16‏/08‏/2025

أرجوك اعتن بأمي



عبدالخالق مرزوقي

هذه رواية عن الحضور المكثف في الغياب.
عن الانسان الذي لا نراه الا عبر دوره الاجتماعي، ونكتفي حين
وجوده بأدائه لذلك الدور ونغيب كل تفاصيله كإنسان له ذات مستقلة.

كلما تعمقت في الرواية، فقدت قدرتي على استكمال القراءة بحيادية 
واصبت بالاضطراب، لدي أم، تكبر في العمر، واعتدت حين اعود إلى 
المنزل الاقتراب من سريرها وهي نائمة، للتأكد انها نائمة فقط، لذا 
طريقة السرد، وتركيز الرواية على التفاصيل الدقيقة لحياة انسان في
دور أم جعلني ادمج تفاصيل حياة كل الأمهات ومنهم أمي، في الرواية.

السرد جعلني أرى الإنسان داخل دور أو مفهوم الأم، ورغم أن بناء 
الرواية وسردها أخفى صوت الأم المباشر، وجعلنا نراها عبر أصوات
الآخرين، الأبناء، الزوج، أخت الزوج، ليعزز تكثيف ذلك الحضور في 
لحظة غيابها. 

تكثيف حضورها عبر أصوات الآخرين في السرد، ظهر وكأنه محاولات 
مركزة لاستبقاء ذلك الحضور، خوفا من نهائية الغياب المادي. وكان 
التركيز على تفاصيل حياة الأم اليومية، مؤثرا إلى المدى الذى جعلني 
اشعر بالخوف من فقد أمي في مكان ما، وبالحاجة إلى الخروج إلى 
الشارع معهم بحثا عنها.

هناك سؤال وجهه إليهم الصيدلي: "كيف حدث أن فقدتم أمكم؟" 
ووجدتني اعيد طرح السؤال من خارج الرواية: كيف يحدث أن نفقد 
انسان ما؟ ثم اجبت الصيدلي: حين نتوقف عن رؤية الإنسان فيه، حين 
نغيب كل ما هو بشري في ذاته لصالح الدور الاجتماعي.

سؤال آخر سأله الزوج حين عاد إلى المنزل وحيدا: "هل انت في البيت؟" 
هذا السؤال هو ذاته، الذى اسأله منذ سنوات، حين اعود إلى المنزل 
ولا أرى أمي فيه لأن خروجها نادر، ولم اعتد على عدم وجودها.

من العبارات الأخرى في الرواية، تذكر الابنة لقول أمها، حين ألحت 
عليها أن تأخذ شجيرة وتعيد غرسها في فناء منزلها: "إنني أريدك أن 
تأخذيها لكي تتذكريني كلما قطفت الثمار منها بعد أن أموت."

إن العبارة عن الإرث الذى يغرسونه فينا؟، وينتظرون أن يثمر؟
في حضورهم أو غيابهم.

عبارة أخرى من الرواية: "لماذا نعتقد أن أمنا أصبحت أما في مستهل 
حياتها؟ لم تتسن لأمنا الفرصة لتحقيق أحلام شبابها، وواجهة بمفردها
كل ما فرضته عليها تلك المرحلة، من فقر وحزن ويأس، وواجهت حظها 
البائس في الحياة وعانت بصمت، ولكنها حاولت أن تتخطى المصاعب 
وتعيش حياتها إلى أقصى الحدود، ومنحت أولادها نفسها جسدا وروحا
ترى لماذا لم أفكر في أحلام أمي؟". 

 كانت (كيونج سوك شين) في هذه العبارة، تتحدث عن أمي بالتحديد.
ولهذا هذه الرواية ستبقى معي، سترافقني لزمن طويل، ولن استطيع 
أن اتخلص من أثرها. وهذه قيمة الأدب العظيمة حين يكتب الإنسان.



01‏/05‏/2025

ما يقوله المؤلف ولا يكتبه

 "كان لصوص بغداد في العصر العباسي حكماء وفلاسفة. كان من أشهرهم أبو عثمان الخياط القائل :

 ما سرقت جارا وإن كان عدوا لي ولا سرقت كريماً ولا امرأة ولا بيتا ليس فيه رجل ولا قابلت غادرا بغدره. ومن تلاميذه ابن حمدي العيّار. كان لا يسرق أصحاب البضائع الصغيرة التي تكون قيمتها دون الألف درهم. و من شربت ماء من بيته أو ألقيت عليه السلام و رد عليك ، فلا يحق لك أن تسرقه أو تؤذيه و لو كنت لصاً. عند وفاة كبير اللصوص في العهد العباسي (أدهم بن عسقلة) 

…ترك وصية لأتباعه اللصوص ومما جاء فيها : لاتسرقوا إمرأة ، ولاجارا ، ولا نبيلا ، ولا فقيرا ، وإذا سرقتم بيتاً فاسرقو نصفه وأتركوا النصف الآخر ليعتاش عليه أهله ولاتكونوا مع الأنذال.

من كتاب بهجة النفوس و الأحداق فيما تميز به.   القوم من الآداب و الأخلاق ..!"

تعليق: 

دائما يستهويني الخطاب والنصوص المضمرة غير المكتوبة، وغير المباشر داخل الكتابة.

مثل هذه القصص في تاريخنا، يستدل بها من جهتين، أو تحكي سياقين.

الأول المباشر والرسمي - والرسمي هنا بمعنى أنها القصة المدونة والمتداولة والتي تقع في دائرة الصدق  من مدح  لأخلاق اللصوص وكرمهم وعفة  نفوسهم.

القصة الأخرى غير المدونة، وغير الرسمية، التي يستدل عليها من القصة المدونة، أن الفقر والسرقة كانا منتشرين، واللصوص معروفين علنا ويتناقل الناس أخبارهم وحكاياتهم، ويعرفونم بالإسم، وهذا يعني في زمن القصة أن هيبة السلطة وقوتها وعدالتها متزعزعة أو هي أيضا فاسدة. 

وربما هذا ما أراد المؤلف قوله بطريقة غير مباشرة، مراهنا على من يقرأ ما يوجد خلف المكتوب.

خاصة حين يبدأ المؤلف القصة بالتنويه أن اللصوص في ذلك الزمن كانوا حكماء وفلاسفة 

فهو هنا يخبرنا أنهم قوم من كرام الناس، لديهم ادبهم وأخلاقهم وحكمتهم وليسوا مجرمين. ولم يسلكوا هذا الطريق لضعف نفوسهم ولكن اضطروا إليه.

لماذا ذهبوا إلى خذا والمسلك وهم قوم كرام 

هذا هو السؤال الذى ريد ربما المؤلف أن نسأله.    يفتح أفق التفكير إلى ما يتجاوز مجرد حكاية.  عابرة، إلى شهادة ربما على مرحلة، أو إدانة لها.    دون أن يعرض الكاتب ذاته للأذى اذا كتب بشكل مباشر.