20‏/10‏/2024

عن كتاب: "إن أخذ الموت منك شيئا رده إليه"












عبدالخالق مرزوقي

- كيف نتغلب على الموت، كيف نمنعه من الإنتصار علينا؟ 

 كبشر، منذ اختبرناه، عبر من نحب، ما زلنا نحاول عدم

 الإستسلام أمام حقيقته، ولاننا نعلم أنه حقيقة في واقعنا

المادي، كما قال تعالى: " قل إن الموت الذي تفرون منه 

فإنه ملاقيكم"،  نقلنا معركتنا معه الى ساحات اخرى.

ابتكرنا الرموز والرمزيات، وابتكرنا اللغة، لكي نميت عبرها

 الموت، ولا أتحدث عن مجرد الكلام.

 ادرك ذلك اسلافنا الأول، منذ اول من بدأ في الرسم والنقش

 على الاحجار وفي الكهوف حتى يستمر ما هو فوق الموت

حياً عبرنا.

وهذا ما حدث، نجحوا في مخاتلة موتهم، حين نتذكر حياتهم

لا موتهم، عبر قراءة ما تركوا.


وهذا ما فعلته "نايا ماريا ايت"، في كتاب: "إن اخذ الموت  منك شيئا رده اليه"

فقامت عبر الكتاب برد ما هو ميت في الانسان، الى الموت

 والاحتفاظ بكل ما هو حي، داخل الحياة، فعلى عكس

ما يبدو، هذا ليس كتابا عن لمحاولة التشافي بعد الخسارة

 أمامه، بل لمنعه من الاقتراب من الجزء الذى يبقى حيا فينا

 يؤيد ذلك اقتباسها التالي من سقراط: " حين يأتي الموت

 لإنسان، يحدث أن يموت الجزء الميت منه، بينما الجزء 

الخالد يبتعد ويختفي، سليما وسرمديا، يتجنبه الموت". 

ألم يهزم سقراط الموت بمثل هذه العبارات، ويجعله يتجنب

أن يميت ما هو خالد فيه؟ 


13‏/09‏/2024

بين مفهومي "الفتح" و"الإستعمار"، قراءة ثالثة

 

توسع إمبراطورية ناشئة


قرأت مقالين في نشرة ثمانية، معنونين ب " كيف يختلف الفتح الإسلامي عن الاستعمار" للدكتور خالد البكر ثم تعقيب الأستاذ حسين إسماعيل المعنون ب " لماذا نحاول تطهير ماضينا؟"، وهما يتناولان موضوعا طرق أكثر من مرة، وأحببت المشاركة برأي ثالث، أراه يختلف عن الرأيين السابقين.

في البدأ، وقبل الحديث عن المفهومين، لابد من بيان نقطتين أراهما مهمتين جدا.

الأولى هي أنه من الملاحظ دائما أنه يتم التعامل مع الكثير من المفاهيم، ومنها مفهومي "الفتح" و "الإستعمار" و كأن المعنى والدلالات التي يشير إليها كل مفهوم فيهما، ثابتين، متجاوزين لزمن تشكل المفهوم وعملية إنتاجه -  وإنتاج المفاهيم عملية لها سياق وليست حدث - ويتم استبعاد أثر عوامل الزمن والتاريخ والبيئة والثقافة ومنها الثقافة الاجتماعية والسياسية، والطريقة التي تفعل بها هذه العوامل، فتغير دلالة المعنى، أي عملية انتاج التفسير، وإن بقي استخدام إسم المفهوم ثابتا. وهذا خطأ منهجي كبير، يقودنا دائما إلى نتائج خاطئة. 

النقطة الثانية، هي استبعاد العلوم الإنسانية الحديثة وما قدمته لنا، خاصة علم الاجتماع بفروعه ومناهجه، مثل علم الاجتماع السياسي وعلم الاجتماع الثقافي، وعلم اجتماع الجماعات، وفي إعادة قراءة الأحداث والسياقات التي تقود إلى تشكل وقائع جديدة، تعيد تشكيل المفاهيم والمعاني والدلالات، حين قراءة ودراسة تاريخنا الإسلامي.

إهمال هاذين الأمرين، يجعلان قراءتنا لتاريخنا ناقصة، وجزئية، ومن الصعب جدا البناء عليها، لتكوين صورة اكثر شمولا ووضوحا لهذا التاريخ.


لنبدأ:

 لا بد مسبقاً أن نفرق بين الإسلام، وبين تاريخ المسلمين، أي حول ما يسمى بـ (الإسلام التاريخي) ونقرأ تلك التجربة التاريخية، قراءة تحاول ان تكون موضوعية ومنهجية، بعيدا عن تلك الهالة التي اعتدنا أن نسبغها على تاريخنا من جهة، ومبتعدين أيضا عن تبني رؤى تحمل في خلفيتها نماذج لقراءات استشراقية، تحاول محاكمة الماضي، وفق مفاهيم وقيم الحاضر، غالبا لتدينه، وحينا باعتقاد صحة هذه القراءة، التي تستبعد البعد الثقافي والتاريخي من قرائتها.

 فإعادة قراءة التجربة التاريخية، يستلزم مغادرة الزمن النفسي، وشعورنا الوجداني تجاه الماضي، والتعامل معه ودراسته بموضوعية، وغير مكتفين بالروايات الرسمية وتاريخ المؤرخ، وخطابات السلطة، ومن يقيم حولها ويؤرخ لها، بل نبحث أيضا في الدينامكيات، والخلفيات، والمسكوت عنه، والمهمش والمتروك، وربط ما قبل بما بعد.

 كنتيجة طبيعية تحدث في كل الأمم والمجتمعات، بفعل غياب المؤسسين، وأثر الزمن والأحداث التاريخية المفصلية، والتغير الإجتماعي والثقافي، والتغيير السياسي، ودخول شخصيات جديدة إلى المشهد، أن تحدث تغيرات في بنيه المجتمع والسلطة وثقافة الحكم، والمجتمع الإسلامي ليس استثناء من ذلك.

فتحولت الدولة من خلافة في عهد الخلفاء الأربعة الراشدين رضي الله عنهم، إلى مسار وسياق تاريخي آخر يبتعد نسبيا عن (إسلام النص)، ويقترب من مسار وتجربة الحكم في النظم السياسية والاجتماعية والثقافية التي كانت سائدة في ذلك الزمن، فتحولت الدولة لدى المسلمين إلى إمبراطورية لا تختلف كثيراً في النوع، عن أي امبراطورية سابقة عليها في العالم أو لاحقة، وإن كانت هناك فوارق في الدرجة بالتأكيد. فالحاكم تحول إلى امبراطور وإن بقي يسمى بالخليفة، لكن دلالة المفهوم اختلفت ما بين عهد الخلفاء الراشدين، وما بعدهم. 

ولو عدنا للتاريخ الإسلامي، وأردنا وضع حد فاصل بين المبادئ في الحكم والسياسة ووسائل تجسيدها التاريخية كان انضمام فئات جديدة للسلطة في الدولة، وتوليها مهام رئيسة فيها، أعني من اتفق على تسميتهم بـ (مسلمة الفتح) والذين كانت ما زالت تشوب ممارساتهم السياسية والثقافية الكثير من الثقافة التي كانت سائدة في عصر الجاهلية وعلينا أن نعترف بموضوعية، بأن الإرث الجاهلي اجتماعيا وثقافيا لم يتم محوه تماما، ولم يكن المسلمون متساوين في مستوى التحرر منه، كما دلت عليه بعض الوقائع والأحداث، حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما دل الحديثين: "إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ"، "دَعُوها فإنَّها مُنتنةٌ".

وهنا لا أتحدث عن أفراد، لكن الحديث يتجه نحو ذهنية وثقافة كانت سائدة لقرون، وصراعات وطموحات قوى سياسية واجتماعية واقتصادية، تتنافس فيما بينها على المواقع والنفوذ.

فإذا كان ذلك مؤثرا على مستوى إعادة فهم وتفسير وتأويل النصوص، والفقه، والتشريع، والتدين سواء الفردي أو الاجتماعي، كما رأينا  في الفقه أثر عودة المكون الثقافي الجاهلي، ليكون فاعلاً في المجتمع الإسلامي، بعد الخلفاء الأربعة، وفي عمليتي إنتاج وتفسير النصوص، فتراجع الفقه حضاريّاً وثقافيّاً، تجاه المرأة وغير المسلم، على سبيل المثال عن النصوص التي وردت في (صحيفة المدينة)، التي كتبت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كدستور للتعايش بين كافة سكان المدينة (يثرب)، بغضّ النظر عن الدين، وينظر للجميع نظرة متقدمة حضاريّاً كمواطنين، أي فقه التعامل مع الآخر المختلف. تراجع الفقه بعدها تحت وطأة الزهو الإمبراطوري، والشعور بالتفوق الأخلاقي، وفرط القوة والسطوة على الآخر، ليفتي بمضايقة غير المسلمين في الطرقات، وتضييقها عليهم وإلزامهم بلباس معين تمييزاً لهم، بشكل يشبه بعض ما فعلته الدول الاستعمارية في القرون الأخيرة، بمواطني الدول المُستَعمَرة، من تمييز ديني وعرقي. لذا من الطبيعي أن يكون كل ذلك مؤثرا على بنيه وذهنية وسلوك الدولة في الإسلام.

فبعد ترسخ موقع السلطة في الدولة الأموية، والبحث عن مزيد من الاستقرار، تحولت إلى التوسع، واميل إلى استخدام هذا المفهوم أكثر من مفهوم الفتح، الذى أراه ينطبق على فترة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، حيث كانت الحروب دفاعية، إما لصد عدوان أو منعه استباقيا، أو لمواجهة سلطة منعت وحاربت دخول الإسلام إلى شعبها، ومن أجل تمكين الناس من التعرف على الإسلام، كما حدث ضد الفرس والروم حينها أو للحفاظ على وحدة الدولة كما حدث في حروب الردة. أو مفهوم الاستعمار الحديث، وهو في حقيقته احتلال استيطاني للسلب والقهر، فيما ما فعله المسلمين لم يكن كذلك.

وكان ذلك التوسع حينها سياق سياسي تاريخي طبيعي، لأي امبراطورية ناشئة، ترى فيما حولها من محيط، مجال حيوي لها. ولم يكن مدانا سواء سياسيا أو اخلاقيا، كما يحاول من يتبنى إلصاق مفهوم الإستعمار الحديث بتلك الحقبة من الزمن.

وهذا التوسع وفق ما اقرأ لم تكن تستهدف منه السلطة والدولة الإسلامية حينها نشر الإسلام فقط، كما يقول المؤرخ بل هناك عدة اهداف، أولها بسط السلطة وضم شعوب وأراضي جديدة للإمبراطورية الإسلامية الناشئة، وجعل شعوبها جزء من عقيدة وثقافة الإسلام. ثانيا زيادة موارد الدولة، والتي زاد انفاقها بعد إنشاء الدواوين والوزارات وزيادة تمدن حواضر الدولة، وزيادة نفقات الخلفاء وامور الدولة، لذا اتجه التوسع إلى المناطق الخصبة في الغالب. 

كذلك إيجاد مناصب واموال وسبايا جديدة داخل الدولة الإسلامية، يمكن منحها وتوزيعها على المحيط القريب من الخلفاء، المؤثر على الدولة واستقرارها سياسيّاً، اجتماعيّاً، دينيّاً، عسكريّاً. وتحييد وإسكات بعض الطامعين في السلطة عبر ذلك.

وأنوّه هنا بعبقرية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كرجل دولة، سابق لثقافة زمنه، أثناء ممارسته للحكم، لأنه كابن للمجتمع القرشي وعائلاته، وقارئ لتلك الذهنية، أدرك ذلك المنزع، نحو السلطة والمال. لذا بحكمة وتفكير بعيد المدى، منع توزيع الأراضي المفتوحة في عهده، خاصة الزراعية خارج الجزيرة العربية، ومنع استرقاق أهلها وتوزيعهم على الجنود الفاتحين، وجعل الأراضي تابعة لبيت المال، كوقف لجميع المسلمين، منعاً لاحتكارها من قبل الجنود الفاتحين، وهم جنود وليسوا مزارعين، رغم اعتراض بعض الصحابة وقتها، والإضطرار إلى اللجوء للتحكيم بينه وبينهم، وكانت مقولته الشهيرة: "... ومن لمن سيأتي بعدكم"

كذلك وهذا كان هدف مهم جدا من وجهة نظري، فإن دفع آلاف المسلمين للمعارك الخارجية، فيه ضمان لعدم استغلال المعارضات السياسية لهم، التي كانت ناشطة جدا وقتها، وتعبئتهم ضد الحاكم أو السلطة، خاصة في عهد الدولة الأموية ورأينا في زمن تولي (الحجاج) لولاية العراق، أن من أول قراراته كان منح الناس العطايا ثم توجيههم بما يشبه أمر التعبئة العسكري إلى الانضمام للجيوش المقاتلة على حدود الدولة الإسلامية، مع توعد من يتخلف منهم. وكانت هذه إحدى أهم استراتيجياته لإخماد الاضطرابات والثورات في العراق، في فترة 

الدولة الأموية.


عبدالخالق مرزوقي.


18‏/05‏/2024

عن كتاب: امرأة سريعة العطب





"حبيبي قلل من خطايا الأسئلة المرهقة، واسمعني"
"هذه أنا، وهذا وجعي"


هذه العبارات الأولى من الكتاب، إضافة إلى ما كتب على الغلاف الخلفي، جعلت
 لدي وهم، أنني أمام كتاب يتحدث عن المرأة - كما كتب في العنوان - كذات، وعن
 حكاية النساء مع الوجع.

لكنني وجدت أن الكتاب، يمارس لعبة ماكرة، أجاد الكثير من الكتاب الرجال لعبها
 وهي أن تتحدث أو تكتب عن المرأة - وكنت افضل استخدام كلمة انثى في العنوان
 بدلا من امرأة، لأنها تعبر عن مضمون الكتاب- بلسانها، والقول أنك ككاتب، تعبر
 عن حبها، معاناتها، وجعها. واللعب على عواطف المرأة بهذا القول، وطريقة 
الصياغة والتعبير الظاهر، وكان هذا ينجح في كسب تعاطف وميل النساء لمن 
يفعل ذلك، كما فعل نزار قباني رحمه الله في أغلب قصائده.

لكن حين تحليل خطاب نصوص الكتاب، وما يضمره من خلفية افكار وثقافة
 رأيت أنه يقدم رؤية رجعية عن المرأة، حيث تتمثل في انثى مستلبة لرجل
 وليس معاناة المرأة.

انثى لا يوجد لديها ما تقدمه من خلال كامل نص الكتاب، إلا توسلاتها، وإعلان
 خضوعها، من أجل أن تشعر بأنها محبوبة، وموجودة في حياة رجل ما.

رجل لا وجود ظاهر له، خلال كامل نصوص الكتاب، إلا الوجود المضمر، كسيد
 مطلوب، مرغوب، مشتهى، لا ينال، تتم مطاردته، من قبل أنثى، خلال كامل 
صفحات الكتاب، ليمنحها الاعتراف بوجودها، الذى لا ترى هي أنه يتحقق
 إلا عبر قبوله هو كرجل لهذا الوجود.

عبدالخالق مرزوقي.

04‏/05‏/2024

خيوط المعازيب والتنوع الثقافي


خيوط المعازيب والتنوع الثقافي




في احد لقاءاته، سئل الممثل الأمريكي دنزل واشنطن، حول اختياره لمخرج امريكي من ذوي 
البشرة السمراء، لإخراج احد الأعمال، وهل هو انحاز للون البشرة، أجاب بأن الأمر لا يتعلق 
باللون بل بالثقافة.

 ثم أسهب في الإجابة، بأن مارتن سكورسيزي أخرج فيلم Good Fellas، وستيفن سبيلبرغ 
اخرج قائمة تشاندلر Schindler's List، ولو أخرج كل منهما فيلم الآخر، لقدمه بصورة جيدة
لكن سيبقى هناك جزء مفقود، وهو  الخلفية الثقافية التي يمتلكها كل منهما عن بيئته، وهي جزء 
أساسي في بيئة وشخصية وخصائص الفيلم الذى قدمه كل منهما.

اربط هذه المقدمة، بمسلسل خيوط المعازيب، الذى تم الإحتفاء به، والتفاعل معه كثيرا في 
المنطقة الشرقية أكثر بكثير من خارجها، وهذا هو منطلق هذا الحديث.

اذا اعتبرنا المشاهد في المنطقة الشرقية عامة، وفي الأحساء بشكل خاص، ذاتا خاصة، ويشكل
 مجموع المشاهدين الأكثر إلتصاقا ببيئة العمل، ذات عامة لها خصائص محددة، وإذا كان تعريف 
الذات الشائع هو بأنها تكوين معرفي منظم، للتقيمات والتطورات الخاصة بذات الفرد والتي تعتبر 
تعريفاً نفسياً لذاته.

فإن تلك الذات، ربما للمرة الأولى، تجد نفسها مصوره في عمل فني محلي - بهذه الكثافة – ليس
 ذلك فقط بل أيضا عبر المرآة الخاصة بها، والتي قدمتها بشكل يعكس تصوراتها وخلفياتها هي
وليس عبر (المركز) الذى كان يقدم تلك الذات، بمستويات متفاوتة، لكنه افتقد القدرة الثقافية
والمعرفة بخصائص البيئة والبنيات الاجتماعية، التي تجعلها متجسدة فعليا في عيني المشاهد
خاصة ابن المنطقة، رغم أنه هو كمركز، قدم ذاته هو، بشكل أكثر قرب من الثقافة والبيئة، وهذا 
طبيعي تماما، ولذا كان هناك هذا الإحتفاء بالعمل في المنطقة فهو احتفاء بالذات بذاتها.

لم يكن ذلك فقط ما قدمه خيوط المعازيب، على أهميته، لكن ذلك يشكل جسر أو معبر إلى بعد
آخر، وهو بعد ثقافي مهم، وليس فني فقط، فبلد بحجم المملكة العربية السعودية كمساحة، وتنوعها
الجغرافي، بدون شك يخلق تنوع ثقافي، مهم، ومن المهم أن يبرز، فإذا كانت الثقافة في أحد أهم 
تعريفاتها هي مجمل السمات المميزة، الروحية والمادية والفكرية والعاطفية، التي يتصف بها 
مجتمع أو مجموعة اجتماعية وأنها تشمل االفنون والآداب وطرق الحياة وأساليب العيش، وأنظمة
القيم والتقاليد والمعتقدات. فإن هذه المساحة الجغرافية الهائلة بالتأكيد تحتوي على تنوع يشمل كل
ذلك، وهذا التنوع والحجم، يجعل أبناء كل منطقة بحكم الخلفية الثقافية والإجتماعية التي يحملونها
هم الأقدر على تقديمها، بتفاصيلها الخاصة، إلى المجتمع العام.

لذا ما أنجزه خيوط المعازيب يجب البناء عليه فنيا وثقافيا، ومراكمته، في أعمال اخرى، تقدم كل
البيئات الإجتماعية والثقافية المحلية، في أعمال فنية وثقافية، عبر الهيئات المختلفة، وعبر مرآة أبناء
البيئة انفسهم بخصائصهم ولهجاتهم وعاداتهم. من شأن ذلك أن يعزز التنوع الثقافي والإجتماعي، في
المجتمع العام من ناحية، وكذلك يعزز شعور الإنتماء والحضور والمشاركة لدى الذوات المختلفة 
ضمن الإطار العام وكلا الأمرين مهمين جدا لتعزيز التماسك الاجتماعي.

اشبه ذلك بتركيب لعبة البازل، حيث تقوم اللعبة على تركيب القطع المختلفة معا، لصنع صورة 
كبرى، جميلة بتوعها وتجانسها.

 

23‏/07‏/2023

قراءة غير فنية في فيلم اوبنهايمر


 

الفيلم جميل كحوار وصورة وموسيقى، لكن لن اتحدث عن تفاصيل

 الفيلم الفنية، فهذا ليس مجالي


في القسم الأول من الفيلم اغرمت بالحوار، كان يحمل

ابعاد ثقافية وفكرية عميقة، وكنت اتمنى لو منح هذا

القسم وقت اطول من وقته. 


في القسم الثاني كان التركيز على العمل العلمي والتفاصيل 

العلمية والمعلومات حول صناعة القنبلة، لكن تلك التفاصيل 

كانت قليلة ومختصرة. 


القسم الثالث بدأ من عملية تجربة القنبلة، ومن ثم ردود الأفعال 

التي تلك ذلك، الملاحظ في هذا القسم أنه تناول عملية اطلاقها

 الفعلي في هيروشيما وناجازاكي بصورة مقتضبة وسريعة، وبطريقة 

لا تؤثر سلبيا على عملية استقبال المشاهد الأمريكي للحدث بل 

قدمها كعملية يفخر العلماء والجنود والسياسيين بأنهم كانوا جزءا 

منها. 


فلم نرى مشاهد حقيقية لعملية إلقاء القنبلة، ولم نرى مشاهد 

للضحايا، أو لآثار القنبلة، بل لم نرى قطرة دم خلال الفيلم، ومر رقم

 الضحايا كمجرد عملية احصاء لإعدادهم، ولم نرى عملية تعاطف 

انساني معهم، بل كان هم السياسيين هو أنها ستساهم في عملية 

سرعة إنهاء الحرب وعودة الجنود لأهاليهم. 


يحاول الفيلم تقريبك من شخصية اوبنهايمر، واستمالتك نحوه، عن 

طريق التركيز على الإنسان، والعقل العلمي لديه، وقدمه بشكل 

محايد فلم يظهره كصاحب حس اخلاقي تجاه ما يقدم عليه، بل 

اظهره وبقية العلماء المساهمين معه، كجنود يساهمون من خلال 

العلم في خدمة الأمة. 


ويجعل ما صنعه مجرد (تقدم علمي) ضروري، عليك أن تكون محايدا

 أمامه، و(متفهم) لنتيجته، ولا تمارس الإدانة الأخلاقية للنتيجة، وكان

 دور عملية اخفاء وتغييب أي وجود للضحايا خلال الفيلم، أن يساعد 

في عملية تجنب حكمك على النتيجة ( صنع القنبلة)  اخلاقيا. خاصة

 أن تلك العملية بالنسبة للمشاهد الأمريكي تعتبر مصدر فخر، واحدى

 منجزات الحرب، والرد الطبيعي على (بل هاربر)، لذا تجنب كريستوفر

 نولان أن يتصادم مع ذلك التاريخ لدى الشعب الأمريكي ويقدمه بصورة

 سلبية، قد تؤثر على الفيلم اعلاميا وفي ذهنية المشاهد. 


لكن كمشاهد محايد، من الصعب حين ترى الصورة الأكبر من الفيلم

 اعني أنك امام عملية صنع سلاح قتل في استخدامه الأول ما يزيد 

عن 100 ألف انسان، على مراحل، ألا تقفز امامك الأسئلة. 


واهمها سؤال المبدأ الأخلاقي في مواجهة التقدم العلمي حين يحدث

 بينهما تصادم، خاصة أن التقدم العلمي لا يستطيع إلا أن يكون أداة 

في يد سلطة تفوقه وتستخدمه، وتوجه نتائجه لخدمة اهدافها

 المخطط لها مسبقا، وهذا ما لمح له الفيلم، في بعض حواراته حين

 اخبر الجنود العلماء أن دورهم انتهى، وبدأ دورهم هم وحدهم

في استخدام ما انجزه العلماء. 


لكن من جهة اخرى هناك سؤال آخر، ماذا لو غلبنا المبدأ الأخلاقي

لكن سبقنا من لا يحمل مبادئ اخلاقية وصنع ذات السلاح

 واستخدمه ضدنا، أي ماذا لو سبق هتلر مشروع مانهاتن وصنع 

قنبلته اولا، وألقاها على لندن وموسكو وبقية مدن الحلفاء خلال 

الحرب العالمية الثانية، وانتهت الحرب العالمية بانتصار النازية 

وسيطرتها على العالم. 


 ألن يعد ذلك ضعف وتفريط وفشل من الدولة في استغلال التقدم

 العلمي في حفظ وحماية شعبها وحياته، وهو واجب كل سلطة 

وقائد تجاه شعبه. 


وهل سيقوم أي شعب بتغليب المبدأ الأخلاقي في هذه الحالة

على مصلحته وحياته وحفظ بلده. 


10‏/06‏/2023

 اكتشاف السائد ثقافيا من خلال كلمات الأغاني           

                            

"منت فاهم يا اغلي من مر بعيوني...عاشقك سلّم امره للغرام"

الآثار التي تتركها أي ثقافة سائدة في مجتمع ما أو ثقافة ما، تتبدى 
غالبا في فنونها وآدابها، والشعر من اكثر انواع الفنون الأدبية الذى 
تظهر فيها تلك الآثار، خاصة أن الشاعر يكتب وهو يحمل مخزونه
 اللاواعي من الفكر والثقافة اللذان شكلا وعيه ولغته الشعرية.

من ذلك أن السائد لدينا كرجال هو عدم (اعلان) التسليم والإستسلام 
للمرأة، حتى وإن كان ذلك قد حدث بالفعل، لا اعلم إن كان هذا 
خاص بنا، اعني امر خاص باثثقافة العربية أم هو السائد ثقافيا بين 
رجال العالم.

جئت بهذه الأبيات في اغنية عباس ابراهيم، لأنها استوقفتني، للتفكير 
في هذا الأمر فالشاعر هنا، في لاوعيه الثقافي، يرفض التسليم للمرأة
لأن اللاوعي يربط ذلك التسليم بهزيمته كرجل أمام المرأة، ويقتضي 
ذلك لاحقا التسليم بسطوتها في العلاقة لذا اختار ألا يعلن تسليمه لها في
شعره، واعلن أنه يسلم امره للغرام، وليس لها كإمرأة وبهذا يمنعها من 
لذة الشعور بالسطوة عليه، وبما يحيل إليه ذلك لاحقا من اظهار قوة 
وتحكم في العلاقة.

وهناك ابيات من قصائد اخرى، في هذا السياق، يمكن الإستشهاد بها
تظهر جزء مهما من ثقافتنا كرجال في التعامل مع المرأة، اعني البيت
 التالي من أغنية يا غالي الأثمان التي غناها محمد عبده:

"اشبهه بالّلي عسيفٍ من الخيل . . . تلعب وانا حبل الرّسَن في يديّا"

كذلك البيت التالي من اغنية عيونك آخر آمالي لعبادي الجوهر:

"وابيك تكوني فوق الناس وابي ماينحني راسي"

فالثفاقة السائدة لدينا كرجال، لا تمانع ابدا، بل يستهويها أن يكون لدى
المرأة قوة استقلالية، سطوة، تمرد، حرية، لكنها مشترطة بعدم حتى 
محاولة ممارستها مباشرة علينا كطرف في هذه العلاقة، وبأن نستمر 
في الشعور بالهيمنة في علاقتنا بإمرأة ما بغض النظرعن وجود الهيمنة 
فعليا من عدمها فالأهم هو الشعور بها.

لكن ايضا وجدت ما يضاد هذه الأبيات، مثلا في قصيدة احمد شوقي:

" مضناك جفاه مرقده .. و بكاه و رحم عوّده
....
....
ويقول تكاد تجنّ به .. فأقول وأوشك أعبده
مولاي و روحي فى يده .. قد ضيعها ، سلمت يده"

تفسيري ذلك, اعني اختلاف تعبير شوقي، واعلانه ذلك التسليم، هو 
امتزاج عدة ثقافات في خلفية شوقي الفكرية، فهو من اصول غير عربية
يقال كردية وشركسية من جهة ويونانية من جهة اخرى، كذلك دراسته 
في فرنسا، وتأثره بالشعراء في الفرنسية، ايضا عيشه فترة في اسبانيا 
خلال عملية نفيه، لذا في لاوعيه الثقافي لم تبقى الثقافة العربية 
السائدة هي وحدها المهيمنة.

عبدالخالق مرزوقي.

03‏/02‏/2023

المرأة بين نزار ودرويش

 القصيدة قبل أن تكتب شعرا، هي تعبير عن كيفية رؤية الشاعر

 لذاته، وللآخر، والعالم، وذلك التعبير وتلك الرؤية يستمدان مواردهما

 من وعي وفكر وثقافة الشاعر، وكيفية تشكلها.


 وفي مجال هذه الرؤية ومعناها، لو وضعت بين خياري شعر 

محمود درويش ونزار قباني، سأختار الإنحياز لشعر درويش 

مع الإعتراف، بأن جزء مني كرجل شرقي، يهوى الخطاب الذى 

يحمله شعر نزار. 


خطاب شعر نزار، هو يحمل صوتا واحد في التعبير عن الحب

هو صوت الرجل، الذى يهيمن، ويفرض طريقة الحب وسير العلاقة

 وشكلها، مقصيا صوت المرأة من خطابه، رغم أن كلمة المرأة تتردد

 كثيرا في شعره، لكن تتموضع في موقع المستقبِل للخطاب، وليس

 لها أن تكون مرسلة له، أو لصوتها وجود كبير، كقصيدة ( إني خيرتك

 فاختاري)، أو قصيدة ( قلي ولو كذبا). فهو في القصيدة الأولى في

 الحقيقة لا يخيرها، بل يفرض على المرأة شكلا من الحب يريده 

هو كرجل، أو أن تُقصى.


وهو أنه في الحقيقة، كما ارى لا يخاطب المرأة بل يخاطب الأنثى

 في المرأة فقط، وكان ذكيا لأنه ادرك أن هذا الخطاب يستهوي

 الكثير من النساء، وكذلك يحبه الأغلب من الرجال، فكما كتبت 

سعاد الصباح في قصيدة كن صديقي: (غير أن الشرقي لا يهوى

 إلا ادوار البطولة).


فيما نرى في شعر محمود درويش عمقا انسانيا اكبر، وتتعدد

 الأصوات داخل القصيدة، وتبادلها بين الرجل والمرأة، كما في

 هذه القصائد ( في الإنتظار) و (انتظرها). كما لا يخجل حين 

يقوم بتبديل الادوار، من اظهار تبادل القوة والضعف بين الطرفين

 في التعبير عن مشاعرهما، وذواتهما كما في قصيدة( يطير الحمام):

لأني أحبّك (يجرحني الماء)

والطرقات إلى البحر تجرحني

والفراشة تجرحني

وأذان النهار على ضوء زنديك يجرحني

لأني أحبّك يجرحني الظلّ تحت المصابيح

يجرحني طائرٌ في السماء البعيدة

عطر البنفسج يجرحني

أوّل البحر يجرحني....آخر البحر يجرحني

ليتني لا أحبّك...... يا ليتني لا أحبّ

ليشفى الرخام

إلى أين تأخذني يا حبيبيَ من والديَّ

ومن شجري، من سريري الصغير

ومن ضجري، من مراياي،َ من قمري

من خزانة عمري ومن سهري... من ثيابي، ومن خَفَري؟

إلى أين تأخذني يا حبيبي إلى أين

تُشعل في أُذنيَّ البراري

تُحَمِّلُني موجتين، وتكسر ضلعين.. تشربني ثم توقدني

ثم تتركني في طريق الهواء إليك...حرامٌ... حرامُ

يطير الحمامُ...... يَحُطُّ الحمام.


عبدالخالق مرزوقي.