28‏/12‏/2012

الأسس الإقتصادية للقوة العسكرية : دراسة في فكر ادم سميث (3/2)



أسس القوة العسكرية في "ثروة الأمم" 

عندما نشر آدم سميث كتابه “ثـروة الأمــم” في عام 1776, كان الوقت مناسباً في بريطانيا,للنقد السليم لنظريات وأسس السياسة المركنتيلية. كانت ثورة المستعمرات الأمريكية قد إجتذبت الأنظار والإنتباه الى أصول الأساليب والقوانين والنظم التجارية التي جاءت في أعطاف سياسة بريطانيا الإستعمارية. والواقع أنه كانت هناك مشاعر قوية تعارض هذه الحروب التى بقيت قائمة لعدة قرون, كما توافرت مشاعر السخط على هذا العبء الثقيل من ديون الحرب, هذا فضلاً عن أنه, بعد إنتصار بريطانيا على فرنسا في حرب “السبع السنين” La guerre de Sept Ans ). لم يعد هناك من ينافس إنكلترا لا في القوة التجارية, ولا في القوى البحرية. على أنه بسبب التزايد في الدراسة التشكيكية للفلسفة السياسية والإقتصادية و “التي تعلّمت بها الأمم أن مصلحتها الخاصة تتوقف على إفقار جيرانها”, فقد بدأت المشاعر تنمو وتتزايد مشيرة إلى أن بريطانيا قد وطّـدت مركزها كقـــوة عالمية. ولهذا فإنه من الممكن أن توجد سياسة أكثر تحرراً وأن "ثروة أي أمة مجاورة * مهما كان خطرها في الحرب والسياسة * لها بالتأكيد فائدة أكبر في التجارة".

وكان هناك أيضاً الشعور المستفيض بمضار هذا النظام السائد والذي مكّن من أن تنتفع الحقــوق الموطدة للطبقـــات بإتحادهـــا وتناسقهــا مع المصالح الحقيقية بل وحتى المصالح المتوقعة للأمة. وقد وجه سميث حملته ضد هذه المضار عندما هاجم طبقة التجار عامةً والشركات التجارية خاصةً؛ لما تقوم به من إحتكار يوفر ويخـــدم مصالحهـــا الخاصة فقط ويضر بألف طريقة مختلفـــة بالمصلحــة العامة للوطن؛ ولإستخدامها كامل سلطات الحكومة, وإفساد سير العدالــة من أجل أعمـالها, ولتشجيعهـا الحرب, لأنهـا أمــــة يحكمهــــا رجـال دولـــــة من أصحــــاب الحوانيت أو تحت سطوتهم, رجال من هذا النوع فقط, يكون بإمكانهم إستخدام دماء مواطنيهم وثروة بلدهم من أجل بناء إمبراطورية مركنتيلية والدفاع عنهـا. ويضيف سميث في وصفـــــه المـوضوعي للـروح الإحتكـاريــــة الضيقة التي يمارس بها التجار أعمالهم : “إن الأطماع الشخصية للملوك والوزراء لم تكن ــ في القرنين السابق والحالي ــ أكثر إضرراً بهدوء وسلم أوروبا من هذا التنافس وهذه الغيرة من جانب التجار والمنتجين الصناعيين. إن عنف وظلم الحكام شر قديم, ولكن هذا الجشع الرخيص وهذه الروح الإحتكارية التي تبدو واضحة في التجارMerchants)) والمنتجين Manufacturers) )الذين ليسوا ولا ينبغي أن يكونوا حكاماً للجنس البشري, هذا الجشع الرخيص يمكن بسهولة جداً أن نحول دون تسببه لأي ضرر إلا لهؤلاء التجار والمنتجين الصناعيين وحدهم”.

وقد نقد سميث مبادىء “النظام المركنتيلي” بشكل عنيف, ووجه حملته على نظريات التجاريين الخاصة بالنقد Currency) ) بما في المبدأ القائل إن “كل وطن في وضع يتوقع فيه حرب يجب أن يحاول, في وقت السلم, أن يراكم الذهب والفضة, والإحتفاظ بهما لوقت الحاجة من أجل دعم حربه” بما يسميه لاحقاً “صندوقاً للحرب”. ولكن آدم سميث تقبَّل أن على بريطانيا أن تستعد للإنفاق على الحرب, ذلك لأنها كدولة متحضرة وغنية تكون أكثر تعرضاً لأن تُهاَجم أكثر من أن تُعرض غيرها من الأمم للهجوم؛ ولم يغفل سميث كذلك عن أن بريطانيا, بسبب مستعمراتها الكبيرة ولمصالحها التجارية الواسعة ما وراء البحار, تحتاج إلى الإحتفاظ بقوات عسكرية ومنشآت بحرية, ولكنه رفض إعتبار صناديق الحرب ضرورية أو حتى نافعة للدفاع عن الوطن؛ ذلك لأنه “لا يُحتفظ بالأساطيل والجيوش بواسطة الذهب والفضة بل بالسلع الإستهلاكية. فالوطن الذي من دخله السنوي المنتَج من صناعته الوطنية ومن دخله السنوي المنتَج من زراعة أرضه ومن يده العاملة, ومن سلعه الإستهلاكية المنتَجة محلياً والذي يستطيع أن ينتج فائضاً يدعم به شراء السلع الإستهلاكية من ممالك بعيدة؛ هذا الوطن يستطيع أن يقوم بالحروب خارج أراضيه”. وقد ثبت هذا بما قامت به بريطانيا من إعداد لحرب السبع سنوات (1756*-1763) من فوائد إتساع نطاق صناعاتها, ومن الزيادة الكبيرة في منتجاتها الخارجية. بطريقة أخرى, فإن آدم سميث قد إعتقد بأن قدرة أمة ما على الإنفاق على الحرب إنما تقاس أحسن ما تقاس بقدرتها الإنتاجية.

وإذا ما ربطنا هذا التفكير بعصرنا الحالي, فإن بناء إقتصاد قوي يعني أن يكون هذا الإقتصاد ذا هيكلية تعطيه القدرة على إنتاج فائض لتصديره إلى الخارج. وهذا هو الهدف المنفعي المفترض من التجارة الخارجية, وليس العكس أي بناء سياسة إقتصادية تشجع الإستيراد إن كان من سلع وخدمات أو تحويلات من الذهب والفضة (التحويلات النقدية في عصرنا الحالي) وهذا ما قاله أيضاً آدم سميث حين تحدث عن الفوائد الرئيسية للتجارة الخارجية.

تمويل مصاريف الحرب ومعارضة سميث للإستدانة
بالإضافة إلى معارضة سميث لإنشاء "صناديق الحرب"


which maintained the foreign wars) (The Fundsفإنه عارض أيضاً قروض الحرب, كوسيلة أساسية لتمويل الحروب. وقد فضل بدلاً من هذا فرض الضرائب الفادحة ؛ إن الحروب التي تدفع نفقاتها تدريجياً تتم من وجهة عامة بسرعة أكبر, كما أنها تنفذ من جانب الحكومات بأسلوب تدريجي نظراً لأنها بدون دافع قوي, ثم إن الأعباء الثقيلة للحرب التي لا يمكن تجنبها تعطل الناس من تطلبها عندما لا تكون هناك أية مصالح حقيقية للقتال من أجلها.

ويحظر آدم سميث اللجوء إلى الإستدانة, حتى في زمن الحرب, لما لذلك من إنعكاسات سلبية على النمو (croissance La ) الإقتصادي وعلى السيادة الوطنية قائلاً: “إن إزدياد المديونية التي تسبب إضطهاد الوطن في الحاضر وربما القضاء عليه على المدى الطويل, كانت متشابهة بنتائجها في الأوطان الكبيرة الغابرة في أوروبا”. وقد كشف ســميــث * مستبقاً بذلك تجربة نيكــــر * عن حال الركود الذي “تنوء تحت ثقله فرنسا ... على الرغم من أهمية ثرواتها الطبيعية كلها”. غير أن سـميـث لم يكن يدرك بالتأكيد أن الدولة سوف تلجأ إلى الاقتراض. “عندما تقع الحرب, ليس لدى الحكومات القدرة ولا الوسائل لزيادة عائداتها على قدر ازدياد حجم إنفاقها ... سهولة الإستدانة تخلّصها من التعثر الذي يمكن أن يتسبّب به في تلك الحال هذا الخوف وهذا العجز”. وللعديد من المواطنين المتفرجين من بعيد على الصراع, هذه الحرب ليست سوى استرسال مسلٍ طالما أنه لا يكلف الكثير.

“في الإمبراطوريات الواسعة الأرجاء, فإن سكان العاصمة, والذين يعيشون في المقاطعات البعيدة عن مسرح العمليات الحربية, قلما يشعرون, بغالبيتهم, بمخاطر الحرب. غير أنه تستهويهم لذة القراءة في الصحف عن الحملات التي تقوم بها أساطيلهم وجيوشهم. وهذه السلوى تمثل بالنسبة اليهم تعويضاً مقابلاً للفرق البسيط بين الضرائب التي يدفعونها بسبب هذه الحرب, وتلك التي اعتادوا أن يدفعوها في زمن السلم”.

يكفي أن تتمكن هذه الضرائب الإضافية من تغطية فوائد الدين العام كي يصبح تمويل الحرب أمراً ممكناً. وتغدو المسألة وكأن للضريبة “أثر عمل الرافعة

Un effet de lier) ) ــ كما نقول في علم الإقتصاد المعاصر ــ على مجموع الموارد التي يُمكن أن تتوافر للدولة. الفكرة هذه, عبر عنها سميث بكل وضوح حين ذكر بأن السلطات الحاكمة” تجد نفسها قادرة على رفع مداخيلها النقدية سنوياً الى أكبر مبلغ, عبر فرض أقلّ زيادة ممكنة من الضرائب”. عند ذلك يصبح مفهوماً تماماً كيف يمكن, بشكل مصطنع (Artificiellement ), تخفيف العبء الضريـبي.

في كافة الأحوال, ينبغي أن يتم تسديد الدين يوماً ما بشكل أو بآخر..., حتى لو كانت له صفة الاستمرارية. إذ إن الفوائد المترتبة والمتصاعدة باستمرار, سوف تشكّل في النهاية مبلغاً من الضرائب لا يستهان به. ومن الممكن عندئذ اعتبار هذه المدفوعات بدون تأثير “إقتصادي*كلي” Macroéconomique) ) طالما أن ذلك عبارة عن تحويلات بين مجموعتين من قطاع العائلات في البلد نفسه (هذا بالطبع إذا اعتبرنا أنه لا يوجد دائنون من خارج الإقتصاد الوطني). بتعبير آخر, ليست الديون العامة, كما وصفها ميلون , “إلاّ نوعاً من الديون التي تدين بها اليد اليمنى لليد اليسرى”. إلا أن آدم ســميــث من جهته, ينتفض بعنف ضد وجهة النظر هذه, واصفاً إياها “بسفسطة” النظام المركنتيلي المضلِِّلَة(54)؛ ففي رأيه, إن إنتزاع الأموال من الملاّكين وأصحاب الرساميل لصالح أصحاب الإيراداتRentiers) ) أو “المرابين”, يُعتبر مجازفةً بالثـــروة الوطنية: “إن أي إجراء, أو عملية انتزاع من أصحاب المصدَرين الكبيرين للدخل (الأرض ورؤوس الأموال), أي من الطرفين اللذين لهما بشكل مباشر مصلحة بأن تكون كل قطعة أرض صالحة للزراعة بصورة دائمة وكل جزء من رأس المال موظفاً بأفضل وجه, إذ إن القسم الأكبر من المداخيل الوطنية تأتي من هذين الموردين؛ إن إنتزاع الأموال من هذين الموردين, أي دائني الدولة, لمصلحة طبقة من الناس, الذين لا يهمّهم مصادر الدخل الوطني؛ إن عملية من هذا النوع سوف تؤدي بالضرورة مع الوقت إلى إهمال الأراضي وإلى تشتت رؤوس الأموال وهروبها إلى الخارج”.

وبالرغم من أن كتاب “ثروة الأمم” قد بات المرجع المقدس للمدرسة الإقتصادية الكلاسيكية, وأن آدم سميث قد إستمر منبعاً للتبصر لهذه المدرسة خصوصاً ولعلم الإقتصاد عموماً, فالحقيقة أن آدم سميث, في الواقع, لم يتنكر لأسس معينة من المدرسة المركنتيلية, إذ إعترض على بعض وسائلها أو أساليبها, ولكنه وافق على الأقل على واحدة من غاياتها هي الحاجة لتدخل الدولة في المسائل الإقتصادية إلى المدى الضروري اللازم للأمة. وكان أولئك الذين إتبعوه أكثر إيماناً بحرية التجارة من سميث نفسه, والمقصود المدرسة الليبرالية. وقد كتب سميث يقول: “إن الواجب الأول للملك هو حماية المجتمع من عنف وغزو وتسلط المجتمعات المستقلة الأخرى, ومن الممكن الوصول إلى هذا فقط بواسطة القوة العسكرية. ولكن تكاليف ووسائل إعداد هذه القوة في وقت السلم وإستخدامها في وقت الحرب تتباين وتتغير بتغير الأحوال المختلفة للمجتمع في كافة مراحل تطوره”.

لقد باتت الحرب ــ وهي أنبل الفنون على الإطلاق ـ أكثر تعقيداً وأكثر نفقات تبعاً للتقدم الصناعي للمجتمعات, وتبعاً لإختلاف التنظيم العسكري ووسائل تدعيمه وإمداده في الدول التجارية والصناعية عن هذا التنظيم ووسائل تدعيمه في المجتمعات الأقرب الحال إلى البدائية. بمعنى آخر, فإن صور التنظيم الإقتصادي هي التى تقرر ما يستخدم من آلات الحرب كما تقرر طبيعة العمليات الحربية, ومن أجل هذا لا يمكن تجنب القول إن القوة العسكرية تبنى على أسس إقتصادية.


سياسة القوة وقوانين الملاحة

بما يتعلق ببريطانيا, فان عقد السياسة المركنتيلية كان “قوانين الملاحة” ولربما كانت السياسة المركنتيلية في مظاهرها الأخرى لازمة ضرورية في فترة مبكرة من تطورها الإقتصادي. ولكن في نهاية القرن الثامن عشر أصبحت إنكلترا متقدمة صناعياً بدرجة كبيرة, وكانت الإجراءات الوقائية أقل أهمية بالنسبة لها مما هي بالنسبة لفرنسا أو للولايات الإلمانية, وكانت تستطيع, إذا لزم الأمر, ألا تفرض أي رسوم على معظم الصناعات؛ ذلك لأنها لم تكن تواجه منافسة قوية لا في أسواقها المحلية ولا في أسواقها ما وراء البحار. والواقع أنها في ما بعد, واعتباراً لمصلحتها الخاصة, قد نفضت يديها من هذه السياسة الوقائية ؛ ذلك لأنها عرفت أن التجارة الحرة هي سلاح الأقوى, ولكن القوة البحرية شيء آخر, وكان من الواجب أن ينظر الى كل ما يتعلق بها تبعاً لمبادىء أخرى تكون هي الأساس للحكم والتقدير. كان أمن بريطانيا ثم أمن إمبراطوريتها يتطلبان أن تتوافر لها على كل خطوط الملاحة في المحيطات سيادة غير مهددة, بل وأن تعمل في غير هوادة ضد أية قوة تحاول تهديد هذه السيادة. وبالإضافة إلى هذا, فان التكوين الصناعي والمالي والتجاري قد قام على أسواقها وموارد تموينها من وراء البحار, وكانت البحرية التجارية تعتبر بالنسبة لبريطانيا رأس مال إقتصادياً كما أنها كانت عاملاً ضرورياً في أمنها العسكري وعلى الأخص في عصر كان من الممكن فيه أن تحول السفن التجارية إلى سفن حربية بسرعة. فالأسطول والتجارة البريطانية مرتبطان معاً بصلة وثيقة قوية ويؤثر كل منهما بالآخر تأثيراً تعاونياً كبيراً, ولا يمكن أن يُفصل أيهما عن الآخر. فتجارة بريطانيا كانت هي الأم التي ترعى رجال بحريتها, ورجال بحريتها هم عصب الحياة لأسطولها, وأسطولها هو وسيلة الأمن والوقاية لتجارتها, والاثنان معاً كانا الثروة والقوة والأمن لبريطانيا.

ولهذه الأسباب فان الإختيار الحقيقي لوجهات نظر آدم سميث في السياسة المركنتيلية وسياسة القوة, انما يقوم على أساس موقفه من قوانين “الملاحة والمصايد”, وقد نص سميث : “ان الدفاع عن بريطانيا يتوقف بدرجة كبيرة على عدد سفنها وملاحيها Its Sailors and Shipping) ), ولهذا فان قانون الملاحة كان جهداً موفقاً لإعطاء بريطانيا وملاحيها حق إحتكار تجارة بلادهم”. ويتابع سميث فيقول: “عندما صدر قانون الملاحة, قام بين بريطانيا وهولندا عداء عنيف بالرغم من انهما لم تكونا في حالة حرب معاً, لقد بدأ هذا في حكومة البرلمان “الطويل الأجل” الذي وضع الأسس الأولى لهذا القانون, ثم لم يلبث أمر هذا العداء أن اشتد في عهد كرومويل وشارل الثاني, ولهذا فانه ليس من الخطأ بأن نقول بأن نظم هذا القانون قد جاءت نتيجة للكراهية والعداء الشعبي, انها مليئة بالروية والعقل وكأنها قد جاءت كلها من المعين الذي لا ينضب من الحكمة. ان الكراهية الشعبية قد هدفت في ذلك الوقت الى الغرض نفسه الذي لا بد وأن تكون الحكمة قد أوصت به, ألا وهو اضعاف القوة البحرية الوحيدة التي كانت تستطيع أن تعرّض أمن بريطانيا للخطر”.

“ان قانون الملاحة ليس في جانب التجارة الخارجية, ولا الى جانب اطراد الرخاء أو الثراء الذي يمكن أن ينتج عنها, ولكن لما كان الدفاع أكثر أهمية من الرخاء فان قانون الملاحة ربما كان أكثر النظم التجارية البريطانيا حكمة”.

وقد اتخذ بالتبعية الإتجاه ذاته بالنسبة للمصايد البحرية : “ولكن بالرغم من أن ضريبة الحمولة لسفن الصيد لا تتوافق مع رخاء الأمة الا أنها ربما تتوافق مع الدفاع عنها تبعاً للزيادة المستمرة في عدد السفن التي تعمل فيها, وعدد الملاحين الذين يعملون في هذه السفن”.


الحمائية بواسطة الرسوم الوقائية

وقد وافق آدم سميث على القوانين التي فرضت الرسوم على إنتاج المحطات البحرية في المستعمرات الأمريكية التي نصت على تحريم تصدير منتجاتها من أمريكا إلى أي بلد آخر عدا بريطانيا. وكان هذا التنظيم التجاري عادلاً من وجهة نظر آدم سميث, ذلك لأنه يُمكِّن من جعل بريطانيا مستقلة عن جيرانها وغيرهم من البلاد الشمالية في الإمداد بالإحتياجات الحربيـــــة, كما أنه يسهم في الكفايـــــة الذاتية للامبراطوريـــة .

ولم يقف سميث موقف الإعتراض من الرسوم الوقائية عندما كانت ضرورية لازمة لأغراض الأمن العسكري, وقد قال : “انه من النافع والمفيد, من وجهة عامة, أن يُلقى جانب من العبء على الصناعات الأجنبية بقصد تشجيع الصناعات المحلية عندما تكون هذه الصناعات ضرورية للدفاع عن البلاد”. فقد منحت مثل هذه الوقاية لصناعة السفن بواسطة قوانين الملاحة, ولكن سميث كان راغباً في فرض رسوم ووضع حواجز جمركية لصالح الصناعات الأخرى ولغير هذا من الأغراض العامة, ذلك لأنه “من الاهمية بمكان ألا تعتمد الدولة الا لأقل ما يمكن على جيرانها من ناحية الصناعات اللازمة لدفاعها عن نفسها, فاذا لم يكن هذا مستطاعاً في أرض الوطن فمن المنطق اذن أن تفرض الضرائب على كل الصناعات الأخرى لمعاونة هذه الصناعات الضرورية للدفاع”. أي أن المعاونة تكون عن طريق الحصيلة التي تتجمع من الرسوم المفروضة على الصناعات الأخرى.

لقد كان سميث من أصحاب مبدأ “حرية التجارة” عن ايمان قوي بصدق نظريته, ولهذا فقد دحض تماماً بعض النظريات التي كانت من أسس السياسة المركنتيلية بالصورة التي عرفتها بريطانيا في أيامه, والتي كانت في نظره غير مقبولة. كان يشك في تدخل الدولة في أعمال وجهود الأفراد, ولم يكن محباً لسلطة الدولة من أجل اظهار هذه السلطة وحدها, ولكن السؤال لتقدير صلته بالمدرسة التي كانت تعنى برسم السياسة التجارية, هذه الصلة لم تكن في السؤال حول صحة نظريات التجاريين, بل في هل يجب ـ عند الضرورة ـ استخدام القوة الإقتصادية للدولة كوسيلة سياسية؟

ومن الواضح أن إجابة سميث على هذا السؤال, في “ثروة الأمم”, كانت بالإيجاب وأن القوة الإقتصادية يجب أن تُستخدم بين الوسائل السياسية التي تستخدمها الدولة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق