30‏/07‏/2014

فلسطين بين القضية وما حول القضية




عبدالخالق المرزوقي
نشر في صحيفة التقرير



منذ بداية النكبة قبل 60 عامًا، وهناك أمران متداخلان يحيطان بالقضية الفلسطينية : الأول هو القضية المركزية، أي الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية، أما الأمر

الثاني فهو محاولات السيطرة والهيمنة على القضية وباسمها من أجل مصالح أخرى

لم يكن هناك خلاف بين الشعوب العربية، حول أهمية القضية وضرورة العمل لحلها 

بكل الطرق المتاحة بما فيها العسكرية منذ النكبة إلى اليوم.

وشهدت القضية منذ بداياتها لليوم تحولات عديدة، منذ 1948 مرورًا بكل الحروب 

التي خاضها الفلسطينيون والعرب إلى حرب 1973. كان هناك خطان متوازيان 
تجاه فلسطين، وحينًا يشترك نفس النظام العربي في العمل على الخطين. كان هناك
 توحّد فلسطيني عربي صادق حول القضية في الغالب، وهناك من رفع بعض 
الشعارات كشعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، واستغلّه من أجل قمع 
بعض المجتمعات العربية. فقد سعت أنظمة وحركات وأحزاب فلسطينية وعربية وإسلامية لخطف القضية وجعل نفسها المتحدث الرسمي باسمها والمتصرف 
بأخذها للاتجاه الذى يحقّق المصلحة العقائدية أو السياسة لتلك الحركات والأنظمة.

وكان هذا منذ بداية النكبة إلى اليوم، وهذا أحد الأسباب الكبرى التي دفعت لتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية لتكون هي الجهة التي تتبنى القضية سواء على الأرض 

أو في السياسة. وهنا نتذكر الدور الكبير والعملاق للراحل ياسر عرفات، الذى مهما اختلفنا حوله، سيبقى هو القائد التاريخي للكفاح الفلسطيني. ولأنه أدرك منذ البداية 
أهمية عدم ترك القضية في يد أنظمة وحركات تتصرف بنا وبالقرار الفلسطيني وفق أهواء بعيدة كل البعد عن مصالح الشعب الفلسطيني، وخاض في سبيل ذلك معارك 
عديدة سياسية وعسكرية ضد أحزاب وأنظمة عربية من أجل استقلال القرار
 الفلسطيني، أصاب والمنظمة في بعضها ولم يصيبا في بعضها الآخر.

وفي سنواته الأخيرة، أدى ضعفه إضافة لغياب القيادات التاريخية للشعب الفلسطيني ودخول مجموعات جديدة داخل منظمة التحرير وحركة فتح خاصة بعد أوسلو إلى إضعاف هذه الاستقلالية، وهذا ما نراه تَعزّز في الوقت الحاضر؛ حيث لم يعد 

لمنظمة التحرير أو حركة فتح أي دور عملي واضح من أجل القضية.

وتصاحب هذا مع بروز الحركات الجهادية الإسلامية في الدفاع عن القضية

 ويحسب لها أنّها هي من أبقت القضية حيّة بين الفلسطينيين والعرب والمسلمين
 في العقود الأخيرة، وحاولت هي أيضًا الموازنة بين استقلالية قرارها وبين 
حاجتها للمؤازرة السياسية والعسكرية والمالية.

وكان هناك تيار فلسطيني وعربي على مستوى أصحاب الرأي سواء في السياسة 

أو الإعلام خاصة في العقود الأخيرة بعد أوسلو، يرى أنّ التفاهم مع إسرائيل أكثر 
جدوى ومنطقية من العمل العسكري. أُطلق على السياسيين من هذا التيار قوى 
الاعتدال، مقابل ما أطلق عليه قوى الممانعة والذى اتضح لاحقًا خاصة بعد 
الثورات أنّها مجرد تسميات لا وجود لها حقيقة. فالاعتدال العربي هو أقرب
للخنوع أمام الخارج والممانعة أمام الداخل، والممانعة هي كذلك ممانعة أمام 
الداخل والبحث عن صفقات مع الخارج.

ومثلما كان على مستوى السياسيين، أيضًا على مستوى المثقفين والكتّاب 

والإعلاميين. فهناك ضمن “المعتدلين العرب” فريقان بالنسبة للرؤية حول 
القضية الفلسطينية؛ فقد أدّى مؤتمر السلام في مدريد وبعده اتفاق أوسلو 
لتحولات عديدة على المستوى الفكري والسياسي تجاه إسرائيل. حيث لم تعد 
لدى العديد من العرب هي “الكيان الصهيوني”، وأصبح التفاوض معها مقبولًا
وشهدنا تقاربا سياسيا بينها وبين اغلب الدول العربية. لكنّ وجهة النظر هذه بقيت
بعيدة عن تفكير الرأي العام العربي، ومحصورة في أهل السياسة وبعض المثقفين والإعلاميين .

هذان الفريقان أحدهما صادق في رغبته في عودة الحقوق الفلسطينية ويرى أن 

وجهة نظره حول الاستمرار في التسوية السلمية هي أكثر جدوى لأسباب مقنعة 
لديه. ويشدّد هذا الفريق ويكرر الحديث حول الاستقرار والتنمية. إنّنا لم نشهد 
لا تسوية ولا سلمية ولا استقرار وتنمية. والفريق الآخر هو لا يهتم بالقضية 
أساسًا، ويتحدث عنها كجزء من برستيج عام أمام الرأي العام.

هنا لا أتحدث عن النظرة الأصوب للتعامل مع القضية، بل عن الإيمان بوجود 

عدة اتجاهات للنظر للقضية الفلسطينية وعن أسباب وجود هذه الاتجاهات .

القضية الفلسطينية والمرحلة الجديدة

اختلف تناول القضيّة الفلسطينيّة خلال الربيع العربي. في مرحلة المدّ للربيع 

العربي رأينا تفاؤلًا بوجود دعم قويّ وحقيقيّ للقضية نتيجة لزيادة دور الشعوب
 العربية في تشكيل القرار السياسي وهي بطبيعتها مؤيدة للقضية بدون تحفظ
 خاصّة أن أغلب الحكومات الناتجة عن الثورات العربية كانت من التيار الإسلامي
 وهو بينهم وبين حركة حماس حاملة لواء القضية والمتصدرة لواجهتها علاقة قوية

في المرحلة الثانية من الثورات العربية وهي مرحلة الجزر، رأينا انقلابًا كبيرًا وإن 

ظل الحديث عنه متحفظًا سياسيًّا وإعلاميًّا إلى حين بدأ العدوان الإسرائيلي الحالي 
على غزة. حيث لم نصبح أمام اتجاهات لتناول حلول للقضية كما كان سابقًا، بل 
أصبحنا أمام اتجاهين متمايزين جدًّا يشمل كلٌّ منهما أنظمةً وسياسيين ومثقفين 
وإعلاميين .

اتجاه ما زال ينظر للقضية كحق أصيل فلسطيني وعربي والوقوف معها ومع 

من يحمل لواءها. رغم أنّه قد لا يكون هناك اتفاق تامّ مع حركات المقاومة في 
سياستها، وما زال هذا الاتجاه هو الغالب .

واتجاه آخر تتراوح آراؤه بين الوقوف بالضد من الفلسطينيين أو أغلبيتهم بل 

المطالبة بالقضاء على حركات المقاومة الفلسطينية واعتبار القضية عبئًا يجب 
التخلص منه سياسيًّا وثقافيًّا، سواء بإظهار هذه الآراء بطريقة مباشرة، أو غير 
مباشرة مراعاة وخوفًا من التصريح العلني .

وجزء من هذا الرأي يظهر عداءَه للحركات الإسلامية وصراعَه المحليَّ معها 

ليحوّله إلى مكارثية وفاشيّة حتى ضدّ كلّ من انتمى للتيّار الإسلاميّ لدرجة العداء 
للحقّ الفلسطينيّ طالما أن من يحمل لواء هذا الحقّ في الفترة الحالية حركات
 إسلامية. وبين منَ يرى أنه يجب الاستمرار في التفاوض مع إسرائيل ولو 
رفضت إسرائيل وتجنُّب استثارتها وأنه يجب الاكتفاء بالتنمية والاستقرار 
و”أكل العيش”.

ولفلسطين ربّ يحميها، والدماء عزيزة وعلينا تجنب الألم. وأمام اعتداءات 

إسرائيل تكفي الشكوى لمجلس الأمن ولأمريكا لعلّ وعسى أن ننال حقوقنا 
يومًا ما. والحمد لله أنّ هذه الآراء لم تظهر خلال فترة الاستعمار والانتدابات
وإلّا لكانت أغلب دولنا العربية ما زالت مستعمرة.


http://altagreer.com/%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D9%84%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B2%D9%88%D9%82%D9%8A%E2%80%A8-%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D9%8
A/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق