07‏/12‏/2019

سؤال الجسد لدى الأجيال الجديدة

                 سؤال الجسد لدى الأجيال الجديدة

عبدالخالق مرزوقي

في ظل ما نشهده من تحولات تجري على الأرض، في المجتمعات العربية والخليجية منها تحديدا، ومازالت خارج إطار البحث العلمي في المجال الإجتماعي، نرى
أن "الجسد"- اختيار كلمة جسد هنا بدلا من جسم مقصود لكون الأولى تعبر أكثر عن المعنى المادى المجرد - من المحرمات الثقافية التي تقترب الأجيال الجديدة من 
كسر تابو الحديث العلني عنها في مجتمعاتنا "المحافظة"، أعني الجسد في واقعيته 
المادية، عذاباته، حاجاته، وجماله.

بالتاكيد أن الجسد كمادة لم يكن غائبا، عن غالب الحضارات الإنسانية، لكننا نتحدث عن تعميم مفاهيم جديدة تتناوله فمنذ العام 1960 بحسب (ديديه انزيو) حدث "تطور" للأفكار والأذواق والعادات في المجتمعات الغربية، فرنسا تحديدا وبرزت توجهات تبرز مكانة الجسد في الثقافة الجديدة، كمعارضة الحكم بالإعدام وحق تحديد النسل استقلالية المرأة في الحياة المهنية والخاصة، ثم ابتداء من السبعينات والحديث مازال لديديه انزيو برز وجوب أخذ الجسد بعين الإعتبار "كتجذر للذات في الكائن"، وكالآلة الأولى للإتصال والتبادل في آن معا، وفي تعددية اشكاله الجنسية.*

في مجتمعاتنا وصلت هذه الأسئلة للتناول العام والمعمم متأخرة، فقد كانت تتداول في العقود الماضية في الأوساط الفكرية والثقافية وحدها، وعلى استحياء غالبا بمعزل عن المشاركة العامة في الحديث، التي اتاحتها وسائل التواصل الإجتماعي أسئلة من نوع هل اجسادنا مجرد "مادة" نمتلكها كما نمتلك أي شيء آخر؟ فقط مجموعة "اعضاء" وخلايا عصبية مترابطة، وبالتالي اذا كانت الإجابة بنعم يترتب على ذلك اننا نستطيع التصرف بها كما نريد. 

و"نمتلكها" هنا شائكة، فإن كانت اجسادنا مجرد مادة 
نمتلكها، فأين نوجد "نحن"! وهل نستطيع فصل وجودها عن وجودنا؟

أم تمتلكنا هي! وبالتالي نحن مجرد كائن مادي، تحركه خلايا عصبية، كما تقول بعض الإتجاهات المادية في الفكر وبالتالي نحن مجبرين على الإستجابة الآلية لكل متطلبات تلك المادة واحتياجاتها التي تعبر عنها.

أم نحن "كائنات متجسدة"، فلا نستطيع فصل الذات المتجردة عن اجسادنا، وبالتالي كما نتحدث عن احتياجات الجزء غير المادي فينا، بشكل اعتيادي ومعلن، علينا 
ايضا أن نولي الجانب المادي الإهتمام، وأن نمتلك القدرة 
على الحديث عنه بشكل طبيعي واعتيادي كذلك.

اجابة هذا السؤال ليست هدفي هنا، ولا اطلب تجاوزه 
كذلك، ما اهدف إليه هو تجاوز الإجابة، الي سيقترحها كل من يقرأ ما سبق - اذا فعل - للسؤال الذى تضمره بعض تلك الإجابات بدورها.

وهو أن الإجابات التي تقترحها اجيالنا الجديدة، كممارسة عملية، وتتداولها فيما بينها، سواء في ظاهرة العمليات التجميلية، أو استغلال الجسد وحينا بعضه كأداة 
للتسويق، سواء التسويق التجاري أو تسويق الأفكار - هذا 
لا يقتصر على اتجاه معين، أو جنس محدد - أو في 
الحديث الذي مازال يتم استحياء حول "الحرية الجنسية"
وكما ذكر (ميشيل مارزانو) "كون الجسد موضوع مادي
فإنه يدخل في حقلي التحول والظهور"**، فإن هذه الممارسات العملية تعبران تعبيرا واضحا عن تحول وظهور الجسد في الثقافة الإجتماعية القادمة، وتتم هذه
الإجابات بناء على افكار ذاتية واهواء نفسية، لكونها غير مصحوبة بتأسيس معرفي عميق يضع تلك الأفكار في سياقها الفكري، ويجعل الذات فاعلة، وليست فقط منفعلة امام هذه الأفكار، أو بمواكبة من المشتغلين بالحقول الفكرية والثقافية الذين مازالوا بعيدين عن مواكبة الأسئلة العملية في مجتمعاتنا.

-------------
*ديديه انزيو
* *ميشيلا مارزانو