18‏/05‏/2024

عن كتاب: امرأة سريعة العطب





"حبيبي قلل من خطايا الأسئلة المرهقة، واسمعني"
"هذه أنا، وهذا وجعي"


هذه العبارات الأولى من الكتاب، إضافة إلى ما كتب على الغلاف الخلفي، جعلت
 لدي وهم، أنني أمام كتاب يتحدث عن المرأة - كما كتب في العنوان - كذات، وعن
 حكاية النساء مع الوجع.

لكنني وجدت أن الكتاب، يمارس لعبة ماكرة، أجاد الكثير من الكتاب الرجال لعبها
 وهي أن تتحدث أو تكتب عن المرأة - وكنت افضل استخدام كلمة انثى في العنوان
 بدلا من امرأة، لأنها تعبر عن مضمون الكتاب- بلسانها، والقول أنك ككاتب، تعبر
 عن حبها، معاناتها، وجعها. واللعب على عواطف المرأة بهذا القول، وطريقة 
الصياغة والتعبير الظاهر، وكان هذا ينجح في كسب تعاطف وميل النساء لمن 
يفعل ذلك، كما فعل نزار قباني رحمه الله في أغلب قصائده.

لكن حين تحليل خطاب نصوص الكتاب، وما يضمره من خلفية افكار وثقافة
 رأيت أنه يقدم رؤية رجعية عن المرأة، حيث تتمثل في انثى مستلبة لرجل
 وليس معاناة المرأة.

انثى لا يوجد لديها ما تقدمه من خلال كامل نص الكتاب، إلا توسلاتها، وإعلان
 خضوعها، من أجل أن تشعر بأنها محبوبة، وموجودة في حياة رجل ما.

رجل لا وجود ظاهر له، خلال كامل نصوص الكتاب، إلا الوجود المضمر، كسيد
 مطلوب، مرغوب، مشتهى، لا ينال، تتم مطاردته، من قبل أنثى، خلال كامل 
صفحات الكتاب، ليمنحها الاعتراف بوجودها، الذى لا ترى هي أنه يتحقق
 إلا عبر قبوله هو كرجل لهذا الوجود.

عبدالخالق مرزوقي.

04‏/05‏/2024

خيوط المعازيب والتنوع الثقافي


خيوط المعازيب والتنوع الثقافي




في احد لقاءاته، سئل الممثل الأمريكي دنزل واشنطن، حول اختياره لمخرج امريكي من ذوي 
البشرة السمراء، لإخراج احد الأعمال، وهل هو انحاز للون البشرة، أجاب بأن الأمر لا يتعلق 
باللون بل بالثقافة.

 ثم أسهب في الإجابة، بأن مارتن سكورسيزي أخرج فيلم Good Fellas، وستيفن سبيلبرغ 
اخرج قائمة تشاندلر Schindler's List، ولو أخرج كل منهما فيلم الآخر، لقدمه بصورة جيدة
لكن سيبقى هناك جزء مفقود، وهو  الخلفية الثقافية التي يمتلكها كل منهما عن بيئته، وهي جزء 
أساسي في بيئة وشخصية وخصائص الفيلم الذى قدمه كل منهما.

اربط هذه المقدمة، بمسلسل خيوط المعازيب، الذى تم الإحتفاء به، والتفاعل معه كثيرا في 
المنطقة الشرقية أكثر بكثير من خارجها، وهذا هو منطلق هذا الحديث.

اذا اعتبرنا المشاهد في المنطقة الشرقية عامة، وفي الأحساء بشكل خاص، ذاتا خاصة، ويشكل
 مجموع المشاهدين الأكثر إلتصاقا ببيئة العمل، ذات عامة لها خصائص محددة، وإذا كان تعريف 
الذات الشائع هو بأنها تكوين معرفي منظم، للتقيمات والتطورات الخاصة بذات الفرد والتي تعتبر 
تعريفاً نفسياً لذاته.

فإن تلك الذات، ربما للمرة الأولى، تجد نفسها مصوره في عمل فني محلي - بهذه الكثافة – ليس
 ذلك فقط بل أيضا عبر المرآة الخاصة بها، والتي قدمتها بشكل يعكس تصوراتها وخلفياتها هي
وليس عبر (المركز) الذى كان يقدم تلك الذات، بمستويات متفاوتة، لكنه افتقد القدرة الثقافية
والمعرفة بخصائص البيئة والبنيات الاجتماعية، التي تجعلها متجسدة فعليا في عيني المشاهد
خاصة ابن المنطقة، رغم أنه هو كمركز، قدم ذاته هو، بشكل أكثر قرب من الثقافة والبيئة، وهذا 
طبيعي تماما، ولذا كان هناك هذا الإحتفاء بالعمل في المنطقة فهو احتفاء بالذات بذاتها.

لم يكن ذلك فقط ما قدمه خيوط المعازيب، على أهميته، لكن ذلك يشكل جسر أو معبر إلى بعد
آخر، وهو بعد ثقافي مهم، وليس فني فقط، فبلد بحجم المملكة العربية السعودية كمساحة، وتنوعها
الجغرافي، بدون شك يخلق تنوع ثقافي، مهم، ومن المهم أن يبرز، فإذا كانت الثقافة في أحد أهم 
تعريفاتها هي مجمل السمات المميزة، الروحية والمادية والفكرية والعاطفية، التي يتصف بها 
مجتمع أو مجموعة اجتماعية وأنها تشمل االفنون والآداب وطرق الحياة وأساليب العيش، وأنظمة
القيم والتقاليد والمعتقدات. فإن هذه المساحة الجغرافية الهائلة بالتأكيد تحتوي على تنوع يشمل كل
ذلك، وهذا التنوع والحجم، يجعل أبناء كل منطقة بحكم الخلفية الثقافية والإجتماعية التي يحملونها
هم الأقدر على تقديمها، بتفاصيلها الخاصة، إلى المجتمع العام.

لذا ما أنجزه خيوط المعازيب يجب البناء عليه فنيا وثقافيا، ومراكمته، في أعمال اخرى، تقدم كل
البيئات الإجتماعية والثقافية المحلية، في أعمال فنية وثقافية، عبر الهيئات المختلفة، وعبر مرآة أبناء
البيئة انفسهم بخصائصهم ولهجاتهم وعاداتهم. من شأن ذلك أن يعزز التنوع الثقافي والإجتماعي، في
المجتمع العام من ناحية، وكذلك يعزز شعور الإنتماء والحضور والمشاركة لدى الذوات المختلفة 
ضمن الإطار العام وكلا الأمرين مهمين جدا لتعزيز التماسك الاجتماعي.

اشبه ذلك بتركيب لعبة البازل، حيث تقوم اللعبة على تركيب القطع المختلفة معا، لصنع صورة 
كبرى، جميلة بتوعها وتجانسها.