02‏/10‏/2021

لعبة شهريار المستمرة ضد وعي المرأة



"جاءت شهرزاد لتقاوم الرجل بسلاح اللغة، فحولته إلى (مستمع) 
وهي ( مبدعة)، وادخلته في لعبة المجاز وشبكته في نص مفتوح
نص تقوم فيه الحبكة على الإنتشار والتداخل والتبدل والتنوع
وتاه الرجل في هذا السحر الجديد، قامت هذه اللعبة المجازية على 
تدجين المتوحش وذلك بإخضاع الرجل وترويضه لمدة ألف يوم
ويوم، وهذه مدة تعادل الزمن الطبيعي لفترة الحمل والرضاعة
وبذا تكون المرأة قد أدخلت الرجل البالغ ( المتوحش) في رحم
مجازي، وفي حضانة مجازية، وجعلته يعتمد عليها في رضاعة 
ليلية، يتطلع إليها وينتظرها، فصار عالة على المرأة، مثل طفل
 مع أمه، حتى تدجن ولانت سطوته".


النص السابق من كتاب: المرأة واللغة، للدكتور عبدالله الغذامي
وهو يصور ويصادق على (السردية الشائعة)، لإنتصار شهرزاد 
على شهريار، عبر انهاء ممارسته ل متعته في الممارسة كل 
ليلة مع إمرأة ثم قتلها، كما يحكي كتاب (ألف ليلة وليلة).


فهل فعلا انتصرت شهرزاد على شهريار ومنعته من هذه المتعة؟ 
أم هناك طرق اخرى يمكن اعادة فهم (لعبة شهريار) عبرها
وتخفيها السردية الشائعة التي نُقِلَت لنا؟ وعبر اعادة القراءة
تلك، نستطيع فهم استمرار لعبة شهريار في العصر الحديث.


من مضمرات القصة، والتي ربما هي جزء من لعبة شهريار
والتي يمكن العثور عليها، حين التحليل بخلفية جندرية، هي 
أنها كقصة في خطابها المعلن تقول بإنتصار شهرزاد (المرأة) 
لكن في مضمرها ترسخ أن على المرأة أن تبذل جهدا دائما 
ومتواصلا، لكي تكون مصدرا لمتعة الرجل وأن انتصارها المفترض
الذى تروجه السردية الشائعة، هو انتصار قال به وروجه الرجل
وهو انتصار لا يتحقق لها كشهرزاد، ولكل النساء، إلا باستمرارها 
في بذل الجهد لتكون مصدرا لمتعة الرجل، كل وقت، كما يرسخ 
خطاب القصة المضمر، وبالتالي عليها دائما أن تكون تحت ضغط 
أن تكتسب مهارات أرضائه، وأن تبادر، بكل ما تملك من قدرة 
وذكاء وحيلة، وكل وسيلة قادرة على امتلاكها، مادية أو معنوية.

ولا يتم الإعتراف بإنتصارها إلا حين يقر الرجل أنه في حال 
استمتاع، وهو اقرار وقتي، فسرعان ما يطلب المزيد من 
المتعة، اما هي فيكفي أن يقول لها أنها انتصرت عليه وتحررت
فهل شهرزاد انتصرت في الحقيقة؟  رغم أن صلب دورها في
القصة لم يتغير، سواء كانت شهرزاد ألف ليلة وليلة أو المرأة 
الحالية في (خطاب الرجل) لتحريرها،  وهو تحقيق المتعة
 لشهريار، التي استمر يحققها رغم تغير الأدوات والوسائل
لكن لعبته مستمرة، بخطابات ماكرة، تحاول مراوغة وعيها
فتقدم لها كامرأة حديثة تبحث عن تحرر من سلطة خطاب
هيمنة، خطابية تحررية، لكن بمضمون لا يختلف بل ربما
مطابق لرغبة لشهريار القديم، الذى ما زال يستخدمها لتحقيق
متعته، فسوق عروض الأزياء والتصاميم ومقاسات العارضات
ومواسم الموضة الي يحددها جميعا الرجل، والإعلانات للسلع 
التي تستهدف الرجل وعن طريق استخدام المرأة كسلعة لتسويق 
السلع والخدمات، من اعداد وتصميم واخراج الرجل ومن اجله 
والإنتشار المهول لعمليات التجميل وملابس النساء اثناء الألعاب
الرياضية، بما في ذلك الأولمبياد التي هي اقصر بكثير واكثر 
ضيقا من ملابس الرجال في ذات الألعاب، واندية الإستربتيز
ومواقع المواعدة الحديثة وتشريع الجنس كمهنة قانونيا وغيرها
جميعها تقدم من أجل الرجل كمستهلك ومشتري نهائي، حتى
في السلع الخاصة بالمرأة، لكنه يقدمها في خطابة للمرأة الحديثة
 كجزء من الحرية، ومن تحررها، ويجعلها تقتنع بهذا المفهوم
 فيما المضمون هو جزء من لعبته القديمة المستمرة في
 استخدامها كمتعة.


 لذا التحرر الحقيقي يكون في تحررها من أسر سلطة تلك
 اللعبة، ومن جعل خطابه تجاهها هو المحدد لمفاهيمها 
وقيمها تجاه ذاتها، وبتقديمها خطاب مضاد، يعيد تعريف 
ذاتها، ويضع معاني جديدة للمفاهيم. 

فلا يمكن أن تكون حرا، حين تكون مستمرا في استخدام 
لغة، مفاهيم، وخطاب لست مساهما فيها، وانتج من
اجل الهيمنة عليك. 


*عبدالخالق مرزوقي