28‏/01‏/2017

حول الإلحاد



هذا حوار دار بين الإستاذ شايع الوقيان
وبيني عبر موضوع كتبه في الفيسبوك
احببت نقله لهذا المكان.



الإستاذ شايع :

ليس دفاعا عن الإلحاد:

هناك خطأ سوف أسميه خطأ مقوليا Category Mistake* عند مناقشة قضية الإلحاد.

يتمثل الخطأ في المقارنة بين ( مسلم) و ( ملحد). والخطأ يكمن في التعامل مع الإلحاد كمقولة مساوية في
 الرتبة لمقولة ( الإسلام) أو حتى في مقارنة ( مسيحي) بـ( ملحد).. إلخ

فإذا قيل لي ما هي أخلاق الملاحدة؟ لقلت: الملاحدة ليسوا نوعا واحدا. فالإلحاد موقف بسيط جدا يتمثل في
 إنكار وجود خالق واع ومصمم لهذا الكون. هو موقف وليس تيارا أو مذهبا. من ثم، سنجد أن هناك
ماركسيا ملحدا، وأخلاقه ( منظومته الأخلاقية) هي الأخلاق الماركسية ( لا الألحادية) وهناك رأسمالي 
ملحد وأخلاقه تتجلى في مذهب المنفعة ( وهناك مذهب العدالة الرولزي الليبرالي)، وهناك قومي ملحد و…إلخ

الجدير بالذكر أننا قد نجد رأسماليا غير ملحد، بل حتى أنه صار لدينا ماركسي غير ملحد.

الشاهد أنه ليس ثمة فلسفة أخلاقية خاصة بالإلحاد ولا نظرية معرفية ولا رؤى جمالية. فالإلحاد مجرد موقف 
معارض للتصور الديني فيما يتعلق بالإله، وعليه، فعندما يقول أحد إن ستالين يمثل أخلاق الإلحاد سأقول: 
كلا، بل يمثل أخلاق مذهبه السياسي ( الماركسية الستالينية)، وعندما يقول أحد أن هتلر يمثل أخلاق الإلحاد 
أقول: كلا، بل أخلاق المذهب النازي ( وهو ليس إلحاديا على كل حال وليس علمانيا أيضا كما سأبين بعد قليل).

وهذا الشيء يصدق بالمقابل على المقولة الموازية للإلحاد وهي ( التدين). والتدين هو اعتناق دين ينهض على
 فكرة وجود إله واع وذي مقاصد ومنشئ للكون.

الإسلام والمسيحية واليهودية تحديدا يمكن التعامل معها كعقائد دينية خالصة ويمكن التعامل معها كأيديولوجيا 
مذهبية. الحال الأول يعد موقفا فرديا.. والثاني يعد مذهبا له أبعاده السياسية والسلطوية عموما.

التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش لا تمثل الإسلام كموقف عقدي فردي بل كأيديولوجيا. فهم يريدون 
فرض رؤاهم بالقوة. وأخلاقهم الدموية تمثل الخلفية الأيديولوجية لهم.

ولو فرضنا أن ملحدا تسنم سدة السلطة وصار كل همه إجبار المتدينين على الإلحاد لكان هذا تعاملا أيديولوجيا
 ولذا فلن تعدم وجود ملاحدة كثر يرفضون عمله؛ كما لا نعدم وجود مسلمين كثر يرفضون عمل داعش.

في حالة الإسلام المعاصر، الأمر معقد كثيرا..وتداخلت فيه المواقف الفردية مع التفسيرات الأيديولوجية. 
وأغلب التيارات الأيديولوجية والمذاهب المتشددة تستند على الإسلام ليس كنص فقط وإنما كتاريخ طويل 
من الممارسة السياسية.

والمفارقة تحدث عندما تجد شخصا يرفض أعمال داعش ولكنه يؤمن بكثير من مبادئها. وهذا الوعي المزيف 
والفهم اللا-تاريخي للدين لا يمكن التغلب عليه ما لم يتم إعادة الدين لوضعه الطبيعي؛ أي إلى كونه موقفا فرديا. 
والأفق الملائم لهذا التحول لن يكون سوى تطبيق العلمانية. والعلمانية مبدأ بسيط أيضا: جعل السياسة محايدة 
بحيث تعبر عن (الشعب) وليس عن (الجمهور)؛ عن المجتمع بأطيافه وليس عن مذهب ديني أو عرقي معين.

وأود التشديد على كلمة ( عرقي). فالعلمانية ليست فقط الحياد السياسي تجاه الدين بل تجاه العرق واللغة واللون 
وأي مكون سكوني static أو شبه سكوني.

فدولة القومية العربية ليست علمانية أبدا مادامت لم تفصل بين السياسة والعروبة. ونازية هتلر ليست علمانية 
لأنها لم تفصل بين السياسة والعرق… وقس على ذلك بقية الدول كجنوب أفريقيا إبان حقبة الفصل العنصري 
وإسرائيل. والشواهد كثيرة ولا تكاد تخلو منها دولة وبعضها ظاهر وبعضها مضمر.
**

استدراك:
قد يقول قائل: إذا كان (الشعب) كتلة واحدة.. فهل يحق لهم رفض العلمانية، أي هل يحق لهم تطبيق مذهبهم 
الديني عليهم؟! لنفترض أن كل شعب دولة ما يدينون بالمذهب الشيعي الأثني عشري أو المذهب الحنبلي فهل
نطبق تعاليم الأثني عشرية أو الحنبلية عليهم وليس الحياد العلماني؟!

الجواب هو أنه من المستحيل أن يكون الشعب بهذا التطابق والتماثل، فالتاريخ يخبرنا أن الفروقات والاختلافات 
هي صفة الشعب، وأن الناس ليسوا كتلة واحدة بل هم شعوب وقبائل وأعراق شتى، وإذا وجد مجتمع يتطابق فيه 
الناس فيكونون نسخة من بعضهم بعضا فاعلم أن ظلما رهيبا قد حدث وأنهم لم يكونوا بمثل هذا التماثل لو كانوا 
أحرارا.. ولكن تمت “أدلجتهم” فصاروا على عقل رجل واحد هو السلطان.

ربما أن الدولة الوحيدة التي يتماثل فيها الشعب هي الفاتيكان!! ولكن هل هي دولة حقيقية؟؟؟ برأيي أنها مجرد 
معبد كبير وحسب، ورغم كل ذلك، فإن المجتمع الدولي لن يسكت على أي مظالم تحدث في الفاتيكان لو كانت 
هذه المظالم مما يمس الحقوق الأصلية كالحق في الحياة، ففي الهند هناك ممارسة الساتي (Satii) وفيه تقتل 
المرأة نفسها بعد وفاة زوجها.. ولكن هل نسكت عن هذه الممارسة حتى لو أقر بها كل أعضاء المجتمع؟؟؟ 
هل نسكت بدعوى أنها خصوصية ثقافية؟!

أعتقد أنه من واجبنا الأخلاقي كبشر أن نرفض أي معتقد أو ممارسة أيا كانت إذا كان فيها هدر للحقوق الأصلية: 
كالحق في الحياة، الحرية، العدالة، المساواة، الحق في المعرفة … إلخ
**

تلخيص:
الأفكار والعقائد والمواقف قد تكون موقفا شخصيا أو إيمانا فرديا. ولكنها تصبح أيديولوجيا إذا تم تعميم هذه 
المواقف على الناس بالقوة، لكن هناك جملة من الأفكار الأيديولوجية بطبيعتها… فهي عنصرية في أساسها 
ولا يمكن إصلاحها. كالنازية مثلا..فهي تتأسس فلسفيا على التفرقة العنصرية وعلى العنف. ولذا ترى الناس 
إلى يومنا هذا يجرمون اعتناق النازية بأي شكل من الأشكال، أما الشيوعية فهي قابلة للإصلاح لإعادتها إلى 
وضعها الطبيعي بدلا من التعامل معها كمذهب سياسي قمعي. وعليه فلا نجداليوم أحدا يتحرج من وصفه 
بالشيوعية.. فهو أول من يتبرأ من ستالين. بينما النازيون اليوم لا يمكن لهم أن يتبرأوا من هتلر.
**

هامش:
* الخطأ المقولي هو مصطلح ابتكره جلبرت رايل وهذا الخطأ يحدث عندما نتعامل مع (العقل) بوصفه جوهرا 
متمايزا عن (الجسد).. وهو يرفض هذه الثنائية ويرى أن العقل وظيفة من وظائف الجسد. ويضرب رايل المثال 
التالي: إذا زار شخص جامعة أكسفورد سيبدأ مثلا بزيارة مكتب العميد ثم زيارة الكليات والأقسام وبعدها سيزور
 المرافق الموجودة من ملاعب ومطاعم ومكتبات وهكذا… فإذا سأل الزائر: ولكن أين الجامعة ذاتها؟!!! فقد 
وقع في خطأ مقولي.. فالجامعة ليست شيئا منفصلا عن أجزائها وأقسامها، في حالتنا هنا فالتعامل مع الإلحاد 
كمقولة مميزة ومستقلة وقائمة بذاتها يعد خطأ مقوليا.
وبالله التوفيق.



عبدالخالق :

لدي عدة نقاط اشارك بها في هذا النقاش:
- ذكرت أن هناك خطأ يكمن في التعامل مع الإلحاد كمقولة مساوية في الرتبة لمقولة مسلم، ولم توضح أين يكمن
 الخطأ لأني لا اراه.
- نعم الملاحدة ليسوا نوع واحد، ولا توجد فلسفة اخلاقية خاصة بالإلحاد، لكننا لا نستطيع أن ننفي أن الإلحاد
يمثل "اتجاه" في التفكير، ولذا لا اراه مجرد موقف بسيط جدا، لأسباب اهمها كما ارى، أن مسالة انكار وجود
خالق واعي مصمم لاكون هي بداية تكون اتجاه في التفكير، كما أن اثبات وجود ذلك الإله هي بداية تكون اتجاه آخر
قد يكون هذا حجه من يجعل المؤمن بالإله السماوي، مساويا في الرتبة لمن يقول بإنكار وجوده.

- اراك غفلت ربما عن جزئية مهمة جدا، وهي أن هناك طبقة ثانية بين انكار وجود الإله كطبقة أولى وبين عدم
وجود منظومة اخلاق إلحادية واحدة بل تيارات كطبقة ثالثة، وهي الطبقة التي يحدد فيها مصدر الأخلاق، ففي
الإلحاد تكون المصادر وضعية ومعاييرها غير ثابتة، فيما في هذا المستوى لدى المؤمن بالإله الخالق يكون
المصدر علوي ومعاييره ثابتة.

-اختلف معك في أنه يجب اعتبار الدين امرا فرديا - هنا يجب أن نفرق بالضرورة بين الدين والشريعة والفقه- ولا يجب
 تحويله إلى ايديولوجيا مذهبية، اذا كنت تعني أن الدين لا يمكن اعتباره منظومة متكاملة دينية، اخلاقية، اجتماعية
سياسية أما اذا كنت تعني التوظيف الايديولوجي لتلك المنظومة، وهما امرين مختلفين، فأتفق معك.

- لدى اعتقاد مؤمن به تماما، مكون من جزئين الأول أن الأفق الحالي للتعامل مع منظومة الدين كشريعة في الحياة
العامة، لدينا كمسلمين ضيق جدا، ولا يناسب العصر، الثاني أن المناداة بتجاوز هذا الأفق عن طريق تنحيه الدين ذاته
 عن الحياة العامة، بتطبيق العلمانية، كمنظومة متكاملة، هو ايضا غير ممكن نظريا وعمليا.

لأن العلمانية نشأت وتكونت في اطار منظومة وسياق مختلف تماما، ديني، فكري، تاريخي، ثقافي، اجتماعي، سياسي
 فأتت كما نراها اليوم كنتيجة، كنتاج لتفاعل كل تلك العوامل خلال قرون، ولا يمكن بأي حال من الأحوال استنباتها
 كما هي اليوم، في بيئة اخرى كبيئتنا، مختلفة تماما في المنظومة الدينية، الفكر وفي التاريخ كذاكرة جمعية وكظرف
حالي، في الثقافة الإجتماعية، الثقافة السياسية، وغيرها، لذا لابد من الخروج من هذا المأزق الذى نجد فيه انفسنا
كأمة، بضرورة تبني اجتهادات - ليس اجتهادا واحدا- جديدة تخرج من الإطار الضيق الذى مازال الفكر الديني يضع
 نفسه فيه، ولا تخرج من منظومة الدين الشرعية والأخلاقية - منظومة الدين وليس منظومة الفكر الديني أو رجال
الدين- وتتعامل مع جميع ما انتجه البشرية من افكار بما فيها العلمانية، بتفاعل حضاري، لنخرج بمنتجنا الحضاري
 الخاص لأنفسنا ونقدمه للعالم.



الإستاذ شايع :


مرحبا عبدالخالق.. شكرا للمداخلة الثرية.. وسأعلق على بعض ما ورد.

قبل ذلك بودي تصحيح خطأ مصطلحي وقعتُ فيه. وهي أني كان يجب أن أقارن بين الموقف الإلحادي والموقف
 الإلهي لا الديني. فالإلهي هو الإيمان بوجود إله وقد يكون صاحبه لادينيا. وعليه فالموقفان هما: الإلهي مقابل 
الإلحادي.

١- تقول: ( ذكرت أن هناك خطأ يكمن في التعامل مع الإلحاد كمقولة مساوية في الرتبة لمقولة مسلم، ولم توضح 

أين يكمن الخطأ، لأني لا اراه.)

وأقول: الخطأ يمكن في المقارنة بين (موقف) و(مذهب). فالموقف هو فكرة عامة وبسيطة. بينما المذهب هو 

منظومة فكرية متنوعة ولها مبادئ وأصول وفروع. فإذا قلنا هناك أخلاق إسلامية فهذا صحيح. وإذا قلنا هناك 
أخلاق مسيحية فهذا صحيح..ولكن ليس هناك أخلاق إلحادية. الأصوب أن نقول هناك مذاهب إلحادية كالماركسية 
والتطورية وهي تملك منظومات أخلاقية. وهكذا فهناك أخلاق ماركسية ورأسمالية وهلمجرا. الخلط بين الموقف 
والمذهب يجعلنا نظن أن ستالين يمثل الأخلاق الإلحادية وهذا خطأ ناجم عن الخطأ المقولي. فستالين يمثل الأخلاق
 الشيوعية (اللينينية-الستالينية). وهتلر يمثل الأخلاق النازية لا الإلهية ولا الإلحادية.

٢- تقول: (نعم الملاحدة ليسوا نوع واحد، ولا توجد فلسفة اخلاقية خاصة بالإلحاد، لكننا لا نستطيع أن ننفي أن 

الإلحاد يمثل "اتجاه " في التفكير، ولذا لا اراه مجرد موقف بسيط جدا، لأسباب اهمها كما ارى، أن مسالة انكار 
وجود خالق واعي مصمم لاكون هي بداية تكون اتجاه في التفكير، كما أن اثبات وجود ذلك الإله هي بداية تكون 
اتجاه آخر)

وأقول: الإلحاد فعلا قد يكون منطلقا للتفكير المذهبي الشامل، لكنه ليس مذهبا. فالإيمان بالله هو منطلق للأديان 

السماوية الثلاثة ولكنه يظل منعزلا عنها وليس مشروطا بها والدليل وجود ربوبيين، الفكرة كالتالي: هناك موقف 
مبدئي هو الإيمان بوجود إله أو عدم الإيمان بذلك. الأول نسميه الموقف الإلهي والثاني الموقف الإلحادي. الآن 
عندما نحاول البرهنة على الموقف هذا أو ذاك ندخل في إطار المذهب. لذا تجد أن الماركسي يبرهن على عدم 
وجود إله بطريقة تختلف عن برهنة الدارويني، وهما يختلفان عن طريقة برهنة المذهب الحسي في عدم وجود
 إله…. وهكذا تتعدد المذاهب رغم أنها تنطلق من موقف واحد وليس من (تيار) أو (مذهب) واحد. فالإلحاد
كموقف ليس نظرية .. والنظرية هي منظومة منطقية وبرهانية متماسكة.

وقل مثل ذلك فيما يتعلق بالموقف الإلهي. وهكذا فعندما يتم البرهنة على وجود الله بالبرهان العقلي يكون المذهب

 الناجم عن ذلك ربوبيا وإذا كان البرهان بالوحي يكون المذهب دينيا (سواء إسلاميا أو مسيحيا أو يهوديا).
الموقف الالهي واحد بين المسلمين والنصارى واليهود والربوبيين رغم الاختلافات المذهبية بينهم. ولكن الموقف
 نفسه ليس مذهبا بل أساسا أو منطلقا لإنشاء المذهب، والموقف الإلحادي بين الماركسيين والماديين التقليديين 
والتطوريين والنيشتويين ونحوه واحد..رغم الاختلافات المذهبية.

٣- تقول ( - اراك غفلت ربما عن جزئية مهمة جدا، وهي أن هناك طبقة ثانية بين انكار وجود الإله كطبقة أولى

 وبين عدم وجود منظومة اخلاق إلحادية واحدة بل تيارات كطبقة ثالثة، وهي الطبقة التي يحدد فيها مصدر الأخلاق
 ففي الإلحاد تكون المصادر وضعية ومعاييرها غير ثابتة، فيما في هذا المستوى لدى المؤمن بالإله الخالق يكون 
المصدر علوي ومعاييره ثابتة.)

وأقول: لم أستوعب الفقرة الأولى من السؤال. وأما ما يتعلق بأن معايير الإلحاد وضعية وغير ثابتة بينما في الدين 

فهي علوية وثابتة فأرد عليه كالتالي:
الإلحاد ليست له معايير ولا مصادر فهو ليس مذهبا نظريا. لكن هناك فلسفات إلحادية لديها مصادر غير وضعية 
وثابتة، فالمذهب المادي التقليدي يرى أن المادة الأولى (الهيولي) هي الأصل. وهي ثابتة. وهذه المادة ليست وضعية
 ( إذا كان المراد بالوضعية هي التجريبية) بل هي غير قابلة للإدراك الحسي بذاتها، المذاهب العقلية الإلحادية ترى 
أن العقل هو الأساس المتعالي لكل شيء.. كمذهب هيجل وسبينوزا. وبالمناسبة الإله عند هيجل وسبينوزا مجرد 
وصف للمطلق المتعالي الروحي.. وهو ليس الإله الفردي الواعي المنشئ للكون كما هو متمثل في الأديان، أما كون
 الدين ذا مصدر علوي فقد يرى الملحد أن هذا مجرد ادعاء.. ويرى أن الله فكرة اختلقها الخيال البشري.

٤- تقول ( لأن العلمانية نشأت وتكونت في اطار منظومة وسياق مختلف تماما، ديني، فكري، تاريخي، ثقافي

 اجتماعي سياسي، فأتت كما تراها اليوم كنتيجة، كنتاج لتفاعل كل تلك العوامل خلال قرون.)

وأقول: بل نحن أحوج الشعوب قاطبة إلى العلمانية. فالعلمانية هي حياد الدولة وجعل الاعتقادات خاصة بكل فرد

 وكل شريحة اجتماعية. والأوربيون مروا بصراعات مذهبية مشابهة لما لدينا ولم تحسم الصراعات الدينية 
إلا بإعلان حياد الدولة ورغم أن العلمانية ليست سببا كافيا لإنهاء النزاع المذهبي إلا أنها سبب ضروري له.
إن الظهور التاريخي للعلمانية في أوربا لا يجعلها حكرا على الأوربيين. وإلا كانت فيزياء الكوانتم أوربية 
لأنها ظهرت في أوربا وأنه لا يحق لغير الأوربيين العمل عليها! وهذا خلف.

ما أشدد عليه هو التعريف النموذجي للعلمانية وليس التطبيق التاريخي لها. فالعلمانية هي ( ليس فصل الدين

 عن السياسة) بل جعل السياسة محايدة وموضوعية بحيث تعبر عن الاختلاف الاجتماعي والتنوع المذهبي. 
وهذا علاج فعال.



عبدالخالق :


اشكرك شايع على ردك

فيما يتعلق بالفقرة الثالثة من ردك علي :
أعني بها أن بين القول بالالحاد وبين الوصول لعدم عدم وجود فلسفة اخلاقية للإلحاد بل تيارات متعددة، هناك
نقطة في المنتصف، وهي كما ارى أن القول بالإلحاد. يحتم اللجوء لجعل الإلحاد اتجاها مذهبيا في الفكر وليس
بالضرورة مذهبا وهذا اختلفت معك فيه أي في قولك أن الإلحاد موقف بسيط جدا، فهذا الإتجاه يفرض فكريا
جعل المسائل الأخلاقية وضعية وغير ثابتة بل متغيرة، اتحدث عن معايير الأخلاق وليس معايير للإلحاد
كما يبدو انك فهمت من حديثي.

عدم علوية وثبوت هذه المعايير الأخلاقية في الإلحاد، هو ما ادى لاحقا للوصول للنقطة الثالثة، وهي عدم وجود
 فلسفة اخلاقية للإلحاد بل اتجاهات وتيارات داخله، فيما علوية وثبوت معايير الأخلاق لدى المؤمن بالإله، يجعلها
 ثابتة وتنتج فلسفة اخلاقية جامعة

في الفقرة الرابعة من ردك علي :

اتفق أننا بحاجة لعلمانية ما، وليس بالضرورة للعلمانية كما هي مطروحة أمامنا كنظرية وكممارسة.

كنظرية هي نجحت في أوروبا، وإن تكن تواجه حاليا تحديات، ففي اقصى الأنظمة تطبيقا للعلمانية، اعني فرنسا
 الدولة ليست محايدة، بل فقط تم استبدال هيمنة الكنيسة - الكنيسة وليس الدين - على على المجتمع عبر الدولة
 كأداة بهيمنة الأيديولوجيا العلمانية عبر الدولة ايضا كأداة على الدين. في الدولة في فرنسا اليوم هي دولة تمارس
 ابوية تجاه المجتمع والعلمانية في اطارها الفرنسي تحديدا كمثال لها مقدساتها وتنبذ الخارج عنها وتشيطنه كما
كانت تفعل الكنيسة تماما.

كذلك عدم وجود قوانين في المسيحية تتحدث عن المجتمع والسياسة والاقتصاد جعلت من السهل فصل
الكنيسة - المجتمعات الأوروبية حكمت عبر الكنيسة بالقوانين الرومانية وليس بقوانين دينية مسيحية - عن الدولة
وهذا غير ممكن في الاسلام لتداخله مع ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي، فمسائل مثل تحريم الربا، جمع
الزكاة، القضاء وتطبيق الحدود، المواريث، كافة قوانين الأحوال الشخصية، وغيرها يتداخل فيها القانون الديني
 بالتنظيم السياسي، ولا يمكن الفصل بين الأمرين.