17‏/07‏/2020

كتاب: المقدس والعادي



الكتاب: المقدس والعادي







المؤلف: مارسيا إلياد
كتب الكتاب عام 1956
المترجم: د. عادل العوا
الناشر: صحارى للصحافة النشر-2000
عدد الصفحات: 152



       __________________________________________________
تعليق: كتب الدكتور عادل العوا مقدمة طويلة (21 صفحة)، ووضع لها عنوان: (نحو علم الأديان)، لتتحول إلى أشبه بكتاب تمهيدي مصغر عن علم الأديان عموما، وليس عن كتاب مارسيا إلياد فقط، وأعتقد أن القارئ غير المتعجل الذى يبحث عن اكبر قدر ممكن من الإلمام، بأفكار الكتاب، سيجد هذه المقدمة ممتازة وضرورية للفهم، رغم أنك ربما لا تتفق مع بعض ما ورد فيها بحكم خلفيتك الفكرية كقارئ عربي
          __________________________________________________


من مقدمة المترجم: 


التدين موقف أساسي من مواقف القيم الإنسانية التي لا مندوحة للثقافة من أن تستجلي عبره جانبا رئيسيا من جوانب وجود الإنسان، وتطوره خلال الحقب والعصور، وقد تطور اهتمام الناس بالدين من الإيمان الساذج إلى الإيمان الواعي، ثم البحث في ظاهرة التدين بحثا اعتقاديا بادئ ذي بدء، ثم تطور هذا البحث بتطور العلوم الإنسانية وتمايزها حتى ظهر في إطار هذه العلوم، علم الأديان أو تاريخ الأديان المقارن أو تاريخ الأديان.


يعرف (إ. رويستون بيك) تاريخ الأديان بقوله: "إنه دراسة علمية وموضوعية تتناول ديانات العالم الماضية والحاضرة، وهذه الدراسة تتوخى دراسة الأديان في ذاتها واكتشاف ما يقوم بينها من نقاط تشابه واختلاف، واستخلاص تشابه واختلاف واستخلاص مفهوم الدين بشكل عام، وعلى هذا فإن "علم الأديان" بحث وسط يقوم 
بين التاريخ من جهة وبين علم النفس وعلم الاجتماع من جهة أخرى. 



- في العصر الحديث رفض بعض الباحثين إفساح المجال للدين، واستعاض بعضهم عنه في الواقع بعبادة علمانية، (عبادة كائن أعلى، أو عبادة الشخصية السياسية) أو استعاضوا عن الدين بفلسفة اجتماعية سياسية أو عرقية صُعِدَت ورقي بها إلى رتبة عقيدة آمره قاهرة لا تُمس.


- وقد بات في حكم المقرر، أن الدين قد لازم نشأة الحضارة، وبدا على انه خصلة من الخصال التي تميز الفكر الإنساني، حتى أن من العسير على ما يبدو، أن نفترض وجود مجتمع غابر خلو من الدين، إلا إذا اعتبرناه متسما -وأعضاءه – بالبلاهة والعجز أما دراسة الدين فيمكن أن تنطلق من أحدى وجهي نظر، هما: وجهة النظر الاعتقادية ووجهة النظر العلمية، والتاريخية، يقول (فان درلو): "إن ما هو موضوع في نظر الدين نفسه يصبح هو المحمول في دراسة علم الأديان، فالله هو الذى يعمل في نظر الدين بالنسبة إلى الإنسان، أما العلم فإنه لا يعرف إلا عمل الإنسان بالنسبة إلى الله وأن العلم ليعجز عن الكلام على عمل الله.


- بحسب (ميسلن) تعريف الدين لا يمكن أن يكون إلا تعريفا تقريبيا، تعريفا لا يطابق موضوعه، لأن كلمة دين تشتمل على وقائع جد متباينة، وينجم عن إضمار أي ميتافيزيقيا في تعريف الدين تزييف كل بحث علمي في هذا المجال، لذا يجب الانطلاق من التجربة الإنسانية، تجربة الإنسان عن المقدس.


- يقول (هايدجر) كما نعجز عن معرفة حلم الحالم، إلا بالكلام الذى يعرب به عنه الحالم في حال يقظته، كذلك فإننا لا نعرف المقدس، إلا من خلال الإنسان الذى يعرب عنه وبديهي أن الإنسان إنما يعرب عن المقدس بمفاهيم وأساطير ورموز، لا يشعر بها "الإنسان الديني" إلا باعتبار إنها سبيل من سبل الكلام والتقريب والإشارة، تتفاوت مواءمتها لموضوعها، إنها ليست إلا كتابات إنسانية، تنقل واقعا يظل بذاته خفيا عن الإنسان إلى حد كبير أو صغير ولكن الإنسان يود برغم ذلك أن يربط به عمله، وعلى هذا يمكننا تعريف المقدس على انه علاقة. 


- وينجم عن ذلك أن من الواجب أن نميز في كل فعل ديني، مرحلتين: إدراك الإنسان للمقدس باعتبار المقدس واقعا موضوعيا ومتعاليا، من خلال تجربة عقلية وانفعالية شعرية أو رمزية، من جهة، ومن جهة أخرى تعبير الإنسان عن هذا الواقع إذ يجعله أمرا
محايثا للإنسان، ذلك أن هذا التعبير الذى يصوغه الإنسان في لغات شتى لا يقتصر على وصف المقدس، والمقدس موضوع خارجي عن الإنسان، بل يشهد في الوقت ذاته على علاقة قائمة بين الإنسان وبين شيء آخر، والإنسان يعني أن بامتلاكه الخاص لذلك الشيء يحور حياته ذاتها، وعلى هذا ندرك أن كل معرفة للمقدس هي تجربة تتناول قدرة اعلى من نظام الأشياء الطبيعي، وهذه القدرة تحول كل ما تتجلى فيه.


- لا نستطيع إدراك المقدس إلا حيثما نلقاه، في وجود الإنسان ذاته، إن في وسعنا أن نحدد تخومه بتحليلات من النمط اللغوي والتاريخي والاجتماعي، وإذ ذاك ندرس مختلف اللقاءات التي تمت خلال التاريخ بين الإنسان وبين المقدس، ولكن ما ندركه عندئذ وعبر الأجوبة التي اضطلع بها الإنسان، لتهدئة القلق في شرط وجوده، ولتخفيف مرارتها، إنما هو المقدس - المعاش – وهو مقدس امتلكه الإنسان في زمان معطى ومكان معين، والذى ينتج التعبير عنه، أكثر ما ينتج، عن الثقافة الأصلية للإنسان الديني. 

- كل حياة دينية هي بالدرجة الأولى عبارة عن تنظيم علاقات البشر بعضهم ببعض، كما هي تنظيم علاقاتهم جميعا بقوى عليا، قوى المقدس.


- اللاهوت مقال الإنسان عن الله، وموضوعه هو الوصول إلى ذات ديانة معينة، تعتبر ذاتها أنها وحدها الديانة الحقيقية الصحيحة، ولهذا فإن اللاهوت يطرح قواعد الاستدلال ويصف موضوع الإيمان، ويتصوره تصورا عقليا، ويسعى إلى تحديد أخلاق متسقة مع ما يعتبره الحقيقة، .... الدراسات اللاهوتية تجيب عن السؤال الآتي: ماذا ينبغي علينا أن نعتقد؟ ولم ينبغي علينا أن نؤمن؟ أما علم الأديان فإنه يعنى بكل ما آمن به البشر.

- لقد حاول كثيرون، وفي مقدمتهم الثلاثي المتنافر، (ماركس) (نيتشه) (فرويد) سلخ القداسة عن الوجود الإنساني، بإظهار آراءهم في نشأة الظاهرة الدينية، وإماطة اللثام عن ميرتها وتطورها ووظيفتها، ومن البديهي أن سيطرة الإنسان المتزايدة باطراد على قوى الكون، وترعرع العلوم الإنسانية في عصرنا، يدخلان تعديلا كبيرا على النظرة الحاضرة إلى الظاهرة الدينية، بيد أن المقدس مازال، برغم ذلك، ماثلا في الوجود الإنساني، ولئن جاز سلخ الصبغة الدينية في عصور الأزمات، فإن انسلاخها لا يبدو أنه حاسم ونهائي. 

- من شان أي مجتمع إنساني أن ينجب بحركيته ذاتها، مقدسا جديدا، يدعم أعماله ويبررها، تماما بقدر ما يمثل هذا المقدس عالم الإنسان ذاته.

- معرفة الدين ودراسته تتيحان للإنسان أن يفهم العالم والكون، ولكن دراسة الأديان وتاريخها تتيحان للفكر البشري أن يفهم الإنسان.


مقدمة المؤلف: 

كتب هذا الكتاب الصغير سنة 1956، وهذا الكتاب يستهدف بتأليفه سواد الجمهور باعتبار أنه مدخل عام لدراسة الحوادث الدينية دراسة فنومنولوجية وتاريخية، مثل كتابنا قد يثير بعض اللبس، ذلك أن محاولتنا تقديم سلوك الإنسان الديني بفهم وتعاطف وتقديم الإنسان في المجتمعات التقليدية والشرقية، أنها محاولة لا تخلوا من خطر، فقد يتعرض استعدادنا للانفتاح والترحيب إلى أن يُحكم عليه بأنه تعبير عن حنين خفي لوضع الإنسان التقليدي الغابر، وهذا امر بعيد عن المؤلف، إنما كان مقصدنا أن نساعد القارئ على ألا يدرك المعنى العميق لوجود ديني من النمط التقليدي وحسب، بل على أن نيسر له أيضا سبيل الاعتراف بهذا الوجود، من حيث انه قرار إنساني، وعلى أن يقدر جماله، يقدر نبله.



ثمة مسألة لم نعالجها إلا تلميحا، إلى أي مدى يمكن أن يصبح ال "عادي" هو ذاته "مقدساً"، إلى أي مدى يمكن أن يكون وجود، يعتبر وجودا زمنيا بصورة جذرية، يكون بدون (الله) وبدون (آلهة)، منطلق نمط جديد من أنماط "الدين"، ..... وبعبارة أخرى، إن زوال الديانات لا ينطوي البتة على زوال "التدين"


         ___________________________________________________
تعليق: ما يعنيه مارسيا إلياد بالمقدس هنا، وفي كل فقرات الكتاب، هو كل ما يضفي عليه الإنسان قداسه ما، أو معناها، بغض النظر عن كنهه، فالحديث لايتناول بالضرورة (الله) سبحانه، كما تعرفه الأديان السماوية، ولا ظاهرة التأليه بل ظاهرة التقديس، وبين الأمرين فرق كبير.
       ____________________________________________________


اقتباسات من الكتاب




عندما يتجلى المقدس:

- المقدس يتجلى دوما على انه واقع من نظام آخر، غير نظام الوقائع "الطبيعية"، وفي وسع الكلام أن يعبر بسذاجة عن الروعة، عن الجلالة، عن الفتنة السرية، بحدود مستمدة من المجال الطبيعي، أو من مجال الحياة الروحية العادية للإنسان، ولكن هذه المفردات المشبهة تنجم، بوجه الدقة، عن عجز الإنسان عن الإعراب عن المغاير إطلاقا: إن الكلام يضطر إلى استخدام حدود مستمدة من التجربة الطبيعية للإنسان، عندما يود الإيحاء بكل ما يتجاوز هذه التجربة بالذات.

- إنما يعرف الإنسان المقدس لأن المقدس يتجلى، يظهر ظهور شيء يغاير الشيء العادي مغايرة تامة.

- الحجر المقدس والشجرة المقدسة لا يعبدان على أنهما حجر وشجرة، بل إنهما موضع عبادة بوجه الدقة لأن القداسة تتجلى فيهما، لأنهما "يُظهران" شيئا لم يبق هو حجرا ولا شجرة، بل هو القداسة، هو المغاير إطلاقاً، القداسة إذ تظهر في شيء من الأشياء، يغدو شيئا مغايرا، لما كان عليه مع بقائه هو هو.

- إنسان المجتمعات الغابرة ينزع إلى أن يحيا اكثر ما يحيا في المقدس، يحيا على صلة حميمية مع الأشياء التي اضفى القداسة عليها.





المقدس والتاريخ: 


- من البديهي أن يتعذر نمو الرمزيات وعبادة (الأرض – الأم) وعبادة الخصب البشري والزراعي وتقديس المرأة... إلخ، ويكون من الممتنع تأليف منظومة دينية ذات دقائق غنية إلا باكتشاف الزراعة، وكذلك من الطبيعي أن مجتمع ما قبل الزراعة - مجتمع الصيادين – لم يكن في وسعه أن يشعر بتقديس (الأرض-الأم) على الطريقة ذاتها ولا بالشدة ذاتها، وإنما ينشأ اختلاف التجربة عن الاختلاف في الاقتصاد وفي الثقافة وفي التنظيم الاجتماعي وبكلمة واحدة في (التاريخ) 




التجانس المكاني وتجلي القداسة:



- يرى الإنسان الديني أن المكان غير متجانس، فهو يحتوي على انقطاعات، على كسور هناك أجزاء من المكان تختلف كيفيا عن سواها، يقول الرب إلى (موسى): "لا تقترب إلى ههنا، اخلع حذائك من رجليك لأن الموضع الذى أنت واقف عليه أرض مقدسة" (سفر الخروج، الإصحاح 5:3) هناك إذن مكان مقدس، ومن ثَم قوي، ذو دلالة، وهناك امكنه أخرى غير مقدسة ومن ثَم بدون بنيه ولا قوام، أي بكلمة واحدة أمكنة لا شكل لها،... لذا فإن الإنسان الديني قد جهد ليضع نفسه في "مركز العالم"، ولابد من تأسيس "العالم" من أجل الحياة فيه...، وإن اكتشاف نقطة ثابتة هي "المركز"، أو إضفاءها يعدل (خلق العالم).


- نورد مثلا يظهر بداهة عدم تجانس المكان عند الإنسان الديني، كنيسة من الكنائس في مدينة حديثة، فالإنسان المؤمن يرى أن هذه الكنيسة تشترك في مكان آخر هو الشارع الذى توجد فيه، ولكن الباب الذى يفتح على داخل الكنيسة يمثل انقطاعا في المكان، وتدل العتبة التي تفصل المكانين في الوقت ذاته على البون بين عالمين، العادي والديني، إن العتبة هي بآن واحد حد، جبهة تميز تعارض عالمَين، وهي المكان العجيب المفارق الذى يلتقي فيه هذان العالمان وحيث يمكن أن يلتقي يحدث الانتقال من العالم العادي إلى العالم المقدس.

______________________________________________________



تعليق: ربما كمسلمين لا نستشعر عمق هذا المعنى، في العبارات السابقة، كما يستشعره المسيحي المتدين، لأن التجربة الدينية المعاشه، تختلف في السياقين، لأن الدين تقريبا تمت تنحيته عن الحياة العامة هناك، وحصر في المدن داخل أماكن محددة لذا يستشعر المسيحي المتدين الفرق بين هذين العالمين، فيما في السياق الإسلامي يختلف الشعور لأن الدين مازال موجودا في المجال العام، وكذلك لأن التردد على المسجد 5 مرات يوميا لأجل الصلوات، يقلص الشعور بالفجوة بين العالمين، وربما الحالة النفسية، التي أصابت الأفراد المعتادين على الصلوات في المسجد يوميا، وفي كل الفروض، خلال مدة منع الصلاة في المساجد خلال جائحة كورونا، تقدم لنا لمحة عن ذلك الشعور، والحنين، عن تجربة الوجود في مكان (المسجد) يمثل في ذهنية الإنسان المتدين (عالم مغير) له قداسه اكثر من الأماكن العادية. 

______________________________________________________



الاضطلاع " بخلق العالم":



- .... الفارق الجذري الذى نلقاه بين السلوكين، السلوك التقليدي "المتدين"، والسلوك الحديث، بإزاء المسكن الإنساني، ومن النافل أن نسهب في الإلحاح على قيمة المسكن في المجتمعات الصناعية ووظيفته، .... ولقد ذكر أحد المهندسين المعماريين، أن البيت "آلة للسكن" إنه إذن آلة من جملة الآلات، التي لا تحصى، والتي تنتجها بالجملة المجتمعات الصناعية، ولابد للبيت المثالي في العالم الحديث من أن يكون أول ما يكون، وظائفياً أي أن يتيح للسكان أن يعملوا ويستريحوا، ومن الممكن إبدال آلة السكن على نحو مضطرد كما يبدل كما يبدل المرء دراجة أو براداً أو سيارة.


- النمط الثاني من نظرية تكون العالم، هو نمط أعقد، ... فالبيت شانه شان المدينة والحرم، يُقَدَس جزئيا أو كليا، بواسطة رمزية أو شعائرية متصلة بنظرية تكون العالم ولذا فإن الإقامة في مكان، أو بناء قرية بل مجرد بناء بيت، يمثل قرارا خطيرا، لأنه يطرح قضية وجود الإنسان ذاته، إن الأمر يتناول بوجه الإجمال أن يخلق الإنسان "عالمه" وأن يضطلع بمسؤولية الحفاظ عليه وتجديده، وأن المرء لا يبدل مسكنه بدون أسى، إذ ليس من اليسير عليه هجر عالمه، والمسكن ليس موضوعاً ليس آلة للسكن، بل إنه الكون الذى بناه الإنسان لنفسه، بتقليده "الآلهة" في خلقها النموذجي، تقليده تَكَوُن العالم، وكل بناء، كل افتتاح مسكن جديد، يعدل بنوع ما بدءا جديدا، يعدل حياة جديدة وكل بدء يكرر البدء الأولي، الذى ظهر فيه "الكون" للمرة الأولى، وأن الأعياد والأفراح التي تواكب سكنى منزل جديد، لا تزال تحتفظ حتى في المجتمعات الحديثة، التي سلخت عنها القداسة إلى حد كبير، تحتفظ بذكرى الاحتفالات الصاخبة التي كانت في الماضي.


- كل عالم هو من خلق آلهة، فهو إما أن تخلقه خلقا مباشرا، وإما أن يكون قد قُدِس على نحو غير مباشر، أي نُظِم "تنظيما كونياً"، من جراء تكرار البشر على نحو شعائري عمل (الخلق) الأنموذجي، بعبارة أخرى لا يستطيع الإنسان الديني إلا أن يحيا في عالم مقدس، وهذه الضرورة الدينية تعبر عن ظمأ ديني لا يُروى، والإنسان الديني ظمآن للوجود، وإن فزعه من (الاختلاط) الذى يحيط بعالمه المأهول، يقابل فزعه من العدم.




______________________________________________________

تعليق: "كل عالم هو من خلق آلهة"، الخلق هنا لا يُفهَم فقط بمعناه المباشر بطبيعة الحال بل أيضا يأتي بمعنى (منح المعنى) للعالم، وكذلك ( إيجاد الروابط والعلاقات بين الأشياء فيه)، أيضا تاتي بمعنى (ايجاد القوانين فيه)، ولا اتحدث عن القوانين الفيزيائية في الكون بالضرورة، بل ايضا ما (يضفي) عليه الذهن البشري صفة القانون الإلهي، وإن لم يكن كذلك. 
______________________________________________________



الزمان المقدس والأساطير:



- الزمان كالمكان ليس في نظر الإنسان الديني متجانسا ولا متصلا، فهناك فترات من (الزمان) المقدس، زمان الأعياد، وهناك من ناحية أخرى الزمان غير المقدس أو العادي الديمومة الزمنية العادية التي تجري فيها الأفعال الخالية من الدلالة الدينية، وبين هذين النوعين من الزمان يوجد بالطبع انقطاع، بيد أن بوسع الإنسان الديني "الانتقال" بدون خطر من الديمومة الزمنية العادية إلى الزمان المقدس.


- ثمة فارق أساسي بين صفتي الزمان المذكورتين، يلفت نظرنا بادئ ذي بدء: عن الزمان المقدس يقبل من حيث طبيعته ذاتها، القلب، أي أنه بالمعنى الصحيح (زمان أسطوري) أولي غدا حاضرا، فكل عيد ديني، كل زمان شعائري، يتألف من إعادة إنجاز حالي لحادث مقدس، كان قد حدث في ماض أسطوري (في البدء) وأن المشاركة الدينية في عيد من الأعياد تستلزم الخروج من الديمومة الزمنية "العادية"، بغية إعادة التكامل مع الزمان الأسطوري، الذى يتكرر إنجازه الحالي بالعيد ذاته، ..... يرفض أن يحيا فقط فيما يسمى بألفاظ حديثة باسم "الحاضر التاريخي"، فهو يجهد للحاق ب زمان مقدس يمكن تشبيهه من بعض أوجه الاعتبار بال "سرمديه".


- ربما كان من الأعسر أن نذكر بصورة دقيقة، وبكلمات معدودة، ما هو (الزمان) في نظر الإنسان اللا متدين في المجتمعات الحديثة.


- (العيد) ليس "احتفالا بذكرى" حادث أسطوري، وإذن ديني، بل العيد هو إعادة تحقيقه في الحاضر الحالي.


- الإنسان الديني بل اكثر الناس اتساما أنه "ابتدائي"، لا يرفض "التقدم"، من حيث المبدأ، إنه يقبله، ولكنه يقبله وهو يضفي عليه أصلا وبعدا إلهيين. 


- الحنين إلى "الأصول" هو إذن حنين ديني، فالإنسان يرغب في أن يجد من جديد حضور الآلهة حضورا ناشطان وهو يرغب كذلك في أن يحيا في (العالم) الغض النقي "القوي"، العالم مثلما خرج من بين يدي (الخالق).

______________________________________________________

تعليق: العيد هنا، يأتي بمعنى كل ما اعتادت المجتمعات المتدينة - بغض النظر إن كان الدين في هذه الحالة سماوي أو أرضي وضعه البشر، وينطبق هذا ايضا على ما هو ليس دينا في الحقيقة، ولا يسمى كذلك، بل ما هو في حكمه كبعض الفلسفات الشرقية مثل الكونفوشية - على منحه معنى ديني وعلى الإحتفاء به، عبر أداء الشعائر والطقوس المعطاه أو المبتكره، التي تجعل المتدين ذهنيا يربط ويوحد بين زمن الحدث الذى اطلق تلك الشعائر والطقوس، وبين يومه الحاضر.  
______________________________________________________





قداسة (الطبيعة) والدين الكوني:


- يرى الإنسان الديني أن (الطبيعة) ليست بوجه من الوجوه "طبيعية" حصرا، إنها دائما مثقلة بقيمة دينية، وهذا جلي ما دام الكون خلقا إلهيا، وليست قداسته مستمدة من الآلهة فحسب، بل إن الآلهة فعلت اكثر من ذلك: غنها أظهرت ضروب المقدس المختلفة في بنيه (العالم) وبنيه الظواهر الكونية ذاتها.


- إن مجرد تأمل قبة السماء يكفي لبدء تجربة دينية، إن الكون – وهو اثر إلهي انموذجي – "مبني" على نحو أن يحفز وجود (السماء) ذاتها الحس الديني بالتعالي الإلهي ويطلقه.