23‏/07‏/2023

قراءة غير فنية في فيلم اوبنهايمر


 

الفيلم جميل كحوار وصورة وموسيقى، لكن لن اتحدث عن تفاصيل

 الفيلم الفنية، فهذا ليس مجالي


في القسم الأول من الفيلم اغرمت بالحوار، كان يحمل

ابعاد ثقافية وفكرية عميقة، وكنت اتمنى لو منح هذا

القسم وقت اطول من وقته. 


في القسم الثاني كان التركيز على العمل العلمي والتفاصيل 

العلمية والمعلومات حول صناعة القنبلة، لكن تلك التفاصيل 

كانت قليلة ومختصرة. 


القسم الثالث بدأ من عملية تجربة القنبلة، ومن ثم ردود الأفعال 

التي تلك ذلك، الملاحظ في هذا القسم أنه تناول عملية اطلاقها

 الفعلي في هيروشيما وناجازاكي بصورة مقتضبة وسريعة، وبطريقة 

لا تؤثر سلبيا على عملية استقبال المشاهد الأمريكي للحدث بل 

قدمها كعملية يفخر العلماء والجنود والسياسيين بأنهم كانوا جزءا 

منها. 


فلم نرى مشاهد حقيقية لعملية إلقاء القنبلة، ولم نرى مشاهد 

للضحايا، أو لآثار القنبلة، بل لم نرى قطرة دم خلال الفيلم، ومر رقم

 الضحايا كمجرد عملية احصاء لإعدادهم، ولم نرى عملية تعاطف 

انساني معهم، بل كان هم السياسيين هو أنها ستساهم في عملية 

سرعة إنهاء الحرب وعودة الجنود لأهاليهم. 


يحاول الفيلم تقريبك من شخصية اوبنهايمر، واستمالتك نحوه، عن 

طريق التركيز على الإنسان، والعقل العلمي لديه، وقدمه بشكل 

محايد فلم يظهره كصاحب حس اخلاقي تجاه ما يقدم عليه، بل 

اظهره وبقية العلماء المساهمين معه، كجنود يساهمون من خلال 

العلم في خدمة الأمة. 


ويجعل ما صنعه مجرد (تقدم علمي) ضروري، عليك أن تكون محايدا

 أمامه، و(متفهم) لنتيجته، ولا تمارس الإدانة الأخلاقية للنتيجة، وكان

 دور عملية اخفاء وتغييب أي وجود للضحايا خلال الفيلم، أن يساعد 

في عملية تجنب حكمك على النتيجة ( صنع القنبلة)  اخلاقيا. خاصة

 أن تلك العملية بالنسبة للمشاهد الأمريكي تعتبر مصدر فخر، واحدى

 منجزات الحرب، والرد الطبيعي على (بل هاربر)، لذا تجنب كريستوفر

 نولان أن يتصادم مع ذلك التاريخ لدى الشعب الأمريكي ويقدمه بصورة

 سلبية، قد تؤثر على الفيلم اعلاميا وفي ذهنية المشاهد. 


لكن كمشاهد محايد، من الصعب حين ترى الصورة الأكبر من الفيلم

 اعني أنك امام عملية صنع سلاح قتل في استخدامه الأول ما يزيد 

عن 100 ألف انسان، على مراحل، ألا تقفز امامك الأسئلة. 


واهمها سؤال المبدأ الأخلاقي في مواجهة التقدم العلمي حين يحدث

 بينهما تصادم، خاصة أن التقدم العلمي لا يستطيع إلا أن يكون أداة 

في يد سلطة تفوقه وتستخدمه، وتوجه نتائجه لخدمة اهدافها

 المخطط لها مسبقا، وهذا ما لمح له الفيلم، في بعض حواراته حين

 اخبر الجنود العلماء أن دورهم انتهى، وبدأ دورهم هم وحدهم

في استخدام ما انجزه العلماء. 


لكن من جهة اخرى هناك سؤال آخر، ماذا لو غلبنا المبدأ الأخلاقي

لكن سبقنا من لا يحمل مبادئ اخلاقية وصنع ذات السلاح

 واستخدمه ضدنا، أي ماذا لو سبق هتلر مشروع مانهاتن وصنع 

قنبلته اولا، وألقاها على لندن وموسكو وبقية مدن الحلفاء خلال 

الحرب العالمية الثانية، وانتهت الحرب العالمية بانتصار النازية 

وسيطرتها على العالم. 


 ألن يعد ذلك ضعف وتفريط وفشل من الدولة في استغلال التقدم

 العلمي في حفظ وحماية شعبها وحياته، وهو واجب كل سلطة 

وقائد تجاه شعبه. 


وهل سيقوم أي شعب بتغليب المبدأ الأخلاقي في هذه الحالة

على مصلحته وحياته وحفظ بلده.