنصرية والتعصب.