12‏/04‏/2024

 حين كنت صغيرا، امتلكت شال صغير، بلون بني فاتح، كنت احبه جدا، وفي يوم ما فقدته، استمريت في البكاء مجبرا والدي على اصطحابي إلى السوق، في وقت متأخر، لشراء شال جديد، حينها بدأت أدرك أن هناك صلة حميمة تربطني بالأشياء، وبمجرد اقامة تلك الصلة، تصبح تلك الأشياء جزء من عالمي الخاص. 

اتأمل الآن هذه الشجرة، واقيم حوارا معها، هل تشعر بالحظوة.  لأن طائرا ما اختارها لبناء منزله؟ يهمني أن أعرف كيف تشعر.  حين تبدأ العصافير الصغيرة في الظهور، في حضنها، هل تشعر بالأمومة تجاههم، فتجعل اغصانها تنمو بإتجاه العش، وتقاوم الخريف لتمنحهم المزيد من الظل، وتبعد عنهم في الشتاء المطر؟ هل تشعر بالحزن حين يصبحون قادرين على الطيران بعيدا؟  وتعود لوحدتها.

23‏/07‏/2023

قراءة غير فنية في فيلم اوبنهايمر


 

الفيلم جميل كحوار وصورة وموسيقى، لكن لن اتحدث عن تفاصيل

 الفيلم الفنية، فهذا ليس مجالي


في القسم الأول من الفيلم اغرمت بالحوار، كان يحمل

ابعاد ثقافية وفكرية عميقة، وكنت اتمنى لو منح هذا

القسم وقت اطول من وقته. 


في القسم الثاني كان التركيز على العمل العلمي والتفاصيل 

العلمية والمعلومات حول صناعة القنبلة، لكن تلك التفاصيل 

كانت قليلة ومختصرة. 


القسم الثالث بدأ من عملية تجربة القنبلة، ومن ثم ردود الأفعال 

التي تلك ذلك، الملاحظ في هذا القسم أنه تناول عملية اطلاقها

 الفعلي في هيروشيما وناجازاكي بصورة مقتضبة وسريعة، وبطريقة 

لا تؤثر سلبيا على عملية استقبال المشاهد الأمريكي للحدث بل 

قدمها كعملية يفخر العلماء والجنود والسياسيين بأنهم كانوا جزءا 

منها. 


فلم نرى مشاهد حقيقية لعملية إلقاء القنبلة، ولم نرى مشاهد 

للضحايا، أو لآثار القنبلة، بل لم نرى قطرة دم خلال الفيلم، ومر رقم

 الضحايا كمجرد عملية احصاء لإعدادهم، ولم نرى عملية تعاطف 

انساني معهم، بل كان هم السياسيين هو أنها ستساهم في عملية 

سرعة إنهاء الحرب وعودة الجنود لأهاليهم. 


يحاول الفيلم تقريبك من شخصية اوبنهايمر، واستمالتك نحوه، عن 

طريق التركيز على الإنسان، والعقل العلمي لديه، وقدمه بشكل 

محايد فلم يظهره كصاحب حس اخلاقي تجاه ما يقدم عليه، بل 

اظهره وبقية العلماء المساهمين معه، كجنود يساهمون من خلال 

العلم في خدمة الأمة. 


ويجعل ما صنعه مجرد (تقدم علمي) ضروري، عليك أن تكون محايدا

 أمامه، و(متفهم) لنتيجته، ولا تمارس الإدانة الأخلاقية للنتيجة، وكان

 دور عملية اخفاء وتغييب أي وجود للضحايا خلال الفيلم، أن يساعد 

في عملية تجنب حكمك على النتيجة ( صنع القنبلة)  اخلاقيا. خاصة

 أن تلك العملية بالنسبة للمشاهد الأمريكي تعتبر مصدر فخر، واحدى

 منجزات الحرب، والرد الطبيعي على (بل هاربر)، لذا تجنب كريستوفر

 نولان أن يتصادم مع ذلك التاريخ لدى الشعب الأمريكي ويقدمه بصورة

 سلبية، قد تؤثر على الفيلم اعلاميا وفي ذهنية المشاهد. 


لكن كمشاهد محايد، من الصعب حين ترى الصورة الأكبر من الفيلم

 اعني أنك امام عملية صنع سلاح قتل في استخدامه الأول ما يزيد 

عن 100 ألف انسان، على مراحل، ألا تقفز امامك الأسئلة. 


واهمها سؤال المبدأ الأخلاقي في مواجهة التقدم العلمي حين يحدث

 بينهما تصادم، خاصة أن التقدم العلمي لا يستطيع إلا أن يكون أداة 

في يد سلطة تفوقه وتستخدمه، وتوجه نتائجه لخدمة اهدافها

 المخطط لها مسبقا، وهذا ما لمح له الفيلم، في بعض حواراته حين

 اخبر الجنود العلماء أن دورهم انتهى، وبدأ دورهم هم وحدهم

في استخدام ما انجزه العلماء. 


لكن من جهة اخرى هناك سؤال آخر، ماذا لو غلبنا المبدأ الأخلاقي

لكن سبقنا من لا يحمل مبادئ اخلاقية وصنع ذات السلاح

 واستخدمه ضدنا، أي ماذا لو سبق هتلر مشروع مانهاتن وصنع 

قنبلته اولا، وألقاها على لندن وموسكو وبقية مدن الحلفاء خلال 

الحرب العالمية الثانية، وانتهت الحرب العالمية بانتصار النازية 

وسيطرتها على العالم. 


 ألن يعد ذلك ضعف وتفريط وفشل من الدولة في استغلال التقدم

 العلمي في حفظ وحماية شعبها وحياته، وهو واجب كل سلطة 

وقائد تجاه شعبه. 


وهل سيقوم أي شعب بتغليب المبدأ الأخلاقي في هذه الحالة

على مصلحته وحياته وحفظ بلده. 


10‏/06‏/2023

 اكتشاف السائد ثقافيا من خلال كلمات الأغاني           

                            

"منت فاهم يا اغلي من مر بعيوني...عاشقك سلّم امره للغرام"

الآثار التي تتركها أي ثقافة سائدة في مجتمع ما أو ثقافة ما، تتبدى 
غالبا في فنونها وآدابها، والشعر من اكثر انواع الفنون الأدبية الذى 
تظهر فيها تلك الآثار، خاصة أن الشاعر يكتب وهو يحمل مخزونه
 اللاواعي من الفكر والثقافة اللذان شكلا وعيه ولغته الشعرية.

من ذلك أن السائد لدينا كرجال هو عدم (اعلان) التسليم والإستسلام 
للمرأة، حتى وإن كان ذلك قد حدث بالفعل، لا اعلم إن كان هذا 
خاص بنا، اعني امر خاص باثثقافة العربية أم هو السائد ثقافيا بين 
رجال العالم.

جئت بهذه الأبيات في اغنية عباس ابراهيم، لأنها استوقفتني، للتفكير 
في هذا الأمر فالشاعر هنا، في لاوعيه الثقافي، يرفض التسليم للمرأة
لأن اللاوعي يربط ذلك التسليم بهزيمته كرجل أمام المرأة، ويقتضي 
ذلك لاحقا التسليم بسطوتها في العلاقة لذا اختار ألا يعلن تسليمه لها في
شعره، واعلن أنه يسلم امره للغرام، وليس لها كإمرأة وبهذا يمنعها من 
لذة الشعور بالسطوة عليه، وبما يحيل إليه ذلك لاحقا من اظهار قوة 
وتحكم في العلاقة.

وهناك ابيات من قصائد اخرى، في هذا السياق، يمكن الإستشهاد بها
تظهر جزء مهما من ثقافتنا كرجال في التعامل مع المرأة، اعني البيت
 التالي من أغنية يا غالي الأثمان التي غناها محمد عبده:

"اشبهه بالّلي عسيفٍ من الخيل . . . تلعب وانا حبل الرّسَن في يديّا"

كذلك البيت التالي من اغنية عيونك آخر آمالي لعبادي الجوهر:

"وابيك تكوني فوق الناس وابي ماينحني راسي"

فالثفاقة السائدة لدينا كرجال، لا تمانع ابدا، بل يستهويها أن يكون لدى
المرأة قوة استقلالية، سطوة، تمرد، حرية، لكنها مشترطة بعدم حتى 
محاولة ممارستها مباشرة علينا كطرف في هذه العلاقة، وبأن نستمر 
في الشعور بالهيمنة في علاقتنا بإمرأة ما بغض النظرعن وجود الهيمنة 
فعليا من عدمها فالأهم هو الشعور بها.

لكن ايضا وجدت ما يضاد هذه الأبيات، مثلا في قصيدة احمد شوقي:

" مضناك جفاه مرقده .. و بكاه و رحم عوّده
....
....
ويقول تكاد تجنّ به .. فأقول وأوشك أعبده
مولاي و روحي فى يده .. قد ضيعها ، سلمت يده"

تفسيري ذلك, اعني اختلاف تعبير شوقي، واعلانه ذلك التسليم، هو 
امتزاج عدة ثقافات في خلفية شوقي الفكرية، فهو من اصول غير عربية
يقال كردية وشركسية من جهة ويونانية من جهة اخرى، كذلك دراسته 
في فرنسا، وتأثره بالشعراء في الفرنسية، ايضا عيشه فترة في اسبانيا 
خلال عملية نفيه، لذا في لاوعيه الثقافي لم تبقى الثقافة العربية 
السائدة هي وحدها المهيمنة.

عبدالخالق مرزوقي.

03‏/02‏/2023

المرأة بين نزار ودرويش

 القصيدة قبل أن تكتب شعرا، هي تعبير عن كيفية رؤية الشاعر

 لذاته، وللآخر، والعالم، وذلك التعبير وتلك الرؤية يستمدان مواردهما

 من وعي وفكر وثقافة الشاعر، وكيفية تشكلها.


 وفي مجال هذه الرؤية ومعناها، لو وضعت بين خياري شعر 

محمود درويش ونزار قباني، سأختار الإنحياز لشعر درويش 

مع الإعتراف، بأن جزء مني كرجل شرقي، يهوى الخطاب الذى 

يحمله شعر نزار. 


خطاب شعر نزار، هو يحمل صوتا واحد في التعبير عن الحب

هو صوت الرجل، الذى يهيمن، ويفرض طريقة الحب وسير العلاقة

 وشكلها، مقصيا صوت المرأة من خطابه، رغم أن كلمة المرأة تتردد

 كثيرا في شعره، لكن تتموضع في موقع المستقبِل للخطاب، وليس

 لها أن تكون مرسلة له، أو لصوتها وجود كبير، كقصيدة ( إني خيرتك

 فاختاري)، أو قصيدة ( قلي ولو كذبا). فهو في القصيدة الأولى في

 الحقيقة لا يخيرها، بل يفرض على المرأة شكلا من الحب يريده 

هو كرجل، أو أن تُقصى.


وهو أنه في الحقيقة، كما ارى لا يخاطب المرأة بل يخاطب الأنثى

 في المرأة فقط، وكان ذكيا لأنه ادرك أن هذا الخطاب يستهوي

 الكثير من النساء، وكذلك يحبه الأغلب من الرجال، فكما كتبت 

سعاد الصباح في قصيدة كن صديقي: (غير أن الشرقي لا يهوى

 إلا ادوار البطولة).


فيما نرى في شعر محمود درويش عمقا انسانيا اكبر، وتتعدد

 الأصوات داخل القصيدة، وتبادلها بين الرجل والمرأة، كما في

 هذه القصائد ( في الإنتظار) و (انتظرها). كما لا يخجل حين 

يقوم بتبديل الادوار، من اظهار تبادل القوة والضعف بين الطرفين

 في التعبير عن مشاعرهما، وذواتهما كما في قصيدة( يطير الحمام):

لأني أحبّك (يجرحني الماء)

والطرقات إلى البحر تجرحني

والفراشة تجرحني

وأذان النهار على ضوء زنديك يجرحني

لأني أحبّك يجرحني الظلّ تحت المصابيح

يجرحني طائرٌ في السماء البعيدة

عطر البنفسج يجرحني

أوّل البحر يجرحني....آخر البحر يجرحني

ليتني لا أحبّك...... يا ليتني لا أحبّ

ليشفى الرخام

إلى أين تأخذني يا حبيبيَ من والديَّ

ومن شجري، من سريري الصغير

ومن ضجري، من مراياي،َ من قمري

من خزانة عمري ومن سهري... من ثيابي، ومن خَفَري؟

إلى أين تأخذني يا حبيبي إلى أين

تُشعل في أُذنيَّ البراري

تُحَمِّلُني موجتين، وتكسر ضلعين.. تشربني ثم توقدني

ثم تتركني في طريق الهواء إليك...حرامٌ... حرامُ

يطير الحمامُ...... يَحُطُّ الحمام.


عبدالخالق مرزوقي. 


07‏/12‏/2022

قراءة في تضامن الجماهير العربية خلال المونديال

 قراءة في تضامن الجماهير العربية خلال المونديال

عبدالخالق مرزوقي

ليست المرة الأولى، التي تشارك فيها المنتخبات العربية في بطولة كأس العالم، أو تحقق انتصارات ونتائج جيدة فيها، لكن ما حدث من مجمل الجماهير العربية في هذه البطولة استثنائي، وبعيدا عن محاولة تفسير  هذا التضامن والمساندة الكبيرة من الجماهير العربية لقطر والمنتخبات العربية المشاركة في البطولة، برده إلى اسباب ايديولوجية أو قومية.

ارى أن ما حدث، يجد تفسيره في مجال آخر، فما حدث في اعتقادي.      هو شعور جمعي يسبق أي ايديولوجيا أو قومية، واقوى منهما واكثر  اصالة، هو الشعور بأن من في الملعب يمثل جزءا اصيلا من الذات  وانتصاره هو انتصار لذات الجماعة، على آخر يتعالى ويريد فرض.   نموذجه وهويته وهيمنته، عليها، من خارجها. 

‏‎‎اعلم انه تشبيه بعيد، والسياق مختلف، لكن ارى هناك تقاطعات، بين ما حدث في كأس العالم هذه بالنسبة للعرب، بما جرى من تجمع القبائل العربية قبل معركة ذي قار.

فما هي هذه التقاطعات، اهمها من وجهة نظري، هو رد محاولة التعالي والنظرة السلبية، التي قام الإعلام الأوروبي تحديدا وبعض الجهات الرياضية تجاه تنظيم قطر لكأس العالم، وتم النظر إلى ذلك وكأن هذه المنطقة من العالم، أقل من، ولا تستحق تنظيم حدث عالمي كهذا الحدث وتزايد ذلك في المرحلة التي سبقت افتتاح البطولة، و هي بالمناسبة ذات النظرة التي تنظر بها ذات الجهات الغربية تجاه مشاريع الكبرى الأخرى في المنطقة كمشروع نيوم على سبيل المثال، وقد قرأت الشعوب العربية ذلك كإستهداف للمنطقة وليس لدولة فيها. 

الثاني هو محاولة الإعلام الاوروبي وبعض المؤسسات الرياضية فيه، وكذلك دعم بعض المنتخبات المشاركة لمحاولة فرض نموذج للهوية   ونمط ثقافي معين، خارج عن الذات العربية والإسلامية ومبادئها، عليها.

وهنا من الطبيعي أن تكون هناك ردود فعل معاكسة في الإتجاه، يقوم بها الوعي الجمعي العربي والإسلامي، لمحاولة صد ما يقرأه كإستهداف، وهنا   لا يهم كثيرا إن كان هناك استهداف حقيقي أم لا، المهم هو ما يقرأه ومن ثم يقره ويُعَرفه الوعي الجمعي كإستهداف، ويتصرف على انه حقيقة. 

ثم جاءت النتائج الإيجابية للمنتخبات العربية، لتشكل وقودا دافعا. لتحقيق المزيد من التضامن والمساندة الجماعية، لان الوعي الجمعي.   تبنى تلك النتائج على أنها رد عملي، على أن الذات والجماعة قادرة.     على البرهنة إلى الآخر، والقول له أنها قادرة على كسر تعاليه وغروره.

وفي مثل هذه الحالات من الوعي الجمعي، تجاه الشعور بالإستهداف، والحاجة للتضامن جماعيا، في محاولة صده، فإن الفروقات والتمايزات. بين الأفراد والإتجاهات داخل الجماعة الكبيرة الواحدة، يقوم الوعي الجمعي، بتضييقها وتصغير حجمها، لصالح زيادة وتكبير مساحة المشترك العام، لتحقيق اكبر قدرة وفعالية ممكنة من التضامن والمساندة. 

12‏/02‏/2022

ضرورة وجود نص متعالي لتصور العالم

 الطريقة التي نتلقى بها النصوص، من العالم الخارجي

والعملية التي يتم بها بناء المعرفة والتمثيل الذهني لتلك

 للنصوص، داخل عقولنا، وهو ما ينتج عنه ما يسمى

 بالصورة الذهنية، وتصورنا للعالم عموما. 


يجعل من شبه المستحيل القول أننا نعيش في عالم

 واحد، مُتَفَق على تعريفه، ومنح معنى واحد لمفاهيمه. 


ومن هنا اهمية وجود نص أصلي متعالي، متجاوز لطرق

 بنائنا للمفاهيم، يعرف ويحدد المبادئ الأولية في العالم

 ويشكل مرجعية، تردعنا عن التصرف، وكأن ما نبنيه

 من مفاهيم عن العالم هو حقيقة العالم. 


عبدالخالق

02‏/10‏/2021

لعبة شهريار المستمرة ضد وعي المرأة



"جاءت شهرزاد لتقاوم الرجل بسلاح اللغة، فحولته إلى (مستمع) 
وهي ( مبدعة)، وادخلته في لعبة المجاز وشبكته في نص مفتوح
نص تقوم فيه الحبكة على الإنتشار والتداخل والتبدل والتنوع
وتاه الرجل في هذا السحر الجديد، قامت هذه اللعبة المجازية على 
تدجين المتوحش وذلك بإخضاع الرجل وترويضه لمدة ألف يوم
ويوم، وهذه مدة تعادل الزمن الطبيعي لفترة الحمل والرضاعة
وبذا تكون المرأة قد أدخلت الرجل البالغ ( المتوحش) في رحم
مجازي، وفي حضانة مجازية، وجعلته يعتمد عليها في رضاعة 
ليلية، يتطلع إليها وينتظرها، فصار عالة على المرأة، مثل طفل
 مع أمه، حتى تدجن ولانت سطوته".


النص السابق من كتاب: المرأة واللغة، للدكتور عبدالله الغذامي
وهو يصور ويصادق على (السردية الشائعة)، لإنتصار شهرزاد 
على شهريار، عبر انهاء ممارسته ل متعته في الممارسة كل 
ليلة مع إمرأة ثم قتلها، كما يحكي كتاب (ألف ليلة وليلة).


فهل فعلا انتصرت شهرزاد على شهريار ومنعته من هذه المتعة؟ 
أم هناك طرق اخرى يمكن اعادة فهم (لعبة شهريار) عبرها
وتخفيها السردية الشائعة التي نُقِلَت لنا؟ وعبر اعادة القراءة
تلك، نستطيع فهم استمرار لعبة شهريار في العصر الحديث.


من مضمرات القصة، والتي ربما هي جزء من لعبة شهريار
والتي يمكن العثور عليها، حين التحليل بخلفية جندرية، هي 
أنها كقصة في خطابها المعلن تقول بإنتصار شهرزاد (المرأة) 
لكن في مضمرها ترسخ أن على المرأة أن تبذل جهدا دائما 
ومتواصلا، لكي تكون مصدرا لمتعة الرجل وأن انتصارها المفترض
الذى تروجه السردية الشائعة، هو انتصار قال به وروجه الرجل
وهو انتصار لا يتحقق لها كشهرزاد، ولكل النساء، إلا باستمرارها 
في بذل الجهد لتكون مصدرا لمتعة الرجل، كل وقت، كما يرسخ 
خطاب القصة المضمر، وبالتالي عليها دائما أن تكون تحت ضغط 
أن تكتسب مهارات أرضائه، وأن تبادر، بكل ما تملك من قدرة 
وذكاء وحيلة، وكل وسيلة قادرة على امتلاكها، مادية أو معنوية.

ولا يتم الإعتراف بإنتصارها إلا حين يقر الرجل أنه في حال 
استمتاع، وهو اقرار وقتي، فسرعان ما يطلب المزيد من 
المتعة، اما هي فيكفي أن يقول لها أنها انتصرت عليه وتحررت
فهل شهرزاد انتصرت في الحقيقة؟  رغم أن صلب دورها في
القصة لم يتغير، سواء كانت شهرزاد ألف ليلة وليلة أو المرأة 
الحالية في (خطاب الرجل) لتحريرها،  وهو تحقيق المتعة
 لشهريار، التي استمر يحققها رغم تغير الأدوات والوسائل
لكن لعبته مستمرة، بخطابات ماكرة، تحاول مراوغة وعيها
فتقدم لها كامرأة حديثة تبحث عن تحرر من سلطة خطاب
هيمنة، خطابية تحررية، لكن بمضمون لا يختلف بل ربما
مطابق لرغبة لشهريار القديم، الذى ما زال يستخدمها لتحقيق
متعته، فسوق عروض الأزياء والتصاميم ومقاسات العارضات
ومواسم الموضة الي يحددها جميعا الرجل، والإعلانات للسلع 
التي تستهدف الرجل وعن طريق استخدام المرأة كسلعة لتسويق 
السلع والخدمات، من اعداد وتصميم واخراج الرجل ومن اجله 
والإنتشار المهول لعمليات التجميل وملابس النساء اثناء الألعاب
الرياضية، بما في ذلك الأولمبياد التي هي اقصر بكثير واكثر 
ضيقا من ملابس الرجال في ذات الألعاب، واندية الإستربتيز
ومواقع المواعدة الحديثة وتشريع الجنس كمهنة قانونيا وغيرها
جميعها تقدم من أجل الرجل كمستهلك ومشتري نهائي، حتى
في السلع الخاصة بالمرأة، لكنه يقدمها في خطابة للمرأة الحديثة
 كجزء من الحرية، ومن تحررها، ويجعلها تقتنع بهذا المفهوم
 فيما المضمون هو جزء من لعبته القديمة المستمرة في
 استخدامها كمتعة.


 لذا التحرر الحقيقي يكون في تحررها من أسر سلطة تلك
 اللعبة، ومن جعل خطابه تجاهها هو المحدد لمفاهيمها 
وقيمها تجاه ذاتها، وبتقديمها خطاب مضاد، يعيد تعريف 
ذاتها، ويضع معاني جديدة للمفاهيم. 

فلا يمكن أن تكون حرا، حين تكون مستمرا في استخدام 
لغة، مفاهيم، وخطاب لست مساهما فيها، وانتج من
اجل الهيمنة عليك. 


*عبدالخالق مرزوقي