06‏/02‏/2019

اعرف سوقك... وافهم ثقافته


اعرف سوقك.. وافهم ثفاقته

مقال عبدالخالق مرزوقي
نشر في صحيفة مال الإقتصادية*


في الحي الذى اسكن فيه - حيث أغلب سكان الحي والأحياء المجاورة من أهل المدينة الأصليين (اهل بحر) – توجد ثلاثة مطاعم للمأكولات البحرية، الأول منها داخل احد الفنادق الفخمة في المدينة، وهو جزء من مجموعة فندقية كبيرة، ويوجد على شارع تجاري على بعد خطوات من كورنيش الدمام، ويظهر اعلان المطعم من مسافة بعيدة، فيما المطعم الثاني فرع لمطعم مأكولات بحرية سعودي شهير، أما فيما الثالث مطعم محلي، يوجد على شارع تجاري اصغر، داخل الحي، حركته التجارية اقل ومحلية.

المطعم الذى يتبع الفندق بالكاد تجد احدا فيه، حتى في أيام الإجازة الأسبوعية تكون الحركة فيه ضعيفة، ولو لم يكن ضمن الفندق، لكان قد اعلن صاحبه اغلاقه منذ سنوات، لأنه بحسب حركة العملاء، لا يحقق ارباحا تذكر، بالنظر لحجم مساحته، واسعار الإيجارات في الشارع، فيما الثاني، الحركة فيه ضعيفة خلال الأسبوع، وتتحسن في الإجازات الأسبوعية.

ما الثالث فالحركة فيه مزدهرة يوميا، ويأتيه الناس من مختلفة احياء المدينة، ومن المدن القريبة كسيهات والقطيف وتضطر خلال اجازة الأسبوع، للإنتظار للحصول على اماكن جلوس، سواء في قسم الأفراد أو العائلات، حتى بعد توسعه المطعم.

الفرق الجوهري بين الثلاثة مطاعم، أن الأول والذى يتبع المجموعة الفندقية الشهيرة، لا يعرف سوقه وثقافة المجتمع المحلي الموجود فيه، رغم أن مستوى الإنفاق عليه كبير، على مستوى المساحة والتجهيزات والإعلان، لكن لأن القائمين عليه من غير المجتمع المحلي، وغالبا من خارج المدينة، واعتمدوا على شركات تعد لهم دراسات الجدوى، وهي بدورها لا تعرف ثقافة ومجتمع المدينة، ومن الصعب على غير ابناء المجتمعات المحلية معرفة الفروقات الدقيقة، في الثقافات الإجتماعية حتى بين ابناء المدن المتجاورة – مدينتي الدمام والخبر كمثال- وهذا امر مهم لا يتم اخذه بعين الإعتبار عادة في دراسات الجدوى، لأن من يقومون بها في العادة لا يعلمون هذه الفروقات الدقيقة، ولا يدركون اهميتها لنجاح مشاريعهم، فهم لم يحاولوا معرفة العميل الموجود في المنطقة واحتياجاته، وثقافته الإجتماعية، وميله الإستهلاكي وقدرته الإقتصادية.

وهذا ما نجح فيه اصحاب المطعم الثالث، كونهم من ابناء الدمام واهلها الأصليين، ويعرفون تماما تفضيلات وثقافة اهل مدينتهم واحيائهم المتقاربة الغذائية، والطريقة التي اعتادوها لعمر كامل، ويفضلونها اتناول المأكولات البحرية.

سأفصل قليلا في هذا المجال، مجتمع الأحياء المحيطة بالبحر، والقريبة منه في شرق وشمال ووسط مدينة الدمام ومدن الشرقية عموما - هذا لا ينطبق على مدينة الخبر، فخصائص سكانها مختلفة ديموغرافيا واجتماعيا واقتصاديا- هم بمجملهم من "اهل الدمام ومؤسسيها"، وهم اهل بحر، وابناء رواده، واصحاب ثقافة وعادات اجتماعية واحدة، وهو طابع غالب سكان سواحل الخليج العربي، فيما يغلب على غرب الدمام مثلا الطابع القبلي وهناك بعض الإختلاف بين العادات الإجتماعية والثقافية، كالميل الكبير نحو المأكولات البحرية لدى سكان المجموعة الأولى من الأحياء السكنية في اغلب ايام الشهر، اعدادا وتناولا بطرق مختلفة.

اضافة لذلك، فإن اهل هذه المناطق هم بمجملهم عوائل سعودية، من الطبقة الوسطى، بتمايز بينهم، موظفين حكوميين غالبا، عدد افراد العائلة متوسط إلى كبير، الجيل الأول منهم والثاني كان يسكن في احياء الدمام القديمة، وعاصر اجواء وثقافة ذلك الزمن، ويحن إليه، ويبحث عما يذكره به، واعتاد ويحب تناول اطباقه البحرية المعدة بالطرق التقليدية، الشائعة في الخليج العربي، ولأن اصولهم تعود إلى المدينة، فإن اغلب الأقارب موجودين داخل ذات المدينة في احياء متقاربة، لذا في الإجازات الأسبوعية والعطلات في العادة، وحتى خلال أيام الأسبوع، يتم تناول وجبة واحدة على الأقل في اجتماع للعائلة الممتدة، وتكون من المأكولات البحرية في العادة.

اذن، حين تكون لديك فكرة مشروع كإفتتاح مطعم للمأكولات البحرية، ولديك هذه المعلومات والمعطيات، والتي لا يلم بها من لا يعرف ثقافة مجتمع المدينة، فإن خيارك واتجاهك في خطة عمل مشروعك، هو كيفية تحقيق احتياجات وإرضاء رغبات سوقك، بالطريقة التي يفضلها، بسعر يتناسب مع امكاناته، يجعله قادرا على تكرار الزيارة والشراء عدة مرات، خلال فترات زمنية متقاربة.

وهذا تماما ما حققه صاحب المشروع الثالث، اختار شارع تجاري داخل الحي، لأن تكلفة الإيجار فيه، اقل من الشارع التجاري العام، جعل الديكورات الخارجية والداخلية للمكان، بسيطة لكن انيقة وبمستوى جيد، ومستمدة من نمط البناء التقليدي في الخليج العربي، بما فيها اماكن الجلوس، فتشعر وكأنك في احد المقاهي الشعبية القديمة، مما يضفي اجواء حميمية بين العميل والمكان، وينشئ ألفة بينك وبينه.

واختار ايضا أن تكون نوعية الأطباق المقدمة، وطريقة اعدادها وتقديمها، هي الموجودة في ثقافة الطعام في المنطقة، وشبيهه وما يعده الناس في منازلهم، وكانت تعده لهم امهاتهم، وكل ذلك بنظافة وترتيب، وبأسعار تشجع اغلب الرواد على اصطحاب كامل العائلة للمكان، ولأكثر من مرة خلال الشهر الواحد، دون خشية على الميزانية الشهرية.

فيما اختار صاحب المطعم الأول الديكورات الحديثة، ونوعية اطباق وطرق اعداد غربية، واسعار مرتفعة، لذا يبقى المكان شبه فارغ اغلب ايام الأسبوع.

وهذا ما تنبهت له بعض الشركات والمعارض التجارية، في مجالات اخرى، فنراها تضع اسعار مختلفة لمعروضاتها أو خدماتها، في فرع الدمام، مختلف عن اسعار ذات المعروضات في معرض الخبر، لأنها تدرك اختلاف السوقين وخصائصهما، والقدرة الشرائية لدى المجتمعين.

اطرح هذا كمثال، يمكن تطبيقه على أنواع مختلفة من المشاريع الصغيرة، وحول انك كصاحب مشروع، - في المقال السابق في هذه الصحيفة تحدثت ايضا عن جانب اخر فيما يخص اصحاب المشاريع الصغيرة - تريد البدأ في مشروعك، أيا كانت نوعيته، وترى أن لديك نقطة ضعف، وهي عدم قدرتك على منافسة المشاريع الكبيرة، أو التعاقد مع وكالات تسويق وإعلان، وشركات تعد لك دراسات للسوق، وقد تغفل عن نقطة قوة، وميزة تملكها، وربما لا يملكونها، وهي انهم لا يعرفون خصائص سوقك ومجتمعك المحلي، الإجتماعية، الثقافية وميوله الخاصة بمقدار ما تعرفه انت.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق