22‏/03‏/2020

ما بعد كورونا، وما هو اعمق من فايروس

ما بعد كورونا، وما هو اعمق من فايروس


عبدالخالق مرزوقي


كورونا ليس مجرد (جائحة ) طبية تجتاح العالم، وإن بدأ كذلك
فالتغيير الذى سيحدثه هذا الحدث الكبير على مستوى العالم، سيكون له
تداعياته الإجتماعية والثقافية والفكرية، طبعا دون الحديث عن التداعيات
السياسية والإقتصادية، وهي التي ظهرت أولا، واثرها اكثر وضوحا في
الوقت الحالي.

ظهور التداعيات الإجتماعية والثقافية سيتطلب بعض الوقت، واستيعاب
تلك التداعيات سيحتاج بدوره بعض الزمن، لكننا بالتأكيد سنكون امام عالم
مختلف

من الأمور الي بدأت تظهر مثلا على المستوى الثقافي والإجتماعي، وفي 
الغرب تحديدا، الأضرار التي اصابت مفهوم وفلسفة الفردانية في الغرب
فإكتشاف الإنسان في المجتمع الغربي، في هذه الأزمة التي لها جوانبها 
الإجتماعية، أنه (وحيد) و(ومتروك)، وأن عليه مواجهة تداعيات هذه 
الوحدة، وذلك لعدة اسباب، منها أنه ذهب بعيد جدا في موضوع الفردانية
للحد الذى جعله حين الإحتياج للعائلة المتضامنة والمجتمع، لم يجدهما 
بالصورة التي املتها الضرورة الحالية. 


الأمر الثاني هو اكتشافه لهشاشة الإعتماد على النظام السياسي في سياقه
الرأسمالي كضمانة للأمان الإجتماعي، ومنه الرعاية الصحية، بل لهشاشة
الدولة ذاتها، هذا الإعتماد الذى كان يبقيه بعيدا عن السياسة، مستقيلا من
الإنخراط في الشأن السياسي العام، هشاشة هذا الإعتماد تجلت في عدة
امثلة، اظهرها ترك نسبة كبيرة من كبار السن في ايطاليا - وهي من أعلى
دول أووبا في نسبة كبار السن- لمواجهة الموت، لأن الرغبة في عدم انهيار
النظام الصحي حتمت أن يكون من يحصل على أوليه العلاج، هو من يمتلك
نظريا القدرة الأكثر على البقاء حيا، ولم يعد العلاج حقا للجميع، كمتساوين
ونراه ايضا في اختيار الحكومة البريطانية لمفهوم (مناعة القطيع)، كطريقة 
عامة لواجهة انتشار عدوى الفايروس، مع معرفتها أن لهذه الطريقة مخاطرها
العالية على كبار السن، والمرضى بأمراض مزمنة، الذين لا تتوفر لديهم 
القدرة الجسدية والصحية على تحمل الإصابة بهذا المرض.

ونراها كذلك في تهافت المواطنين الأمريكيين على شراء السلاح بكميات 
كبيرة، لأنهم وبفعل الإعتقادات في اللاوعي - وكما تحدث (جوستاف لوبون)
في كتابه الشهير (سيكولوجية الجماهير) أن الفرد يتحرك بشكل واعي، لكنه 
اذا اصبح جزءا من الجماهير، فإن الجماهير تتصرف بشكل غير واعي - التي
خلقتها وسائلالإعلام والسينما، وحجم الجرائم اليومية التي يقرأ عنها ويشاهدها
 في النشرات الإخبارية المسائية، خلق لديهم حالة عدم استقرار نفسي وخوف 
اجتماعي انه اذا زادت اعداد المرضي، لربما ينهار النظام الصحي والإجتماعي 
وتفقد الدولة السيطرة، ويصبح كل فرد بحاجة لحماية ذاته بالسلاح من هجوم 
الآخرين المسلحين.

هذه لن تكون مجرد احداث متفرقة عابرة، فهي تصيب ( الإنسان الحديث) في 
جملة من المفاهيم الثقافية والفكرية، التي تأسس عليها، وظن أنه تجاوز النقاش 
حولها، سواء على صعيد حياته الشخصية، أو على صعيد علاقته بالدولة، بقدر
ما تصيب النظام السياسي في سياقه الغربي ووظائفه.
  
ماذا عن سياقنا نحن؟
هذا يحتاج لقراءة اخرى.