عبدالخالق مرزوقي
هذه رواية عن الحضور المكثف في الغياب.
عن الانسان الذي لا نراه الا عبر دوره الاجتماعي، ونكتفي حين
وجوده بأدائه لذلك الدور ونغيب كل تفاصيله كإنسان له ذات مستقلة.
كلما تعمقت في الرواية، فقدت قدرتي على استكمال القراءة بحيادية
واصبت بالاضطراب، لدي أم، تكبر في العمر، واعتدت حين اعود إلى
المنزل الاقتراب من سريرها وهي نائمة، للتأكد انها نائمة فقط، لذا
طريقة السرد، وتركيز الرواية على التفاصيل الدقيقة لحياة انسان في
دور أم جعلني ادمج تفاصيل حياة كل الأمهات ومنهم أمي، في الرواية.
السرد جعلني أرى الإنسان داخل دور أو مفهوم الأم، ورغم أن بناء
الرواية وسردها أخفى صوت الأم المباشر، وجعلنا نراها عبر أصوات
الآخرين، الأبناء، الزوج، أخت الزوج، ليعزز تكثيف ذلك الحضور في
لحظة غيابها.
تكثيف حضورها عبر أصوات الآخرين في السرد، ظهر وكأنه محاولات
مركزة لاستبقاء ذلك الحضور، خوفا من نهائية الغياب المادي. وكان
التركيز على تفاصيل حياة الأم اليومية، مؤثرا إلى المدى الذى جعلني
اشعر بالخوف من فقد أمي في مكان ما، وبالحاجة إلى الخروج إلى
الشارع معهم بحثا عنها.
هناك سؤال وجهه إليهم الصيدلي: "كيف حدث أن فقدتم أمكم؟"
ووجدتني اعيد طرح السؤال من خارج الرواية: كيف يحدث أن نفقد
انسان ما؟ ثم اجبت الصيدلي: حين نتوقف عن رؤية الإنسان فيه، حين
نغيب كل ما هو بشري في ذاته لصالح الدور الاجتماعي.
سؤال آخر سأله الزوج حين عاد إلى المنزل وحيدا: "هل انت في البيت؟"
هذا السؤال هو ذاته، الذى اسأله منذ سنوات، حين اعود إلى المنزل
ولا أرى أمي فيه لأن خروجها نادر، ولم اعتد على عدم وجودها.
من العبارات الأخرى في الرواية، تذكر الابنة لقول أمها، حين ألحت
عليها أن تأخذ شجيرة وتعيد غرسها في فناء منزلها: "إنني أريدك أن
تأخذيها لكي تتذكريني كلما قطفت الثمار منها بعد أن أموت."
إن العبارة عن الإرث الذى يغرسونه فينا؟، وينتظرون أن يثمر؟
في حضورهم أو غيابهم.
عبارة أخرى من الرواية: "لماذا نعتقد أن أمنا أصبحت أما في مستهل
عبارة أخرى من الرواية: "لماذا نعتقد أن أمنا أصبحت أما في مستهل
حياتها؟ لم تتسن لأمنا الفرصة لتحقيق أحلام شبابها، وواجهة بمفردها
كل ما فرضته عليها تلك المرحلة، من فقر وحزن ويأس، وواجهت حظها
البائس في الحياة وعانت بصمت، ولكنها حاولت أن تتخطى المصاعب
وتعيش حياتها إلى أقصى الحدود، ومنحت أولادها نفسها جسدا وروحا
ترى لماذا لم أفكر في أحلام أمي؟".
كانت (كيونج سوك شين) في هذه العبارة، تتحدث عن أمي بالتحديد.
ولهذا هذه الرواية ستبقى معي، سترافقني لزمن طويل، ولن استطيع
أن اتخلص من أثرها. وهذه قيمة الأدب العظيمة حين يكتب الإنسان.