29‏/09‏/2015

التعلم اثناء ممارسة الحياة اليومية


ربطنا ذهنيا للتعلم بضرورة وجود وسيط، سواء
كان انسان أو وسيلة، أيا كان نوعها
في ظل انشغالاتنا، هو مبرر حقيقي لدى بعضنا
لإهمال عملية التعلم بكاملها.

لماذا لا نلغي هذا الإرتباط، وننشئ رابطا جديدا
في اذهاننا يربط التعلم بممارسة الحياة اليومية

سواء وجدنا الوقت أم لا، فنحن قادرون على الإستمرار
في التعلم يوميا، عبر كل ما نراه، نسمعه، نقرأه، نحسه
ندركه، وقدوتنا في ذلك قرآننا:
" يتفكرون، يبصرون، ينظرون، يسمعون،....."

24‏/09‏/2015

من ذكريات العيد مع مدن الترفيه

عبدالخالق مرزوقي

كنا مجموعة مكونة من 8 افراد في العادة نادرا ما نفترق خاصة اننا نشأنا
في حي واحد ودرسنا المرحلة الإبتدائية في مدرسة واحدة وكنا نلعب في
نفس الفريق في الحي , حين وصلنا للمرحلة العمرية ما بين 16 وال20
اصبحنا منفصلين تماما عن اهالينا في المناسبات كالعيد ولم نعد نخرج
بصحبتهم ابدا ,كنا نرى ذلك شيء معيب لنا ,أن يقال أننا نخرج بصحبه
عائلاتنا في تلك المرحلة نركز على مدن الترفيه خاصة الحكير في
كورنيش الدمام وكان الدخول للعوائل فقط

كانت الرحلة تبدأ في التجمع في مكان واحد ولأننا لم نكن نملك كمجموعة
في البداية وسيلة مواصلات خاصة بنا , اذن لابد من ليموزين , ومن
شبه الإستحالة وجود سائق ليموزين يقبل الوقوف لمجموعة شباب
أو مراهقين في فترة الأعياد لأن التجارب علمتهم أنه بمجرد الإقتراب
من المكان المطلوب , أو الوقوف في اشارة مرورية فإنهم يقومون بفتح
ابواب السيارة والخروج بسرعة رهبية والإتجاه للجهة المعاكسة من
الشارع أو الدخول للشوارع الضيقة داخل الحواري بحيث لا يستطيع
السائق اللحاق بهم وحتى لو كان يستطيع فإنه يخشى من ذلك خاصة في
بعض الأحياء - بعض السائقين خاصة من الجنسية الهندية والبنغالية
كانوا يتعرضون للسلب - لكننا لم نفعل ذلك يوما , ليس لأننا لا نريد بل
لأننا لا نستطيع فلم نكن 3 أو 4 افراد بل 6 أو 7 , ولتطمين السائقين
أو بالأصح التمويه عليهم كان بعضنا يختبئ خلف السيارات المتوقفة
ويظهر فقط 2 أو 3 لإيقاف سيارة وعندما تقف ويتم الإتفاق على السعر
يظهر البقية , بعض السائقين يقبل وآخرون يطالبون بزيادة .


بعد الوصول وامام البوابات لا نستطيع الدخول مباشرة لأننا بدون عائلات
فنلجا لعدة طرق الأولى منها التأكد من وجود عائلة أي فرد منا أو عائلة
قريبة له في الداخل عن طريق متابعة الداخلين من جميع البوابات واذا لم
ننجح نتجه إلى الإدارة للإدعاء بأن عائلاتنا موجودة بالداخل وننادي
على اكثر من عائلة ومرات كثيرة كنا ننجح لأننا عددنا كبير ومن الطبيعي
أن يجد بعضنا عائلته أو عائلة قريبة له هناك لأن " الحكير" كان في
السنوات الأولى له هو المقصد الأول للعائلات خاصة في الأحياء القريبة
من الكورنيش ولأن اغلب الأباء كان يقل عائلته إلى هناك ثم يعود للمنزل
ويعود لهم في وقت لاحق دون الحاجة للبقاء معهم طوال الوقت
اذا لم تنجح هذه الطريقتين نقوم بتوسيع الدائرة فنبحث عن أي عائلة نعرفها
سواء كانت تسكن في نفس الحي أو نعرف احد افرادها أو عائلة صديق
دراسة ونلجا إليها للدخول , وفي غالب الأوفات التي نجدهم فيها يقبلون
ادخالنا , خاصة أن رب الأسرة لا يكون موجودا معهم بل الأبناء والنساء
واحيانا اخرى النساء وحدهم , ولأننا نشئنا في احياء قديمة والعلاقات في
هذه الأحياء قوية اكثر من غيرها كنا نعرف ابناء احيائنا ونسائه ايضا
بالإسم والشكل .

واذا لم نجد ايضا , نلجأ للحلين الأخيرين وكل فرد مخير بينهم , فإما القفز
من اعلى السور خاصة أننا غالبا كنا نلبس الجينز لذا كان سهلا- في العامين
الأولين وبعد ذلك وضعوا عليه حواجز – أو الإبتعاد عن البوابات وانتظار
النساء القامدات دون اولياء امور وهم كثرة لأن المكان قريب , واختيار
النساء من نفس المنطقة ومن نرى أن الحديث معها عن ادخالنا سيكون مفيدا
نتحدث إليها , طبعا كل فرد يحاول لوحده مع عائلة مختلفة , حينا ننجح
واخرى نفشل فشلا ذريعا , لكنه كان كافيا نجاح فرد واحد في الدخول
وهو سيتكفل بالبقية لأنه سيبحث في الداخل عمن يعرف ويرسله لنا وامرأة
واحدة كافية لإدخالنا , رغم أن الإدارة بعد العامين الأولين اشترطت للحد
منا وممن مثلنا دخول رجل واحد مع كل امرأة , فكنا ندخل مع المرأة فرد
واحد ثم تخرج بعد خمس دقائق وتدخل مع الثاني ولكي لا يلحظها الحراس
نختار بعد كل مرة أو اثنتين بوابة اخرى , وطبعا نحن من يدفع تذاكر دخول
النساء , وفي الداخل من النادر أن تجد عائلة كاملة في الداخل فالغالب هم
مجموعات شباب وبنات فقط

كان الشباب القادمين من المناطق الأخرى خاصة من الرياض لا يستطيعون
الدخول لعدم خبرة البعض وبرستيج البقية الذى يمنعهم من القفز على
الأسوار أو الحديث إلى القادمات , لذا كانت مجموعة من البنات تستغلهم
بأخذ مبالغ مادية عالية وكان هناك خاصة في العامين الأولين من يدفع
100 أو 200 لمجرد الدخول فقط

مازالت هذه الطرق موجودة في الدخول لكن العدد الذى يقوم بها تقلص
لأن الشباب ملوا هذه المدن واصبح العدد الأكبر يسافر .

وكل عام وانتم بخير

14‏/08‏/2015

حول الدين والعقل





حول الدين والعقل

عبدالخالق مرزوقي




قرأت ما كتبه الصديق الدكتور علي الحمد هنا :
http://whoisaccord.blogspot.com/2015/08/blog-post.html


فأردت الرد على الأفكار التي أوردها، والتي ارى أنها كثيرا ما تتكرر ممن يرى ضرورة إخراج الدين من الحياة العامة، وجعل الحكم فيها لعقل الإنسان وحده

اعتقد أن الكاتب انطلق من فرضيتين خاطئتين، والخطأ فيهما يكون حينا مصدره 

اعتبار آراء مجموعة من "رجال الدين" أو سلوك المتدينين حكما على الدين 
ومعبرا بصورة تامة عن التطابق مع جوهره، وحينا يكون مصدر الخطأ 
هو التطرف في الإتجاه نحو العقل، واعتبار كل ما يصدر عنه " عقلاني"
وتجاهل ما يؤثر عليه.


الفرضيتين الخاطئتين كما اراهما والتي تناولتهما الأفكار التي طرحت في 
حديث الدكتور هما :
أولا-اعتقاد التعارض بين الحلال والصواب من جهة، وبين الحرام والخطأ 
من جهة اخرى

ثانيا-عدم إدراك أو رؤية الفارق بين مفهوم الدين والفرق بينه وبين مفاهيم 
الفقه والشريعة والفكر الديني

من وجهة نظري لا اعتقد بوجود ذلك التعارض، بحسب ما افهمه من كلمة 
الدين فكلمة "الدين" افهمها بأنها كل نص إلهي بشرطي أن يكون قطعي 
الثبوت قطعي الدلالة وهذا موجود في آيات القرآن، التي جميعها قطعية 
الثبوت، فيما بعضها قطعي الدلالة وبعضها الآخر لا ينطبق عليه هذا الوصف.

لذا القول بتعارض الدين وفق هذا التعريف للدين، مع الأمر الذى يراه العقل 

صحيحا أو خاطئا هو يفترض أو يضمر أمرين. الأول أن الله سبحانه وتعالى 
الذى انزل هذا النص لم يكن يدرك هذا التناقض أو خفي التناقض عليه سبحانه.

الإفتراض الثاني أن هذا العقل كامل وهو بقدرته قد استطاع الوصول للحقيقة 

المطلقة للنص الإلهي على نحو مطابق تماما لمراد الله سبحانه من النص.ومن
منطلق معرفته التامة لمراد الله ادرك التناقض.

مما يعني أن عقل الإنسان اصبح موازيا لحكمة وعلم الله تعالى، ولا اظن الدكتور

 يوافق على أي من هذين القولين.

أما إن قلنا أن التعارض موجود بين الحلال والحرام الديني والصواب والخطأ

 العقلي حين تأويل وتفسير النصوص قطعية الثبوت وظنية الدلالة، أو ظنية 
الثبوت وظنية الدلالة، أو بين الفقه والعقل، فنعم هذا يوجد ويحدث. لذا تحديد 
المفاهيم ضروري في هذه المسائل

هناك مجموعة من الحجج التي تقدم في هذا المجال "أنقلها كما وردت إلي أثناء

 نقاش" هي :
"الصواب والخطأ يعتمدان على الأسباب والدوافع الفلسفية والمادية،بينما الحلال

 والحرام يعتمدان على التفسيرات النصية. هذا الفرق المنهجي هو السبب في 
التعارض"


وردي عليها هو: أن هذه الحجة قد تستخدم ضد بعض أهل الحديث والوعاظ 

وحفاظ الأحاديث- وليس ضد الدين- الذين يعمدون إلى الرد على التساؤلات 
بإيراد نصوص حديث غالبا – قليل ما يستخدمون نصوص القرآن- ويقدمونها
 للناس بصفتها هي الدين وعليهم الإلتزام بها دون سؤال وتساؤل ونقاش، حتى
 لو عارضت نصا آخر سواء في القرآن أو الحديث.

مثالا على ذلك ما رددت به على احد المعلقين في احدى وسائل التواصل 

الإجتماعي، قبل أيام حين استشهد بحديث من مات دون بيعة لإمام فقد مات 
ميتة جاهلية، وكان تعليقي عليه أن الحسين رضي الله وهو في حديث آخر
 سيد شباب أهل الجنة، استشهد ولم يكن مبايعا، فهل ميتته جاهلية ؟ ولم يرد

أعود للقول أنه لدى الفقهاء المجتهدين نصا وعقلا، والباحثين في التأويلات 

والمقاصد والعلل والموانع والإشتراطات والمآلات للنصوص، وانزال 
النصوص على القضايا وشروط التطبيق وما في حكمه - كل هذا عمل 
عقلي- يختلف الأمر.

وكل هذه الأمور لا يمكن الوصل لها بدون العقل والتفكير، نعم يحدث أن 

لا يتم الوصول لكل للعلل المادية أو العقلية من كون أمر ما حلالا أم حراما
 لكن في الغالب يتم الوصول له، وبعضه يحتاج لمزيد من علم، وبعضه الآخر
 قد لا يتم الوصول للعلة المادية أو العقلية، لكن هذا لا يعني أنها غير موجودة
بل يعني أن عقولنا غير مخلوقة لتدرك كل شيء بذاتها، وبأن العقل رغم كونه 
اعظم مخلوق إلا أنه يظل قاصرا على إدراك كل الوجود

الحجة الثانية: " إذا وصلوا للعلة العقلية فلا يعود الأمر متعلقاً بالحلية والحرمة 

بل يصبح متعلقاً بالصواب والخطأ، إذ أن الامتناع عنه لا يكون مدفوعاً بحكمه 
الشرعي وإنما حكمه العقلي، وهذا هو الفرق بين أن تقول لولدك أن الأكل بيد 
متسخة حرام لأن الله نهى عن ذلك وبين أن تقول له أنه خطأ لأنه مضر بالصحة"

الرد عليها: من يرى ذلك ربما لأنه ينطلق من الفصل بين الأمرين ابتداءا، لكن 

من ينطلق من الإتصال بينهما أعني الحلال والصواب، الحرام والخطأ، يصبح 
الأمر لديه حين يصل لتلك العلة العقلية أو المادية، تأكيدا وتقوية للإيمان بالإلتزام
 بالحكم الشرعي.

أي أن الفرق هو في الذهنية التي ننطلق منها وهنا أشير إلى أمر مهم، وهو بأن

 من يقول بأن ذلك الأمر حرام لأن الله نهى عن ذلك ويقف، هو مخطئ

ولم يبني وعيا بالحكم أو لم يمتلكه في الأساس ولا بالتربية الصحيحة والمصلحة

 ايضا، فيجب أن يكمل حديثه بالقول إن الله حرم ذلك لأنه مضر بالصحة مثلا
 أي الجمع بين الحكم الشرعي وعلته ويقدم شواهد وأدلة مادية


الحجة الثالثة: " ما الحاجة للحكم الشرعي بوجود الحكم العقلي"


الرد: لأن ذلك أقوى أثرا وادعى للإلتزام حين يجتمع الدليل الشرعي بالأمر

 العقلي والدليل المادي ولأن الحكم الثابت، وكون الله مصدره يجعل حكمته
 ثابته، فيما الأمر العقلي قد تطرأ عليه متغيرات، تجعل الخطأ صوابا والصواب خطأ أمثلة على ذلك:
على ذلك تشريع ما يسمى بالقتل الرحيم، أو رمي بعض المنتجات الغذائية في البحر كما حدث اكثر من مرة في امريكا وغيرها اذا كان هناك فائض في الإنتاج،  كي لا تنخفض الاسعار، أو تشريع زواج المثليين، والإستعباد عبر القوانين سواء للافراد أو للدول والشعوب، فأصحاب المصالح والقوى السياسية أو الإقتصادية أو الإجتماعية،  تستطيع اذا امتلكت وسائل السيطرة واهمها الاعلام
من تغيير التوجهات العامة للافراد لما يخدم مصالحها هي
وكذلك استخدام الفن والثقافة وغيرها.بطريقة ماكرة، لتطبيع المجتمع مع هذا الأمر أو ذاك، كإنتاجات السينما الأمريكية لأفلام الحروب - الممولة جزئيا من الجيش الأمريكي- لجعل الشعب يعتقد بشرعية الحروب الأمريكية وأنها متوافقة مع القوانين ومن 
الأمور الصائب فعلها

الحجة الرابعة : " الجمع بينهما- الحكم الشرعي والعقلي- لا معنى له بل 

ولا حاجة له. نعم يمكنك أن تخبر ولدك بأن الله يأمرنا بفعل الصواب دائماً 
وينهانا عن الوقوع في الخطأ. وتترك له أن يحدد الصواب من الخطأ. أو بتعبير
 آخر تترك له أن يشرع لنفسه ولكن من من الفقهاء الحقيقيين يقبل بأن يشرع
 الإنسان لنفسه دون الرجوع له؟ ثبات الحكم الشرعي هو أكبر عيوبه. فلا يوجد
 في هذا العالم حكمة ثابتة. بل كل شيء يتغير بتغير الظروف. فإذا كنت جاهلاً 
بالعلة فلن تتمكن من مجاراة هذه التغيرات"

الرد: عندما اذكر "الحكم الشرعي" فأعني به ما ذكر صراحة في القرآن 

وليس كل ما قرره الفقهاء

فالأول هو الثابت كحكم، والتطبيق ففيه اجتهاد حسب الكثير من الأمور

 ولا حجة لمن يقول لا اجتهاد مع النص، فالإجتهاد يتناول أيضا مقاصد 
النص وشروط التطبيق وتحققها- كما اجتهد عمر رضي الله عنه في وجود
 النص- أما في حال عدم وجود النص قطعي الثبوت والدلالة فباب الإجتهاد 
مفتوح.

لا توجد حكمة ثابتة نعم، إذا كنا نتحدث عن البشر أما ما قرره الله صراحة في

 القرآن فحكمته ثابتة وإلا لما اتصف سبحانه بالحكيم العالم، الواجب علينا 
إدراك بعض جوانب تلك الحكمة إذا أدركناها نكون جمعنا بين الأمرين، النص
 والعقل وهذا ما يطالبنا به سبحانه حين يخاطبنا : 
تعقلون، تتفكرون، تنظرون، تبصرون، تسمعون.

11‏/08‏/2015

نموذج للقيادة ذات الرؤية


نموذج للقيادة ذات الرؤية 

عبدالخالق مرزوقي


نشر في موقع قيادة
www.saudileadership.org


يروى أن عمر رضي الله عنه حين تم فتح العراق، رفض اتباع ما كان سائدا من توزيع اغلب الأراضي والأموال على المقاتلين، وحين واجه اعتراضا من قبل بعض الصحابة رضي الله عنهم، احتجاجا على مخالفة ذلك للنص. كان رده : فمن لمن يأتي بعدكم.

ولم تكن هذه القضية هي الحالة الوحيدة، التي لم يقف فيها الفاروق رضي الله عنه عند حرفية النص، بل يبحث عن مغزاه ومقاصده وروحه.

اتخذ هذه القصة مدخلا لقراءة بعض الصفات يجب أن يتحلى بها القائد- بغض النظر عن موقعه- وهي كذلك تدلنا على الفرق بين القائد والمدير

أول تلك الصفات هي المعرفة العميقة لمن يتولى موقع القيادة بمن يقود سواء كأفراد أو تنظيم. معرفة الوضع الحالي للمنظمة والتنظيم. اسبابه ومعطياته، شروطه، قوانينه، ادواته، غايته، ثقافته، والثابت والمتغير في كل ذلك. كذلك معرفة بالبيئة الثقافية للأفراد الذين يقودهم

ثانيها هي الرؤية المستقبلية فالقائد عليه أن يرى حاضر ومستقبل منظمته بنفس الدرجة من التركيز والأهمية، لذا عليه حين يتخذ قراراته أن يأخذ البعدين معا. فالقائد لا يعمل لليوم وحده، ولا يتعامل مع مشكلات الحاضر فقط، فعليه استشراف التغيرات المستقبلية، ويوجد حلول حالية لمشكلات متوقعة مستقبلا، بناء على معطيات الحاضر والمستقبل.

وهذا بالذات احد الأسباب الكبرى لتراجع أو اختفاء المنظمات، اعني عدم قدرتها على توقع التغيرات وبالتالي التكيف معها، لأن قياداتها لم تمتلك تلك الرؤية، إما لأنها تفتقد تلك الصفة القيادية، وإما لإن قيادتها كانت منهمكة في اعمال الإدارة.

ثالثها الصفات هي شمولية الرؤية. فعلى القائد أن ينظر لقراراته من جميع الزوايا، متفهما المتطلبات والمصالح الحالية والمستقبلية للجميع.المنظمة والتنظيم والأفراد على حد سواء، ومدمجا لها في رؤية واحدة. فمن البديهي أن مصالح الجميع ليست متطابقة بالضرورة دائما، وهناك وقت سيكون فيه على القائد اقامة توازن دقيق بين متطلبات ومصالح كلا منهم من ناحية، والمحافظة على الإستمرارية والقيادة للنمو والتطور من ناحية اخرى.

رابعها توافر القدرة النظرية والعملية على اعادة صياغة الرؤية والإستراتيجية، حين توجد معطيات جديدة لم تكن متوفرة سابقا أو غفل عنها متخذ القرار، والتطبيق وعدم التذرع بالقوانين والقرارات السابقة، حين تكون المصلحة العامة حاليا ومستقبلا غير متحققة اذا تم الإستمرار بإتباع الإستراتيجية أو سياسة سابقة.

فقد تلاحظ قيادة المنظمة عبر مؤشرات عديدة ضعفا هيكليا، أو انخفاضا ملحوظا ومتكررا في الأداء أو الأرباح. لكنها تعزوه لأسباب خارجه عن ارادة المنظمة، ويمكن انتظار تغير تلك الأسباب مثلا، أو أن ذلك سيكون مشكلة لمن سيتولى المسؤولية بعدها. فتعفي نفسها من مراجعة رؤيتها، إما تهاونا وإما كي لا يستبين ضعف قدراتها.

الصفة الخامسة هي امتلاك الجرأة على التغيير، وفي الوقت المناسب. فالإستجابة المتأخرة للمشكلات والتحديات، وفي ظل اجواء تنافسية وسريعة التغيير بين المنظمات، تجعل النتيجة في أوقات عديدة مساوية لعدم الإستجابة. والجرأة على التغيير اضافة لتطلبها معطيات محددة وواضحة يستند عليها التغيير وتجعله محتما. تتطلب ايضا شجاعة في اتخاذ القرار وشجاعة في تحمل تبعاته الحالية والمستقبلية، فهناك دائما مقاومة للتغيير، إما للحفاظ على مصالح حالية، أو غموض المكاسب المستقبلية

واختم بصفة مهمة واساسية يجب أن تتوفر في كل قائد وهي استشعار المسؤولية، تجاه كل من يقودهم، بغض النظر عن الموقع داخل الهيكل التنظيمي. وهذه الصفة تمنع من محاباة طرف على آخر، فلا يجب مثلا اغفال جهود أو مصالح صغار العاملين والذين يقومون بالجهد الإكبر في حال تحقيق النجاح، ومكافئة كبار المديرين وحدهم، وهذا للأسف دارج في الكثير من المنظمات

وأضع امثلة هنا شركات صناعة الهواتف المتنقلة، اسماء كبيرة اختفت، ولم نعد نسمع عنها، واسماء اخرى تم الإستيلاء عليها من قبل غيرها، لأنها لم تكن قادرة بشكل مسبق على الرؤية المستقبلية ومواكبة التغييرات في هذا القطاع بالسرعة المطلوبة – تحول اجهزة الهاتف من وسيلة تقدم خدمة اتصال صوتي إلى وسيلة تواصل وانجاز للأعمال – ورغم أن بعضها كان ناجحا جدا “نوكيا”. لكن انهماكه في اعمال زيادة حجم الحصة السوقية وجني العوائد والأرباح الكبيرة في وقت ما- اعمال الإدارة- اخفى عنها التغيرات الآتية في القطاع، مما انعكس على حصتها وارباحها في السنين التالية، وجعل عملية الإستيلاء عليها سهلا

المراجع:
1-محمد القاضي- الإبداع عن ادارة عمر ابن الخطاب للأموال العامة – دراسة حالة (عدم تقسيم اراضي الفئ العراق، الشام،مصر)
2-بيكا نيكانين- من قتل نوكيا؟ – الجزيرة نت 

25‏/07‏/2015

قانون الجهد المعكوس


قانون ( الجهد المعكوس )

يقول :
" عندما تكون رغباتك وخيالك متعارضين
فإن خيالك يكسَب "

لتوضيح معنى القانون نضرب مثالاً بسيطاً ..

إذا طُلبَ منك أن تمشى على لوح خشب طوله 10 أمتار
وعرضه 5 أمتار موضوع على اﻷرض .؟
بلا شك ستمر عليه دون أدنى مشاكل، ﻷن رغبتك فى المرور لاتتعارض
مع الخيال ، فخيالك يخبرك :
ما دام اللوح على الارض فأنه لا يمثل أى احتمال للسقوط وإن
حدث فهو على اﻷرض .

اﻵن افترض أن هذا اللوح موضوع على ارتفاع 20 قدماً
فى الهواء بين عمارتين مرتفعتين، هل تستطيع أن تمشى عليه .؟

لا أعتقد ، لماذا مع أنه نفس اللوح بنفس الطول والعرض !
التفسير :
إن رغبتك في المشي عليه
ستواجه من جانب خيالك الخوف
من السقوط ومع أنك تملك الرغبة
فى المشى لكن !
صورة الوقوع فى خيالك ستتغلب
على رغبتك وإرادتك وجهدك
للمشي على اللوح ..

والعجيب في الأمر :
أنك لو حاولت المشي عليه
قد يحقق خيالك السقوط بنفس الشكل
الذى تخيلته ؛ أي ستقع نفس الوقوع
الذي رُسمَ في مخيلتك
لأنه تدرب عليه مسبقاً في اللاواعي
الذى يدير 90% من سلوكياتك !

* ماذا نستفيد من تلك القاعدة .؟

أظن أن الصورة بدأت تتضح
كلنا يملك الرغبة للنجاح ولكن !
لاننجح لماذا ؟

اﻹجابة من تلك القاعدة :
لأن صورة الفشل ، مسيطرة على خيالنا .

د / جوزيف ميرفي
(قوة العقل الباطن)

07‏/07‏/2015

الإسكان : نحو مشروع دولة لا وزارة




عبدالخالق المرزوقي


كنت اتمنى لو كان هناك تفكير استراتيجي شامل، يجمع وزارة الإسكان
بالتجارة والصناعة والعمل والإقتصاد والتخطيط والتعليم العالي. والأمل
في مجلس الشؤون الإقتصادية والتنموية بقيادة ولي ولي العهد الأمير محمد
بن سلمان في طرح تلك الرؤية الشاملة التي نحتاجها لمستقبلنا، خاصة في
ظل نسبة النمو السكاني الهائلة لدينا، والضغط على الموارد والبنيه التحتية.
واعني بها اعادة النظر في طريقة طرح وتوزيع وبناء مشاريع الإسكان
الجديدة، وبدلا من انفراد وزارة الإسكان بالتخطيط لهذه المشاريع، والنظر
لها من زاوية واحدة هي توفير السكن لغير القادر عليه، اعتقد يجب البدأ
بصياغة استراتيجية تنموية شاملة، تكون جهود وزارة الإسكان جزءا رئيسيا
من تلك الإستراتيجية.

واتحدث هنا عن بناء مدن جديدة، على السواحل السعودية الممتدة على
آلاف الكيلومترات، تقوم كل وزارة فيها بما يخصها من جهود، تحت
اشراف مجلس الشؤون الإقتصادية والتنموية، وتخطيط وزارة الإقتصاد
والتخطيط ضمن خطط التنمية للمملكة العربية السعودية.

فنرى وزارة الإسكان توزع الأراضي فيها بالمجان على المواطنين، بعد
انجاز مشاريع البنيه التحتية، بدلا من بناء شقق سكنية في المدن الكبيرة
بالآلاف،ثم توزيعها على المواطنين بقروض،يستمرون بدفعها لعشرات السنين
ويتم بذلك ايضا الضغط على البنيه التحتية من كهرباء ومياه وطرق وصرف
صحي، وخدمات صحية وحكومية ووظائف خاصة في المدن الكبيرة، والتي

هي اساسا تتعرض لضغط كبير حاليا، قبل تنفيذ مشاريع وزارة الإسكان الجديدة
فيما يمكن استثمار تلك المبالغ في مشاريع بنية تحتية جديدة لمدن جديدة وعلى اسس
جديدة تتلافى الأخطاء السابقة بتكلفة اقل

لو جمعنا اجمالي التكاليف لتطوير البنيه التحتية لمشاريع الاسكان الحالية
وزيادة الانفاق على البنية التحتية للمدن القائمة، كي تستوعب الزيادة السكانية
مع تكلفة تمويل المساكن، مع بقاء حاجة ساكني تلك المشاريع لدخول المدن
لقضاء احتياجاتهم، أو مراجعة الإدارات الحكومية، مما يفاقم ازمات المدن
والتكدس داخلها.

وكذلك كون اغلب الوحدات السكنية التي تعتمدها الوزارة في المدن الكبيرة
هي شقق سكنية، وهو ما يعني أنه بعد جيل واحد، أي بعد 25 أو 30 عاما
سنكون أمام تكرار لذات المشكلة في السكن بشكل اكثر تعقيدا، حيث سيضاف
لطالبي السكن الجدد حينها، ابناء من حصلوا على تلك الشقق، لأنها لن
تستوعب الجيل الثاني من الأسرة، عكس ذلك لو كان ما يمنح لطالبي السكن
الآن اراضي يتم بناء مساكن مستقلة عليها، يمكن تجزئتها أو البناء الرأسي
عليها لاحقا لاستيعاب افراد اكثر.

ويكون دور وزارة التجارة والصناعة والمؤسسة العامة للموانئ انشاء موانئ
جديدة، صغيرة ومتوسطة الحجم في تلك المدن الجديدة، ومناطق صناعية
ومستودعات تخزين، وصناعات معدة للتصدير، ويتم ايضا توفير الأراضي
الصناعية في المدن الجديدة بالمجان لم يثبت جديته، بدلا من القيام الدائم
بتوسعه الموانيء الحالية، والضغط على المساحة العمرانية للمدن الموجودة
فيها الموانئ بأخذ مساحات منها، أو ردم اجزاء واسعة من البحر من اجل
توسعه الموانيء والخدمات الملحقة بها، كمستودعات التخزين، كما يحصل
في ميناء الملك عبدالعزيز في الدمام مثلا.

ولأن تلك المدن ستكون موجودة على السواحل، فإن دور وزارة التجارة
والصناعة والهيئة العامة للإستثمار، من ضمن استراتيجيتها للصناعة، تشجيع
قيام الصناعات الثقيلة والصناعات المعدة للتصدير فيها،نظرا لوجود الموانيء
مما يقلل تكلفة استيراد المواد الخام أو تصديرها على المنتج، وكذلك اجور
النقل والتخزين، وايضا تقليل الضغط على البنيه التحتية للطرق، وانشائها
وصيانتها حين تكون تلك الصناعات في المناطق الداخلية.

وتشجيع وزارة التعليم العالي، والمؤسسة العامة للتعليم التقني والفني، على بناء الجامعات
والكليات الجديدة بالتخصصات التي تحتاجها تلك المدن وصناعاتها

ولو نظرنا لأغلب المؤسسات التعليمية المهمة في العالم،سنجد انها تنشأ وتتواجد في المدن
الصغيرة والضواحي، فتوفر لمدرسيها وطلابها الأجواء الهادئة للدراسة والبحث العلمي
من ناحية، وتوفر لتلك المدن والبلدات الصغيرة موارد اقتصادية ووظائف نتيجة لتواجد
آلاف الطلاب فيها وتوفير احتياجاتهم. وكل ذلك سيصب في صالح توفير آلاف فرص العمل
 الجديدة، سواء المباشرة أو غير المباشرة، وايضا فتح الفرص لممارسة التجارة عبر انشاء
مؤسسات صغيرة وممارسة العمل الحر، وتقليل الهجرة للمدن الكبيرة.

وكذلك لا يخفى مقدار الوفر المالي الذى يمكن تحقيقه، خاصة مع انخفاض
الموارد الحالي الناتج عن انخفاض سعر النفط،بدلا من مقدار الإنفاق الحالي
الكبير على نقل الطاقة سواء الكهربائية منها أو المشتقات النفطية، والمياة
المحلاة من اماكن انتاجها على السواحل إلى المدن الداخلية حاليا مع الحاجة
لمزيد من خطوط النقل المستقبلية،وكذلك بناء المزيد من الطرق بين المناطق
والمطارات الداخلية.

19‏/06‏/2015

تدبر بعض آيات القرآن



من الآية الثانية إلى الرابعة - سورة البقرة

"ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين(2) الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون

 الصلاة ومما رزقناهم ينفقون(3) والذين يؤمنون بما انزل إليك وما انزل
من قبلك وبالآخرة هم يوقنون(4)"


"ذلك الكتاب لا ريب فيه"


نحن هنا امام معنيين للعبارة، المعنى الأول هو تأكيد الله سبحانه وتعالى
على حقيقة القرآن وثبوته سواء كمجمل أو كمفصل، والحقيقة والثبوت هنا
يأخذان بعدين

البعد الأول هو حقيقة ثبوته كنص، أما البعد الثاني فهو صدق معانيه ودلالاته
وهو سبحانه يدعونا ضمنيا بشكل غير مباشر لإكتشاف تلك المعاني والدلالات
بغض النظر وصلنا لكامل حقيقة تلك المعاني والدلالات أم لا.

المعنى الثاني للعبارة هو اقامة الحجة والتحدي لمن يشكك في القرآن، بأن
يكشف عدم صدقه أو تناقضه، والتحدي هنا ممتد منذ نزول القرآن إلى
ما شاء الله.

"هدى للمتقين"


هنا إخبار وتأكيد من الله سبحانه، انه بناء على العبارة السابقة، فإن في هذا
القرآن لا شك هداية للمتقين.

والهداية انواع فمنها تجاه الوصول لتلك المعاني والدلالات الدينية الشرعية
التي يطلبها الله منا والموجودة في القرآن. ومنها هداية ذاتية، تتعلق بالإنسان
واعادة تشكيل نظرته تجاه ذاته، وعلاقته بالحياة وبالوجود. ومنها هداية تجاه
تلك الإشارات التي يبثها الله في القرآن تجاه الكون، الخلق، التاريخ، وغيرها.
والهداية هنا بمعنى الإنطلاق من تلك الإشارة الإلهية نحو العلم والإكتشاف
وربط سبحانه بين كون هذا الكتاب هداية وبين التقوى، والتقوى قلبية. وكأنه
سبحانه يقول أن شرط هداية القرآن لك، وانفتاح نصوصه ومعانيه امامك
هو أن تأتيه بقلب سليم متقي، لا أن تأتيه بغرضيه شخصية، أو بحثا عن تأكيد
لما تحمله مسبقا من خارجه، وبدلا من أن تجعل النص يقودك تحاول انت أن
تقوده لغرضك.

"الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون"

بعد أن دلنا سبحانه على اهمية التقوى، وبما أن التقوى محلها القلب، كان
لابد من تبيين صفات اصحابها كي نستبينهم، ولا نُخدع بالمدلسين.
فبين أنهم " الذين يؤمنون بالغيب"، وايمانك بالغيب هو التأكيد الداخلي على
انك وصلت للإطمئنان القلبي- بالكيفية التي طلب منك استخدامها، للوصول
لهذا الإطمئنان - تجاه حقيقة ما وصفه الله تعالى وتحققه.
ثم ذكر سبحانه "ويقيمون الصلاة"، واقامة الصلاة على الحقيقة ليس مجرد
ادائها بحركاتها. وهنا يتجلى استخدام كلمة يقيمون كونها تبين المعنى
المطلوب من الصلاة، فلا يكفي أن تؤدي حركاتها امام الناس، بل المطلوب
أن تقيم معناها داخلك، بما بينته آيات اخرى بأنها "تنهى عن الفحشاء والمنكر"
فمن تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر هو من اقام الصلاة على الحقيقة.
وفي الصفة الثالثة للمتقين ذكر سبحانه "ومما رزقناهم ينفقون"، وتأتي اهمية
هذه الصفة من صفات المتقين، هو أن جزءا من تكَوُن التقوى لديك، هو
يقينك بأن هذا الرزق الذى لديك هو رزق الله لك، ولم تأخذه بقوتك، ولأن
يقينك القلبي هذا بحاجة لتأكيك وترسيخ، جاء الإنفاق كأداة عملية
فكونك تتيقن أن هذا المال هو رزق الله لك، وأنك مستخلف فيه ولا تملكه
حقيقة، فأنت بإنفاقك منه وحين تخرج " بعضه" بما قد لا يعود عليك بمنفعة
دنيوية، فأنت تخرجه " كله " من قلبك - حيث التقوى والإيمان -وتضعه
في يدك.


"والذين يؤمنون بما انزل إليك "

الإيمان هنا لا يقصد به الإيمان بما في دفتي المصحف من كلام، وبأنه منزل
من الله فقط، بل يشمل مع الإيمان القلبي الإقتناع العقلي بما ورد فيه من احكام 
وتشريع وحقائق كونية، والتأكيد علي كل ذلك عمليا، عبر ظهور اثره في الأخلاق 
والسلوك والمعاملة، لذا قيل عن النبي صلى الله عليه وسلم : " كان خلقه القرآن "

" وما انزل من قبلك "

المتقي كذلك يؤمن بما انزل لله من كتب، وهذا يتضمن الإيمان بالأنبياء والرسل
جميعا، منذ آدم لمحمد عليهم السلام جميعا، وأنهم جميعا اصحاب رسالة إلهيه
واحدة، ولهدف واحد

ولهذا معنى ثاني غير هذا المعنى الأول، وهو طالما أن من شروط التقوى
الإيمان بكل الرسل والرسالات، وانهم جميعا اصحاب رسالة واحدة، فهذا يعني
أن كل المؤمنين الموحدين منذ آدم لليوم هم ابناء امة واحدة، بغض النظر عن
اختلاف الشرائع بينهم، وهذا يقود إن تحقق هذا عمليا إلى وحدة انسانية قوامها 
توحيد الخالق سبحانه


" وبالآخرة هم يوقنون "

الصفة الأخيرة التي وصف الله سبحانه بها المتقين في هذه الآيات هي الإيمان بالآخرة
ونلاحظ أن الله تعالى استخدم كلمة يوقنون، وهي اعلى درجات الإيمان والتصديق
وهو وضعها سبحانه لوصف المتقين رغم أنهم لم يروا الآخرة، ولم يعيشوها، فكيف
 وصلوا لليقين بالآخرة إذن؟

حين نتتبع هذه الآيات نرى أنها سلسلة، حين يتحقق الإيمان بها :
القلبي، العقلي، العملي. ولكل مجال منها شروطه، يكون الوصول لليقين بالآخرة
"الغيب" من باب النتيجة الطبيعية.

28‏/05‏/2015

هل توجد في الإسلام دولة دينية ؟



عبدالخالق مرزوقي

هل توجد في الإسلام دولة دينية ؟

الدولة- أي دولة - ينشئها المجتمع حسب تكوينه، المستمد من ثقافته
وتاريخه وبيئته الإجتماعية، لذا العلمانية بما انها نتاج لثقافه معينة
تناسبت مع ثقافة منتجيها وليس بالضرورة أن تتناسب مع ثقافة
وتاريخ وحضارة مجتمعات اخرى فإذا كانت تتمايز داخل أوروبا
بين الدول فكيف لمجتمعات تنتمي لثقافة مختلفة، علينا ابتكار
نموذجنا الخاص.

ولا يمنع الإستفادة من منتج حضاري لثقافة اخرى بإستيعابه
وتبيئته لا استنساخه.

نعم الدولة مدنية في الإسلام، ينشئها المجتمع لا الدين. فالدين يضع
اسس البناء واطره العامة، أما ما عداه فهو شأن الناس من شكل النظام
السياسي للمؤسسات للدستور لتكوين السلطة وطريقة اختيارها وتغييرها
لنظامها الإقتصادي كله متروك حسب ثقافتها وعلمها وزمانها ومكانها
وبيئتها الإجتماعية وتطور مدارك الإنسان بعض العلمانيين العرب يتوهم في
 موضوع فصل الدين عن الدولة أو يقرأ تاريخ أوروبا قراءة أيديوجية

فأوروبا لم تحكم بالدين يوما بل كانت تحكم بالقوانين الرومانية عبر
الكنيسة، أي حكمتها الكنيسة وليس الدين، والمسيحية لا تتحدث عن
الدولة اساسا. والفصل كان بين سلطة الدولة وسلطة الكنيسة
في الإسلام الموضوع مختلف، فلا توجد سلطة دينية في اصل الدين
وللدين حديثه في الشأن العام، فلا يوجد فصل تام، ولا هيمنة من
الديني على السياسي اعنى أن النص الديني لم يتدخل في تفاصيل
الفعل والتنظيم السياسي، بل وضع اطر عامة

22‏/05‏/2015

الدولة لدى السلفي السني والشيعي - المفهوم والبنيه





الدولة لدى السلفي السني والشيعي





محاولة لفهم الأسس التي شكلت النظرة للدولة والسلطة لدى السلفيتين السنية 
والشيعية

عبدالخالق

نشر في صحيفة التقرير

لا يمكن فهم العلاقة والنظرة التي تنظر بها السلفيات، والفرد الذي يأتي 
إلى الدولة كمفهوم، أو إلى الممارسة السياسية، من خلفية فكرية ثقافية 
صنعتها (حصرًا) 

الرؤية الدينية السلفية، سواء السنية أو الشيعية؛ دون العودة إلى 
الأسس الثقافية والاجتماعية وظروف البيئة السياسية التاريخية، التي 
شكلت بداية تبلور مفاهيم الدولة والسلطة لدى كل من السلفيتين، والعوامل
 النفسية التي غذت ذلك لاحقًا وما زالت.


ودون محاولة فهم تاريخ علاقة كل طرف بالدولة أو السلطة منذ نشأتها 
في الإسلام وانعكاس هذه العلاقة على الأفراد الذين يحصرون أنفسهم 
بذلك التاريخ، وأتحدث هنا تحديدًا عن السلفيتين السنية والشيعية لأهميتهما 
حاليًا ولحجم ما يُحدِثان من تأثير على الاجتماع والسياسة في واقعنا الحالي
هذه العلاقة يمكن أن نؤرخ لبدايتها لدى الطرفين، ولافتراقها في آن 
واحد، باجتماع السقيفة، أي منذ بداية الخلاف حول تفسير ما حدث فيها.

بمعنى أن بداية تبلور مفهوم الدولة والسلطة، والافتراق والخلاف لدى 
الطرفين يعود في جذوره الأولية إلى بداية واحدة. وهي بداية نشوء 
وتبلور السياسة إسلاميًا وفي تكونها كممارسة عامة، وإن كان التنظير 
لذلك جاء لاحقًا.

لذا؛ فإننا نتحدث عن قضية سياسية قبل أي شيء آخر، وتم إسباغ اللباس
الديني عليها لاحقًا لأسباب سياسية في المقام الأول؛ لإكساب الرؤية
والرواية والممارسة السياسية لكل طرف مشروعية دينية.

يمثل يوم السقيفة، وما تم فيها، النقطة المركزية التي يعود لها كل طرف
ليؤرخ منها بداية تشكيل نظرته ووعيه وروايته عن الدولة والحكم والسلطة
ولو حاولنا العودة لذلك اليوم وقراءة ما شكله لدى كل جماعة سنجد ما يلي:


أن ما يعتبره طرفٌ لحظة تأسيسية لتثبيت دعائم الدولة الإسلامية الوليدة
ويمنحها الشرعية الدينية والسياسية للاستمرار بعد عهد المؤسس -الرسول
صلى الله عليه وسلم- يعتبره الطرف الثاني لحظة الانقلاب على أسس
الإسلام ذاته، وعلى إرث الرسول والرسالة، وخروج غالبية شهودها ليس
على الشرعية فقط بل عن الدين ذاته، في القراءات الأكثر تطرفًا، وما زالت
السلفيتان لم تغادرا تلك الرؤية لليوم.


السلفية السنية



شكل ذلك اليوم لدى الطرف السني بشكل عام حسمًا لعدة أمور، منها: أن أمر
 الدولة والحكم لا يرتبط بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا بسلالته
 أو بنص ديني يحدد من له السلطة؛ بل هو أمر متروك للأمة، وبالتالي نزعت
 صفة (القداسة الدينية)، ابتداءً، عن السلطة، وعن كل من يتولى المنصب، مع 
كل ما يترتب على ذلك ويتفرع منه. ومما يتفرع عن ذلك، التأسيس في الفهم أن
 شرعية رأس الدولة أو الحاكم إذا كانت مكتسبة من الأمة التي اختارته؛ فإنه 
بالتالي من يمنح الشرعية هو أيضًا قادر على نزعها.


في الوقت الذي لم يصل فيه العالم لذلك، إلا بعد التنوير الأوروبي والثورة على
 الكنيسة والملوك في القرون المتأخرة. ومع الأسف، فإن الارتداد السياسي عن 
تلك المبادئ، والذي بدأ مع الدولة الأموية؛ منع استمرار تبلور تلك الممارسة 
عمليًا، وترسيخها في الثقافة السياسية والتي لو استمرت وتم البناء عليها، كانت
ستؤدي لتغيير تاريخ العالم السياسي برمته منذ ذلك الزمن.


وأثر حدوث الردة السياسية عن مبادئ الإسلام في الحكم، كالشورى والاختيار 
من الأمة مع تشكل الدولة الأموية، على الفقه السياسي لدى الجانب السني
وبرزت ممارسات جديدة غير تلك التي جاء بها الإسلام في الدين والسياسة.


أهم الممارسات التي بدأت مع الدولة الأموية وأثرت في كل تاريخ الإسلام 
لاحقًا، هي فرض السياسة لسطوتها على الدين، (الفقه) تحديدًا، أيضًا بداية 
تكَوُن مفهوم "رجل الدين" كذلك تحول السلطة الدينية من النص إلى رجل
الدين، وكان هذا بداية تحول الدين إلى مؤسسة. وكل واحدة من هذه المسائل 
الثلاث بحاجة لبحث مستقل وواسع لوحدها.


وحيث انقسم الفقه السياسي منذ ذلك اليوم إلى عدة مسارات، أحدها مسار رجال
 الدين القريبين من السلطة الذين نظروا للوضع القائم وحاولوا إيجاد تأصيل 
شرعي له؛ لإكساب الفعل السياسي شرعية دينية -فيما كان الإسلام قد جاء 
بعكس ذلك- سواء عبر النصوص مباشرة أو تأويلها، والتركيز على أحاديث 
التمسك بالجماعة والطاعة والتخويف من الفتنة، وإسباغ الهالة الدينية على 
رأس السلطة أي لوي عنق النصوص لتتوافق مع الممارسة. وليس العكس
أي الانطلاق من النص أولًا عبر وعيه، وفهم مقاصده، وعرض الممارسة
عليه لبيان شرعيتها. وشكل هذا جناية على نصوص الدين، وصرفًا لها
عن مقاصدها، وتشريع الاستبداد السياسي دينيًا.


المسار الثاني، رجال دين وفقهاء كانوا أكثر استقلالًا عن السلطة، محاولين
إيجاد تأصيل نظري للسياسة الشرعية -ليس تقديم نظرية سياسية- وتقديمها
كنوع من "النصيحة" المباشرة حينًا وغير المباشرة في أحيان أخرى للسلطة.


ونلحظ أن هؤلاء الفقهاء حين كان الحكام يستبدون بالحكم، كانوا
يتوجهون بنقدهم ومعارضتهم للحاكم كفرد، ولا يسعون لتقويض الدولة
ذاتها، أو الثورة عليها، وقد يعتزلون الحاكم وكل ما يأتي به، لكننا نراهم
عند الحاجة متطوعين في جيوشه.



واشترك أصحاب المسارين -بنسبية بينهما ولأسباب مختلفة- في عدة أمور
كخوف الفتنة -لمفهوم الفتنة دلالات مهمة في السياق الفقهي السني تختلف 
عنها في السياق الفقهي الشيعي مثلًا- والتأكيد على لزوم الجماعة، والتحذير
من الفرقة والتركيز على الضرورة الشرعية لوجود الحاكم لدرجة إيجاد 
مخارج فقهية لمن يستولي على الحكم بالقوة، في حال النزاع، وتفضيل ذلك 
على الفراغ، وكذلك وجود أحداث تاريخية كانت فيها الدولة في حالة 
ضعف شديد مكن أعداءها الداخليين كالثورات أو الخارجيين كالغزو
المغولي، من الاستيلاء على الدولة وارتكاب مذابح في حق المسلمين.

الفرق بين تناول الفريقين لهذه المسائل هو المنطلق؛ فالفريق الأول ركز 
عليها تركيزًا شديدًا من أجل مصلحة السلطة في المقام الأول وخدمة لها
فيما كان منطلق الفريق الآخر هو الحفاظ على جماعة المسلمين
أو ما تسمى بيضة الإسلام


وعلاقة رجل الدين هنا بالسياسة عمومًا مختلفة عنها في المذهب الشيعي
فبالنسبة للجانب السني، تولى كل من رجلي السياسة والدين موقعين
مختلفين، يقتربان حينًا كثيرًا من بعضهما ويفترقان في أحيان أخرى
خاصة بعد عهود الخلفاء الراشدين ولأن السلطة والمال بقيا لرجال
السلطة؛ بقي رجل الدين يمارس دوره كرجل دين فقط، وكانت علاقة
الفرد به هي علاقة لها بعد واحد غالبًا، وهو البعد الديني.


وبعض رجال الدين الذين حاولوا الدخول للعمل في السياسة، مارسوا
ذلك إما من أجل إصلاح السياسة وإما من أجل ترجيح اتجاه فكري
في فهم الدين على آخر وإما طمعًا في مكاسبها.


وفي كل الحالات، ولأن رأي أو فتوى رجل الدين في الجانب السني
لا تتخذ صفة الإلزام، ولعدم وجود السلطة السياسية في يده، في
المرتبة الثانية بعد الحاكم السياسي في التأثير على أمور الدولة؛ إذا لم
يكن تابعًا له غالبًا.


أين يجد السلفي السني دولته المنشودة؟


لدى الجانب السني، السلفي تحديدًا، الدولة المثالية تحققت في الماضي، وهي
في وجدانه دولة قوة وعزة وانتصارات وسطوة على الآخر، ويظل حلمه العودة 
لمثل تلك الدولة، في صورتها الناصعة خاصة حين يقارنها بالحاضر
والمتطرفون والمتشددون منهم نتيجة لضغط الواقع السيئ يتجهون بشكل 
لا واعٍ للعيش (ذهنيًا) في تلك الدولة الماضية، أو محاولة بعثها بالقوة
وهذا ما تحاول التنظيمات المتطرفة القيام به، وهناك جانب آخر يؤثر 
كثيرًا في نظرة السلفي التقليدي لتلك الدولة الماضية، وهو أن ما نقل 
له هو تاريخ الانتصارات ودولة القوة والعزة ولم ينقل له تاريخ الخلافات 
والمؤامرات والنكسات والهزائم، لذا تظل نسبة (المتخيل) لديه تفوق نسبة
الواقع تجاه ذلك التاريخ، لذا يمكن القول إن الجانب السني السلفي يعيش 
من أجل إعادة الماضي في المستقبل لتلك الدولة المتخيلة التي كانت.

الشخصيات لدى السلفي رغم بشريتها، ورغم أن الخطاب يقول بعدم عصمتها
 إلا أن التعامل معها يمنحها نوعًا من العصمة غير المعلنة واللاشعورية؛ بسبب 
قربها من صاحب الرسالة، ومصادر الوحي ومعايشتها له، وبالتالي هي الأقدر 
على فهمه. لذا؛ فإنه حين يقول مثلًا بالسكوت عما شجر بين الصحابة، هذا لأنه 
يعتقد بأن ما حدث بينهم قد حدث وانتهى في ذلك التاريخ، وليس له أثرعلينا 
كذلك ولأنه يخشى لا شعوريًا الانتقال من الحديث عن الخلافات السياسية بينهم
إلى التشكيك في تدينهم وهو ما لا يقبل الشك لديه، وهذا بسبب عدم فصله بين 
الخلاف السياسي والتدين لديهم.


السلفية الشيعية



في الجانب الآخر لدى الشيعة، تم تثبيت القول -لاحقًا، ولأسباب سياسية في المقام
 الأول- بالنص على وجود الأئمة على رأس الدولة، وعصمتهم؛ هذا لا يعني عدم 
شرعية رأس الدولة أو الحاكم فقط، بل عدم شرعية كل سلطة ودولة، وكل ما تقوم
 به من أعمال، منذ وفاة الرسول لليوم، إذا عرفنا أنه لم يحدث أن كان أحد الأئمة 
حاكمًا سياسيًا، ما عدا فترة حكم الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.


وترتب على ذلك عدة أمور مهمة: أولها، عدم الاعتراف بشرعية دينية لأي دولة 
قائمة، منذ يوم (السقيفة). والأمر التالي، هو تسويغ وشرعنة (الثورة) على الدولة
 كلما كانت هناك بادرة أو فرصة سانحة لذلك. الأمر الثالث، هو إهمال الحديث 
عن الدولة القائمة فعليًا والتنظير لها لصالح الحديث عن الأئمة والإمامة
(المتخيلة) وترسخ عقيدة الانتظار لاحقًا.


خاصة أن الفرد في ذلك الزمان لم يكن بحاجة للتعامل مع الدولة في غالب أمور 
حياته اليومية. لذا؛ أصبح المتشيع يعيش بين دولة نظرية (متخيلة) -دولة
المهدي المنتظر- وفي ظل دولة أمر واقع في غير شرعية وفق المقياس 
المذهبي الشيعي للشرعية، وكلما كان وقع السلطة شديدًا عليه؛ كان يلجأ للدولة
المتخيلة، ويعيش ذهنيًا فيها، ويناشد المهدي كي يسرع بالظهور ليعيشها واقعًا.


وهذه ليست ممارسة تاريخية، بل موجودة لليوم؛ ومن قرأ المناقشات التي جرت
بين بعض أعضاء الفيس بوك المنتسبين للمذهب الشيعي في السعودية، قبل أسابيع
على خلفية تعليقات منسوبة للشيخ علي الكوراني حول أحداث اليمن، وربطها 
بقرب ظهور المهدي، وقرأ التعليقات المستبشرة والمناشدة للمهدي بسرعة الظهور
يدرك مقدار ترسخ ذلك الشعور تجاه الدولة -أي دولة- في اللاوعي الجمعي طالما 
أنها ليست دولة المهدي المنشودة.


وما زالت بعض الأدبيات الشيعية الدينية لليوم، وإن بمواربة، تطلق مسمى دولة
 الأمر الواقع على الدول التي يعيش فيها الشيعة ولا تحقق الرؤية الدينية الشرعية 
الشيعية للدولة ورأسها، وتتعامل معها على هذا الأساس.


لذا التعامل مع الدولة من الناحية الدينية وبحكم الاضطرار يتخذ شكلين: أحدهما
وهو المعلن، الاعتراف بوجودها -اعتراف بالوجود لا بالشرعية- ولأنها موجودة
وغالبًا قوية؛ كان لا بد من التعامل معها والانخراط فيها. ومن الجانب الآخر
هناك الدولة المتخيلة، دولة الإمام، التي تشد الإنسان بمثاليتها خاصة في العهود 
التي يزيد فيها القمع والظلم للجماعة، وكلما كانت تلوح بارقة ثورة لإمكانية تحقق
تلك الدولة على أرض الواقع؛ كان يتم الاصطدام بالدولة، وهكذا استمر الوضع 
لقرون لتترسخ روح السخط والمعارضة ومحاولات الثورة داخل وجدان الفرد 
المتشرب لأدبيات وفكر المذهب.

وهذا الموقف من الدولة والخروج المستمر عليها، سواء بشكل واضح كثورة 
أو كممارسة سياسية، ظهر حديثًا حتى أثناء وجود الأحزاب الدينية الشيعية في 
السلطة، بل حتى وهي تسيطر عليها؛ ومن يتابع سلوك حزب الله في لبنان 
وحزب الدعوة والمجلس الأعلى وجماعة الصدر في العراق يعلم هذا.

والملاحظ أنه في إيران هذا الوضع يختلف؛ لأن هناك ثقافة دولة عمرها
عشرات القرون، ولهذا؛ أحيا الخميني القول بولاية الفقيه كي يزاوج بين ثقافة 
الفارسي ووعيه بالدولة، وبين الذهنية الدينية الشيعية تجاه الدولة، ولإلباس 
رجل الدين جزءًا من قدسية وعصمة المهدي، حين أراد أن يحكم رجال الدين 
الدولة.


وكان عدم الاعتراف بالشرعية الدينية للدولة، ووجود الدولة في الطرف الخصم
يحتم البحث عن مؤسسة موازية، سلطة أخرى، يلوذ بها الفرد وتحقق له حاجاته
 وتحاول تحقيق مصلحته، ومصلحة الجماعة بحكم كونها مرجعية الجماعة 
المجمع منها على شرعيتها.

كان اللجوء إلى رجل الدين لتأدية وظيفة المرجعية السياسية مع دوره كمرجعية 
دينية. ولأن المال عصب أداء هذه الوظيفة؛ جاء (الخُمس) وفق الرأي الفقهي 
الشيعي. وأيضًا ساعد في ذلك امتلاك المرجع في المذهب الشيعي لإمكانية إلزام 
أتباعه بما يراه -دينيًا وسياسيًا- عن طريق (التكليف الشرعي). وحصرية الاتباع
 لآراء مرجع واحد مختار، وهذه الثلاثة أمور لا يمتلكها الفقيه السني، أعني 
الخمس وحصرية الاتباع والتكليف الشرعي، والتي جعلت دوره في حياة الفرد
 أقل من مثيله في الجانب الشيعي.



الدولة المتخيلة في الوجدان الديني الشيعي

لا توجد هناك دولة في التاريخ الماضي، وإن وجدت دويلات لكنها لم تحقق شيئًا 
مهمًا في وجدانه، لذا؛ فالدولة المثالية دولة الانتصارات والعزة لم تتحقق بعد
وهي موعود بها في المستقبل. فالتاريخ الماضي بالنسبة له، تاريخ مظالم ومجازر 
واضطهاد بحقه كفرد وجماعة -شعار حزب الله للعب على مشاعر أنصاره 
لمساندة بشار الأسد هو “زينب لن تُسبى مرتين”- لذا؛ يرى ذلك التاريخ بأنه 
مجموعة مظالم يجب ألا تعود، ويجب العمل على تغييره وكتابة تاريخ جديد
يتراوح ما بين الانتقام من ذلك التاريخ وبين منعه من العودة من الاستمرار.

ولذا لا يوجد فصل في التاريخ لدى المتدين الشيعي بين ماضٍ وحاضر ومستقبل

فما حدث في الماضي ما زال يحدث اليوم، “مؤامرة السقيفة” ما زالت تحدث كل
يوم. يزيد لم يمت، واليزيديون موجودون ويتصرفون بذات الطريقة (كل أرض 
كربلاء).

ولأن يزيد والأمويين موجودون، وما زالوا يمتلكون السلطة؛ فلا بد من مقاومتهم 
إما على شكل انتفاضة أو ثورة حين يكون الأمر متاحًا، أو مقاومة رمزية كما 
يحدث في عاشوراء (لإبقاء وهج الثورة مشتعلًا) لحين إمكان تحققها على أرض
 الواقع.


فالاحتفال بذكرى عاشوراء -كما أراه- ليس من أجل ذكرى الحسين رضي الله 

عنه التي حدثت في الماضي؛ بل من أجل المستقبل. من أجل إبقاء جذوة الثورة 
من من أتباع يزيد المتخيلين مشتعلة.


14‏/03‏/2015

موائمة النظريات والمفاهيم القيادية للبيئة العربية







موائمة النظريات والمفاهيم القيادية للبيئة العربية



عبدالخالق مرزوقي
نشر في موقع " قيادة"


"مايك، حاول أن تتوقف عن أن تملي علينا ما نقوم به واطلب منا أن نفكر كفريق 

متكامل في الكيفية التي نجتاز بها هذا الحاجز العنيد"

مايك المقصود هنا هو مايكل فينر، الخبير في القيادة ومؤلف كتاب ” آراء فينر في
القيادة ”وكان هذا الجزء نصيحة من احدى مساعداته، جعله يعيد النظر في مفهومه 
عن القيادة علىاساس أساس أن القائد هو “البطل الوحيد”، ويتجه إلى مزيد من 
مشاركة الآراء والحلول مع فريق عمله.

أورد هذه القصة للدخول عبرها إلى مدى التأثير الذى تحدثه العوامل الثقافية 
والإجتماعية ووعي الأفراد بحقوقهم في المشاركة من ناحية، وتأثيرها من ناحية 
اخرى على القادة بما يجعلهم اقل ميلا للتشبث بآرائهم في مواجهة آراء مرؤوسيهم. 
فمن وجهة نظر خاصة وإنعكاس كل ذلك على القيادة الإدارية كفكر وكسلوك للقائد.

ارى أن القادة الإداريين في العالم العربي مازالوا وبتأثير الثقافة الإجتماعية هم اكثر
ميلا للتشبث بآرائهم الشخصية واقل ميلا للمشاركة مع مرؤوسيهم في البحث عن 
حلول لمشاكل العمل اليومية.

واعتقد أن هذا الجانب المتعلق بتأثير البيئات الثقافية والإجتماعية على انماط السلوك القيادي لم تنل حقها بعد من البحث لدى الباحثين والدارسين لموضوع القيادة في 
العالم العربي، لكون الحديث عن موضوع القيادة لدينا يأخذ اتجاهين، هما:

- الإتجاه الأول يتناول موضوع القيادة من وجهة النظر العلمية الغربية. وهذا طبيعي كون الباحثين الغربيين متقدمون علميا واكاديميا في الكثير من المجالات. لذا يتم في العادة نقل العلوم والمفاهيم التي يمتلكونها كما هي بحيث نكون امام مجرد ترجمة 
دون اضافات حقيقة. ومما يؤسف له أن جامعاتنا العربية لا تولي موضوع القيادة الإهتمام الكافي حيث يعتبر يقدم كمادة تكميلية في التخصصات الإدارية.

- أما الإتجاه الثاني فيقوم بعمل معاكس، فيأخذ من الواقع والتراث الاسلامي ويركز 
عليه كقاعدةانطلاق ويستفيض في ذلك، ولا يهتم كثيرا بما وصل له الفكر الغربي 
في هذا المجال.

الطرفان في سعيهما للحديث عن موضوع القيادة يغفلان قضية هامة ينبغي التركيز 
عليها حين نريد تطبيق أي علم نظري له علاقة بالمجتمعات والسلوكيات والبيئات المختلفة وهو ضرورة موائمة العلم المراد تطبيقه للبيئة المحيطة، لأنه بخلاف ذلك 
يصبح ما هو مقدم عبارة عن علم نظري يفقد قدرا كبيرا من اهميته التطبيقية.

لذا من الضروري ربط العلوم الإجتماعية، وضرورة الإلمام بالخصائص الثقافية والسلوكية في أي مجتمع بالعلوم الإدارية، خاصة لدى الأكاديميين والباحثين، عن طريق زيادة نسبة دراسة تلك العلوم الإجتماعية والخصائص الثقافية والسلوكية للمجتمع. هذا ربما سبساهم في تأهيل المتخصصين الملمين بالفكر الإداري من ناحية وذوي الادارك الجيد لخصائص بيئاتهم، مما يحقق لنا اكبر استفادة ممكنة من تلك العلوم والنظريات الحديثة.


http://saudileadership.org/%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%84/

26‏/02‏/2015

طريقة القبعات الست في التفكير الابداعي


ملخص طريقة (( القبعات الست )) في التفكير 



 عبدالخالق المرزوقي 


مبتكرها الطبيب وعالم النفس "ادوارد دي بونو " يذكر أن التفكير لدى الإنسان له 

6 انماط ورمز دي بونو لكل نمط قبعة ذات لون معين، يتم لبسها بشكل تخيلي 
حسب طريقة التفكير في وقت محدد وبغض النظر عن الموضوع أو القضية 
المطروحة. 

ويتم كتابة كل نمط "قبعة" بشكل مستقل عن الآخر


لهذه الطريقة عدة اهداف اهمها :

1- تحديد اسس منهجية للتفكير
2- طريقة واضحة ومبسطة وفعالة تحقق فعالية كبيرة
3- المرونة في تغيير التفكير من نمط لآخر
4-الشمولية في الإلمام بكل الزوايا للموضوع المطلوب الوصول له.


القبعة البيضاء :

تعني التفكير المحايد، بمعنى وجود إجابات مباشرة ومحددة على
الاسئلة لا يهتم بالمشاعر الشخصية، يركز على الوقائع والأرقام
والإحصاءات المجردة.حين نفكر عبرها فإننا نبحث عن اجابة عدة

اسئلة مثل :
ما المعلومات التي نحتاجها ؟ اين نجدها ؟ كيف؟ ما هي الأسئلة
التي نريد طرحها؟ كيف نتأكد من الإجابات؟


القبعة الصفراء :

ترمز للتفكير الإيجابي،حين نفكر بها نكون إيجابيين،نركز على احتمالات 
النجاح نكون منطقيين بصورة ايجابية،نركز على الفرص واستغلالها والعائد 
الايجابي علينا من الموضوع المطروح أو القرار المتخذ.


القبعة السوداء :

ترمز للتفكير الحذر والسلبي، يتم التركيز على الأمور السلبية
وعوامل واحتمالات الخوف والفشل، والوقائع والاسباب المعيقة
يكون انتقاديا ويطرح الأسئلة المتشككة.


القبعة الحمراء :

تُعنى بالتفكير العاطفي،يهتم بالحدس والجوانب الإنسانية ويظهر مشاعره 
الخاصة تجاه الموضوع أو القضية،وبها يحكم بغض النظر عن الحقائق 
والمعطيات.


القبعة الخضراء :

ترمز للتفكير الإبداعي،يحرص على ايجاد الحلول سواء بشكلها
العادي أو الإبداعي - التفكير خارج الصندوق- يسعى للتطوير
والتغيير ومستعد للمخاطر ويتحمل النتائج يطرح الأفكار
والحلول الجديدة وطرق التنفيذ.


القبعة الزرقاء :

ترمز للتفكير المنظم،يتبع الخطوات المنهجية المرتبة، يتميز المفكر
بها بالمسؤولية والقدرة على التنظيم والإدارة ينصت لجميع الآراء
ويتبع ما يقنعه منها. تستخدم في الحكم بعد استعراض نتائج التفكير
للقبعات المختلفة.



مثال لإستخدام هذه الطريقة:



القضية أو الموضوع: اختيار دولة للابتعاث


1- استخدام القبعة البيضاء:

هل يتوفر فيها التخصص الذى اريد،مدى قوة التعليم في جامعاتها
ما هي الجامعات المعتمدة فيها،كيف تتم الدراسة، هل استطيع
تحمل الرسوم للدراسة وتكلفة المعيشة،هل الدولة مستقرة وآمنه
هل وسائل المواصلات والعلاج مؤمنه وجيدة، هل المجتمع ودود
وقابل للتعايش مع الغرباء.هل تتوفر فيها تسهيلات للطلاب الأجانب
هل توجد فيها سفارة،اذا لم يكن التخصص متوفرا وقويا في نفس البلد 
ما هي الدول البديلة،وما هي التخصصات البديلة في نفس البلد وغيرها
من الأسئلة.

ويجب ألا نكتفي بطرح الأسئلة بل نبحث عن الإجابات، ويجب أن
تكون واضحة ومحددة بنعم ولا، وبإرقام ومعللة، وبدون أي تأثير
للميل الشخصي


2-القبعة الصفراء :

سأجرب العيش في مجتمع جديد، تعلم لغة جديدة، التعرف على
عادات وثقافات اخرى، تعليم بمستوى ارقى،شهادة خارجية تؤمن
فرص عمل افضل، تفرغ للدراسة، الاحتكاك بتجارب متقدمة.


3-القبعة السوداء :

استطيع توفير مبالغ الدراسة للادخار إو الاستثمار حاليا وادرس
داخليا صعوبة التأقلم مع مجتمع اخر وعاداته وتقاليده، البعد
عن العائلة، بلدي اكثر امنا، التخصص الذى اريد متوفر داخليا
لا استطيع التمكن من اجادة لغة اخرى، لا استطيع التفرغ تماما
لعدة سنوات متواصلة


4-القبعة الحمراء :

احب السفر، احب اسلوب الحياة هناك، استطيع التمتع بأمور
مختلفة سأكون حرا في فعل ما اريد دون رقابة.


5- القبعة الخضراء :

هل احتاج للدراسة الجامعية أم اتجه مباشرة لسوق العمل بعد
التأهيل قبل الجامعي. هل استطيع دراسة التخصص في جامعات
اقوى خارجيا وبطريقة اقل تكلفة ماليا،ولا تتطلب العيش هناك
كالإنتساب والتعليم عن بعد واستثمر بقيه المال. هل ادرس
المرحلة الجامعية الأولى هنا ثم اسافر للتخصص فقط خارجيا
هل اكتفي بميزانية لدورات وكورسات تطويرية خارجية سنويا
في مجال التخصص مع استمراري في العمل.


6- القبعة الزرقاء :

تحليل بيانات القبعة البيضاء، الموازنة بين الايجابيات الموجودة
في القبعة الصفراء والسلبيات الموجودة في القبعة السوداء
اخذ الميل الشخصي " القبعة الحمراء" في الإعتبار، دراسة
الأفكار والحلول والبدائل الموجودة في القبعة الخضراء. ثم
الخروج بالنتيجة " القرار"

20‏/02‏/2015

الجسد والسلطة في السينما 2/1




عبدالله البياري
نشر في مجلة جدلية


لا ينج الحديث عن الثقافة والأدب والفنون، باعتبارهم "تعابير" ثقافية عن مجتمعاتها من سؤال "الجسد"، فإذا كان الفن يُنظر إليه "على أنه مرآة للقدرات البشرية في مرحلة تاريخية معينة، بوصفه الشكل المتفوق الذي تُعرف فيه ثقافة ما عن نفسها"، وجب علينا تناول تمثلات الجسد في كل هذه الأجناس الثقافية، باعتبارها أنماطًا خطابية، تعكس موضعه –الجسد- في الفكر والتعبير، وبالذات في عصر الصورة.


السينما، وهي مجال حديثنا هاهنا، تتأثر –كغيرها من أنماط الخطاب الثقافية- بانعكاسات الأوضاع الاقتصادية والسياسية والإجتماعية على الجسد، وبالذات في ظل هذا الهوس الحداثي به وبهندسته ورقابته والتضحية به إلى السماء، وتفجيره، وتراسيم الأفضلية والدونية الواقعتان عليه، وجنوسته وغير ذلك.

يقول دولوز عن قيمة السينما الموضوعية، أنها "تؤسس ادراكنا لأجسادنا، بطريقة تعيد إلينا إيماننا بالعالم، وبالعقل"، بل وأكثر من ذلك، فبالجسد تغرس فينا السينما بذورها الفلسفية، "متحالفًا مع الروح و الفكرة". وبالتالي فـ"الجسد" في السينما - أي جسد- هو جسد بالضرورة "سياسي"، وهو كذلك بفضل خاصية الحركة ماديًا ورمزيًا في زمن السرد السينمائي، وماتنتجه تلك الحركة من أفكار.
الأفلام السينمائية التي سنتناول فيها تداعيات أنساق ثقافية معينة على الجسد، والتداعيات المقابلة لها هما الفيلمين اليونانيين الطويلين:
 2009"Dogtooth" ليورغوس لانثيموس، و "Attenberg" 2010 لأثينا راشيل سانغاريس، وفيهما يمكننا تتبع البنية الفنية التي أشار إليها دولوز في تناوله للجسد الإنساني سينمائيًا، فكلا الفيلمين يتناولان الآثار المترتبة على الجسد من القوى الإجتماعية والتاريخية الخارجة عنه، من خلال مجموعة من المفاوضات العنفية و/أو الخطابية التي تتم بين الجسد والآخر من ناحية، وبين الجسد والذات من ناحية أخرى.
 وهو مايدفعنا إلى تفهم إصرار المخرجين على خلق صور لجسد إنساني "غريب" في أوضاعه وأصواته وتفاصيله وحركته، بل وعلاقاته بأجساد أخرى مقابلة وكيفية إدراك علاقاته الاجتماعية، بشكل وإن كان صادمًا في بعض المواقع إلا أنه جميل سرديًا (سينمائيًا)، لما يدفع المتلقي إلى مواقع في علاقته بالجسد الإنساني عامة والشخصي تارة إلى مواقع تأمل عميق.
في فيلم "Dogtooth" اليوناني، نرى عائلة مكونة من أب وأم وإبنتين وابن، يعيشون منعزلين في بيت فخم على أطراف المدينة التي يصر المخرج على إظاهرها مقارنة بجسد الأب في الصورة على أنها كبيرة جدًا، ومتوحشة صناعيًا، وهو ما نراه مقصودًا ليتأسس بشكل أعمق لدى المتلقي ما يريد السرد ايصاله وغرسه في عقل أفراد العائلة من أن العالم الخارجي متوحش وخطير جدًا (حتى القطة تمثل لهم خطرًا كبيرًا)، حتى أن الخروج من البيت يستلزم فقط سيارة، ولا يتحقق إلا حينما يفقد المرء "نابه" (وهنا سبب التسمية).
يبدأ الفيلم بتشويه لغوي مقصود، تتبين أهميته فيما بعد في هندسة إدراك أفراد العائلة لإعطاب وتوجيه إدراكهم لإخضاعهم لسلطة الأب بشكل أكبر، وهنا تظهر مختلف ديناميات السلطة و السيطرة بداة من مفاهيم الحيز العام والخاص، والجندر والخارج والداخل، فنرى مثلًا أن اللغة لدى الفتاتين وأخاهما، تمت إعادة هندستها من خلال الأب والأم، ما أدى إلى اعطاب إدراكهم (الابن والفتاتين، ويبدو أنهما بين ال17 و 20 عامًا) للعديد من الأشياء، كالمسافة، واللذة، والذات، وحتى الموسيقى، باعتبارها ناقلًا صوتيًا، يتم تشويه إدراكهم لها بالرقص، حيث أن الأب يغير كلمات الأغاني حسب ما يرتأيه هو، وبالتالي تتغير الإستجابة لحوامل المعنى المعاد توجيهه (كلمات الأغنية).
فنجد مثلًا، أن الفتاة الكبرى أعطت نفسها إسمًا، "بروس"، في حين أنهم لم يكونوا ينادونها بغير "الأخت الكبرى"، وإذا أعدنا الإشارة إلى أن "وجود الشيء تسميته"، فغياب اسمها (كأختها وأخاها) يعني غيابها ذاتيًا، وأنها باعطاءها إسمًا لنفسها، قد منحت لذاتها حيزًا من الوجود المُقاوم منتزعًا من سلطة اللغة أولًا، وسلطة الأب مانح التسمية ومانعها، الذي شكل اللغة ثانيًا (بالتواطؤ مع الأم)، وفي المقابل نجد أن السرد الأبوي/السلطوي/البطريركي وكجزء من هندسة ادراكهم للدخال والخارج والأنا والآخر والعام والخاص، يمنح لأخاهم المتخيل الذي يستخدمه الأب كأداة سيطرة عليهم، اسمًا، يُستخدم كقناة لبث الخوف من الآخر/الخارج.
بالعودة لموقع الجسد في الفيلم، يمكننا رؤية وقوعه تحت تعصب ووحشية الرأسمالية الصناعية في الفضاء العام/الخارجي بماديتها من ناحية، وتعصب السلطة الأبوية البطريركية في المنزل/الفضاء الخاص، من ناحية أخرى، وكلا السلطتان تهندسان الأجساد في السرد (والصورة):
 أولًا - رمزيًا : يتم طمس أجزاء من الجسد ليغدو"المهبل" "لمبة إضاءة" ، ويتحول "الزومبي" إلى "وردة صفراء" في الإدراك، وماديًا من خلال تقييد العلاقة بالذات من ناحية كالجنس الذي يفقد معناه ودلالاته في مشاهد جنسية غاية في البرودة، وبالتالي فغياب وطمس دور الجسد في فكرة الولادة جاء كنتيجة طبيعية لذلك القمع اللغوي، وذلك في رد فعل العائلة على خبر "حمل" الأم. وكما أن التصرفات الشبقية غدت فاقدة لأي معنى له علاقة بالمتعة؛ كذلك الإدراك الذاتي للجسد الإنساني، في غياب مفاهيم لغوية عن الكائنات الأخرى، حيث نرى في مرحلة ما أن العائلة تتدرب على النباح كالكلاب على جاثيين أربع، ليحموا أنفسهم من وحوش العالم الخارجي المتخيلة وهي القطط، ويدربهم الأب صاحب سلطة تشكيل اللغة و الجسد والإدراك، والآخر.
الجسد الواقع تحت كل هذا القمع اللغوي، والوجودي (متمثلًا في سادية الأب)، لا يمكن له إلا أن يغدو جسدًا "غريبًا/غرائبيًا"، ولعل مشهد الرقص على أنغام الموسيقى يؤسس لتلك المقاربة، ففي حين يعزب الشاب/الإبن لحنًا رتيبًا، تصاب احدى الفاتين (بروس) بحالة من الهيستيريا في الرقص، التي لم تستطع مجاراتها فيها أختها الصغرى، وياب الجسد هاهنا بحالة من شدة الغرابة مقارنة بالموسيقى الرتيبة، وهو ما يثير لدى المتلقي في ذلك المشهد الطويل حالة من الضغط المتكون بتزايد عنف وكثافة الرقص، ولكن تلك الحالة لم تستثر أفراد العائلة إلا متأخرًا، حتى تنهار الفتاة برغم إصرارها على المتابعة، وتنهمك بنهم في أكل الحلوى. إلى إن هذا الجسد الواقع تحت سلطة قمعية إدراكية، تقمعه داخليًا/ماديًا وليس فقط خارجيًا/ماديًا فقط، حتى حينما يقرر الهرب من هذا السجن المنزلي، لا تفعل الفتاة (بروس) ذلك مباشرة ولكنها تكسر بسادية مغروسة من السلطة/الأب نابها في مشهد عنيف، مستخدمة الأوزان الرياضية، وفي مشهد يؤكد تغلغل السلطة في العقل، يجثو أفراد العائلة على أربع لينبحوا ليحموا الأب الذي خرج على قدميه باحثًا عن ابنته الهاربة.
لا يتوقف العنف الرمزي والمادي الواقع على الجسد على هذا فقط، فصناعة الصورة تؤسس للمزيد منه في الفيلم، ففي مشهد صنع سينمائيًا بدقة وحرفية عالية، حيث تتركز الكامير (عين المتلقي) على جسدي الفتاتين، يلعبان لعبة "التخدير"، فيغدو الجسد كاملًا أداة عبث، تؤدي لغيابه، وذلك لأن مفهوم الغياب والخدر معطوبان لغويًا في سرد يبدأ بمقولة : "كلمة (بحر) تعني كرسي"، من مشهده الأول. ويستمر العبث بالجسد وإدراكه، وصولًا إلى مشهد تتقمص فيه "بروس" شخصية "روكي بالبوا" من فيم روكي (4)، والذي قايضته مقابل متعة جنسية فارغة مع حارسة الأمن التي تعمل لدى الأب، وهو ما استلزم عقابًا ساديًا من الأب صاحب الحق في الأجساد كلها، أوقعه على الإثنتين: بروس وحارسة الأمن في مشهد عنيف وصادم. والمشهد السينمائي مصمم بحيث يضع المتلقي/المشاهد قريبًا جدًا من الجسد وكأنه فكرة (روكي) التي تتقمصها "بروس".

أما في فيلم "Attenberg" لأثينا رايتشل سانغاريس، فيرتبط فيه الجسد، بالنسق المديني وتطوره كفكرة، في مدينة صغيرة على ساحل البحر، تأكلها المصانع، جاعلة من حالة التضاد الفجة بين الطبيعة الجميلة في البر الأخضر بسهوله والجبال العالية والمساحات المفتوحة والبحر والسماء الزرقاوان، والمحيط الصناعي الحداثي المفرط الصلابة من حيث منازل وبيوت متطابقة في الشكل واللون، حادة الزوايا، خطّية الامتدادات، ومصانع ضخمة ذات لون رمادي أو بني أقرب للموت، هو امتداد معاكس مضامينيًا للراقبة على الجسد، فالفتاة إبنة الرجل الذي تأمل كثيرًا في ثورة يونانية خانته وخانت قناعاته بالتحرر، وأورثت مدينته القبح الصناعي الرأسمالي البرجوازي، لم ترث من أبيها الذي قارب موته أي طريقة للدفاع عن نفسها من هذا التوحس المحيط بها، فبقدر ما كان الأب في "Dogtooth" قمعيًا وسلوطيًا، فوالد هذه الفتاة يبدو يائسًا متخليًا تمامًا عن سلطته الأبوية وسلطته على جسده حتى تلك الجندرية على الإبنة، وهو مايبدو صادمًا في أحاديثهما عن الأعضاء الجنسية والإشتهاء المتبادل (من عدمه) والعلاقات الجنسية، وتابوهات علاقات الدم.
هذا الفيلم كسابقه يستثير في المتلقي نفسيًا مفهوم "الغرابة/ das Unheimliche/UnCanny" الفرويدي (نسبة لفرويد)، وذلك بدرجة تفرض تحررًا من الكليشيه السينمائي الذي موضع "الجسد الغريب" فقط في أفلام الرعب. فالجسد هاهنا غريب حتى في علاقته مع ذاته، وإدراكه لها، مثل ما تبرزه مشاهد تقليد الحيوانات حركيًا وجسديًا التي تقوم بها الفتاة في الفيلم، إستنادًا إلى مرجعية مثلتها لها الأفلام الوثائقية عن الحيوانات ورقصها. فكذلك كما يذهب كاموس وبياجيه وهيديغر في مَنطَّقةِ "الغريب"، باعتباره ما شابه أو ما إرتبط حميميًا بمشاعر غريبة"، صناعة الصورة في هذا الفيلم تلقي بالمتلقي باعتباره طرفًا سلبيًا، في حالة من التيه وغياب المعنى عن الإدراك، وليس غيابه بالمطلق، وهنا تمكن صعوبة الفيلم/السرد، وذلك بين عناصر مختلفة: الجسد، المادة، الفكرة ، التمثل، والسرد. تعيدنا استراتيجيات توظيف هذه "الغرابة" سينمائيًا، إلى ما أسماه دولوز في تأملاته عن السينما إلى فكرة "جمالية الخطأ"، و التي تلقي بظلالها على كل أنواع الفنون، (ولعل مثالها الأبرز روائيًا، آنا كارينينا)، جمالية الخطأ هذه، تنفتح على تنوع في التمثلات، بما يغني مفهوم التلقي، لأفق مفتوح لا يقوم على المسلمات والحقائق والإدراكات الجمعية الثابتة، بل يقوم المعنى فيه على الغير أكيد، والملتبس، والغير دائم، والغير مفهوم.

تسير مارينا (الإبنة) مع بيلا (صديقتها المفضلة، في فستانين متماثلين في الشكل لا اللون، بحركات تبدو غريبة وإن متعاقبة، لتؤكد لدى المتلقي سلطة العقل على الجسد حتى في أبسط حقوقه وحرياته وهي الحركة، فتغدو حركتهما غير مفهومة، وبالذات بعد وضع تعقبات الحركة تلك ضمن خلفية حادة وهي المدينة التي تتآكلها الخطوط الحادة، والموت الصناعي، وهذا التضاد بين الحركتين الحرة و المعقلنة، يصل للمتلقي وكأنه فضح لمفهوم السلطة على الجسد، بالمنطق الفوكوي.

تعيدنا مشاهد المشي الراقص المتعاقب الحر للفتاتين، إلى إرث إدوارد مويبرديج، العالم البريطاني الذي أسس لمفهوم تعاقب الصورة في الزمن ما يعطي السرد جسدًا (أنظر الصورة)، وهي الفكرة العضوية الأساس التي تقوم عليها السينما، من حيث هي أجساد ثابتة في صور متحركة زمنيًا، تعاقبيًا. 


تتواطأ الصورة مع الفكرة في الفيلم على المتلقي، فتقحمه –فعليًا- في "غرابة الجسد"، ففي المشهد حيث تعري مارينا، ظهرها، لتحرك عظمتي "لوح الكتف" لصديقتها، تقترب الصورة سريعًا من جسده، وكأن الصورة تدفع المتلقي (العين الثالثة/الرائية) إلى اقتحام ذلك الجسد الغريب، في مشهد قريب "Close Up"، ما يؤدي لإنهيار الخلفية تمامًا، سواءًا المكان، حيث توجد الفتاتان، أو حتى وجود بيلا (الفتاة الثانية) في المكان، وهنا يصبح المعنى كاملًا للغرابة، متمثلًا بالجسد، دون السياق الذي يحويه. وهو مايحقق مقولة دولوز "الصورة المؤثرة"، حيث تنفصل الصورة كاملة عن السرد المكاني و المادي و المعنوي المحيط بها، وتغدو هي وحدها المعنى. وتستمر الغرابة حتى في العلاقة الجنسية، حيث أن تلك الأخيرة، والتي تبدو مسلمة طقوسية لدى البشر، مفتوحة على عديد الغرائب في الخيالات، تغدو صدمة لجسد لا يعرف حدوده ولا تداعياته، كمشهد الجنس بين بيلا والشاب الذي رغبته، تلك الرغبة التي لم تفسر لها (وللمتلقي) لماذا لم تفصح عن وجوده في حياتها لأحد، إلا لأسباب لا تتعلق به في ذاته، بل بغيره، فهي تخاف من صديقتها بيلا أن "تسرقه" منها، في حين أنها أقرت بأنه لا يحبها. وهو ما نراه امتدادًا لخفة العلاقة بين مارينا والجسد إجمالًا، مادفعها إلى التأكد من حلم راود صديقتها عن شجرة صبار تنبت أعضاءً ذكورية، في حين أن ذلك لم يستثرها، ولم تنجه شجرتها هي في الحلم، والتي تزهر أثداءً أنثوية أن تترك عليها إنطباعًا جنوسيًا مغايرًا.
 وامعانًا في تحرير الجسد وخفته المتهافتة، يأتي موت الأب كمثال لإنهيار المعنى ككل، معنى الحضارة التي لا تتوقف أما الجسد و الروح، فتطالب إدارة المستشفى مارينا أن "تنظف" الغرفة من متعلقاته، ويناقشه "وكيل الدفن" عن إجراءات الدفن وكأنها عملية عرض سلعة وتوابيت وجرار، ويتم شحن الجسد الميت في صندوق بضائع، وكأنه لا معنى له، مادفع مارينا لأن تطلب من صديقتها بيلا ممارسة الجنس مع أبيها قبل موته، لتحقق للجسد البارد، كالمدينة الباردة حلمًا أخيرًا، لأب قال لإبنته قبل وفاته: "لم أترك لك شيئًا تدافعين به عن نفسك".




15‏/02‏/2015

كيف ساهمت تونس في تحرير “عبيد” أمريكا؟




الكاتب : احمد نظيف

نشر في : رصيف 22*

في مجال حقوق الإنسان، لا نعرف حالياً سوى تقديم دول العالم الأول نصائح إلى دول العالم الثالث. ولكن قبل أكثر من قرن، حدث أمر معاكس. نقلت تونس خبرتها في تحرير “العبيد” إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت آنذاك، قوة عالمية صاعدة.

عام 1864، كان قد مضى 18 سنة على صدور “قانون تحرير العبيد” في تونس، وكانت الولايات المتحدة تشهد حرباً أهلية بين ولايات الشمال بقيادة الرئيس أبراهام لينكولن، وولايات الجنوب الخمس، بقيادة جيفرسون ديفيس. وكانت الولايات الجنوبية تعارض حملة لينكولن الساعية إلى تحرير “العبيد”. وفي هذا السياق، حاولت الإدارة الأمريكية، حشد ما أمكن من الحجج والاستئناس بالتجارب الدولية الأخرى في قضية تحرير “العبيد”، فأرسل قنصلها في تونس، أموس بري، رسالة إلى الجنرال التونسي حسين، وكان حينذاك رئيساً للمجلس البلدي لمدينة تونس وأحد رموز المشروع الإصلاحي بقيادة الوزير خير الدين التونسي. طلب القنصل الأمريكي استفسارات عن منافع “قانون تحرير العبيد” في تونس.

رداً على الطلب الأمريكي، حرر الجنرال حسين رسالة موجزة، شرح فيها كيفية إلغاء العبودية في تونس ووصايا القرآن حول هذا الموضوع.فقام بري برفعها إلى وزير الخارجية الأمريكية وليام إيتش سيوارد الذي أوصلها بدوره إلى الرئيس أبراهام لينكولن فأعجب بها إلى درجة أنه أمر بإعادة طبع نصها بأكمله ونشره على نطاق واسع. نوقشت رسالة الجنرال حسين على نطاق واسع في الصحافة الأمريكية، وهي الآن موجودة في كتيب صغير في مكتبة جامعة هارفارد. وقد ألغي الرق في أمريكا عام 1865.

علّل الجنرال حسين قرار الحكومة التونسية بمنع العبودية معتمداً على مقاصد الشريعة الإسلامية التي تعتبر أن الأصل هو الحرية لا الاستعباد، وأن الإسلام اشترط الإحسان “للعبيد” وعدم توفر هذا الشرط يؤدي إلى “تجاوز الحدود الشرعية”. ولفت إلى أن تفشي وجود الخدم و”العبيد” يساعد على انتشار الكسل والبطالة معتبراً أن البلدان التي فيها عموم الحرية أعمر من غيرها كون نتيجة فعل الإنسان المخيّر أربح وأبرك من نتيجة فعل “العبد” المجبور.

وفي رسالته ذكر قصة معبّرة وقعت له في فرنسا: “كنت حضرت مرة في أيام الكرنفال سنة 1856 بالأوبرا الكبيرة بباريس ومعي غلام أسود، فما راعني إلا أن رأيت رجلاً أمريكانياً وثب عليه وثوب القطة على الفأرة وأراد أن يأخد ثيابه قائلاً ولسانه يتلجلج من سطوة النشوتين: ما يفعل هذا “العبد السوداني” بصالون نحن فيه؟ ومتى مكن “العبيد” من مجالسة الأسياد. فأخذت الفتى السوداني البهتة إذ لم يكن يدري ما يقول، ولا علم لماذا يجـــول ذلك الرجل ويصول، فدنوت منهما وقلت للرجل: يا حبيبي هون على نفسك، فإنما نحن بباريس ولسنا بريشموند!”.

وهنا النص الكامل لجواب الجنرال حسين:

“جواب من أمير الأمراء حسين عن مكتوب إليه في العبيد من قنصل جنرال العصبة الأمريكانية بحاضرة تونس المحمية:

الحمد لله وحده، وإليه يرجع الأمر كلّه. إلى موسيو أموس بري قنصل جنرال العصبة الأمريكانية بحاضرة تونس.

أما بعد فإنه شرفني مكتوبكم الذي مضمونه حيث كنتم بأرض كانت الحرية والعبودية بها متجاورتين وناميتين منذ مدة مديدة وصارتا الآن مشتبكتين في حرب شديدة بغاية قهر إحداهما الأخرى، ووجدتم في تاريخ تونس حوادث مهمة متعلقة بهذين المبدأين المتضادين، أردتم أن تعرفوا تأثير العبودية في بلادنا، وهل أعقبت تأسفاً من الأهلين على فقدها أو انشراحاً لذلك فطلبتم منا شرح ذلك وبأن ما أثبتت التجربة أصلحيته هل هو الخدمة الجبرية أي خدمة العبيد بدون إجرام (تجريم) الخدمة الاختيارية بأجر معلوم وأيهما أوفق بنظام الجماعة عند الدولة التونسية.

أما الجواب عما وجدتم في تاريخ بلادنا عن تحرير العبيد، ومنعنا الملك الآدمي في المستقبل بعد أن كان مباحاً فسبب ذلك هو أن دولتنا كسائر الدول الإسلامية كما تسمونها دولة تيوكراتيك في المعني أي أحكامها جامعة بين الديانة والسياسة. والشريعة الإسلامية وإن أقرت الملكية (وقلنا أقرت لأن ملك الآدمي متقدم على الشرائع الثلاث، فقد كان حكم السارق في شرع يعقوب اسرائيل الله أن يسترق سنة بدل القطع في الشريعة المحمدية) إنما أباحتها بعد حصول سبب الملك بشروط وواجبات يعسر القيام بها، فإن منها عدم الإضرار بالملوك حتى جعل الشارع الإضرار موجباً للعتق كما قال: أي مملوك مثل به فهو حر؟ ومع ذلك فلم تزل الشريعة تؤكد الوصاية بالعبيد حتى كان آخر كلام نبينا صلى الله عليه وسلم الصلاة: “وما ملكت إيمانكم” وكان يقول: “إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس ولا يكلفه فوق طاقته” وكان عمر ابن الخطاب الخليفة الثاني يذهب كل يوم إلى الموالي فكل عبد وجده في عمل لا يطيقه وضع عنه منه، وكذلك كان يخرج كل يوم سبت يتفقد الدواب فإذا وجد دابة في عمل شاق خفف عنها.

ثم أن من القواعد الشرعية تشوف الشارع إلى الحرية حتى أن من أعتق جزء عبد لزمه عتق باقيه. وكان من مصارف الزكاة المحصورة في الأصناف الثمانية بنص القرآن الكريم فك الرقاب قالوا بأن يشترى من مال الزكاة عبيد فيعتقون. كما أن من لزمته كفارة يمين أو قتل أو فطر أو ظِهار فله التكفير بعتق رقبة.

فلولا أن تحرير العبيد من المصالح المهمة لما ضيقت الشريعة به على الفقراء والمساكين. ومن آثار التشوف المذكور كثرة ترغيب الشارع في العتق كقوله: أيما أمرىء مسلم أعتق امرأً مسلماً استنقذ الله بكل عضو منه عضواً منه من النار. وتلك الشروط والواجبات حيث كان القيام بها عسيراً في زمن عنفوان شباب الدين فما ظنك به في زمن هرمه لا سيما صنف السودان المباينين للبيض في الطبيعة الغريزية، فكثيراً ما يقـــع بين العبيد ومواليهم المشاجرة التي لا منشأ لها إلا التنافر الطبيعي، وذلك مما يفضي إلى مزيد الإضرار بالعبيـــد، وتجاوز الحدود الشرعية في حقهم. ولم يزل ذلك الأمر يتزايد حتى اقتضى نظر الدولة تحجير الاسترقاق من أصله لأنه لما تعذر الرفق بهم والإحسان إليهم على الوجه المطلوب شرعاً لم يبق إلا الأمر ببيعها أو بعتقها. والأول لا يحصل به الغرض المقصود لما فيه من التسلسل وعود الضرر مع المشتري فتعين الوجه الثاني.

ومن ذلك الوقت بطلت ملكية العبيد عندنا دفعة، وذلك في شهر المحرم سنة 1262 في مدة المرحوم المشير أحمد باشا باي. وأول ما خاطب به المجلس الشرعي في هذا الشأن قوله: “أما بعد فقد ثبت عندنا ثبوتاً لا ريب فيه أن غالب أهل إيالتنا في هذا العصر لا يحسن ملكية هؤلاء المماليك السودان، ولذلك اقتضى نظرنا والحالة هذه رفقاً بأولئك المساكين أن نمنع الناس من هذا المبـــــاح، وعندنا في ذلك مصالح سياسية إلخ”، والمصالح المشار لها هنا يمكن شرحها بأمور كثيرة منها مما يقوله أهل الاقتصاد السياسي في أيامنا أن البلدان التي فيها عموم الحرية وعدم الملكية أعمر من غيرها بالاستقراء. وقد رأيت خطبة لبعض الأفاضل من أهل القلم بمملكتنا كتبها في ذلك الوقت يحث بها أهل المملكة على إجابة رئيس الدولة بالقلب والقالب يقول فيها: “فيا للنفوس الزكية، والقلوب التي بالشفقة حرية، شرعكم متشوف للحرية، ورق الآدمي بلية، والرب يقدر على عكس القضية”.

وأما الجواب عن تأثير العبودية وما أعقب فقدها في الأهلين فهو أن ملك الآدمي لما لم يكن من الأمور الضرورية ولا الحاجية في المعيشة لم يصعب العدول عنه، ولا تجزع لفقده نفوس أهل مملكتنا. وكيف يتأسف المعتني بشؤون الترف والكمال في الأحوال والعوائد على تحرير عبده وهو قادر على استرقاق الأحرار بالدراهم والدينار؟ مع اعتقادهم الديني أنهم ينالون بعتق عبيدهم ثواباً من الله في الدار الآخرة. على أن ذلك وإن يصعب في أول الأمر على بعض من الناس لرؤيتهم استخدام العبيد بدون أجر أيسر لهم وأربح من استخدام غيرهم بأجر لشح نفوسهم بالعتق إيثاراً للعاجل على الآجل، إلا أن هؤلاء تسلوا من قريب لما أثبتت لهم التجربة أصلحية الخدمة الاختيارية دون الجبرية كما أثبتها العقل أيضاً.

ورأى من عجز عن استخدام الحر بالأجر ممن كانوا يستخدمون العبيد رجوعه إلى الأمر الطبيعي والسيرة المستحسنة، وهو أن يباشر الإنسان قضاء أوطاره اللازمة بنفسه ويقلل احتياجه إلى أبناء جنسه، فإن النفس إذا تعودت استخدام الغير قد يفضي بها ذلك إلى العجز عن أدنى الضروريات، والإنسان إبن عوائده ومألوفاته لا إبن طبيعته ومزاجه، وبذلك التعود تكثر شروط استمرار حياته، وما كثرت شروطه عز وجوده. وبالجملة فالناس في باب الخدمة على أربعة أصناف:

ـ إنسان يخدم نفسه بنفسه، ولاشك أن هذا يعمل ما يستطيعه في يومه ويجهد نفسه.
ـ الثاني يؤاجر نفسه لغيره طوعاً، وهذا دون الأول في نتيجة العمل حيث لا يجهد نفسه .
ـ الثالث يعمل لغيره بلا أجر، وهو مجبور، فذلك هو العبد المملوك. ولا غرو أن تكون نتيجة عمله الثاني بمراحل.
ـ الرابع الذي لا يعمل لنفسه ولا لغيره، هو العبد البطال الذي يبغضه الله تعالى. ومن هذا الصنف الأخير الناس الذين يترفعون عن خدمة أنفسهم وقضاء أوطارهم استنكافاً عن مزاحمة العبيد في أشغالهم.

وقد ينفع في هذا القسم العلاج إذا رأوا من كان أرفع منهم يتعاطى تلك الأشغال التي أنكروا مباشرتها. وأيضاً ربما نفع هذا التعاضد الكسالى إذا رأوا مع ذلك التفاتاً وترغيباً وترهيباً من رعاتهم إذ لا يجدون محيصاً عن المسير اقتداءً بمن سار. والإنسان أقرب إلى خلال الخير منه إلى خلال الشر بأصل فطرته وقوته الناطقة العاقلة لأن الشر إنما جاءه من قبل القوة الحيوانية المركبة فيه. وأما من حيث هو إنسان فهو إلى الخير وخلاله أقرب، فإذا وجد طبيباً ماهراً وداوى ما طرأ عليه من المرض فإنه يرجعه إلى أحسن تقويم، وتجتمع الأيدي ويكثر التعاون وتتوفر بذلك أسباب العمران. ومن هذا يتبين لكم السر في كون البلدان التي فيها عموم الحرية وعدم الملكية أعمر من غيرها كما أشرنا إلى ذلك آنفاً، ولا سبب لذلك إلا كون نتيجة فعل الإنسان المختار أربح وأبرك من نتيجة فعل العبد المجبور.

وعندي أن عموم الحرية وانتفاء الملكية كما يؤثر في نمو العمران يؤثر أيضاً في تهذيب خلق الإنسان. أما تأثيره في نمو العمران فظاهر إذ لا عمران إلا بعدل، والحرية نتيجة العدل. فإذا انعدمت جاء الظلم المِؤذن بخراب العمران، ونقصه بنقصها. وأما تـأثيره في تهذيب الإنسان فإن تعميم الحرية تبعده عن الأخلاق الردية من الشراسة والتكبر والتجبر ونحوها التي لا تنفك في الغالب عمن يملك العديد لما تعودوا به من الإمرة والترفع، وربما رأيتهم ينظرون الناس بالعين التي ينظرون بها عبيدهم لا سيما إذا رأوا إنسانا أسود، فما يرونه إلا كسائر الحيوانات العجم.

وكنت حضرت مرة في أيام الكرنفال سنة 1856 بالأوبرا الكبيرة بباريس ومعي غلام أسود، فما راعني إلا أن رأيت رجلاً أمريكانياً وثب عليه وثوب القطة على الفأرة وأراد أن يأخد ثيابه قائلاً ولسانه يتلجلج من سطوة النشوتين: ما يفعل هذا العبد السوداني بصالون نحن فيه؟ ومتى مكن العبيد من مجالسة الأسياد. فأخذت الفتى السوداني البهتة إذ لم يكن يدري ما يقول، ولا علم لماذا يجـــول ذلك الرجل ويصول، فدنوت منهما وقلت للرجل: يا حبيبي هون على نفسك، فإنما نحن بباريس ولسنا بريشموند! وبينما هما كذلك إذ وافاهما أحد حفظة المحل وعرفه بأنه لا فرق في حكمهـــم بين الجلود الا بالجودة وإتقان الدبغ. فالحاصل أن ذلك الأسود المسكين لم تخلصه من أظافر ذلك الرجل محرمته البيضاء ولا قوانتواته (قفازاته) الصفراء، وإنما خلصه بياض الحق وعدل الحرية. وبالجملة فالأوفق بنظام الجماعة عند الدولة التونسية هو عدم الملكية، ولا التفات لما عسى أن يستند إليه المخالف من أن بعض العبيد ندموا على خروجهم من بيوت أسيادهم وطلبوا الرجوع إليها على شروط العبودية، إذ: قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد/ وينكر الفم طعم الماء من سقم

على أن ذلك إنما كان في أول الأمر حين خرجوا جافلين كما تخرج الدواب إذا فلتت من مرابطها قبل الاستعداد إلى لوازم المعيشة والحرية. أما الآن، بعد الاستعداد، فهل ترى لهم أدنى ميل إلى العبودية؟ ندع هذا الاعتراض الساقط ونرجع إلى ما هو أهم منه فنقول: أنتم أيتها الأمة الأمريكانية إخوان الأمة التي قال فيها عمرو بن العاص صاحب نبينا صلى الله عليه وسلم أنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخبرهـم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة، وأمنعهم من ظلم الملوك. ولا عمري لأنتم كما قال أمنع الناس من ظلم الملوك حيث أنعم الله عليكم بتمام الحرية في أنفسكم، وجعل سائر أموركم السياسية والمدنية بأيديكم. والبعض من غيركم يقنع بالحقوق المدنية لحماية النفس والعرض والمال فلا يجدها! فما ضركم لو تفضلتم على عبيدكم بما لا يؤثروا هنا شوكتكم؟

شكراً لربكم على ما خولكم من تلك النعم الجليلة، ثم أنتم من التمدن والحضارة بمراحل عن أن تقتدوا بمن يدورون وعيونهم مكنبلة (كذا) على دائرة! “إنا وجدنا آباءنا على أمة” واعلموا أن الشفقة والحنانة البشرية تدعوكم لأن تنبذوا من حريتكم الزيادات التي تسوءها وتكدرها وتلقوا بها البشر على شفاه أولئك العبيد المساكين، والله يحب من عباده الرحماء فارحموا من في الأرض يرحكم من في السماء. هذا وأرجوكم أيها القنصل الجنرال أن تعتقدوا غاية تكدرنا من حروبكم هذه الواقعة بينكم توجعاً على النوع الإنساني وغاية شفقتنا على أولائك العبيد المساكين كما أرجوكم أن تعتقدوا خلوص مودتي لكم .

كتبه بيده الفانية، الفقير إلى ربه تعالى أمير الأمراء حسين رئيس المجلس البلدي في أواخر جمادى الأولى سنة 1281 هجرية الموافق لأواخر أكتوبر سنة 1864 مسيحية”.


http://raseef22.com/politics/2015/02/07/tunisias-contribution-to-liberating-american-slaves/