13‏/11‏/2012

هيلين كيلر - لو ابصرت ثلاث ايام (7/1)



مقدمة


تعرضت هيلين كيلر آدامز وهي في الشهر الخامس من عمرها لمرض حرمها 

من بصرها وسمعها ومنعها ايضا من الكلام بيد انها بفضل العون الذى قدمته لها 
استاذتها الآنسة آن سوليفان جون ماسي استطاعت أن تتعلم النطق وهي في سن 
العاشرة وبمرور الأعوام عرفت كيف تتخلص من عالم البؤس والصمت إلى عالم السعادة والكلام، وبعد تخرجها بتفوق من كلية رادكليف سنه 1904 انصرفت 
للقراءة والتأليف وقد مكنتها شهرتها من التنقل عير كثير من يلاد الدنيا حيث لقيت الترحيب والتكريم من كل رجال الفكر وقد كان في ضمن اليلاد التي زارتها مصر
 سنه 1952بصحبة سكرتيرتها بلي طمسون

وكان كتابها ( قصة حياتي ) The Story of My Life أول ما ألفت
ولها : " The World I Live In"
و : " The Song of The Stone Wll"
و : " The Practice of Optimism"
وغيرها عشرات المقالات والكلمات التي توحي بالشكر لله على نعمة الحواس
وتدعو إلى استعمالها فيما خلقت من اجله , وإلى التأمل في مقدار ما نملكه من 

ثروة تشغلنا عنها متاعب الحياة ومشاغلها

وقد ترجم كتابها ( قصة كتابها ) إلى العربية الأستاذ أمين موسى قنديل
كما ترجم كتابها حول معلمتها الكدتور حسين فوزي النجار .

وسأقوم هنا إن شاء الله بنقل مقالة طويلة لها بعنوان ( لو ابصرت ثلاثة ايام )
ترجمها د. عبدالهادي التازي وصدرت في كتيب في 47 صفحةعن دار 

الرفاعي في الرياض عام 1990


تمهيد


كل واحد منا قرأ اساطير رائعة, عاش ابطالها لحظات معينة تطول احيانا
حتى ليخيل إلينا أنها بلغت السنة كاملة, وتقصر احيانا حتى لا تتعدى في
اعتبارنا اربعا وعشرين ساعة بيد أننا نهتم دائما بمعرفة الرغبات التي
اختارها هذا البطل أو ذاك ليقضي معها أواخر أيامه أو أواخر ساعاته.
اتحدث طبعا عن أولئك الذين لهم نوع من الإختيار وليس عن الآخرين
من الذين حكم عليهم أو من الذين ضاقت امامهم الآفاق .

إن مثل تلك الأساطير تجعلنا نفكر ماذا يجب علينا أن نفعل لو عشنا نفس
تلك الظروف ما الأشياء ؟ ما التجارب ؟ ما الأعمال التي نختار منها في
هذه الساعات الأخيرة من حياتنا ؟ ما نوع السرور الذى سننعم به ونحن
نعيش هذه الفترات ؟ وما نوع الأسى والأسف الذى سنحسه ؟

لقد فكرت في بعض الأحيان بأن افضل طريق واحسنها هي أن نعيش كل
يوم كما لو أننا سنموت غدا

وان مثل هذا الشعور منا سيقوي من قيمة الحياة ومتعتها في نظرنا, يجب
علينا أن نعيش كل يوم ونحن نقدر تمام التقدير وندرك تمام الإدراك النعم
التي تحيط بنا, والتي غالبا ما تفقد قدسيتها عندما يمر أمامنا الزمان في هذا
المشهد الدائم الذى يمضي بأيامه وشهوره واعوامه أولئك طبعا هم الذين
يعيشون دوامة ابيقور المتلخصة في " كل واشرب وامرح " بيد أن اغلب
الناس يريدون أن يعيشوا في عذاب, وهم يشعرون بحقيقة الفناء الوشيك.

إن البطل المحكوم عليه في مختلف الأساطير كثيرا ما نراه في آخر لحظة
يعرب عن طريق لإسعافه من حظ سعيد , لكن الملاحظ أننا في اغلب الأحيان
نرى احساسه بقيم الحياة كثيرا ما يتغير, انه يمسي اكثر تقديرا لمعاني الكون
واسراره الروحية الدائمة..وفي جل الحالات ترى اولئك الذين عاشوا أو يعيشون
في ظلال الموت, وعلى مقربة من شبحه هم الذين يتذوقون لذائذ الظروف
التي يحيونها .

لكن معظمنا مع كل ذلك يأخذ الحياة على أنها ممنوحة له مخولة. فنحن نفهم
أنه لا بد من يوم آت لا محالة نسلم فيه الروح, بيد أننا غالبا ما نتصور أن
هذا اليوم بعيد وبعيد جدا !!

وعندما نكون في حالة صحية جيدة فإن الموت عندئذ يمسي أمرا غير وارد
بتاتا , بل لا يخطر على بالنا إلا عابرا, وهكذا إن الأيام تتعاقب في طريق
غير ذي حد, وهكذا ايضا نسير في زحمة اشغالنا الطفيفة الزهيدة
عالمين – ولكن بصعوبة – بموقفنا إزاء هذه الحياة .

وإن هذا السبات نفسه هو الذى يهيمن علينا فيما اعتقد حتى فيما يتعلق باستعمال
حواسنا وطاقاتنا إن الأصم وحده هو الذى يقدر نعمة السمع, وإن الكفيف وحده
هو الذى يقدر ضروب السعادة التي تكمن في نعمة البصر. إن هذه الملاحظة
تنطبق عمليا على اولئك الذين فقدوا حاسة النظر أو حاسة السمع في حياتهم
المبكرة. لكن الذين لم يسبق لهم أن اشتكوا من الحرمان لم يسبق لهم أن فقدوا
بصرا أو سمعا اولئك قليلا ما يحسون بعظمة النعمة في الإستفادة من هذه الحاسة
المقدسة إن ابصار هؤلاء تقع على كثير من المناظر، كما أن اسماعهم تتلقى
مخنلف الأصوات, ولكن دون اكتراث ودون امعان , بل وبقليل من التقدير!

إنها نفس الكلمة التي تردد: لا يعرف المرء مقدار النعمة إلا عندما يسلب منها
ولا يعرف الإنسان مقدار عافيته إلا عندما يكون طريح الفراش. كثيرا ما فكرت
في أن هذاالإنسان, أي انسان لو اصيب بفقد بصره أو فقد سمعه لبضعة أيام
من بداية حياته الأولى لظل يشعر سرمدا بأريج السعادة الذى يحف به
إن الظلام سيجعله لا محالة اكثر تقديرا للنور الذى يراه صباح مساء
وأن الصمم المطبق سيعلمه دون شك متعة وقع الصوت على مسمعه .

لقد كان يلذ لي احيانا أن اسأل رفاقي الذين يبصرون لأعرف عن بعض
ما كانوا يرون وقد تقبلت في هذه الأيام زيارة صديقة من اهم صديقاتي كانت
قد رجعت منذ قليل من جولة طويلة في احدى الغابات المجاورة, سألتها ماذا
رأت؟ وماذا لاحظت؟
فكان جوابها بالحرف : " لا شيء يستحق الذكر!"

ولو أنني أنني لم اكن معتادة مثل هذا الجواب لداخلني الشك فيما سمعت
لقد اقتنعت منذ زمن بعيد أن هؤلاء الذين يبصرون لا يرون إلا قليلا
قلت في نفسي: كيف يكون من الممكن أن يتجول المرء لمدة ساعة من الزمن
بين منعطفات الغاب ولا يرى شيئا يستحق الذكر!؟

أنا التي لا استطيع أن ابصر شيئا اكتشفت مئات الأشياء التي تهيمن من
خلال اللمس العابر اشعر – وأنا ألمس – بالتناسق اللطيف الذى اجده بين
اوراق الشجر, أمر بيدي اتحسس هذا الأديم الناعم الذى يلف بعض الأشجار
الفتيه, بل حتى هذا اللحاء الأشعث الخشن الذى يكسو الصنوبر .. وفي فصل
الربيع أتلمس الغصون وفروع الشجر وكلي امل في البحث عن البراعم عن
الطلائع الأولى للطبيعة اليقظة بعد سباتها العميق في فصل الخريف
احس بالبهجة والنعومة وانا اربت على الزهور, واكتشف ما في طيات هذه
الورود من جمال هناك تظهر لي معجزة الطبيعة في احلى مظاهرها..ومن
وقت لآخر – اذا ما اسعدني الحظ – اضع يدي بلطف وتؤدة على شجرة
صغيرة لأتحسس الرعشات المنعشة التي تنبعث من طائر وهو في أوج سروره
سأكون سعيدة عندما اشعر – من خلال اصابعي المتفتحة – ببرودة المياه
المتدفقة في الجداول, بالنسبة إلي فإن فراشا ناعما من أوراق الصنوبر المتناثرة
أو مع الربيع الإسفنجي احب إلي من أروع بساط حتى لو كان فارسيا, وبالنسبة
إلي فإن مشاهدة تدرج الطبيعة من فصل إلى فصل تٌعد عندي رواية تمثيلية
أخاذة غير ذات نهاية أتنعم بها من خلال تلمس أناملي

يصرخ قلبي من اعماقه في بعض الأحيان وفي شوق متزايد ليشاهد هذه الأشياء
واذا استطعت أن احصل على متعة مثل هذه بمجرد لمس عابر فأي جمال
وأي بهاء أشعر به وانا ارى ذلك رؤيا عين إن أولئك الذين يتوفرون على عيون
لا يبصرون فعلا كما يجب, إن المنظر الشامل لمختلف الألوان ومختلف الحركات
التي يزدان بها هذا الكون, كل ذلك يلاحظه معظم الناس دون ادني تفكير
قد يكون من الإنسانية أن نقدر قليلا الأشياء التي تحت تصرفنا وأن نتوق إلى
الأشياء التي ليست في متناولنا بيد أنه مما يدعوا إلى الإشفاق الكبير في عالم
النور ان نلاحظ أن حاسة البصر تعد لدينا أداة زهيدة فقط قبل أن تٌعد وسيلة
تضيف على الحياة الكمال والجمال .

لو كنت رئيسة جامعة لكان علي أن أفرض مادة اجبارية حول موضوع :
( كيف تستفيد من عيونك ؟ ) يكون على الإستاذ في هذه المادة أن يحاول
افهام طلبته الوسائل التي تمكنهم من أن يضاعفوا المتع التي تزدان بها حياتهم
عن طريق الرؤية الحقيقية للأشياء التي تمر امامهم , أن يعيروها ادنى اهتمام
نعم يكون عليه أن يحاول ايقاظ طاقة طلابه وبعثها من نومها وفتورها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق