14‏/08‏/2015

حول الدين والعقل





حول الدين والعقل

عبدالخالق مرزوقي




قرأت ما كتبه الصديق الدكتور علي الحمد هنا :
http://whoisaccord.blogspot.com/2015/08/blog-post.html


فأردت الرد على الأفكار التي أوردها، والتي ارى أنها كثيرا ما تتكرر ممن يرى ضرورة إخراج الدين من الحياة العامة، وجعل الحكم فيها لعقل الإنسان وحده

اعتقد أن الكاتب انطلق من فرضيتين خاطئتين، والخطأ فيهما يكون حينا مصدره 

اعتبار آراء مجموعة من "رجال الدين" أو سلوك المتدينين حكما على الدين 
ومعبرا بصورة تامة عن التطابق مع جوهره، وحينا يكون مصدر الخطأ 
هو التطرف في الإتجاه نحو العقل، واعتبار كل ما يصدر عنه " عقلاني"
وتجاهل ما يؤثر عليه.


الفرضيتين الخاطئتين كما اراهما والتي تناولتهما الأفكار التي طرحت في 
حديث الدكتور هما :
أولا-اعتقاد التعارض بين الحلال والصواب من جهة، وبين الحرام والخطأ 
من جهة اخرى

ثانيا-عدم إدراك أو رؤية الفارق بين مفهوم الدين والفرق بينه وبين مفاهيم 
الفقه والشريعة والفكر الديني

من وجهة نظري لا اعتقد بوجود ذلك التعارض، بحسب ما افهمه من كلمة 
الدين فكلمة "الدين" افهمها بأنها كل نص إلهي بشرطي أن يكون قطعي 
الثبوت قطعي الدلالة وهذا موجود في آيات القرآن، التي جميعها قطعية 
الثبوت، فيما بعضها قطعي الدلالة وبعضها الآخر لا ينطبق عليه هذا الوصف.

لذا القول بتعارض الدين وفق هذا التعريف للدين، مع الأمر الذى يراه العقل 

صحيحا أو خاطئا هو يفترض أو يضمر أمرين. الأول أن الله سبحانه وتعالى 
الذى انزل هذا النص لم يكن يدرك هذا التناقض أو خفي التناقض عليه سبحانه.

الإفتراض الثاني أن هذا العقل كامل وهو بقدرته قد استطاع الوصول للحقيقة 

المطلقة للنص الإلهي على نحو مطابق تماما لمراد الله سبحانه من النص.ومن
منطلق معرفته التامة لمراد الله ادرك التناقض.

مما يعني أن عقل الإنسان اصبح موازيا لحكمة وعلم الله تعالى، ولا اظن الدكتور

 يوافق على أي من هذين القولين.

أما إن قلنا أن التعارض موجود بين الحلال والحرام الديني والصواب والخطأ

 العقلي حين تأويل وتفسير النصوص قطعية الثبوت وظنية الدلالة، أو ظنية 
الثبوت وظنية الدلالة، أو بين الفقه والعقل، فنعم هذا يوجد ويحدث. لذا تحديد 
المفاهيم ضروري في هذه المسائل

هناك مجموعة من الحجج التي تقدم في هذا المجال "أنقلها كما وردت إلي أثناء

 نقاش" هي :
"الصواب والخطأ يعتمدان على الأسباب والدوافع الفلسفية والمادية،بينما الحلال

 والحرام يعتمدان على التفسيرات النصية. هذا الفرق المنهجي هو السبب في 
التعارض"


وردي عليها هو: أن هذه الحجة قد تستخدم ضد بعض أهل الحديث والوعاظ 

وحفاظ الأحاديث- وليس ضد الدين- الذين يعمدون إلى الرد على التساؤلات 
بإيراد نصوص حديث غالبا – قليل ما يستخدمون نصوص القرآن- ويقدمونها
 للناس بصفتها هي الدين وعليهم الإلتزام بها دون سؤال وتساؤل ونقاش، حتى
 لو عارضت نصا آخر سواء في القرآن أو الحديث.

مثالا على ذلك ما رددت به على احد المعلقين في احدى وسائل التواصل 

الإجتماعي، قبل أيام حين استشهد بحديث من مات دون بيعة لإمام فقد مات 
ميتة جاهلية، وكان تعليقي عليه أن الحسين رضي الله وهو في حديث آخر
 سيد شباب أهل الجنة، استشهد ولم يكن مبايعا، فهل ميتته جاهلية ؟ ولم يرد

أعود للقول أنه لدى الفقهاء المجتهدين نصا وعقلا، والباحثين في التأويلات 

والمقاصد والعلل والموانع والإشتراطات والمآلات للنصوص، وانزال 
النصوص على القضايا وشروط التطبيق وما في حكمه - كل هذا عمل 
عقلي- يختلف الأمر.

وكل هذه الأمور لا يمكن الوصل لها بدون العقل والتفكير، نعم يحدث أن 

لا يتم الوصول لكل للعلل المادية أو العقلية من كون أمر ما حلالا أم حراما
 لكن في الغالب يتم الوصول له، وبعضه يحتاج لمزيد من علم، وبعضه الآخر
 قد لا يتم الوصول للعلة المادية أو العقلية، لكن هذا لا يعني أنها غير موجودة
بل يعني أن عقولنا غير مخلوقة لتدرك كل شيء بذاتها، وبأن العقل رغم كونه 
اعظم مخلوق إلا أنه يظل قاصرا على إدراك كل الوجود

الحجة الثانية: " إذا وصلوا للعلة العقلية فلا يعود الأمر متعلقاً بالحلية والحرمة 

بل يصبح متعلقاً بالصواب والخطأ، إذ أن الامتناع عنه لا يكون مدفوعاً بحكمه 
الشرعي وإنما حكمه العقلي، وهذا هو الفرق بين أن تقول لولدك أن الأكل بيد 
متسخة حرام لأن الله نهى عن ذلك وبين أن تقول له أنه خطأ لأنه مضر بالصحة"

الرد عليها: من يرى ذلك ربما لأنه ينطلق من الفصل بين الأمرين ابتداءا، لكن 

من ينطلق من الإتصال بينهما أعني الحلال والصواب، الحرام والخطأ، يصبح 
الأمر لديه حين يصل لتلك العلة العقلية أو المادية، تأكيدا وتقوية للإيمان بالإلتزام
 بالحكم الشرعي.

أي أن الفرق هو في الذهنية التي ننطلق منها وهنا أشير إلى أمر مهم، وهو بأن

 من يقول بأن ذلك الأمر حرام لأن الله نهى عن ذلك ويقف، هو مخطئ

ولم يبني وعيا بالحكم أو لم يمتلكه في الأساس ولا بالتربية الصحيحة والمصلحة

 ايضا، فيجب أن يكمل حديثه بالقول إن الله حرم ذلك لأنه مضر بالصحة مثلا
 أي الجمع بين الحكم الشرعي وعلته ويقدم شواهد وأدلة مادية


الحجة الثالثة: " ما الحاجة للحكم الشرعي بوجود الحكم العقلي"


الرد: لأن ذلك أقوى أثرا وادعى للإلتزام حين يجتمع الدليل الشرعي بالأمر

 العقلي والدليل المادي ولأن الحكم الثابت، وكون الله مصدره يجعل حكمته
 ثابته، فيما الأمر العقلي قد تطرأ عليه متغيرات، تجعل الخطأ صوابا والصواب خطأ أمثلة على ذلك:
على ذلك تشريع ما يسمى بالقتل الرحيم، أو رمي بعض المنتجات الغذائية في البحر كما حدث اكثر من مرة في امريكا وغيرها اذا كان هناك فائض في الإنتاج،  كي لا تنخفض الاسعار، أو تشريع زواج المثليين، والإستعباد عبر القوانين سواء للافراد أو للدول والشعوب، فأصحاب المصالح والقوى السياسية أو الإقتصادية أو الإجتماعية،  تستطيع اذا امتلكت وسائل السيطرة واهمها الاعلام
من تغيير التوجهات العامة للافراد لما يخدم مصالحها هي
وكذلك استخدام الفن والثقافة وغيرها.بطريقة ماكرة، لتطبيع المجتمع مع هذا الأمر أو ذاك، كإنتاجات السينما الأمريكية لأفلام الحروب - الممولة جزئيا من الجيش الأمريكي- لجعل الشعب يعتقد بشرعية الحروب الأمريكية وأنها متوافقة مع القوانين ومن 
الأمور الصائب فعلها

الحجة الرابعة : " الجمع بينهما- الحكم الشرعي والعقلي- لا معنى له بل 

ولا حاجة له. نعم يمكنك أن تخبر ولدك بأن الله يأمرنا بفعل الصواب دائماً 
وينهانا عن الوقوع في الخطأ. وتترك له أن يحدد الصواب من الخطأ. أو بتعبير
 آخر تترك له أن يشرع لنفسه ولكن من من الفقهاء الحقيقيين يقبل بأن يشرع
 الإنسان لنفسه دون الرجوع له؟ ثبات الحكم الشرعي هو أكبر عيوبه. فلا يوجد
 في هذا العالم حكمة ثابتة. بل كل شيء يتغير بتغير الظروف. فإذا كنت جاهلاً 
بالعلة فلن تتمكن من مجاراة هذه التغيرات"

الرد: عندما اذكر "الحكم الشرعي" فأعني به ما ذكر صراحة في القرآن 

وليس كل ما قرره الفقهاء

فالأول هو الثابت كحكم، والتطبيق ففيه اجتهاد حسب الكثير من الأمور

 ولا حجة لمن يقول لا اجتهاد مع النص، فالإجتهاد يتناول أيضا مقاصد 
النص وشروط التطبيق وتحققها- كما اجتهد عمر رضي الله عنه في وجود
 النص- أما في حال عدم وجود النص قطعي الثبوت والدلالة فباب الإجتهاد 
مفتوح.

لا توجد حكمة ثابتة نعم، إذا كنا نتحدث عن البشر أما ما قرره الله صراحة في

 القرآن فحكمته ثابتة وإلا لما اتصف سبحانه بالحكيم العالم، الواجب علينا 
إدراك بعض جوانب تلك الحكمة إذا أدركناها نكون جمعنا بين الأمرين، النص
 والعقل وهذا ما يطالبنا به سبحانه حين يخاطبنا : 
تعقلون، تتفكرون، تنظرون، تبصرون، تسمعون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق