10‏/06‏/2023

 اكتشاف السائد ثقافيا من خلال كلمات الأغاني           

                            

"منت فاهم يا اغلي من مر بعيوني...عاشقك سلّم امره للغرام"

الآثار التي تتركها أي ثقافة سائدة في مجتمع ما أو ثقافة ما، تتبدى 
غالبا في فنونها وآدابها، والشعر من اكثر انواع الفنون الأدبية الذى 
تظهر فيها تلك الآثار، خاصة أن الشاعر يكتب وهو يحمل مخزونه
 اللاواعي من الفكر والثقافة اللذان شكلا وعيه ولغته الشعرية.

من ذلك أن السائد لدينا كرجال هو عدم (اعلان) التسليم والإستسلام 
للمرأة، حتى وإن كان ذلك قد حدث بالفعل، لا اعلم إن كان هذا 
خاص بنا، اعني امر خاص باثثقافة العربية أم هو السائد ثقافيا بين 
رجال العالم.

جئت بهذه الأبيات في اغنية عباس ابراهيم، لأنها استوقفتني، للتفكير 
في هذا الأمر فالشاعر هنا، في لاوعيه الثقافي، يرفض التسليم للمرأة
لأن اللاوعي يربط ذلك التسليم بهزيمته كرجل أمام المرأة، ويقتضي 
ذلك لاحقا التسليم بسطوتها في العلاقة لذا اختار ألا يعلن تسليمه لها في
شعره، واعلن أنه يسلم امره للغرام، وليس لها كإمرأة وبهذا يمنعها من 
لذة الشعور بالسطوة عليه، وبما يحيل إليه ذلك لاحقا من اظهار قوة 
وتحكم في العلاقة.

وهناك ابيات من قصائد اخرى، في هذا السياق، يمكن الإستشهاد بها
تظهر جزء مهما من ثقافتنا كرجال في التعامل مع المرأة، اعني البيت
 التالي من أغنية يا غالي الأثمان التي غناها محمد عبده:

"اشبهه بالّلي عسيفٍ من الخيل . . . تلعب وانا حبل الرّسَن في يديّا"

كذلك البيت التالي من اغنية عيونك آخر آمالي لعبادي الجوهر:

"وابيك تكوني فوق الناس وابي ماينحني راسي"

فالثفاقة السائدة لدينا كرجال، لا تمانع ابدا، بل يستهويها أن يكون لدى
المرأة قوة استقلالية، سطوة، تمرد، حرية، لكنها مشترطة بعدم حتى 
محاولة ممارستها مباشرة علينا كطرف في هذه العلاقة، وبأن نستمر 
في الشعور بالهيمنة في علاقتنا بإمرأة ما بغض النظرعن وجود الهيمنة 
فعليا من عدمها فالأهم هو الشعور بها.

لكن ايضا وجدت ما يضاد هذه الأبيات، مثلا في قصيدة احمد شوقي:

" مضناك جفاه مرقده .. و بكاه و رحم عوّده
....
....
ويقول تكاد تجنّ به .. فأقول وأوشك أعبده
مولاي و روحي فى يده .. قد ضيعها ، سلمت يده"

تفسيري ذلك, اعني اختلاف تعبير شوقي، واعلانه ذلك التسليم، هو 
امتزاج عدة ثقافات في خلفية شوقي الفكرية، فهو من اصول غير عربية
يقال كردية وشركسية من جهة ويونانية من جهة اخرى، كذلك دراسته 
في فرنسا، وتأثره بالشعراء في الفرنسية، ايضا عيشه فترة في اسبانيا 
خلال عملية نفيه، لذا في لاوعيه الثقافي لم تبقى الثقافة العربية 
السائدة هي وحدها المهيمنة.

عبدالخالق مرزوقي.