14‏/09‏/2013

من هو المتطرف ؟


الكاتب: عبدالخالق مرزوقي


اعتقد ولا اجزم ان الانسان يولد بميل ما تجاه اشياء معينه
بعض هذا الميل برمجة مسبقة وبعضه بفعل عوامل وراثية جينيه
وبعضه تاثرا بسلوكيات وممارسات الأم خلال فترة الحمل وفي
سنوات الطفولة الأولى، فنولد ولدينا ميل تجاه سلوك ما ليكن
التشدد مثلا في الكثير من الامور، الدين لم يتدخل لحد الآن

ثم يأتي دور التربية والاسرة في تعزيز هذا الميل او التقليل منه
وهنا يتبين الفرق في التربية بين الاسرة الواعية وغير الواعية
والدين الذى نتلقاه في هذه المرحلة هو الاتجاه الذى تسلكه الاسرة
تجاه الدين كما تتلقى الاخلاق والقيم التي تقولها وتمارسها الاسرة
فيزيد لديك هذا الميل او يضعف ثم يأتي دور المدرسة والمسجد
والمجتمع العام، هم ايضا يلقنونك وترى منهم الدين والاخلاق
والقيم " السائدة " اي تتلقى التطبيق وليس النظرية في الدين
والاخلاق والقيم كل هذه المدخلات تتفاعل داخلك مع كل مالديك قبلها.


ونتيجة لهذا التفاعل العقلي والنفسي تبدأ في تكوين سيرتك الخاصة
مع استمرارك في التلقى والتفاعل طوال حياتك

بعضنا يعيش داخل دائرة مغلقة ذهنيا. فيبقى يتلقى ذات الافكار
والتصورات وتتفاعل داخله مع اخرى شبيهه بها فيكون الناتج دائما
هو ذاته ومن ينفتح ذهنيا تبدأ المدخلات تتغير نسبيا. يلي ذلك تغير
في طريقة التفاعل العقلي النفسي معها

اسوأ نتيجة لتفاعل ممكن ان نحصل عليها هي عندما يجتمع لديك
ميل للتشدد. داخل اسرة متطرفة ومدرسة ومسجد ومجتمع عام
يعززان كل ذلك، لا يمكن ان تخرج من هذه الدائرة إلا بعد صدمات
فكرية متتالية.عقلك ومحيطك الجديد سيجعلك تسلك احد اتجاهين
إما تشدد او تطرف مضاد للاتجاه الاول، أو اعتدال وهو الاتجاه الاصعب
الدين اي دين في نصوصه الاساسية يتمايز بين التشدد - التشدد
هو غير التطرف - وبين الانفتاح. بحسب النص ومتى انزل؟
وسبب نزوله؟ وهل حكمه عام ام خاص مطلق ام مقيد ، منسوخ
أم لا . كيف طبقه الرسول صلى الله عليه وسلم

لا اعتقد ان الدين جاء لنا ويفترض منا أن نكون مثاليين بل هو سبحانه
يعلم واقعنا كبشر وهو يريد منا ان نحاول أن نقترب ما استطعنا من
تحقيق غايه النص، والاستطاعة تختلف من فرد لآخر
هذا امر شديد الاهمية ان ندركه ويغفله المتطرفون سواء من يدعي
انه يطبق النص او يدعي العكس

كيف يتعامل المتطرف مع النص ؟ والحديث هنا عن اي نص سواء
كان نصا دينيا أم غير ذلك

المتطرف يأتي للنص غالبا بتطرفه المسبق على القراءة، وليس ليستمد
التطرف من النص. بل ليقنع ذاته اولا، وليؤكد أن النص يقف في صفه
وهو يقف في صف النص. غير المتطرف ايضا يفعل ذلك فيأتي للنص
بايجابيته وانفتاحه

لذا قال الامام علي رضي الله عنه : القرآن حمال اوجه
وهي تفهم هنا بمعنى ايجابي منفتح اذا كنت انت ايجابي منفتح
وتفهم بمعنى سلبي ضيق اذا كنت انت سلبيا ضيق القلب والعقل
لذا نرى عمليا اختلاف الفقهاء مثلا في مسائل معينة رغم انهم
يستندون في اوقات كثيرة لذات الادلة

النص ايضا اي نص يتحول إلى عدة نصوص، أولهما النص
الأساس ثانهما ما قرأناه حول النص، وثالثهما الذى خرجنا به نحن
بعد كل تلك القراءات

والنص الثالث اي النص الذى خرجنا به من القراءة يحتوي اضافة
للنص الاساس والقراءات السابقة علينا له، على افكارنا نحن تجاهه
كمفردات وجمل ومعاني، اضافة إلى نمطنا في التفكير ومستوى عقولنا
ووعينا وحالتنا النفسية وخبراتنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق