"كان لصوص بغداد في العصر العباسي حكماء وفلاسفة. كان من أشهرهم أبو عثمان الخياط القائل :
ما سرقت جارا وإن كان عدوا لي ولا سرقت كريماً ولا امرأة ولا بيتا ليس فيه رجل ولا قابلت غادرا بغدره. ومن تلاميذه ابن حمدي العيّار. كان لا يسرق أصحاب البضائع الصغيرة التي تكون قيمتها دون الألف درهم. و من شربت ماء من بيته أو ألقيت عليه السلام و رد عليك ، فلا يحق لك أن تسرقه أو تؤذيه و لو كنت لصاً. عند وفاة كبير اللصوص في العهد العباسي (أدهم بن عسقلة)
…ترك وصية لأتباعه اللصوص ومما جاء فيها : لاتسرقوا إمرأة ، ولاجارا ، ولا نبيلا ، ولا فقيرا ، وإذا سرقتم بيتاً فاسرقو نصفه وأتركوا النصف الآخر ليعتاش عليه أهله ولاتكونوا مع الأنذال.
من كتاب بهجة النفوس و الأحداق فيما تميز به. القوم من الآداب و الأخلاق ..!"
تعليق:
دائما يستهويني الخطاب والنصوص المضمرة غير المكتوبة، وغير المباشر داخل الكتابة.
مثل هذه القصص في تاريخنا، يستدل بها من جهتين، أو تحكي سياقين.
الأول المباشر والرسمي - والرسمي هنا بمعنى أنها القصة المدونة والمتداولة والتي تقع في دائرة الصدق من مدح لأخلاق اللصوص وكرمهم وعفة نفوسهم.
القصة الأخرى غير المدونة، وغير الرسمية، التي يستدل عليها من القصة المدونة، أن الفقر والسرقة كانا منتشرين، واللصوص معروفين علنا ويتناقل الناس أخبارهم وحكاياتهم، ويعرفونم بالإسم، وهذا يعني في زمن القصة أن هيبة السلطة وقوتها وعدالتها متزعزعة أو هي أيضا فاسدة.
وربما هذا ما أراد المؤلف قوله بطريقة غير مباشرة، مراهنا على من يقرأ ما يوجد خلف المكتوب.
خاصة حين يبدأ المؤلف القصة بالتنويه أن اللصوص في ذلك الزمن كانوا حكماء وفلاسفة
فهو هنا يخبرنا أنهم قوم من كرام الناس، لديهم ادبهم وأخلاقهم وحكمتهم وليسوا مجرمين. ولم يسلكوا هذا الطريق لضعف نفوسهم ولكن اضطروا إليه.
لماذا ذهبوا إلى خذا والمسلك وهم قوم كرام
هذا هو السؤال الذى ريد ربما المؤلف أن نسأله. يفتح أفق التفكير إلى ما يتجاوز مجرد حكاية. عابرة، إلى شهادة ربما على مرحلة، أو إدانة لها. دون أن يعرض الكاتب ذاته للأذى اذا كتب بشكل مباشر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق